الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وَقد بَين رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن الْعلمَاء ثِقَات عدُول وأوضح بقوله عليه السلام (يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين وانتحال المبطلين وَتَأْويل الْجَاهِلين)
// وَهَذَا حَدِيث حسن مَشْهُور // وَهُوَ فِي كتب الْأَئِمَّة مُسْند مَذْكُور
فَأخْبر صلى الله عليه وسلم أَن حَملَة الْعلم فِي كل أَوَان هم عدُول أهل ذَلِك الْقرن وَالزَّمَان
وَلَا شرف أشرف من تَعْدِيل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَشرف وكرم ومجد وَعظم
قَالَ الإِمَام النَّوَوِيّ رحمه الله فِي أول كتاب التَّهْذِيب وَهَذَا إِخْبَار مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بصيانة الْعلم وعدالة ناقليه وَأَن الله تَعَالَى يوفق فِي كل عصر خلفاء
من الْعُدُول يحملونه وَهَذَا تَصْرِيح بعدالة حامليه
هَذَا كَلَامه رحمه الله عقب ذكره هَذَا الحَدِيث وَمَا عَسى أَن يَقُول ذَوُو الْحَسَد والفضول بعد تَعْدِيل الرَّسُول لحملة الشَّرْع الْمَنْقُول
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (الْأَنْبِيَاء قادة وَالْفُقَهَاء سادة ومجالستهم زِيَادَة)
ذكره الْقُضَاعِي فِي شهابه والخطيب الْبَغْدَادِيّ فِي كِتَابه
وَمن عدله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمَا أَن يُبَالِي بذم النَّاس وَلَا بِمَا جرى عَلَيْهِ من باس
وَلَا يسؤوه لومة لائم وَلَا يشينه شتم شاتم وَلَا يضرّهُ هضم هاضم إِن شَاءَ الله وَله الْحَمد على مَا أنعم من قبل وَمن بعد
وَأنْشد الإِمَام أَبُو الْحسن التَّمِيمِي من أَصْحَاب الشَّافِعِي رحمهم الله
(عَابَ التفقه قوم لَا عقول لَهُم
…
وَمَا عَلَيْهِ إِذا عابوه من ضَرَر)
(مَا ضرّ شمس الضُّحَى فِي الْأُفق طالعة
…
أَن لَا يرى ضؤها من لَيْسَ ذَا بصر)
كَذَا ذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي كتاب الطَّبَقَات لَهُ وَزَاد بَعضهم بَيْتا وَهُوَ
(وَمَا يضر بِأَهْل الْعلم ماقتهم
…
إِلَّا كضر نباح الْكَلْب بالقمر)
فَالْعُلَمَاء هم الحافظون لكتاب الله القائمون بشرع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وهم الموضحون لحكم الله وهم الناصرون لدين الله وهم الْمَأْمُور بِلُزُوم جَمَاعَتهمْ وَترك مفارقتهم ومنازعتهم
قَالَ الإِمَام البُخَارِيّ رحمه الله فِي كتاب الإعتصام من جَامعه أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِلُزُوم الْجَمَاعَة وهم أهل الْعلم
هَذَا لَفظه
وَفِي سنَن أبي دَاوُد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (من فَارق الْجَمَاعَة شبْرًا فقد خلع ربقة الْإِسْلَام من عُنُقه) وَنَحْوه فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (من أَرَادَ بحبوحة الْجنَّة فليلزم الْجَمَاعَة)
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ // حَدِيث حسن صَحِيح //
وَرُوِيَ أَيْضا أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (يَد الله مَعَ الْجَمَاعَة)
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى (يَد الله على
الْجَمَاعَة وَمن شَذَّ شَذَّ فِي النَّار)
