المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل   ثمَّ ظهر بعد ذَلِك مُلُوك جهلة ووزراء خونة وأجناد فسقة - نشر طي التعريف في فضل حملة العلم الشريف والرد على ماقتهم السخيف

[الوصابي]

الفصل: ‌ ‌فصل   ثمَّ ظهر بعد ذَلِك مُلُوك جهلة ووزراء خونة وأجناد فسقة

‌فصل

ثمَّ ظهر بعد ذَلِك مُلُوك جهلة ووزراء خونة وأجناد فسقة فظلموا وهضموا بأعذار وضعوها ورسومات ابتدعوها وتمويهات صنعوها

وَمَا نقل عَن أحد مِمَّن ظلم وهضم من مُلُوك الْعَرَب والعجم مِمَّن وحد الله وَأسلم أَنه عكس قانون الشَّرِيعَة وَلَا رام خذلانها فِي الدُّنْيَا الوسيعة وَلَا غير قانونها الرفيع وَلَا رمى أَهلهَا بالثلب والتبديع بل أَقَامُوا الدّين على رؤوسهم وآثروا نصر الشَّرِيعَة على نُفُوسهم وبذلوا الْأَرْوَاح وَالْأَمْوَال لنصره وقدروا شرع الله سُبْحَانَهُ حق قدره وأوصوا بتوقيره أخدامهم وأجروا بذلك فِي كتبهمْ أقلامهم فَكَانُوا إِذا ولوا أَمِيرا على نَاحيَة أَو بَلْدَة قاصية فَمن أول مَا يعهدون إِلَيْهِ وَيَأْخُذُونَ عَلَيْهِ الْقيام بإعزاز الشَّرِيعَة والحكام اللَّذين بهما قوام الْإِسْلَام

ص: 26

وَمن أَمْثِلَة مَا يكتبونه لَهُ مَا حَكَاهُ الْوَزير ضِيَاء الدّين نصر الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الْأَثِير رحمه الله فِي كتاب الْمثل السائر عَن الْخَلِيفَة الطائع لله إِذْ قَالَ فِيمَا كتبه لبَعض من ولاه وَأمره أَن يُوصي عماله بالشد على أَيدي الْحُكَّام وتنفيذ مَا يصدر عَنْهُم من الْأَحْكَام وَأَن يحضروا مجْلِس الْقُضَاة حُضُور الموقرين لَهَا الذابين عَنْهَا المقيمين لرسوم الهيبة وحدود الطَّاعَة فِيهَا

وَمن خرج عَن ذَلِك من ذِي عقل ضَعِيف وَحكم سخيف نالوه بِمَا يردعه وَأَحلُّوا بِهِ مَا يزعجه

اه

وَمَتى تقاعس متقاعس عَن حُضُوره مَعَ خصم يستدعيه بِأَمْر يُوجِبهُ الله فِيهِ أَو التوى ملتو بِحَق مقضي عَلَيْهِ وَدين مُسْتَقر لَدَيْهِ قادوه إِلَى الشَّرِيعَة بأزمة الصغار وجرائم الإضطرار وَأَن يحبسوا ويطلقوا بأقوال الْحُكَّام وقضاياهم ويثبتوا الْأَيْدِي فِي الْأَمْلَاك وينزعوها بحكمهم وفتواهم فَإِنَّهُم أُمَنَاء الله فِي فصل مَا يقضون وَبث مَا يبتون وَعَن كتاب الله وَسنة نبيه يوردون وَيَصْدُرُونَ فِي كَلَام كثير يدل على التبجيل والتوقير

وَمن تَقْلِيد آخر يَقُول فِيهِ الْملك للمشد الْقَائِم على

ص: 27

النّظر فِي الْمَظَالِم وَأمره بِإِقَامَة الْحق ونصرته وإبانته وأزرته وَأَن لَا يرد لحَاكم حُكُومَة وَلَا يغل لَهُ قَضِيَّة وَلَا يتعقب مَا ينفذهُ الْحَاكِم ويمضيه وَلَا يتتبع مَا يحكم بِهِ ويقضيه فِي كَلَام طَوِيل جزل يَأْمر بتعظيم الشَّرْع ويحث على الْعدْل

وَمن تَقْلِيد آخر يَقُول فِيهِ بعض الْخُلَفَاء قد جِيءَ بِنَا فِي زمن أصبح النَّاس فِيهِ سدى وَعَاد الْإِسْلَام فِيهِ غَرِيبا كَمَا بدا وَهُوَ الزَّمن الَّذِي كثرت فِيهِ أَشْرَاط الْيَوْم الْأَخير وغربلت فِيهِ الْأمة حَتَّى لم يبْق إِلَّا حثالة كحثالة التَّمْر وَالشعِير

وَمن أهم مَا نقرر بناءه ونقدم عناءه ونصلح بِهِ الدّين وأبناءه أَن نمضي أَحْكَام الشَّرِيعَة المطهرة على مَا قَرّرته فِي تَعْرِيف مَا عَرفته وتنكير مَا نكرته وَلم يَأْتِ بِنَا الله وَلَا ولانا الله إِلَّا لنعيد الدّين قَائِما على أُصُوله صادعا بِحكم الله فِيهِ وَحكم رَسُوله فِي كَلَام طَوِيل يدل على التبجيل والتجليل للشريعة وَالدّين الْحسن الْجَمِيل

وَذكر الإِمَام الْمَاوَرْدِيّ رحمه الله عَن بعض البلغاء أَنه قَالَ الْعلم عصمَة الْمُلُوك لِأَنَّهُ يمنعهُم من الظُّلم ويردهم إِلَى الْحِكْمَة ويصدهم عَن الأذية ويعطفهم على

