الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يقول إذا صعب عليه أمر
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً))
أرأيت طالباً في امتحان وقد نسي معلومات كان يحفظها وبينما هو في غمٍ وهمّ ينظر حوله .... يحس بضيق شديد، تتنازعه رغبتان ويصارع أمرين ضدين فيما بينهما يتلفت حوله فيرى من ينظر إلى ورقة زميله فتنفرج أساريره ويُقبل على ورقته ليكتب ما فازت به عيناه من أحرف طائشة وكلمات مبعثرة.
ثم ينظر إلى آخر فيجد عينيه تنظران نحو السماء ويتمتم بكلمات ثم ما هي إلا دقائق حتى ينشرح صدره وتسطر يده ما أعانه الله عليه في تذكّر ما نسيه .... تُرى أيّ سلوك يقوم به؟
إنه لا يقوى أن يقوم بهما معاً
…
وإن استطاع ذلك فلن تأتي المعونة الإلهية لأنه ببساطة يكون قد سقط في امتحان الله فقد خرج من
(منا) خرج من صفات المسلمين (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا)(1) وكيف ستهبط رحمات الله على من خان الله بعينه وظن أن لن يراه؟
ثم ما وزن امتحان دنيوي أمام خسران الآخرة وفقد صفة (الأمانة) وكتابة اسمه في الخائنين؟
سبحانه (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)(2)
أين عقل من وثق بعقل شخص لا يعلم إن كان في علمه صواباً! ولم يثق بالعليم الكريم القادر على تذكيره بما نسيه وإلهامه كتابة ما يُنجيه! أم كيف خان من بيده القلوب والملكوت ومن بيده السعادة والشقاء، من بيده الأمر كله؟
" يَا غُلامُ إِنِّيْ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، اِحْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، اِحْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاِسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اِسْتَعَنْتَ فَاِسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاِعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اِجْتَمَعَتْ عَلَىْ أَنْ يَنْفَعُوْكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوْكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اِجْتَمَعُوْا عَلَىْ أَنْ يَضُرُّوْكَ بِشَيْءٍ لَمْ
(1) صحيح مسلم. كتاب الإيمان.
(2)
سورة غافر: 19.
يَضُرُّوْكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ) (1).
وما هي الفتوى التي أفتاها إمام الأبالسة وشيخ الشياطين في جواز الغش في الامتحان بحجة قيام الكثيرين به؟
أما من كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم إمامه وهداه فهو في حرز وحصن حصين وحاله حال العبودية والافتقار إلى الله والبراء من حوله وقوته .. من ذاكرته
…
من ذكائه
…
هذا الحال هو الحال السليم لهذا الموقف وهو الحال الذي يحصنه من الضعف أمام خيانة من حوله
…
فالله هو القادر، فإن شاء الله أن يُنجحه فسيُذكّره بما يحقق نجاحه إن كان في نجاحه خير، أما إن كان في رسوبه خير قد لا يُدركه الآن فقد يُنسيه .... إنه قدر الله الحكيم العليم يعلم ما يصلح للعبد فييسره له.
أما إن اختار فتوى شيخ الأبالسة فإن قُدّر له الرسوب فسينقل من ورقة زميله الجواب الخاطئ
…
فقدر الله مكتوب له، نجاح أو رسوب في هذه المادة، لكنه قد يفوز بالنجاح بطرق الحلال أو الحرام.
وعند قدر الله يستسلم الإنسان ولا يملك من أمره شيئاً ولكن الواضح
(1) سنن الترمذي. حديث: 2500. ومسند الإمام أحمد: حديث: 2572
البيّن أنه لم يكن امتحاناً في مادة كذا بل امتحان في تقوى الله والأمانة، فإما أن يرسب أو ينجح فيه، وصمام الأمان والحصن الحصين دعاء سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
ولا يقتصر هذا الدعاء للطالب إلا أن تكرار مشهد الضعفاء في هذه الحياة الذين يكررون الخيانة مادة تلو المادة جعلت من هذا الدعاء رابطاً لذلك الواقع المعاش بكل أسف.
وهناك صور عديدة نجاتها هذا الدعاء، فصورة إنسان مجتهد قد أعياه الذهاب من دائرة حكومية إلى أخرى، وكلما مرّ الوقت ازداد وزن الأوراق التي يحملها من غير جدوى، حتى إذا أحس بالإحباط مال شخص إلى أذنه وهمس فيها:" أأنت غشيم! ضع قليلاً من الدراهم! فالدراهم مراهم". فإن تذكر هذا الإنسان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً ". عندئذٍ يحسم قراره ويتوكل على ربّ العباد ويرفض أن يكون من زمرة الراشي. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي". (1)
صلى الله عليك يا نبي الرحمة .. ففي دعائك جواب كل مسألة،
(1) مسند الإمام أحمد بن حنبل: 6809. حديث مرفوع وإسناده حسن
ومفتاح للأبواب المغلقة.
وصدق الله العظيم (والعاقبة للمتقين)
…
(1)
وفي اللغة الحَزْنُ المكانُ الغليظ وهو الخَشِنُ والحُزونةُ الخُشونة (2). فيأتي الحزن عكس السهل. فكل أمر صعب على النفس، غليظ الوقع، إنما يسهله مالك الأمر القادر على كل شيء، الذي أمره كن فيكون.
(1) سورة الأعراف: 128
(2)
لسان العرب. ح 13. 111