وَقد سبق أَن الْجَمَاعَة هم الْعلمَاء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم
وَالْعُلَمَاء أَيْضا هم المسمون فِي كتاب الله أهل الْأَمر الْمَأْمُور بطاعتهم فِي السِّرّ والجهر قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم}
قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أولُوا الْأَمر الْعلمَاء حَيْثُ كَانُوا
وَكَذَا قَالَه جَابر وَمُجاهد وَعَطَاء وَالْحسن وَالضَّحَّاك وَالْمبَارك بن فضَالة وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد رَحِمهم الله تَعَالَى ذكره الثعالبي وَغَيره
وَقَالَ الواحدي رحمه الله أولُوا الْأَمر الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء
وَقَالَ الثعالبي رحمه الله فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَو ردُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أولي الْأَمر مِنْهُم} إِنَّهُم حَملَة الْفِقْه وَالْحكمَة
حَكَاهُ عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهم
وَقد قيل فيهمَا غير ذَلِك لَكِن هَذَا هُوَ الْأَصَح
وَقَالَ ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن رحمه الله النَّاس عِنْد عُلَمَائهمْ كالصبيان فِي حجور أمهاتهم مَا أمروهم بِهِ ائْتَمرُوا وَمَا نهوهم عَنهُ انْتَهوا
رَوَاهُ عَنهُ أَبُو نعيم فِي كتاب حلية الْأَوْلِيَاء
وروى الثعالبي رحمه الله بِإِسْنَادِهِ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (اعْمَلُوا بِالْقُرْآنِ أحلُّوا حَلَاله وحرموا حرَامه وآمنوا بِهِ وَمَا اشْتبهَ عَلَيْكُم فَردُّوهُ إِلَى الله وَإِلَى أولي الْعلم من بعدِي كَيْمَا يُخْبِرُوكُمْ بِهِ وآمنوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَمَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم وَلْيَسَعْكُمْ الْقُرْآن وَمَا فِيهِ من الْبَيَان فَإِنَّهُ شَافِع مُشَفع وَمَا حل مُصدق وَإنَّهُ بِكُل حرف نور يَوْم الْقِيَامَة)
فَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن المشتبه مَرْدُود إِلَى أهل الْعلم دون غَيرهم وَكفى بِهِ شرفا وتنبيها على فَضلهمْ وَالله الْمُوفق سُبْحَانَهُ
والأكابر من الْعلمَاء هم ركن الدّين وأصاغرهم غرس الدّين
وروى الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ رحمه الله فِي كِتَابه عَن ابْن الْمُبَارك رحمه الله أَنه كَانَ إِذا رأى صبيان أهل الحَدِيث فِي أَيْديهم المحابر يقربهُمْ وَيَقُول هَؤُلَاءِ غرس الدّين أخبرنَا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ
(لَا يزَال الله سُبْحَانَهُ يغْرس فِي هَذَا الدّين غرسا يشد بهم الدّين هم الْيَوْم أصاغر ويوشك أَن يَكُونُوا كبارًا من بعدكم)
وَرُوِيَ بِإِسْنَادِهِ أَيْضا عَن عبد الْعَزِيز بن أبي راود رضي الله عنه أَنه نظر إِلَى شَاب وَفِي يَده محبرة فَقَالَ هَذِه قناديل الْإِيمَان وأعلام الْمُتَّقِينَ
يَعْنِي قَارُورَة الحبر قَالَ وَأنْشد بَعضهم فِي المحبرة
(قناديل دين الله يسْعَى بحملها
…
رجال بهم يحيى حَدِيث مُحَمَّد)
(هم حملُوا الْآثَار عَن كل عَالم
…
تَقِيّ صَدُوق فَاضل متعبد)
(محابرهم زهر تضيء كَأَنَّهَا
…
قناديل حبر ناسك وسط مَسْجِد)
