المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما يقول من مات له ميت - نسيمات من عبق الروضة

[أمل طعمة]

الفصل: ‌ما يقول من مات له ميت

‌ما يقول من مات له ميت

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا آجر الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها، قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله تعالى لي خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (صحيح مسلم)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفِّيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة.

نحن الآن مع صورة جديدة فيها من الشدة والجزع والبكاء والألم، فقدان الأحبة من أصعب شدائد الدنيا، فما حال المسلم في ذاك الموقف العصيب؟

انهيار عصبي؟ أم صراخ وعويل؟ أم إعراض عن متابعة الحياة؟

ص: 81

إن ترداد (إنا لله وإنا إليه راجعون) تذكّره بحقيقة يعرفها جيداً لكنه الآن في أمسّ الحاجة إليها، البداية من الله والنهاية إليه، فنحن ملك لله، عارية يستردها متى شاء.

هبّ أنك استعرت من جارك شيئاً لمدة طويلة ثم جاء يطلبه، ألك حقٌّ أن تصرخ في وجهه وتمنعه من أخذها؟ وهل من اللائق أن تبكي وتنزعج لفقدانك لها وهي ليست لك؟ إنك إن فعلت أياً من ذلك فسيحكم عليك من يراك إما بنقص في عقلك أو لؤم في طبعك.

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ رَسُوْلُ إِحْدَىْ بَنَاتِهِ، يَدْعُوْهُ إِلِىْ اِبْنِهَا فِيْ الْمَوْتِ، فَقَالَ النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم:

" اِرْجِعْ إِلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَىْ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّىً، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ"(1)

إن تذكّر هذه الحقيقة على بداهتها ومعرفة كل إنسان لها لازمة في هذا الموضع لأنها تُعيد العقل إلى رشده أمام هول المُصاب، أما الدعاء (اللهم أجرني في مصيبتي ..... ) ففيه من ملاطفة النفس وتمنيتها بالخير ما يفتح باب المؤانسة، ويخفف من عبء وثقل المصيبة فحال

(1) صحيح البخاري حديث: 1237.

ص: 82

من وقعت مصيبة الموت على أحد من أحبابه هو حال الرضا والتسليم لأمر الله، ولا يعين على ذلك إلا تذكّر هذه الحقيقة، ثم إن الجزاء على الرضا والحمد والتسليم كفيل بتهدئة النفس رجاء المثوبة (الجنة) وكل هذا وذاك هي أدوية مطيبة ومهدئة للنفس من عند طبيب القلوب وخالقها

وما أظن أن دواءً من صنع بشر يمكنه أن يمسح عناء المصيبة إلا دواء بارئ النفس وخالقها فهو العليم الخبير، الرحيم الودود، الكريم القدير جل جلاله.

ولمزيد من رحمة الله بعباده عند نزول البلاء أنه حثّ الناس بتعزية بعضهم بعضاً، فعن عمرو بن حزم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّيْ أَخَاهُ بِمُصِيْبَةٍ، إِلا كَسَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "(1).

ومما يروى في لطيف التعزية والتخفيف عن المصاب، عن الحسن البصري رحمه الله، أن رجلاً جزع على ولده وشكا ذلك إليه فقال الحسن: كان ابنك يغيب عنك؟ قال: نعم كانت غيبته أكثر من حضوره، قال: فاتركه غائباً، فإنه لم يغب عنك غيبة الأجر لك فيها

(1) سنن ابن ماجة حديث: 1596.

ص: 83

أعظم من هذه. فقال: يا أبا سعيد هوّنت عني وجدي على ابني. (1)

وعَنْ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: اِشْتَكَىْ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَىْ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُوْدُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بنِ أَبِيْ وَقَّاصَ وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِيْ غَشِيَّةٍ فَقَالَ: أَقَدْ قَضَىْ؟ قَالُوْا: لا يَا رَسُوْلَ اللهِ، فَبَكَىْ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَأَىْ الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَكُوْا، فَقَالَ: أَلا تَسْمَعُوْنَ إِنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وِلا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا- وَأَشَارَ إِلَىْ لِسَانِهِ -أَوْ يَرْحَمُ. (2)

وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف: وَأَنْتَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ فَقَالَ: يَا بنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَىْ فَقَالَ: إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ

يحْزَنُ، وَلا نَقُوْلُ إِلا مَا يُرْضِيْ رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيْمُ لَمَحْزُونُوْنَ. (3)

(1) كتاب "الأذكار النووية ". ص 129

(2)

صحيح مسلم حديث: 1583

(3)

صحيح بخاري حديث: 1254

ص: 84