الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وَقد ذكر إمامنا وَشَيخنَا وَسَيِّدنَا رضي الله عنه فِي كتاب الْإِرْشَاد للملوك والرعايا والعباد نكتا مُوضحَة للشأن فانتخبت مِنْهَا مَا يَلِيق بِهَذَا الْمَكَان
وَإِن كَانَت معاينها مكررة زِيَادَة للْبَيَان وَلَا بَأْس بالتكرار فقد ورد بِهِ الْقُرْآن فَمن جملَة مَا قَالَه شَيخنَا رضي الله عنه فِي ذَلِك الْكتاب قَوْله وَقد هداه الله للصَّوَاب والآن فقد انْتهى الْأَمر كُله إِلَى الْعلمَاء الْأَثْبَات وَالْأَئِمَّة الثِّقَات والمفتين والقضاة الَّذين نقلوا أَحْكَام الرسالات فهم الرؤساء فِي كل الْحَالَات وَلَهُم فِي الدُّنْيَا شرف الولايات
وهم أهل الْحل وَالْعقد والرئاسات وإليهم تَنْتَهِي الإشارات وبهم تفهم الْعبارَات وعنهم تحفظ الحكايات وَتَصِح الرِّوَايَات وَتحصل الإفادات
فهم فِي الدُّنْيَا رُؤُوس الرؤساء وَبعد أَنْبيَاء الله هم الْخُلَفَاء وَفِي يَوْم الْقِيَامَة هم الشفعاء وَفِي الْجنَّة يحْتَاج النَّاس إِلَيْهِم ويعول عِنْد طلب الأمنية عَلَيْهِم
كَمَا ورد فِي الْأَثر عَن معَاذ رضي الله عنه قَالَ إِن الْعلمَاء ليحتاج إِلَيْهِم فِي الْجنَّة إِذْ يُقَال لأهل الْجنَّة تمنوا فَلَا يَدْرُونَ كَيفَ يتمنون حَتَّى يتعلموا من الْعلمَاء كَذَا ذكره الإِمَام الْغَزالِيّ فِي كتاب الدَّعْوَات من كِتَابه وَرَفعه صَاحب كتاب الفردوس عَن جَابر رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ (إِن أهل الْجنَّة ليحتاجون إِلَى الْعلمَاء فِي الْجنَّة)
ثمَّ قَالَ شَيخنَا وإمامنا فِي الْبَاب بعده فعلى الْكل يَعْنِي من الرَّاعِي والرعية أَن يحسنوا الظَّن بحملة الْقُرْآن وبالقائمين بِالْعلمِ وَالتَّقوى والبرهان وَأَن يعزوهم ويجلوهم على مر الزَّمَان وَأَن يرفعوا قدرهم على كل الإخوان بل يقدموهم على الْوَالِدين والولدان فوجدوهم زِيَادَة فِي الْإِيمَان وسعادة فِي الْبلدَانِ وَعمارَة للأوطان وَصَلَاح للرعية وَالسُّلْطَان وإرغام لأنف الشَّيْطَان فَيَنْبَغِي إعانتهم على مَا هم فِيهِ من الشَّأْن ونصرهم عِنْد النوائب
والحدثان وتعظيمهم بِقدر الْإِمْكَان فَإِنَّهُم عِنْد الله سُبْحَانَهُ بمَكَان وهم أشرف من يكون وَمن كَانَ
ثمَّ قَالَ رحمه الله فيهم فهم الَّذين اصْطفى الله من الْعباد وأورثهم كِتَابه الْعَزِيز الْمُسْتَفَاد واختارهم للمعاش والمعاد وَأَنَّهُمْ لَهُم قدوة المهتدين وقادة الْمُتَّقِينَ وأئمة الْمُسلمين وَرَغمَ العصاة والمفسدين وهم حفاظ الشَّرِيعَة وَالدّين وسرج أهل الْيَقِين وكواكب الْأَرْضين وَهُدَاة الْعَالمين ومصابيح المتعلمين وأعداء الشَّيَاطِين وبركة السلاطين وأحباب الْمَلَائِكَة المقربين والداعون إِلَى الْحق الْمُبين
ثمَّ قَالَ عَفا الله عَنهُ وجزاه خيرا فعلى الْكل أَن يعينوا الْعلمَاء للتفرغ للعلوم ويمنعوا عَنْهُم من يشغلهم عَن ذَلِك الْمَعْلُوم ويتفقدوهم لِئَلَّا ترد عَلَيْهِم الغموم وينصروهم عِنْد أَن يظْهر لَهُم الْخُصُوم وَأَن يرفهوهم لاقتباس الْعلم وإظهاره ونشره وَبسطه واختصاره
فَإِن الْعلمَاء هم عماد الْإِسْلَام وهم المعروفون بِجَمِيعِ الْأَحْكَام وهم الفارقون بَين الْحَلَال وَالْحرَام وهم المرشدون إِلَى دَار الْمقَام وهم المجددون لما درس من
الْحق بِصَحِيح الْأَثر واستنباط الأفهام