(تساق إِلَى من كَانَ فِي الْفِقْه عَالما
…
وَمن صنف الْأَحْكَام من كل مُسْند)
فَكل هَذِه نُصُوص متظاهرة تدل على شرفهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فسيحرق ماقتهم بنارهم فَإِنَّهُم خدم شَرعه وسنته وهم الموصلون لَهما إِلَى أمته وَقد قَالَ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر رحمه الله فِي بعض رسالاته
مَا هَذِه صورته اعْلَم يَا أخي وفقنا الله وَإِيَّاك لمرضاته وَجَعَلنَا مِمَّن يخشاه ويتقيه حق تُقَاته أَن لُحُوم الْعلمَاء مَسْمُومَة وَعَادَة الله فِي هتك أَسْتَار منتقصهم مَعْلُومَة
وَأَن من أطلق لِسَانه فِي الْعلمَاء بالثلب بلاه الله قبل مَوته بِمَوْت الْقلب {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم}
وَكَذَا حَكَاهُ عَنهُ الإِمَام النَّوَوِيّ رحمهمَا الله فِي كتاب التِّبْيَان
وَأي مُصِيبَة أعظم من موت الْقلب الَّذِي هُوَ دَلِيل على غضب الرب سُبْحَانَهُ فَإِن الَّذِي مَاتَ قلبه لَا يخشع وَلَا فِيهِ المواعظ قطّ تنجع وَإِذا تليت عَلَيْهِ آيَات ربه أصر مستكبرا كَأَن لم يسمع
فبشره بِعَذَاب أَلِيم وخطب عَظِيم جسيم
حِين قسا قلبه وران عَلَيْهِ ذَنبه نسْأَل الله الْعَافِيَة لنا وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين وَأَن يوفقنا لطاعته أَجْمَعِينَ وَأَن يجعلنا من الخاشعين المتعظين
وَأنْشد بَعضهم فِي معنى مَا قَالَه ابْن عَسَاكِر رحمه الله شعرًا يَقُول فِيهِ
(وتجنب الْعلمَاء وَإِن هم خلطوا
…
فالعلم يغْفر زلَّة الْعلمَاء)
(فلحومهم مَسْمُومَة وبأكلها
…
يخْشَى هَلَاك الشّعْر وَالشعرَاء)
قَالَ الإِمَام السهروردي رحمه الله فِي أول كتاب عوارف المعارف والعالم وَإِن لم يعْمل بِعَمَلِهِ ترجى لَهُ التَّوْبَة فَإِن الْعلم فِي الْإِسْلَام لَا يضيع أَهله ويرجى عود الْعَالم ببركته
هَذَا كَلَامه رحمه الله
فالعالم وَإِن لم يكن بِعِلْمِهِ عَاملا فَإِن لَهُ شرف الْعلم إِذْ صَار لَهُ حَامِلا وحامل الشَّيْء الشريف قد شرف بِمَا حمل وَمن أحب شَيْئا أحب حامله وَإِن لم يكن حامله حسن الْعَمَل
وَقد شبه النَّبِي صلى الله عليه وسلم من أُوتِيَ الْقُرْآن وَلم يقم بِهِ بجراب أوكي على مسك
فِي حَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ رحمهمَا الله فِي سُنَنهمَا
وَهَذَا الْمثل من أشرف الْأَمْثَال الْمعرفَة لَك بأحوال الرِّجَال فكم بَين من حمل الْمسك الموكى وَبَين من حمل قذرا من النوكى
وَفِي الحَدِيث (اتَّقوا زلَّة الْعَالم وَلَا تقطعوه وَانْتَظرُوا فيئته)
ذكره السهروردي فِي عوارفه أَيْضا وَفِي حَدِيث رتن المعمر الْمَشْهُور عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ تبرك بالعالم إِن عمل وَإِن لم يعْمل فتبرك بِهِ فللعالم حُرْمَة الْعلم الشريف وَإِن لم يعْمل ويرجى لَهُ ببركة الْعلم صَلَاحه فِي الْمُسْتَقْبل وَمن أحب عَالما لأجل الْعلم الَّذِي فِي قلبه وَلم ينظر إِلَى مَا يتخيل من زلته وذنبه فقد أدّى مَا يجب من حق الْعَالم لأجل ربه فقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (من أحب الْعلم وَالْعُلَمَاء لم تكْتب عَلَيْهِ خَطِيئَة أَيَّام حَيَاته وَمن مَاتَ على محبَّة الْعلم وَالْعُلَمَاء فَهُوَ رفيقي فِي الْجنَّة)
