الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
فَعَلَيْك بالتمسك بِالْكتاب وَالسّنة فَلَا تفارقهما وَإِن طعنت بالأسنة وَكن صَابِرًا لله على الْبلوى والمحنة
فقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (الْإِسْلَام بَدَأَ غَرِيبا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبا فطوبى للغرباء)
رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (إِن وراءكم أَيَّامًا الصَّبْر فِيهِنَّ مثل الْقَبْض على الْجَمْر لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أجر خمسين رجلا يعْملُونَ مثل عَمَلكُمْ)
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه
وَقَالَ الإِمَام أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ رحمه الله فِي كِتَابه الْعلمَاء غرباء لِكَثْرَة الْجُهَّال
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (المتمسك بِسنتي عِنْد فَسَاد أمتِي لَهُ أجر مائَة شَهِيد)
ذكره أَبُو اللَّيْث فِي كِتَابه وَصَاحب المصابيح وَغَيرهمَا
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ)
أَرَادَ إلزموها وتمسكوا بهَا وَلَا تهملوها كَمَا يعَض الرجل بنواجذه وَهِي أَضْرَاسه على الشَّيْء خشيَة أَن يفلت مِنْهُ
فَالْزَمْ طَرِيق الْحق وَإِن صَعب وشق وغمض ودق
وامتثل مَا أرشد إِلَيْهِ السَّيِّد الْجَلِيل أَبُو عَليّ الفضيل بن عِيَاض رحمه الله حَيْثُ قَالَ وَعَلَيْك بطرِيق الْهدى وَلَا يَضرك قلَّة السالكين وَإِيَّاك وطرق الضلال وَلَا تغتر بِكَثْرَة الهالكين
انْتهى كَلَامه رَحمَه الله تَعَالَى
فَلَا تفزع من قَول ظَالِم وَلَا فعله وَلَا تجبن من جَهله فَإِنَّهُ مَبْنِيّ على شفا جرف هار وعاقبته إِلَى الدمار والبوار
(وَقد رَأَيْت وَفِي الْأَيَّام تجربة
…
للصبر عَاقِبَة محمودة الْأَثر)
(وكل من جد فِي أَمر يحاوله
…
واستشعر الصَّبْر إِلَّا فَازَ بالظفر)
كم من وَال تجبر وظلم وتعدى طوره وَلم يرع الْحرم دارت عَلَيْهِ دوائر النقم وَصَارَ عِبْرَة لسَائِر الْأُمَم
{ولتعلمن نبأه بعد حِين} {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون}
وَإِيَّاك إِن أحسن أَن تركن إِلَيْهِ وَاحْذَرْ إِن ظلم أَن تَدْعُو عَلَيْهِ بل كل أمره إِلَى الله فَهُوَ حَسبه وتوكل فِي أمورك على الله فَهُوَ رقيبه
(إِن الْمُسِيء ستكفيه إساءته
…
من يظلم النَّاس يصبح غير منتصر)
وَقَالَ بَعضهم
(ستكفى من عَدوك كل كيد
…
إِذا كَاد الْعَدو فَلَا تكده)
وَأنْشد سُلْطَان الطَّرِيقَة وَإِمَام الْحَقِيقَة يُوسُف الْهَمدَانِي رَحمَه الله تَعَالَى
(دع الْمَرْء لَا تجزيه عَن سوء فعله
…
سيكفيه مَا فِيهِ وَمَا هُوَ فَاعل)
وَفِي هَذَا قيل
أحسن إِلَى المحسن بإحسانه والمسيء ستكفيه إساءته
