الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يقول إذا أوى إلى فراشه وإذا استيقظ من نومه
عن حذيفة بن اليمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال:
((باسمك اللهم أحيا وأموت))
وإذا استيقظ قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)) (1)
(باسمك اللهم) منتهى الخضوع والاستسلام والبرء من حول الإنسان وقوته .. إنها ردّ النّعم إلى المنعم
…
ورؤية الحق عن رؤية النفس.
(أحيا وأموت) تمثل تذكّر الآخرة وقصر الحياة الدنيا وقرب الأجل.
صور عديدة تجول في النفس، لو تفكر الإنسان عندما يذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضع رأسه على وسادته كل يوم لغيّر كثيراً من سلوكه وربما اتخذ قرارات مغايرة لليوم الثاني.
(1) جميع الأذكار الواردة في هذا الكتاب من كتاب " الأذكار النووية " للإمام محيي الدين النووي الدمشقي. تحقيق عبد القادر الأرناؤوط.
صور تقفز إلى المخيلة .... الحساب قريب والأجل يدنو ولا يملك الإنسان حياته أو مماته.
إذن ما فائدة المشاحنة مع فلان اليوم؟ وما ضرورة قطع الصلة بآخر؟ ولماذا أقترف ذنباً إذا كنت لا أعلم أسيشرق فجر جديد علي أم لا؟
بهذا الحال يستحيل على أي إنسان بعد ذلك أن يفكر بخاطر سوء أو يبات على غير طاعة .... لابد أن لسانه سيلهج ببعض السور والمعوذات، وستجول بقلبه أفكار رحمانية تسأل الله الغفران والقبول.
بهذا الدعاء الذي لا يجاوز الأربع كلمات يرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحال الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم في هذا الوقت .. عندما يستعد للنوم.
دعاء صغير لكنه يحمل معانيَ جليلة وتطالب المسلم بأحوال معينة .... كل يوم .... الدعاء نفسه .... وكأنه نوع من البرمجة للنفس الإنسانية حتى يصبح تذكّر الموت وقصر الأجل حالاً حاضراً، فيكون المسلم قد بلغ ((عرفت فالزم)). ألم يصل سيدنا معاذ إلى هذه الحالة عندما سأله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت يامعاذ؟ فكان جواب سيدنا معاذ: مؤمناً حقاً، فكان الدليل على صدق المقام الذي وصل
إليه أحوال الإحساس بالآخرة وقرب الأجل (ما أصبحت إلا ظننت أني لا أمسي وما أمسيت إلا ظننت أني لا أصبح) فما كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن صدّق قوله وحاله، وأنهما مؤشران صادقان أنه مؤمن. (عرفت فالزم) فالزم أي هكذا ليكن ديدنك
…
استمر على هذا الحال.
عن أنس بن مالك، أن معاذ بن جبل، رضي الله تعالى عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا مُعَاذُ؟ "قال: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنَاً بِاللهِ تَعَالَىْ، قال:"إِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ مِصْدَاقَاً، وَلِكُلِّ حَقٍّ حَقِيْقَةً، فَمَا مِصْدَاقُ مَا تَقُوْلُ؟ " قال: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَا أَصْبَحْتُ صَبَاحَاً قَطُّ إِلا ظَنَنْتُ أَنِّيْ لا أُمْسِيْ، وَمَا أَمْسَيْتُ مَسَاءً قَطُّ إِلا ظَنَنْتُ أَنِّيْ لا أُصْبِحُ، وَلا خَطَوْتُ خُطْوَةً إِلا ظَنَنْتُ أَنِّيْ لا أُتْبِعُهَا أُخْرَىْ، وَكَأَنِّيْ أَنْظُرُ إِلَىْ كَلِّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٍ تُدْعَىْ إِلَىْ كِتَابِهَا مَعَهَا نَبِيُّهَا وَأَوْثَانُهَا الَّتِيْ كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُوْنِ اللهِ، وَكَأَنِّيْ أَنْظُرُ إِلَىْ عُقُوْبَةِ أَهْلِ النَّارِ وَثَوَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قال:" عَرَفْتَ فَالْزَمْ". (1)
(1) حلية الأولياء حديث: 853
إنّ الرسول العظيم والمربي الكبير يعلمنا ويأخذ بأيدينا ففي كل أمر نقوم به يعلّمنا ذكراً أو دعاءً، هذا الدعاء هو صمام أمان لنا إن قمنا بذكره منفعلين به متذكرين لمعانيه، وإن استمرار هذا التفكّر والتذكر لا بد أنه سيؤثر يوماً ما حتى يصبح هذا الدعاء حالاً، واستمرار هذا الحال سيورثنا مقاماً
…
مقام المؤمن، وإن استمرار ذلك المقام سينقلنا إلى مقام الإحسان، فمن غدا عنده ذكر الله في كل لحظة حالاً دائماً لابد وأن يلحظ المنعم في كل لمحة محيطاً به، ناظراً إليه.
(وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير)(1)
فيستحق بذلك مرتبة الإحسان (أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)(2).
كلمات أربع سحرية
…
السر فيها تذوق عباراتها
…
ثم الاستمرار عليها كل يوم، هذه الكلمات الأربع ستحلّق بك في عالم الروح بعيداً عن ثقل الجسد، إنها منافذ السماء للأرض ومدارج الروح لبارئها لو تمسك بها المسلم لتغيّر وجه الأرض.
(1) سورة الحديد: 4
(2)
بخاري الحديث: 50.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِيْ عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِيْ فَلَهُ أَجْرُ مَائةِ شَهِيْدٍ "(1).
ولأجل ذلك كان كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هما النهجين اللذين يجب على المسلم عدم الحياد عنهما وإن تمسك بهما أفلح وإن تركهما تنكب عن الطريق.
أما دعاء الاستيقاظ (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور).
فالابتداء بالحمد
…
ما السبب؟
إن تكرار عملية النوم والاستيقاظ تجعلنا معتادين عليهما، وهذا ينسينا الحقيقة التي لا نشعر بها رغم صحتها، هذه الحقيقة أن الروح ترتفع وتقبض عند النوم وعندما نستيقظ تكون قد عادت إلينا.
إن تذكّر هذه الحقيقة صباح كل يوم جديد تبعث في النفس إحساساً له صلة بدعاء النوم
…
له علاقة (ما أمسيت إلا ظننت أني لا أصبح) إنه الحال نفسه الذي على المسلم أن يستشعره كل يوم ويتذكره كل
(1) الزهد الكبير للبيهقي حديث: 215
مساء، وهو يبعث في النفس القوة والشعور بالأمان لأن الذي يحيي ويميت هو الله فليس بمقدور أحد أن يُنهي حياة أحد إلا إذا كتب الله وشاءت قدرته العلية ذلك.
هذه القوة قد يحتاجها المسلم عندما يبدأ صباحه بغيب لا يعلمه، إنه يحتاج ذلك الشعور ليبدأ يومه الجديد مستظلاً برب السموات والأرض ومستمداً منه قوته.
(وإليه النشور)
…
يوم الحساب
…
وما أشد حاجة المسلم وهو يمارس حياته اليومية ويلاقي أذى من هذا أو كذباً من ذاك أن يتذكر أن العودة إلى الله .. والمآل إليه
…
وأن اليوم عمل بلا حساب وغداً حساب بلا عمل، فتتهذب أخلاقه ويلتزم الصدق والوفاء بالوعد لأن الحساب قريب والديّان لا يموت، حتى إذا ضعفت نفسه أحياناً وعاد إلى بيته وأرسل رأسه نحو فراشه، وأخذ يتلو دعاء النوم تذكّر الحساب والآخرة، فمرّ شريط حياته اليومي، فتذكّر ذنبه، فاستغفر وعزم على إصلاحه في اليوم الثاني.
إن من كان هذا حاله فلا بد أنه يوماً بعد يوم سيتخلص من عيوب كثيرة وستزدان شخصيته بأخلاق رفيعة وستسمو روحه إلى المستوى
الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم على من بدأ بالحمد وتذكّر البعث وأتم يومه بذكر الموت والحياة وذكر المنعم الخالق.
إنه حال الخوف من يوم الحساب، يتقلّب فيه العبد في أول يومه وآخره حتى يكون حال الخوف محرّضاً للأعمال الصالحة، حاجزاً عن الخواطر الشيطانية، ومسرّعاً لخطوات السير إلى الله.
وصدق الله العظيم (كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين)(1).
جوامع الكلم هي فعلاً أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم معانٍ كثيرة وأحوال رفيعة في كلمات معدودات، لو أبصرها العاقل لسعد ولو استمر عليها لملك الدنيا والآخرة.
(1) سورة الأنبياء: 90