وَقَالَ (من أحب طَالب الْعلم فقد أحب الْأَنْبِيَاء وَمن أحب الْأَنْبِيَاء كَانَ مَعَهم وَمن أبْغض طَالب الْعلم فقد أبْغض الْأَنْبِيَاء وَمن أبْغض الْأَنْبِيَاء فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم)
وَقَالَ عليه السلام (من حقر عَالما فَهُوَ مُنَافِق مَلْعُون فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة)
وَقَالَ عَليّ رضي الله عنه سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن صَاحب الْعلم فَقَالَ (هُوَ سراج أمتِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة طُوبَى لمن عرفهم وأحبهم وويل لمن أنكر معرفتهم وأبغضهم وَمن أحبهم شَهِدنَا لَهُ أَنه فِي الْجنَّة وَمن أبْغضهُم أبغضناه وَشَهِدْنَا أَنه فِي النَّار)
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (اكتبوا الْعلم فَإِن لله
سُبْحَانَهُ مَلَائِكَة فِي السَّمَاء السَّابِعَة يَسْتَغْفِرُونَ للفقهاء والمتعلمين ويعطيهم الله تَعَالَى بِكُل حرف ثَوَاب نَبِي من الْأَنْبِيَاء وَيكْتب لَهُم كل يَوْم ألف حَسَنَة) ذكر هَذِه الْخَمْسَة الْأَحَادِيث الإِمَام مُوسَى بن أَحْمد الوصابي فِي كِتَابه الْحجَّة من تصانيفه
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (يُوزن حبر الْعلمَاء وَدم الشُّهَدَاء فيرجح ثَوَاب حبر الْعلمَاء على ثَوَاب دم الشُّهَدَاء وَيُقَال للْعَالم اشفع فِي تلامذتك وَلَو بلغ عَددهمْ عدد نُجُوم السَّمَاء وَمن تقلد مَسْأَلَة وَاحِدَة قَلّدهُ الله يَوْم الْقِيَامَة ألف قلادة من نور وَغفر لَهُ ألف ذَنْب وَبنى لَهُ مَدِينَة من ذهب)
وَقَالَ عليه السلام (أفضل الْعِبَادَة طلب الْعلم) ذكرهمَا الإِمَام عمر بن عبد الْمجِيد الميانشي رحمه الله فِي إيضاحه
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (من جَاءَهُ الْمَوْت وَهُوَ يطْلب الْعلم ليحيي بِهِ الْإِسْلَام فبينه وَبَين الْأَنْبِيَاء دَرَجَة وَاحِدَة فِي الْجنَّة) رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الرَّحْمَن
الدَّارمِيّ فِي سنَنه وَعَن عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى {السائحون}
قَالَ هم طلبة الْعلم رَوَاهُ الثعالبي فِي تَفْسِيره عَنهُ
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (من طلب الْعلم كَانَ كَفَّارَة لما مضى)
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه فَلم يذكر صلى الله عليه وسلم غير الطّلب
وَقَالَ عليه السلام (من خرج فِي طلب الْعلم فَهُوَ فِي سَبِيل الله حَتَّى يرجع)
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (سارعوا فِي طلب الْعلم فلحديث عَن صَادِق خير من الأَرْض وَمَا عَلَيْهَا من ذهب وَفِضة)
رَوَاهُ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي كِتَابه وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (سَاعَة من عَالم يتكىء على فرَاشه وَينظر فِي علمه خير من عبَادَة العابد سبعين عَاما)
رَوَاهُ الإِمَام الثعالبي رحمه الله فِي تَفْسِيره فِي أول سُورَة آل عمرَان وَتَابعه الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ رحمه الله فِي درره عَلَيْهِ وَقَالَ الْحَافِظ ابْن الْجَوْزِيّ رحمه الله فِي منتخبه عَلَيْكُم بِالْعلمِ فَكفى بِهِ عملا
