الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد نص أصحابنا على منع الأخذ من الطيب المهدَى للكعبة، وأن من أراد التبرك جاء بطيب من عنده ثم مسحها به ثم أخذه للتبرك، انتهى.
وينبغي -إن أمن الابتذال على الأنقاض- تأخير الدفن عن تمام العمل، فإن الحاجة تدعو لزيادة الحجر عوضًا عن المنكسر، وعادة البناء نقض الأحجار عند السقوط نحو الثلث. والأزرقي نقل أن الحَجَّاج كبس أرض الكعبة حتى علت بالأحجار الباقية عن حاجته مما كان في بناء ابن الزبير، فينبش ذلك الكبس وتؤخذ الأحجار منه ويبدل بدفن تلك الأنقاض، والله أعلم (1).
[حكم إعادة الحِجر إلى البيت المعظم]:
ولا يجوز أن يغير البيت عن بنائه الموجود الآن، -وهو بنية الحجاج- بزيادة شيء في طوله أو عرضه ولو يسيرًا، أو نقص شيء منه.
قال الإِمام النووي في "شرح مسلم": قال العلماء: ولا يغيّرُ هذا البناء (2).
قال بعض المتأخرين: هذا منه صريح في منع الزيادة في السمك والطول والعرض.
ونقل ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى: إن مقتضى كلام أئمة المذاهب الأربعة ما عدا أحمد: منع إعادة الحِجر إلى البيت، ووجوب إبقائه على ما هو عليه من غير زيادة ولا نقص، وذلك لأنه لا بد من اليقين فيما يستقبل، وكون أذرع من الحجر من البيت لم يرد ما يفيد اليقين به من نص قرآن أو خبر تواتر، إنما جاء من طريق الآحاد المفيدة للظن.
قلت: وكونه من أحاديث الصحيح المفيد ما فيها للعلم النظري وإن
(1)"تاريخ الكعبة": 69، 70.
(2)
شرح مسلم: 3/ 455، باب نقض الكعبة وبناءها.
لم يكن متواترًا بشرطه، كما قال ابن الصلاح: لا يفيد في ذلك، لأن اليقين إنما ينشأ عن العلم الضروري، إذ هو الذي لا يقبل التغيير ولا يزول بالترديد، ولا كذلك ما يفيد العلم النظري. على أن في موافقة ابن الصلاح على ذلك خلافًا طويل الذيل (1).
وإنما أعاده ابن الزبير رضي الله عنهما وأدخله فيه لعله لأنه كان متواترًا عنده وعند الصحابة رضي الله عنهم في عصره، والمتواتر يفيد العلم اليقين، وانقطع التواتر فيه بعد، ولهذا نص الأئمة على منع إدخال شيء من الحجر فيه، وإن ورد في "صحيح مسلم": أن أذرعًا منه من البيت (2).
(1) عبارة ابن الصلاح في "المقدمة": ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته، والعلم القطعي النظري واقع به، خلافًا لمن نفى ذلك محتجًا بأنه لا يفيد إلَّا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول، لأنه يجب العمل بغلبة الظن، والظن قد يخطئ. وقد كنت أميل إلى هذا وأظنه قويًّا، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولًا هو الصحيح، لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ، انتهى.
وقد رد هذا القول الإمام النووي في "التقريب" بقوله: ما ذكره ابن الصلاح خلاف ما قاله المحققون والأكثرون، فإنهم قالوا: أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة إنما تفيد الظن فإنها آحاد، ثم قال: وتلقي الأمة إنما أفاد وجوب العمل بما فيهما من غير توقف على النظر فيه، بخلاف غيرهما، فلا يعمل بما فيهما من غير توقف على النظر فيه. وينظر:"ظفر الأماني"، للإمام محمَّد عبد الحي اللكنوي ص 127 وما بعدها، وما قبلها، بتحقيق العلامة المحدث سيدي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى.
(2)
إنما قال: (أذرعا
…
) لأن الحجر مختلف في قياسه، وعبارة الإِمام النووي في "الإيضاح": (واختلف أصحابنا في الحجر، فذهب كثيرون إلى أن ستة أذرع منه من البيت، وما زاد ليس من البيت حتى لو اقتحم جدار الحجر ودخل منه وخلف بينه وبين البيت ستة أذرع صح طوافه، وبعضهم يقول سبع أذرع، وبهذا المذهب قال الشيخ أبو محمَّد الجويني من أئمة أصحابنا وولده إمام الحرمين والبغوي، وزعم الإِمام أبو القاسم الرافعي أنه الصحيح، ودليل هذا المذهب ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ستة أذرع من الحجر من البيت"، =
وفي "شرح العباب" لابن حجر الهيتمي: ولا يجزى توجُّهُ شيء من الحِجْر، لأن كونه من البيت ظني لثبوته بالآحاد، وإن كان حديثه في "الصحيحين"، وذلك لا يكتفى به في القبلة. وقول جمعٍ إن أحاديثهما مقطوع بها من حيث اللفظ لا المعنى، إذ لا تلازمَ بينهما كما في كثير من الآي القرآنية.
وزعْمُ أنَّ ابنَ الزبيرِ لما أَدخَلَ ستة أذرع منه كان بحضرة جمع من الصحابة وأجمعوا على استقباله يحتاج لدليل، وعلى التنزل فيحتمل أن الحديث كان متواترًا في زمانهم ثم انقطع تواتره.
وبما تقرر يدفع قول الأذرعي: لك أن تقول: لا خلاف أن بعضه من البيت، فلم لا يصح توجه ما اتفق عليه منه، ثم قال: ويبعد أن يقال أن البيت لو أعيد على قواعد إبراهيم أن يمتنع توجه المتروك منه، انتهى. وقد علمت بما تقرر أنه لا بُعْدَ في ذلك، انتهى.
= وفي رواية له: أن من الحجر قريبًا من سبعة أذرع من البيت، والمذهب الثاني أنه يجب الطواف بجميع الحجر، فلو طاف في جزء منه حتى على جداره لم يصح طوافه، وهذا المذهب هو الصحيح وعليه نص الشافعي رحمه الله تعالى، وبه قطع جماهير أصحابنا وهذا هو الصواب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف خارج الحجر، وهكذا الخلفاء الراشدون، وغيرهم من الصحابة فمن بعدهم.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد قال الشيخ الإِمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: قد اضطربت فيه الروايات، ففي رواية في الصحيحين: الحجر من البيت، وروي: "ستة أذرع
…
" نحوها، وروي خمسة، وروي قريبًا من سبع أذرع، قال: وإذا اضطربت الروايات تعين الأخذ بأكثرها ليسقط الفرض بيقين، قلت: ولو سلم أن بعض الحجر من البيت لا يلزم منه أنه لا يجب الطواف خارج جميعه، لأن المعتمد في باب الحج الاقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فيجب الطواف بجميعه سواء كان من البيت أم لا، والله تعالى أعلم)، انتهى.