ص: 28

الرّعية فَمن حَقهم أَن يعرفوا فَضله ويستبطنوا أَهله أَي يجعلوهم بطانتهم وخواصهم

وَقد رُوِيَ أَن زيادا قَامَ فِي وَقت إمارته خَطِيبًا على مِنْبَر الْكُوفَة فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي قد رَأَيْت خلالا أقدم إِلَيْكُم فِيهِنَّ النَّصِيحَة رَأَيْت إعظام الشريف وإجلال ذَوي الْعلم وتوقير ذَوي الْأَسْنَان

وَإِنِّي أعَاهد الله تَعَالَى أَنِّي لَا أُوتى بِرَجُل رد على ذِي شرف ليرد بِهِ شرفه وَيَضَع مِنْهُ إِلَّا عاقبته

وَلَا أُوتى بجاهل رد على ذِي علم ولاحاه ليهجنه وَيَضَع بذلك من علمه إِلَّا عاقبته

وَلَا أُوتى بشاب رد على ذِي شيبَة لم يعرف لَهُ سنه إِلَّا عاقبته

إِنَّمَا النَّاس بأعلامهم وعلمائهم وَذَوي أسنانهم

انْتهى كَلَامه رحمه الله فِي هَذِه الْخطْبَة الشَّرِيفَة

فَلم يزل الْمُلُوك والأمراء والأعوان لَهُم والوزراء صادعين بِإِقَامَة الشَّرِيعَة ذابين عَن معالمها الرفيعة

قد جعلُوا من استخف بهَا مُرْتَدا عَن الْإِسْلَام وَالدّين وأجروا عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُرْتَدين من قَتله وسلبه وَدَفنه بِغَيْر مَقَابِر الْمُسلمين

بِهَذَا جرت الْوُلَاة على إعزاز الشَّرَائِع

ص: 29

تترى مقيمين لدين الله سرا وجهرا من زمن النُّبُوَّة وهلم جرا

هَذَا الْملك الْمُجَاهِد رحمه الله الَّذِي عرف مِنْهُ ضرب الرّقاب والإيعاد والإيجاف والإرهاب يَقُول فِي جَوَابه لبَعض فُقَهَاء وصاب حِين شكا إِلَيْهِ من رجل سَفِيه جسر على فَقِيه بالذم والتنويه فَكتب الْملك إِلَى الْأَمِير أجر حكم الله فِيهِ

فالمستهزىء بِالْعلمِ وَالْعُلَمَاء مُلْحق بِمن اسْتَهْزَأَ بِالْآيَاتِ والأنبياء

والمستهزىء بذلك كَافِر بِنَصّ الْقُرْآن الْكَرِيم قَالَ الله سُبْحَانَهُ {قل أبالله وآياته وَرَسُوله كُنْتُم تستهزؤون لَا تعتذروا قد كَفرْتُمْ بعد إيمَانكُمْ} فَجعل المستهزىء بالعالم كَافِرًا وَلم يكن لَهُ عاذرا

وَوَقع هَذَا الْملك أَيْضا على قَضِيَّة أُخْرَى شكي إِلَيْهِ فِيهَا عدم قيام الْوَالِي بنصر الشَّرْع الشريف وَالدّين الْمُؤَيد الحنيف مَا صورته قد أمرنَا بمنشور يقْرَأ على المنابر باحترام الشَّرِيعَة المطهرة واحترام أَرْبَابهَا حَيْثُ كَانُوا علما منا بِأَن من نصرها نَصره الله وَمن أذلها خذله الله

ص: 30

قَالَ أقضى الْقُضَاة ابْن الْجُنَيْد رحمه الله وَقد رَأينَا هَذَا عيَانًا قَرِيبا فِي عصرنا يَعْنِي أَن من أَقَامَهَا فَهُوَ مَنْصُور وَمن أهانها فَهُوَ مخذول وَيشْهد لذَلِك قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تنصرُوا الله ينصركم} أَرَادَ بنصر الله سبحانه وتعالى نصر دينه وشريعته ورد النَّاس بِالسَّيْفِ إِلَى طَاعَته

وَكتب هَذَا الْملك أَيْضا خطْبَة بِيَدِهِ توقيعا على قَضِيَّة وَردت من بعض الْقُضَاة إِلَيْهِ مَا مِثَاله نَحن خدام الشَّرِيعَة وأعوانها نَحن سيف الشَّرِيعَة وسنانها أجر الشَّرْع الشريف مجْرَاه وَلَو على أحد أَوْلَادنَا وَلَا تحتشم

اه هَذَا لَفظه مَنْقُول من خطه

فَذكر الْملك الْمَذْكُور هَذَا الْكَلَام الَّذِي هُوَ أشرف من در النظام وَهُوَ متشرف بقوله هَذَا بَين الْأَنَام

وَيَا لَهُ من شرف مَا أسناه وَبَين الْمُلُوك مَا أَعْلَاهُ وَمَا أحْسنه وأولاه

وَمَا أشرفه من مقَال وَمَا أكْرمه من فعال

فَإِن جَمِيع الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ والأتقياء والعارفين وَالْفُقَهَاء والمحدثين وَالْأَئِمَّة المتصدرين والجبابرة المتكبرين والملوك الظلمَة والولاة الغشمة يتشرفون بالإمتداح بِخِدْمَة

ص: 31

الشَّرِيعَة شرفها الله لِأَن خَادِمهَا مُطِيع لله نَاصِر لدين الله مُقيم لسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَشرف وكرم

وناهيك بهَا فَضِيلَة ورتبة جليلة يفاخر عَلَيْهَا ويدعى إِلَيْهَا {وَفِي ذَلِك فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ} و {لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ}

ص: 32