وَقَالَ رجل لأبي هُرَيْرَة رضي الله عنه إِنِّي أُرِيد
أَن أتعلم الْعلم وأخاف أَن أضيعه فَقَالَ لَهُ كفى بترك الْعلم إِضَاعَة
وَقَالَ رجل لأبي ذَر رضي الله عنه إِنِّي أُرِيد أَن أتعلم الْعلم وأخاف أَن أضيعه وَلَا أعمل بِهِ فَقَالَ إِنَّك إِن توسد الْعلم خير من أَن توسد الْجَهْل
وَيُقَال نَفَقَة دِرْهَم فِي طلب الْعلم خير من عشرَة آلَاف دِرْهَم ينفقها فِي سَبِيل الله
وَقَالَ الْمَأْمُون لِعَمِّهِ إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي لِأَن تَمُوت طَالبا للْعلم خير من أَن تعيش قانعا بِالْجَهْلِ
قَالَ وَإِلَى مَتى يحسن بِي طلب الْعلم قَالَ مَا حسنت بك الْحَيَاة
وَقَالَ الشّعبِيّ رحمه الله لَو أَن رجلا خرج من أقْصَى الْمشرق إِلَى أقْصَى الْمغرب فاستفاد حرفا مَا ظَنَنْت أَن عمره ذهب بَاطِلا
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رضي الله عنه لِأَن أتعلم مَسْأَلَة أحب إِلَيّ من قيام لَيْلَة وَقَالَ يحيى بن كثير رحمه الله تعلم الْفِقْه صَلَاة ودراسة الْقُرْآن صَلَاة
رَوَاهُ عَنهُ الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي حليته
وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رحمه الله لَا يزَال الْفَقِيه فِي الصَّلَاة قيل لَهُ كَيفَ ذَاك قَالَ لِأَنَّك لَا تَلقاهُ إِلَّا وَذكر الله على لِسَانه يحل حَلَالا وَيحرم حَرَامًا
ذكره أَبُو اللَّيْث فِي تنبيهه
وَقَالَ ابْن
جريج رحمه الله أحب الْعباد إِلَى الله الغرباء فِي طلب الْعلم
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (تعلمُوا وَعَلمُوا وَاعْمَلُوا فَإِن أجر الْعَالم والمتعلم سَوَاء) قيل وَمَا أجرهما قَالَ (مائَة مغْفرَة وَمِائَة دَرَجَة فِي الْجنَّة)
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (أجر الْمعلم كَأَجر الصَّائِم الْقَائِم)
وَعَن أنس رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (التفقه فِي الدّين حق على كل مُسلم أَلا فتعلموا وَعَلمُوا وَلَا تَمُوتُوا جُهَّالًا)
ذكر هَذِه كلهَا الْمَاوَرْدِيّ فِي كِتَابه أدب الدُّنْيَا وَالدّين
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (مَا من مُؤمن ذكر أَو أُنْثَى وَلَا مَمْلُوك إِلَّا وَللَّه عَلَيْهِ حق وَاجِب أَن يتَعَلَّم من الْقُرْآن ويتفقه) ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَلَكِن كونُوا ربانيين بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ الْكتاب وَبِمَا كُنْتُم تدرسون}
رَوَاهُ الثعالبي بِإِسْنَادِهِ عَن معَاذ رضي الله عنه
وَعَن معَاذ بن جبل رضي الله عنه قَالَ تعلمُوا الْعلم فَإِن تعلمه حَسَنَة وَطَلَبه عبَادَة ومذاكرته تَسْبِيح
