الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يقول إذا ركب دابة أو سيارة
عن علي بن ربيعة قال: شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أُتي بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الرّكاب قال بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال:
(الحمد لله) ثم قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون) ثم قال: الحمد لله ثلاث مرات ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك، فقيل: يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فعل مثل ما فعلت ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت؟ قال: إن ربك سبحانه يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري.
…
حديث حسن
شاب ثريّ .... يلبس ثياباً فاخرة ويركب سيارة فارهة طويلة الجانب سوداء اللون
…
لامعة الأطراف إذا رأيتها أحببتها وإن مرت بجانبك
هِبتها.
فكيف تحسب قيادته لتلك الفارهة؟ رقيقة أنيقة فيها ذوق وأخلاق؟ إنها ستكون كذلك لو كان ممن يقتدي بسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ويذكر أذكاره الشريفة، فليست المشكلة في ركوب سيارة فاخرة أو تكون ممن أعطاهم الله من نعمه فشكر وأدى حقها، إن المشكلة أن تُنسيك النعمة المنعم فتتكبر في الأرض وتنظر إلى الناس من برج عاجي.
كيف ولماذا يمكن أن يتكبّر الإنسان أو يُصيبه العُجب وينسى المنعم؟
قد يُعجب الإنسان بأي شيء يقوم به لظنه أن ذلك بقدرته وبقوته وبسببه، أو لأنه أهلٌ لنعمة الله ولجريان النِّعم عليه. وكلاهما خطأ وجهل بجود الله وكرمه على عباده. فموجد النعمة هو الله وإنما هي عاريةٌ بيدنا إن شاء استردها متى أراد، فما نحن سوى مستخدمين لنعمه، ممتحنين بما نصنع بها، فإن وفقنا الله للخير أفلحنا، وإن استعملناها في غير ما يريد معطيها وصاحبها هلكنا. وإن فرحنا أننا محل عطاء الله ومجرى لنعمائه، فليس لأننا نستحق ذلك بسبب طاعتنا وعبادتنا له جل جلاله. فهدايته هي محض أفضاله وكرمه، فهو الهادي والموفق والمسدد للخطى، وهو صاحب النعمة ومجريها على عباده
تكرّماً وتفضلاً، فمهما تقرّب العبد من ربه عز وجل بالطاعات فلن يوفيه حقه من الشكر.
كما إن إمساك نعمه عن عباده أو إرسالها هي نعمة أخرى من نعم الله عز وجل وفضله. فهو الحكيم جل جلاله الذي يمسك النعمة عن عبده لأنه يعلم أن في إمساكها عنه خير له في دينه وآخرته. ويرسل سبحانه وتعالى وهو العليم الخبير إن كان في إرسال النعمة خيرٌ للعبد في دينه وآخرته. فهو الولي الحميد الذي يرعى مصلحة عبده، فيحميه من بعض أمور الدنيا التي قد تؤثر على آخرته .. سبحانه إنه اللطيف الخبير.
وإن الإنسان رغم معرفته بتلك الحقيقة أحياناً إلا أنها قد تخفى عليه وتبعده عن مقام الرضا بقضاء الله، وذلك لضيق المنع وقساوته على النفس، وعدم قدرة الإنسان على معرفة الحكمة ورؤية العبرة .. وكل ذلك لحكمة يريدها الله من امتحانٍ للعبد في الرضا والتسليم. ومفتاح النجاح في ذلك كله يكمن في هذا الدعاء الذي يردّ المسلم إلى معاني قدرة الله وملكية الله للأشياء وتسخيرها بقدرته وفضله لذلك الإنسان. فإن تذكر ذلك الإنسان عند ترديده لهذا الدعاء هذه المعاني الجليلة، نجا وأفلح.
فالله هو المجري (مايفتح اللهُ للناس من رحمةٍ فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم)(1).
وتأتي كلمة (سخّر) لتبث رسالة قوية للإنسان أن أدوات الركوب حيواناً كانت أم آلة مسخرة له، لا بقوته وبراعته، وليس هو مسخرها، بل سُخرت له من قبل الله عز وجل. فلو لم يعط الله الإنسان عقلاً هل كان بمقدوره أن يُسخّر الحديد ويكتشف القوانين الميكانيكية ليبدع مثل هذه السيارة؟
(وما كنا له بمقرنين) جاءت لتثبّت حقيقة التبرؤ من حول الإنسان وقوته وتعيد سطوع حقيقة المنعم والمالك والمتصرف الحقيقي بالأشياء. حتى إذا كانت تحت تصرف من سُخرت لأجله لم يستخدمها بسوء أو يركبها بغرور وزهو. بل سيحمد الخالق المسخِّر والمتفضل.
ثم من كانت نهايته إلى الله ولا يعلم متى سيستدعيه ربه هل ينطلق في الشوارع يرعب هذا بروعنة قيادته أو يذعر ذاك بتكبره وغطرسته؟ لا إنه سيكون مثل عباد الرحمن الذين يمشون في الأرض
(1) سورة فاطر: 2.
هوناً، أي بشكل لطيف لا يزعج الآخرين ولا يريد علواً في الأرض ولا فساداً .. فلا يركب سيارته تفاخراً أو ليكون محطاً للأنظار أو تباهياً أمام الأصحاب
…
إنها مسخرة لقضاء الحاجات وخلافة الله في الأرض
…
فلا بد من حمد الله على هذه النعمة ولا بد من التذكر أن الله أكبر مهما علا سلطانك أو ارتفعت منزلتك الاجتماعية، فإن غدا التفاخر في ثمن السيارة مباراة وسجالاً بين الأقارب والخلان فتذكر الله أعلى وأكبر، وتذكر أن هدف الدابة أو آلة الركوب تسهيل إنجاز الأعمال وإعمار الكون بطاعته وخلافته في أرضه وليس العلو والافتخار.
وإن عجب ربنا جل وعلا من عبده حين يستغفره وهو يعلم أنه لايغفر الذنوب غيره، فإني أعجب من العبد الذي زوّده ربه ومولاه بكل هذه الأذكار في كل موقف كي لايغفل عنه فتطاله يد الشيطان، ثم يضيّع هذه المفاتيح الثمينة التي تفتح له أبواب الخير وتسدّ عنه أبواب الشر، أو يصرّ على التغاضي عنها والولوج في مستنقع الشر ومهالك النفس.