وَاعْلَم أَن الْمُسلم إِذا ظلم فَصَبر وَرجع إِلَى الله فِي
الْأَثر تَائِبًا عَمَّا بطن وَظهر متضرعا فِي الظلام وَالسحر فَإِن الله تَعَالَى ناصره وراحمه وسيهلك عَن قريب ظالمه وشاتمه
قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (إياك ونار الْمُؤمن لَا تحرقك وَإِن عثر فِي كل يَوْم سبع مَرَّات فَإِن يَمِينه بيد الله إِذا شَاءَ أَن ينعشه أنعشه)
رَوَاهُ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ رحمه الله فِي كِتَابه بُسْتَان العارفين وَمعنى قَوْله ينعشه أَي يرفعهُ ويقبله وَقَالَ الْحسن وَقَتَادَة رضي الله عنهما إيَّاكُمْ وأذى الْمُؤمن فَإِنَّهُ أحب لله فَأَحبهُ وَغَضب لرَبه فَغَضب الله لَهُ وَإِن الله يحوطه ويؤذي من آذاه. . ذكره الثعالبي فِي تَفْسِيره وَللَّه سُبْحَانَهُ عباد يغْضب لَهُم كَمَا يغْضب اللَّيْث الْحَرْب
كَذَا ورد فِي الحَدِيث
وحزب الله هم الغالبون وجند الله هم المنصورون {واصبر وَمَا صبرك إِلَّا بِاللَّه وَلَا تحزن عَلَيْهِم وَلَا تَكُ فِي ضيق مِمَّا يمكرون إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون}
وَمن كَانَ الله مَعَه لم يخف واليا وَإِن جرت عَلَيْهِ محنة كَانَ بهَا رَاضِيا لِأَنَّهُ عرف أَن لله سبحانه وتعالى حكما
يَقْضِيهَا ومقادير فِي خلقه يمضيها يَبْتَلِي من يَشَاء بِمَا يَشَاء فَلَيْسَ إِلَّا التَّسْلِيم وَالرِّضَا فَعَلَيْك بِالْعَمَلِ بِالطَّاعَةِ تربح الْفَوْز بِأَحْسَن البضاعة وتسهل عَلَيْك الْأَهْوَال عِنْد قيام السَّاعَة
وَاحْذَرْ أَن تسلم لَهُ خفاره أَو تكون صَاحبه وجاره وَلَو رماك بِالسَّهْمِ وَالْحِجَارَة
فَصَاحب الْقُرْآن وَالْعلم لَا يحمل المذلة والهوان وَلَا الدُّخُول فِي الرّقّ وَالصغَار بل لَا يُبَالِي بِمن عدل أَو جَار
فقد قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْمُبين {وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ}
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ أَن يذل نَفسه) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره وَذكره صَاحب الشهَاب أَيْضا
وَذكر ابْن أبي شامة فِي كتاب المرشد قَالَ أَبُو عبيد جَلَست إِلَى مُعْتَمر بن سُلَيْمَان رحمه الله وَكَانَ من خير من رَأَيْت وَكَانَت لَهُ حَاجَة إِلَى بعض الْمُلُوك فَقيل لَهُ لَو أَتَيْته فكلمته فَقَالَ قد أردْت إِتْيَانه ثمَّ ذكرت الْقُرْآن وَالْعلم فأكرمتهما عَن ذَلِك
وَأنْشد القَاضِي عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْجِرْجَانِيّ رحمه الله شعرًا يَقُول فِيهِ
(يَقُولُونَ لي فِيك انقباض وَإِنَّمَا
…
رَأَوْا رجل عَن موقف الذل أحجما)
(إِذا قيل هَذَا منهل قلت قد أرى