والبحث عَنهُ جِهَاد وتعليمه من لَا يُعلمهُ صَدَقَة وبذله لأَهله قربَة أَلا إِن الْعلم سَبِيل منَازِل أهل الْجنَّة وَهُوَ المؤنس فِي الوحشة والصاحب فِي الغربة والمحدث فِي الْخلْوَة وَالدَّلِيل على السَّرَّاء والمعين على الضّر اء والزين عِنْد الأ خلاء وَالسِّلَاح على الْأَعْدَاء يرفع الله بِهِ أَقْوَامًا فيجعلهم فِي الْخَيْر قادة أَئِمَّة تقتفى آثَارهم ويقتدى بأفعالهم وينتهى إِلَى رَأْيهمْ وترغب الْمَلَائِكَة فِي خلتهم وبأجنحتها تمسحهم وَيُصلي عَلَيْهِم كل رطب ويابس وحيتان الْبَحْر وهوام الأَرْض وسباع الْبر وَالْبَحْر والأنعام لِأَن الْعلم حَيَاة الْقُلُوب من الْجَهْل ومصباح الْأَبْصَار من الظلمَة وَقُوَّة الْأَبدَان من الضعْف ويبلغ بِالْعَبدِ منَازِل الأخيار والأبرار والدرجات العلى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والتفكر فِيهِ يعدل بالصيام ومذاكرته تعدل بِالْقيامِ وَبِه توصل الْأَرْحَام وَيعرف الْحَلَال من الْحَرَام وَهُوَ إِمَام وَالْعَمَل تَابعه يلهمه السُّعَدَاء ويحرمه الأشقياء
…
ذكره صَاحب تَنْبِيه الغافلين وزهرة الْعُيُون وَغَيرهمَا
وَقد رُوِيَ بعضه مَرْفُوعا وَرَوَاهُ الثعالبي بِإِسْنَادِهِ عَن أنس بن مَالك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَعَن يحيى بن كثير رحمه الله فِي قَوْله تعلى {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي}
قَالَ هِيَ مجَالِس الْفِقْه وَذكر الإِمَام النَّوَوِيّ فِي أذكاره عَن عَطاء رحمهمَا الله أَنه قَالَ مجَالِس الذّكر هِيَ مجَالِس الْحَلَال وَالْحرَام كَيفَ تشتري وتبيع وَتصلي وتصوم وَتنْكح وَتطلق وتحج وَأَشْبَاه ذَلِك وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نعيم الْحَافِظ فِي كتاب حلية الْأَوْلِيَاء عَنهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ وَزَاد فِي أَوله من جلس مجْلِس ذكر كفر الله عَنهُ بذلك الْمجْلس عشرَة مجَالِس من مجَالِس الْبَاطِل فَقيل لَهُ مَا مجَالِس الذّكر قَالَ مجَالِس الْحَلَال وَالْحرَام إِلَى آخر مَا ذكره النَّوَوِيّ رحمهمَا الله
وروى أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ عَن عَطاء بن رَبَاح أَنه قَالَ النّظر إِلَى الْعَالم عبَادَة
وَذكر الإِمَام أَبُو اللَّيْث فِي تنبيهه عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه أَنه قَالَ إِن الله لم يخلق على وَجه الأَرْض أكْرم من مجَالِس الْعلمَاء
وروى الْحَافِظ أَبُو نعيم رحمه الله بِإِسْنَادِهِ فِي كِتَابه رياضة المتعلمين أَن رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ (أَصْبَحْتُم فِي زمَان كثير فقهاؤه قَلِيل خطباؤه قَلِيل سُؤَاله كثير معطوه الْعَمَل فِيهِ خير من الْعلم وَسَيَأْتِي زمَان قَلِيل فقهاؤه كثير خطباؤه كثير سُؤَاله قَلِيل معطوه الْعلم فِيهِ خير من الْعَمَل)
وَفِي تَنْبِيه الغافلين عَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ أَنْتُم فِي زمَان الْعَمَل فِيهِ خير من الْعلم وَسَيَأْتِي زمَان الْعلم فِيهِ خير من الْعَمَل
وروى الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ رحمه الله بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن أبي شيبَة أَنه رأى بعض أَصْحَاب الحَدِيث يضطربون
فَقَالَ أما إِن فاسقهم خير من عَابِد غَيرهم
وروى أَيْضا بِإِسْنَادِهِ عَن عمر بن حَفْص بن غياث رحمه الله وَقد قيل لَهُ أما ترى أَصْحَاب الحَدِيث كَيفَ تغيرُوا كَيفَ فسدوا فَقَالَ هم على مَا هم خِيَار الْقَبَائِل
وَكَذَا رَوَاهُ صَاحب الْفَاصِل بَين الرَّاوِي والواعي بِإِسْنَادِهِ رَحمَه الله