الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرعي بطلبِ الناظرِ على العمارة أن الخرَبَ في الجدار حقيقةٌ، وأنهم لم يحكموا بخرْبه لطمَعٍ دُنيوي، وذلك احتياطًا لأمر البيت الحرام. وقد صرح الفقهاء بأن الحاكم الشرعي يحلّفُ للتهمة في أقل من هذا الأمر.
[رد إشكال حول هدم ما لم يكن آيلًا للسقوط من البناء الشريف]:
فإن قلت: في "صحيح مسلم" عن عطاء (1): أن البيت لما احترق زمن يزيد بن معاوية (2)، إذ أرسل جيشًا لغزو ابن الزبير، وأن ابن الزبير بعد انصرافهم عنه استشار الناس: أنقضها ثم أبني بناها؟ أم أصلح ما وهَى منها؟. فقال ابن عباس: فإني أرى أن تصلح ما وهى منها وتدع بيتًا أسلم الناس عليه، وأحجارًا أُسْلِم عليها (3)، وبُعِثَ عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يُجِدَّه، فكيف ببيت ربكم
…
الحديث (4).
ففيه أنه هدم ما يمكن بقاؤه مع إصلاح الواهي المحترق طلبًا لصنعه كله على أكمل حال، فليكن الجانب الشامي فيما نحن فيه كذلك، وإن لم يقل بأيلوليته للسقوط.
(1) هو عطاء بن يسار الهلالي، أبو حمد المدني القاص، مولى السيدة ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي، مات سنة 103 هـ أو 104 هـ، وقيل سنة 94 هـ، وتوفي بالإِسكندرية كما جزم ابن يونس.
(2)
كانت ولاية يزيد بن معاوية سنة 60 للهجرة، ومات سنة 64 هـ، ومدة ولايته ثلاث سنين وتسعة أشهر، الأعلام: 8/ 189.
(3)
كذا بالأصل، والذي في مسلم (1333): أسلم الناس عليها
…
(4)
صحيح مسلم: كتاب الحج، حديث (1333) وتتمته ومحل الشاهد منه قول ابن الزبير رضي الله عنهما: إني مستخير ربي ثلاثًا، ثم عازم على أمري، فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها، فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء حتى صعده رجل فألقى منه حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض، فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه
…
إلى آخره.
قلت: الفرق بين ما نحن فيه وما جاء عن ابن الزبير واضح، لأن المحترق من البيت كان البناء مدماكًا (1) من خشب ساج ومدماكًا من حجر، كما ذكره الأزرقي في تاريخ مكة.
قال: بناؤها كذلك من أسفلها إلى أعلاها، وعليها الكسوة فاحترقت من نار لبعض أصحاب ابن الزبير وطارت الرياح بلهب النار فاحترقت كسوة الكعبة والساج الذي بين البناء، وكان احتراقها يوم السبت لثلاث خلون من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين (2)، فضعفت جدران الكعبة، حتى أنها لينقض أعلاها إلى أسفلها، ويقع عليها الحمام فتناثر حجارتها وهي مجرد متوهية من كل جانب.
قال الأزرقي: وكان أشد الناس إباء لهدمها ابن عباس، وقال: دعها على ما أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها فلا تزال تهدم وتبنى فيتهاون الناس بحرمتها، ولكن ارقعها. فقال ابن الزبير رضي الله عنهما: والله ما يرضى أحدكم أن يرقع بيت أبيه وأمه، فكيف أرقع بيت الله وأنا أنظر إليه ينقض من أعلاه إلى أسفله، حتى أن الحمام ليقع عليه فتتناثر حجارته؟! انتهى.
فحينئذ كان الحريق أثر في كل مدماك من الساج بإحراقه، وفي المدماك الحَجَر إلى جانبه بالتسويد صار في بناء ما تآكل من الساج وإبقاء ما بقي من مداميك الأحجار قُبْحٌ في الصورة وإخلال بتعظيم الكعبة، فهدمها أجمع لتبنى على أكمل الوجوه، ولئلا يحصل الترقيع في بنائه الذي لا يرتضي به ذو القدرة في بيت أبيه، فكيف في بيت الله تعالى.
(1) المدماك: هو الصف من البناء، وخيط البناء. كذا في "المعجم الوسيط": 1/ 397. عن منائح الكرم: 3/ 115 (حاشية). وعدد مداميك الكعبة المشرفة في عهد ابن الزبير: سبعة وعشرين مدماكًا، ينظر:"التاريخ القويم"، للكردي: 3/ 161.
(2)
وقيل سنة خمس وستين، "الجامع اللطيف":86.