…
وَلَكِن نفس الْحر تحْتَمل الظما)
(وَلم أبتذل فِي خدمَة الْعلم مهجتي
…
لأخدم من لاقيت لَا لَكِن لأخدما)
(أأغرس عزا واجتنيه مذلة
…
إِذا فاتباع الْجَهْل قد كَانَ أحزما)
وَقَالَ الفضيل بن عِيَاض رحمه الله يَنْبَغِي لحامل الْقُرْآن أَن لَا تكون لَهُ حَاجَة إِلَى أحد من الْخلق إِلَى الْخَلِيفَة فَمن دونه
وَيَنْبَغِي أَن تكون حوائج الْخلق إِلَيْهِ وَمن أعزه الله بعز الْإِسْلَام وَعلمه الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام وَسنة مُحَمَّد عليه السلام فَلَقَد أكْرمه الله بِأَحْسَن إكرام وفضله على سَائِر الْأَنَام من الجهلة والغوغاء والطغام فديدنه الصَّبْر على نوب الدَّهْر وَالرُّجُوع إِلَى من لَهُ الْخلق وَالْأَمر حَتَّى يَأْتِيهِ الله بالفرج ويزيل عَنهُ الْهم والضر والحرج إِمَّا بنصر فِي الدُّنْيَا صَرِيح وَإِمَّا بِمَوْت من نصبها مريح وَإِمَّا بِأَجْر فِي الدُّنْيَا مليح ربيح
وَلَقَد أنصف من أنْشد وَوعظ فأرشد
(إِن جَار وَال أَو بَدَت شجون
…
فالصبر حصن للفتى حُصَيْن)
(فاصبر فَإِن الدَّهْر ذُو انقلاب
…
إِذا وفى لابد مَا يخون)
(وَإِن جنى شرا أعاض خيرا
…
وَعكس ذَا وَكم لَهُ فنون)
(وَكم رَأينَا من بلَاء حلا
…
فَزَالَ حَتَّى قرت الْعُيُون)
(وَكم وجدنَا من قساة قوم
…
تاهوا فذلوا بعد واستهينوا)
(وَكم قسا من جَهله حزون
…
وَعَن قريب أمكن الحرون)
(وَكم عتا على الورى غشوم
…
وأسكرته الْجند والحصون)
(فعاقبته قدرَة لرَبي
…
وزالت السطوة والظنون)
(وَفرق الشمل على هوان
…
وَأظْهر المحجوب والمصون)
(وشتت الْحَرِيم واستضيموا
…
فدمعهم بَين الورى هتون)
(فاصبر لحكم الله كَيفَ ماجا
…
فَكلما قدره يكون)
(لابد من أَن يظْهر المخبا
…
وَمن قسا لابد مَا يلين)
(وَمن علا لَا بُد من سُقُوط
…
وتقلب الظُّهُور والبطون)
(وَمَا غلا لَا بُد فِيهِ رخص
…
وكل رخص بعده زبون)
(وكل جَبَّار لَهُ انْتِهَاء
…
وكل جري بعده سُكُون)
(سيندم الْجَانِي على الْخَطَايَا
…
إِذا أَتَاهُ الويل والمنون)
(فَإِن تعش تَجِد جَمِيع هَذَا
…
محققا وَتذهب الشجون)
(وترحم القاسي لما ترَاهُ
…
من ذله وحاله يهون)
(وَإِن تمت من قبل أَن ترى ذَا
…
تنَلْ ثَوابًا قدره رزين)
(وترتجي لطفا وكل خير
…
يَأْتِي بِهِ مُبشر أَمِين)
(وتنقل النَّفس الَّتِي أضيمت
…
إِلَى المنى وَتصْلح الشؤون)
(وَمَا ظلمت أَو غصبت يَأْتِي
…
موفرا وكل ذَا يَقِين)
(لَا تغبطن ظَالِما بظُلْم
…
واغبط فَتى بِدِينِهِ ظنين)
فَإِن عُقبى الظَّالِمين نَار
…
والمتقين فِي الْجنان عين)
(فَالْزَمْ بتقوى الله لَا تدعها
…
فَإِنَّهَا من الْأَذَى تصون)
(وَأقرب الْخَصْمَيْنِ عِنْد رَبِّي
…
من كَانَ مَظْلُوما لَهُ أَنِين)
(فَأَنت ترجو عدله ثَوابًا
