الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حضرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود أَيَّده الله.
آخر عمليات ترميم البيت الحرام
(1):
في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود -أيده الله- تمت أعمال ترميم الكعبة الشريفة، ونظرًا لكونها تمثل امتدادًا لموضوع هذا الكتاب فإنه لا يحسن بنا أن نغفلها عن الذكر في هذه المقدمة، ولأنها عمل تاريخي وحدث هام في تاريخ الكعبة الشريفة، ولا سيما أنها وُثِّقت ودُوِّنت مراحلها بأعلى درجات التوثيق من تصوير وكتابة ومتابعة شخصية من قبل كبار الشخصيات في الدولة والمفوضين للإِشراف على هذا العمل الجليل
…
البداية:
في أوائل شهر ذي الحجة من عام 1415 هـ صدر الأمر السامي الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود بإصلاح فواصل الحجارة الخارجية للكعبة المشرفة لوجود بعض الفجوات بها بسبب تآكلها وتعريها الناتجة عن عوامل الزمن والتجوية، التي أثرت في أوجه الحجارة الخارجية وعملت فجوات بها بل ونخرت في لياسة الفواصل بين الحجارة سواء العليا أو السفلى.
فجرى العمل فيها على أكمل الصور وأتقنها، واتخذ لها طريقة فنية حديثة تضمن سلامة أحجار الكعبة المشرفة وصيانتها عن حدوث مثل هذا لمدة طويلة (أكبر عمر افتراضي).
وبعد فراغ العمل وسد الفجوات وجد أن الأَرَضَة والفطريات كانت هي السبب الأكبر في حدوث ذلك الخلل، مما لا يستبعد معه أن تكون تلك الآثار قد تغلغلت إلى داخل جدر الكعبة (أي في جوفها).
(1) نقلًا عن كتاب "الكعبة المعظمة والحرمان الشريفان عمارة وتاريخًا"، تأليف عبيد الله محمَّد أمين كردي، المطبوع على نفقة (مجموعة بن لادن السعودية) تحت إشراف المهندس بكر بن محمَّد عوض بن لادن.
فتم القيام بمجهودات دراسية وأعمال فنية وهندسية في داخل الكعبة المشرفة للوقوف على جلية الأمر، فتبين وجود أعداد مهولة من حشرات الأرضة والفطريات في جوف الكعبة، أما السقف فقد تبين تآكل وتلف كبير فيه، فكانت النتيجة الحتمية لهذا الوضع هو القيام بأعمال الترميم والإِصلاحات التي أصبحت ضرورة ملحة.
وقد باشرت "مجموعة بن لادن السعودية" كافة أعمال الترميم، ونالت شرف خدمة البيت الحرام. وكانت بداية أعمال الترميم في العاشر من شهر محرم عام 1417 للهجرة
…
وأول ما بدئ به هو عمل ستار خشبي أبيض يحيط بالكعبة، وسمح في الأسابيع الأولى لكافة الناس بالدخول إلى الكعبة من خلال ذلك الستار، فدخل ألوف من الناس إلى جوف الكعبة المشرفة وشهدوا بأنفسهم ما بداخلها من شقوق وأمور مهولة تستدعي وجوب تلك الأعمال وضرورة الترميم
…
وهذا الإِشهاد لم يكن بدعًا، فقد أشهد ابن الزبير رضي الله عنهما من قبل على ما قام به من ترميم وبناء في زمنه
…
وأيضًا فالملك سعود أشهد أيضًا في العصر الأخير.
وقد تمت أعمال الترميم على النحو التالي:
المرحلة الأولى: اشتملت على الفحص على المداميك (الصفوف) الأربعة العليا.
المرحلة الثانية: من أسفل المداميك إلى الأرضية الداخلية للكعبة.
ففي هاتين المرحلتين تم تصفية الفجوات بين الأحجار، وحقنت الفراغات بمواد (خلطة) إسمنتية ذات مواصفات عالية. وعولجت أيضًا البطانة الداخلية للكعبة الشريفة معالجة تامة، ودعمت الجوانب بدعائم خشبية أفقية، على مسافات متناسبة، ونظفت بالمياه النقية، ثم حشيت بالمادة (الخلطة) القوية أيضًا.
المرحلة الثالثة: وتعتبر أهم هذه المراحل على الإِطلاق، إذ أنه تم الكشف على الأساسات بحفر أرضية الكعبة الشريفة إلى مستوى منسوب المطاف الحالي
بمقدار 2.2 م، بل وزيد في الحفر بمقدار 40 إلى 70 سم، وعوينت من خلال الحفر الأساسات الشريفة فوجدت سليمة بدرجة عالية.
يقول الأستاذ عبيد الله كردي: ولم يكن الإِقدام على ذلك الحفر بالأمر الهين أو السهل أو مما يحسن التسرع فيه، كما أنه ليس من الحكمة أن يتم ترميم جدار الكعبة ترميمًا شاملًا دون تفقد القاعدة التي هي أصل فيها.
لهذا كانت الخطوة الأولى في هذه المرحلة هو الاستكشاف للتعرف على مدى الحاجة للنزول في أعماق الترميم إلى القاعدة. وبعد الخبر والمعاينة وجد أن الحال فيها أفضل بكثير بكثير مما كان عليه الحال في الحوائط العليا، إلَّا أن بوادر التأثيرات السلبية للمستقبل كانت ظاهرة، وذلك فيما إذا ترك الوضع على ما هو عليه، فاستقر القرار بضرورة الحفر والترميم.
فتم الحفر الكامل لأرضية الكعبة المشرفة، ثم الترميم بنفس الأسلوب الذي تم به ترميم الحوائط العليا، وبنفس التقسيم للشرائح الرأسية، وكأن العملية امتداد متطابق لما تم من عمل في الحوائط العلوية، إلَّا أنه من باب الاحتياط امتد العمل إلى أسفل منسوب المطاف بما يتراوح بين نصف المتر وثلاثة أرباع المتر تقريبًا، وهي المسافة التي تصل إلى الأحجار القوية المتماسكة، والتي لا تحتاج إلى إعادة بناء، انتهى.
ثم تكلم مصنف ذلك الكتاب أو التقرير عن بقية الأعمال التي نفذت أثناء عمليات الترميم الشاملة التابعة كحجر إسماعيل عليه السلام، وبسط الكلام عن كيفية إعادة بناء السقف والأعمدة الداخلية للكعبة وما إلى ذلك، وقد نقلت هنا ما يتعلق بهذا الحدث التاريخي الهام بما يناسب المقام، ولأن هذا الحديث الكبير من صميم موضوع هذه الرسالة، نسأل الله أن يجزي من قام على ذلك خير الجزاء.
* * *