الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
من رأى منكم مُبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، لم يصبه ذلك البلاء.
وقال العلماء: وينبغي أن يقول هذا الذكر سراً بحيث يُسمع نفسه ولا يُسمع المبتلى لئلا يتألم قلبه بذلك.
يُقال إن الذنب شؤم على غير صاحبه، إن عيّره ابتلي به، وإن اغتابه أثم، وإن رضي به شاركه.
نحن مع موقف ابتلاء لشخص، ابتلاء مرض أو ذنب أو تقصير .. والسؤال ما حال من يرى هذا الشخص؟ وكيف يمكن تفادي تبادل المواقع بين المبتلى والشخص الذي يراه؟
لقد تفشت في مجتمعاتنا بكل أسف أمراض اجتماعية خطيرة مثل الغيبة والنميمة ولغو الحديث والشماتة بالآخرين، وغدت الرحمة عصيّاً وجودها، نادراً رؤيتها. فهذا ينقد ويغتب ثم لا يلبث أن يقوم
بمثل صنيعته! لماذا؟ لسبب بسيط أنه عاب على أخيه المسلم فابتلاه الله بالعيب ذاته! لماذا؟ كي يتعظ ولا يعود لمثل فعلته من نقد وتجريح وفضيحة أو مذمة.
صورٌ كثيرة تمر في خاطرنا لأنها مشاهد متكررة في الواقع. مئات المواقف تدمع لها العيون وتأنف النفس من معاينتها، وكأن الرحمة قد نُزعت من قلوب العباد. وغدا كل شخص يتحيّن الفرص لتتبع عورات الناس والتلذذ بنشرها أمام العباد، وكأنه حكيم زمانه، الكامل صفاته.
لقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحال الواجب التلّبس به عند مشاهدة ابتلاء بمرض أو ذنب .. إنه حال الإحساس بالافتقار إلى الله والخوف من أن يمَسَّك هذا البلاء .. إنه شعور الفضل لله أن عافاك .. إنه الحمد والثناء على الله. فعافيتك ليست جزءاً من جميل خصالك أو حسن أخلاقك أو بقدرتك. إنه فضل من الله وحسب. ولو شاء الله لكنت مكان هذا المبتلى. إنه شعور الخوف من أن يصيبك ما أصابه، والجزع إلى الله مع الحمد والامتنان لمنته وفضله في العافية. ومن ثمّ فإن من يعلم ذلك ويستشعره لا يمكن أن تنقدح في نفسه شماتة أو يلجأ لنشر هذا
البلاء، ولن يلوك في سيرة هذا المبتلى ويجتّر أمام الناس مصيبته، وينصّب نفسه أستاذاً فطناً، فهو لو كان مكانه لما قام بكذا وكذا .. إنه لن يجرؤ على فعل ذلك. بل سيلتزم الأدب النبوي الرفيع والحال الصحيح معه، وبالتالي سيحميه الله ويجنبه الوقوع في هذا الذنب أو التقصير أو البلاء.
ما أحوج مجتمعاتنا اليوم لهذا الأدب النبوي الأصيل .. رفيع الذوق. عظيم الخير. إذ لو التزم به العباد لخلص المجتمع من 99% من آفاته ومنازعاته وعسارته.
وفي اللغة يُقال: بَلَوْتُهُ بَلْواً: جَرَّبْتُهُ واختبرته والبَلاءُ: الاختبارُ؛ ويكون بالخير والشر. (1)
فالابتلاء يحمل بهذا المعنى الاختبار، ونتيجة الاختبار قد تكون نجاحاً يُحمد لفاعله، وتُرفع بها منزلته، فيكون البلاء بذلك رفعة وعلواً لصاحب الابتلاء، وذلاً وصغاراً لمن عاب عليه.
(1) الصحاح في اللغة. ج1. 54
وقد يكون الابتلاء بالسراء والضراء. أما الابتلاء بالضراء فهذا الذي يوجب لرائيه الحمد أن عُوفي منه. وأما الابتلاء بالسراء فهذا يخفى على كثير من الناس، إذ جاء على هيئة نعمة وسرور، لكنه قد يحمل في طيه امتحان للدين أو ثبات على مبدأ، وهو امتحان قد يكون أصعب من سابقه، لأن الممتحن قد لا يشعر أنه في امتحان، فلا يأخذ أهبة الاستعداد، وقد تلهيه المسرات عن حمد الله والثناء عليه والقيام بحق الشكر والامتنان. فيأتي هذا الدعاء الجليل تذكرةً للغافل وشحذاً لهمة الذاكر في الإمعان بالحمد والاجتهاد بالشكر.
وإنّ من صفات الله " الغفار " فهو يغفر الذنب ويستره ويُنسي العبد ذنبه مادام قد تاب توبة نصوحاً. وإن من حظ العبد من اسم الله "الغفار" أن يستر عيوب إخوانه، فيُبرز الفعال الحسنة ويستر القبيحة، وينصح أخاه في السرّ ولا يفضحه أمام الخلق.
إنّ المؤمن عبدٌ تخلّق بأخلاق مولاه، وكلما ازدادت صلة العبد بربه اكتسب من صفات مولاه، ورحم العباد كما يرحم رب العباد عباده، فلن يتصيّد الأخطاء والعيوب من أخلاق المؤمنين.
يُروى أن سيدنا عيسى عليه السلام مرّ بجيفة كلب، فقال الحواريون:
ما أنتن ريحها! فقال عليه السلام: بل قولوا ما أشدّ بياض أسنانها!
إنها رؤية الإيجابيات والسلبيات معاً. ولن يكون الإنسان ناجحاً في أسرته أو عمله ومع زملائه وأقاربه إذا كان لا يجيد معرفة إيجابياتهم وسلبياتهم، وتطوير الإيجابيات وتثمينها، لتقليل السلبيات واجتثاثها. وهذا هو طريق الإصلاح الذي لا يمكن لآمرٍ بالمعروف وداعٍ إلى الله أن ينشر الخير ويُحدث تغيّراً في مجتمعه نحو الكمال والخير إلا إذا كان هذا الطريق ديدنه.