المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما يقول إذا خرج من بيته - نسيمات من عبق الروضة

[أمل طعمة]

الفصل: ‌ما يقول إذا خرج من بيته

‌ما يقول إذا خرج من بيته

عن أم سلمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال:

بسم الله توكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أَضِلَّ أو أُضَلّ أو أَزِل أو أُزَل أو أَظلِم أو أُظلَم أو أجهل أو يُجَهل علي. حديث صحيح

وروي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال يعني إذا خرج من بيته:

(بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله)، يُقال له هُديت وكُفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان. حديث حسن

إشراقة جديدة وحصن جديد للمسلم وهو يغادر بيته منطلقاً إلى أعمال الدنيا التي قد يرى فيها مايحرّضه على طاعة الله وما قد يفتنه، لذا لا بد وأن يزوده رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصنٍ وحرزٍ أمين ومعانٍ رحمانية تكون له ردءاً وأمناً يبدأ (بسم الله)

إنه يدخل قلعة حصينة يحميها ملك عظيم قوي قادر ومن دخل في قلعة هذا العظيم عُصم من كل

ص: 37

الشرور ومن توكل على الله فهو حسبه .. أي كافيه لا أحد يقدر عليه ما دام هو في حصنه

وكيف يكون في حصنه؟ عندما يكون في طاعة الله، ذاكراً لله. ومتى يخرج من هذا الحصن المكين؟ عندما يعصي أوامر الملك القدوس، فإن الشيطان يفرّ من بني آدم ما دام ذاكراً لله فإن غفل عنه التقم قلبه ووسوس له.

عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَىْ قَلْبِ اِبْنِ آدَمَ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِذَا نَسِيَ اِلْتَقَمَ قَلْبَهُ فَذَلِكَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ)(1)

وإن من معاني التوكل التبرؤ من حول الإنسان وقدرته والابتعاد عن الغرور بالقوة أو السلطة أو القدرة سواءً أكانت قدرة عقلية أم جسمية أو اجتماعية ولا يخفى على كل ذي لبّ أن الاغترار بالنفس مصدر كل شر.

لماذا يحتاج الإنسان هذا التذكير عند الخروج من المنزل؟ لأن في خروجه من المنزل تعامل مع الناس واحتكاك بهم .... فإن ابتعد عن الاغترار بنفسه كان لهم ناصحاً ورحيماً، أما إن غفل عن ذلك

(1) المطالب العلية لابن حجر العسقلاني الحديث:3446.

ص: 38

وأصابه العجب فإنه سينظر إلى الناس من علو

وإن الصور التالية التي يمكن تخيلها من سلوك قد يسلكه هذا المغتر لتدور في ذهن كل إنسان صادف في حياته الكثير منها. وما يتلوها من شواهد تكسر القلوب وتوقع البغضاء والشحناء وربما العداء.

فالتوكل على الله

فيه إعلان تصريحي بردّ القوة والسلطة إلى مالكها الحقيقي وعدم الانخداع بقوة لا تملك لنفسها دفعاً ولا قوة إذا قال المالك الحقيقي كن فيكون

إنها قوة تستمد قوتها من خالقها ولا تملكها بذاتها. ولو تذكر الإنسان هذه الحقيقة في تعامله مع أنداده ومن إخوته الأصغر سناً لما تجبر وأرعد وأوعد ولسار معهم من غير ضعف، سير من تخلّق بأخلاق مولاه فرحمهم وأكرمهم وتجاوز عن هفواتهم من غير تضييع للحقوق والواجبات. ولعل التحام هذه المعاني في عقل وقلب ذاكر هذا الدعاء كفيل بأن يبتعد عنه الشيطان فقد اعتصم بعظيم وردّ القوة إلى بارئها.

أما الدعاء الأول (اللهم إني أعوذ بك من أن أَضل أو أُضل ..... ) فهو صورة واقعية لما يحتويه الواقع من أمور متشابهات وامتحانات في كل لحظة .... تختبر تقواه .... ثباته على المبدأ

إيمانه

إحسانه

ص: 39

كلٌّ حسب مرحلته الإيمانية ووفق مقياس عمره وبما يتلاءم مع تجاربه الإيمانية، لكننا جميعاً ممتحنون ومعرضون للزلل، وإن تَذكُّر ذلك يوقظ النفس النائمة وينبه الأعصاب الباردة إلى المعركة التي سيُقبل عليها عند خروجه

ففي كل نظرة يرد خاطر، إما خاطراً رحمانياً أو شيطانياً، والمعصوم من عصمه الله بأن ردد هذا الذكر بقلب يقظ ودخل إلى حصن الحصين عند ملك لا يغفل.

إن معاني (أو أَزل أو أُزل أو أَظلم أو أُظلم أو أَجهل أو يُجهل علي) لترسم سلوكاً وتحدد معالماً لصور سلوكيات من دعا هذا الدعاء المحمدي. صورة لا يمكن لذاكرها أن يظلم شخصاً أو يفتري عليه أو يضيق الطريق عليه أو يصرخ في وجهه عند قيادته للسيارة واستعجاله في الوصول لموعد ما ولا يسب أو يشتم ذلك ولا يغتب أحداً، فهذا كله ظلم والظلم ظلمات يوم القيامة، وكل تلك السلوكيات قد تفضي إلى إفلاسه:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَاتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا

ص: 40

وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ. (1)

أدب نبوي رفيع لا يُلهَمه إلا كل ذي ذوق رفيع تذوق هذه المعاني وعاش في أجوائها وتنفس صفاءها وما عادت نفسه تطيق ذاك الانحدار الأدبي في التعامل مع الناس.

إن الدين هو التعامل إذ إن ترداد الأذكار يجب أن يبرمج فكراً ينجم عنه سلوك واضح معبّر عن هذا الفكر والمبدأ والعقيدة. وكأن الحال السليم الذي يجب أن يكون عليه المسلم وهو يخرج من منزله أن يستشعر عجزه ويلوذ بخالقه ليعصمه من الزلل، هذا هو حال القلب السليم عند خروجه إلى الجهاد الأكبر وتعامله مع العباد.

إنه فعلاً زاد صغير يحمل معاني جليلة لكل ذي لبّ وكأنه يستنجد باسم (الهادي) لتكون الهداية عنواناً لبداية يومه.

(1) صحيح مسلم. ج12. ص 459

ص: 41