وهم الَّذين يحلونَ الشّبَه المشكلة بِصَرِيح الْكَلَام وهم الَّذين يروون الْآثَار الصَّحِيحَة بالأقلام ويفصلون بَين النَّاس عِنْد التَّنَازُع وَالْخِصَام وَمِنْهُم الْحفاظ والوعاظ والحكام وهم نور الزَّمَان المذهبون لكل جهل وظلام وهم الشموس المشرقة الَّتِي لَا يغطيها الْغَمَام والشهب الثاقبة الَّتِي يَقْتَدِي بنورها الْأَنَام يرشدون الغوي الْجَاهِل وَيُنْكِرُونَ على كل ذِي بَاطِل وَيحلونَ مشكلات الْمسَائِل ويوضحون الْحق بالدلائل فهم السَّادة الأكابر الَّذين يتخذون المحابر ويرقمون بِمَائِهَا الدفاتر وهم الَّذين يكتسبون المفاخر ويرتقون ذرْوَة المنابر وهم الَّذين يزينون المحاضر ويفرقون بَين الرابح والخاسر وَبَين الْبر والفاجر وَبَين النَّجس والطاهر
فهم زِينَة الدَّهْر وجمال الْعَصْر فَالنَّاس على مَا قَالَه الْعلمَاء يعتمدون وَفِي كل الْأَشْيَاء لَهُم مقلدون وحزبهم العالي وحزب غَيرهم الدون إِن سئلوا عَن معنى الْقُرْآن الْكَرِيم فسروا وَإِن سئلوا عَن سنة الرَّسُول أخبروا وَعَن أَسبَاب التَّنْزِيل ذكرُوا وَعَن الإجتهاد قاسوا واعتبروا وَعَن
سير الْأَوَّلين حققوا وسيروا وَعَن خبر يَوْم الْقِيَامَة عرفُوا وحذروا
فهم أعرف النَّاس بالماضي والمستقبل وهم الَّذين فِي كل حَال عَلَيْهِم الْمعول إِن حَضَرُوا ظَهَرُوا وَإِن غَابُوا ذكرُوا وَإِن تواضعوا كبروا وَإِن تكلمُوا أَصَابُوا وأجروا وَإِن سكتوا أجروا وعذروا وَإِن أوذوا صَبَرُوا وَإِن عودوا نصروا وَإِن اطلعوا على عيب ستروا وهم المحترمون أَيْن مَا عبروا
وهم المقدمون أَيْنَمَا حَضَرُوا فمدحهم لَا يُحْصى وشرفهم لَا يستقصى
وَمَا عَسى أَن يكون مدح من أثنى الله سُبْحَانَهُ وَمَلَائِكَته عَلَيْهِم وكل دين لَا يُؤْخَذ إِلَّا من لديهم وكل خير فَإِنَّهُ يقتبس مِنْهُم وَيعود إِلَيْهِم وَقَالَ مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا مُصَنف كتاب الْإِرْشَاد فيهم رضي الله عنه وعنهم
(أولو الْعلم فِي الدُّنْيَا بِأَعْلَى الْمنَازل
…
وهم وارثوا الرُّسُل الْكِرَام الْأَوَائِل)
(فهم أنجم الدُّنْيَا وَنور لأَهْلهَا
…
أَئِمَّة أهل الأَرْض زين المحافل)
(وهم حجَّة الرَّحْمَن أَيْضا على الورى
…
يُقِيمُونَ أَسبَاب الهدا والدلائل)
(يدلون خلق الله مَا فِيهِ رشدهم
…
وَينْهَوْنَ عَن نكر وَجَهل وباطل)
(وهم شُفَعَاء النَّاس فِي الْحَشْر عِنْدَمَا
…
تحيط الْمعاصِي عِنْد هول النَّوَازِل)
(وَفِي جنَّة الفردوس يحْتَاج أَهلهَا
…
إِلَيْهِم فقد خصوا بِطيب الشَّمَائِل)
(فهم عدَّة فِي كل حَال وَسَائِل
…
إِلَى الْخَيْر أكْرم بِالْهدى والوسائل)
(وهم رُؤَسَاء النَّاس فِي كل موقف
…
فَهَل فَوْقهم حَال وَفضل لقَائِل)
(علا قدرهم دنيا وآخرى محلهم
…
بِأَعْلَى الْمَعَالِي من مراقي الْفَضَائِل)
(جزاهم إلهي الْخَيْر عَنَّا وأكرموا
…
جَزَاء كَمَا قد أيقظوا رب غافل)
(واسأل رَبِّي أَن يُبَارك فيهم
…
وَلَا زَالَ مِنْهُم قادم بعد راحل)
(أعيذهم بِاللَّه من فتْنَة الْهوى
…
وَمن خسر حبر عَالم غير عَامل)
انْتهى كَلَامه رضي الله عنه
وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (جالسوا الْعلمَاء وزاحموهم بركبكم فَإِن الله يحيي الْقُلُوب الْميتَة بِنور الْحِكْمَة كَمَا يحيى الأَرْض بوابل السَّمَاء
ذكره الإِمَام ابْن عبد الْمجِيد فِي إيضاحه عَفا الله عَنهُ
وَقَالَ الثعالبي الْمُفَسّر رحمه الله الْعلمَاء أَعْلَام الْإِسْلَام وَالسَّابِقُونَ إِلَى دَار السَّلَام وسرج الْأَمْكِنَة وحجج الْأَزْمِنَة وحصون الضعفة وَحَملَة الْكتاب وَالسّنة ومقيمو حُدُود الله وَشَرَائِع دينه فِي أرضه قَالَ
(وَالْحكم سيف الله فِي أرضه
…
وَحجَّة الْحق على الْبَاطِل)
(وموضح النُّور لأهل الْعَمى
…
وَمذهب الشَّك عَن الْجَاهِل)
(وحاسم الْجور عَن الْأمة
…
وراحة الْمَسْئُول والسائل)