…
وَذَاكَ فِيمَا قد جنى رهين)
(والظالم المشوم فِي عَذَاب
…
فِي النَّار مصفود بِهِ قرين)
(ويل الظلوم من عَذَاب يَوْم
…
بِهِ الْجَزَاء وَالْوَيْل والفتون)
(يَوْم الْجَزَاء لابد من قصاص
…
وَالْحَاكِم الله الْقوي المتين)
(وَلَا شُهُود تبتغى لدعوى
…
وَلَا هُنَاكَ تقبل الْيَمين)
(وَلَا هُنَاكَ للظلوم جند
…
وَلَا نصير لَا وَلَا ضمين)
(وَلَا يسَار ثمَّ مِنْهُ يقْضِي وَلَا شَفِيع لَا وَلَا معِين)
(وَأَنت يَا مظلوم فِي جنان
…
منعم مكرم مكين)
(بِشِرَاك يَا مظلوم مَا تلاقي
…
من الرِّضَا وكل مَا يزين)
(واصبر فَإِن الصَّبْر خير خل
…
وَإنَّهُ للصالحين دين)
فالصبر عى المحن والبليات مَذْهَب الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَهُوَ من الْفَضَائِل المشهورات والمناقب المأثورات
وَقد قيل خَزَائِن المنن على قناطر المحن
وَأنْشد الشَّافِعِي رضي الله عنه
(عزة النَّفس والسلامة فِي الدّين
…
اصطبار الْفَتى لدهر عبوس)
وَقَالَ الإِمَام جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا الْكَامِل من الرِّجَال من هُوَ فَقِيه فِي دينه صابر على مَا بِهِ فَيَنْبَغِي الصَّبْر الْجَمِيل لانتظار الْأجر الجزيل فانتظار الْفرج من الله بِالصبرِ عبَادَة
كَذَا قَالَه الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ذكره فِي كتاب الشهَاب وَغَيره
وَيَنْبَغِي أَن لَا يُرْجَى إِلَّا الله وَلَا يخَاف إِلَّا الله فَمن خَافَ غير الله فَمَا عرف الله وَلَا راقب الله إِذْ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فيهمَا ملك لله سُبْحَانَهُ
(فثق بالإله الْفَرد لَا تخش غَيره
…
فربك قيوم عَظِيم وَذُو رحم)
(وَللَّه لطف لَا يحد وَرَحْمَة
…
وتقليب أَحْوَال وَنقض لذِي الْعَزْم)
(وَلَا تيأسن يَا صَاح فَالله قَادر
…
يفرج مَا تلقى من الكرب والهم)
(فكم جاد بِالْإِحْسَانِ فِي كل حَالَة
…
وَكم صب من خير وَمن نعم عَم)
(وَكم حل من عقد تعسر فكه
…
وَكم فك من ضيق وَمن عسر ترمي)
(وَكم من أُمُور أشكلت وتفاقمت
…
ففرجها الْبَارِي وَفرج ذَا الْغم)
(فَلَا تفزعن إِن جَاءَك الشَّرّ إِنَّه
…
يفك الَّذِي يخْشَى وَيذْهب بِالسقمِ)
(وَلَا تفرحن إِن كنت يَوْمًا بِنِعْمَة
…
فكم من نعيم عَاد بِالْوَيْلِ والكلم)
(وَكم من سرُور رده الله ترحة
…
وَكم من بلَاء بعده صِحَة الْجِسْم)
(وَكم من فَقير صَار لِلْمَالِ مَالِكًا
…
وَكم من غَنِي عَاد ملقى من الْعَدَم)
(وَكم يَبْتَلِي الرَّحْمَن ذَا الدّين بالبلاء
…
ويمهل من يَعْصِي لِيَزْدَادَ فِي الجرم)
(وَيرْفَع أَقْوَامًا وَكَانُوا بذلة
…
وَيسْقط أَقْوَامًا وَكَانُوا لَدَى النَّجْم)
(فعد نَحوه واطلب رِضَاهُ وعفوه
…
فَللَّه جود وَهُوَ ذُو اللطف والحلم)