الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
فَعَلَيْك يَا وَلَدي بِالْعلمِ فَإِنَّهُ الْموصل إِلَى كل خير وَهُوَ الدَّافِع لكل ضير وَهُوَ الَّذِي شرفه الله فِي الْجُمْلَة وفضله وَشرف أَهله فِي كل مِلَّة
وَاعْلَم أَنه خلق نَفِيس لَا ينَال بالهوينا والدعة وَإِنَّمَا ينَال بجد واجتهاد ومكابدة جوع وسهاد فَإِن نيل الْعَظِيم لَا يدْرك إِلَّا بِأَمْر عَظِيم وعَلى قدر الرَّاحَة يكون التَّعَب وأعز الْعلم مَا كَانَ عَن ذل الطّلب وبقدر مَا تتعنى تنَال مَا تتمنى
(فاشدد يَديك بِحَبل الدَّرْس مُجْتَهدا
…
وَإِن أمضك طول الْجُوع والسهر)
(إِن التُّجَّار إِذا راحوا وَقد ربحوا
…
أنساهم الرِّبْح مَا عناهم السّفر)
وَفِي صَحِيح مُسلم وَحلية الْأَوْلِيَاء لأبي نعيم عَن يحيى بن أبي كثير رَحِمهم الله تَعَالَى لَا يُسْتَطَاع الْعلم براحة الْجِسْم
وروى الْحسن بن خَلاد رحمه الله فِي كِتَابه الْفَاضِل بِإِسْنَادِهِ عَن إمامنا الشَّافِعِي رضي الله عنه إِنَّه قَالَ لَا يطْلب هَذَا الْعلم من يَطْلُبهُ بِالْملكِ وغنى النَّفس فيفلح وَلَكِن من طلبه بذلة النَّفس وضيق الْعَيْش وخدمة الْعلمَاء أَفْلح
وَقَالَ أَيْضا رضي الله عنه لَا يدْرك الْعلم إِلَّا بِالصبرِ على الذل وَقَالَ أَيْضا رضي الله عنه حق على طلبة الْعلم بُلُوغ غَايَة جهدهمْ فِي الإستكثار من علمه وَالصَّبْر على كل عَارض يعرض دون طلبه وإخلاص النِّيَّة لله تَعَالَى فِي إِدْرَاك علمه نصا واستنباطا وَالرَّغْبَة إِلَى الله تَعَالَى فِي العون عَلَيْهِ
وَقَالَ الإِمَام أَبُو حنيفَة رضي الله عنه يستعان على الْفِقْه بِجمع الهمة ويستعان على حذف العلائق بِأخذ الْيَسِير عِنْد الْحَاجة وَأنْشد بعض الْمُتَقَدِّمين
(تمنيت أَن تمسي فَقِيها مناظرا
…
بِغَيْر عناء فالجنون فنون)
(وَلَيْسَ اكْتِسَاب المَال دون مشقة
…
تحملتها فالعلم كَيفَ يكون)
وَقَالَ الإِمَام مَالك رضي الله عنه لَا يبلغ أحد من هَذَا الْعلم حَتَّى يضر بِهِ الْفقر ويؤثره على كل شَيْء
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْآجُرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى من طلب الْعلم بالفاقة ورث الْفَهم
وَقيل لبَعْضهِم بِمَ أدْركْت الْعلم قَالَ بِالْمِصْبَاحِ وَالْجُلُوس إِلَى الصَّباح
وَقيل لآخر بِمَ نلْت الْعلم قَالَ بِالسَّفرِ والسهر والبكور فِي السحر وَقَالَ بَعضهم لَا يصلح للْعلم من يَأْكُل حَتَّى يشْبع
وَأنْشد بَعضهم
(يَا طَالب الْعلم بَاشر الورعا
…
واهجر النّوم واترك الشبعا)
(وَدم على الدَّرْس لَا تُفَارِقهُ
…
فالعلم بالدرس قَامَ وارتفعا)
وَقَالَ بَعضهم الْعلم عز لَا ذل فِيهِ لَكِن لَا ينَال إِلَّا بذل لَا عز فِيهِ
وَحكى الْفَخر الرَّازِيّ عَن الشَّافِعِي رضي الله عنهما أَنه قَالَ الْعلم حر وطالبه عبد فَإِن خدم الْعلم قبله
الْعلم وَإِن تجبر عَلَيْهِ فالعلم أولى أَن يتجبر عَلَيْهِ وَقَالَ مُجَاهِد رحمه الله لَا يتَعَلَّم الْعلم مستحي وَلَا متكبر
وَكَانَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما يَقُول ذللت طَالبا فعزرت مَطْلُوبا
وَيُقَال
(الْعلم حَرْب للفتى المتعالي
…
كالسيل حَرْب للمكان العالي)
وينشد
(أرى لَك نفسا تشْتَهي أَن تعزها
…
وَلست تنَال الْعلم حَتَّى تذلها)
وَقَالَ بَعضهم الْعلم لَا يحصل إِلَّا باستناد الْحجر وافتراش الْمدر وإدمان الْجُوع والسهر
وَقَالَ آخر لن يدْرك الْعلم من لَا يُطِيل درسه وَلَا يكد نَفسه
وينشد
(صابر على الْعلم وَلَا تسترح
…
فالعلم لَا يدْرك بالراحة)
وَعَن الشَّافِعِي رضي الله عنه لَا يفلح فِي هَذَا الشَّأْن يَعْنِي الْفِقْه إِلَّا من أثكل أَبَوَيْهِ وأتلف مَاله وَجعل
الْمَسْأَلَة أَمَامه وأغلق دكانه وأحرق قلبه الْجُوع وَتعلق فِي شعره الْقمل وَلم يقل واغربتاه وَأنْشد بَعضهم
(بِقدر الكد تكتسب الْمَعَالِي
…
وَمن طلب الْعلَا سهر اللَّيَالِي)
(تروم الْعلم ثمَّ تنام لَيْلًا
…
يغوص الْبَحْر من طلب الآلي)
فاصبر يَا بني على تَحْصِيله لتنال الْعِزّ عِنْد حُصُوله فقد قَالَ أَبُو اللَّيْث رحمه الله من صَبر على نصب الْعلم فِي الإبتداء وجد عواقبه لَذَّة تفوق سَائِر لذات الدُّنْيَا وَإِيَّاك أَن تهتم للرزق فَإِنَّهُ مَكْتُوب مُقَدّر وكل لَهُ قسم مِنْهُ ميسر أَو مُعسر على مَا سبق بِهِ قَضَاء الله الْأَكْبَر
(لَا الْحِرْص زَاد وَلَا الإهمال ينقصهُ
…
ثمَّ الْقَضَاء فَلم ينقص وَلم يزدْ)
وَقد قَالَ بعض الْحُكَمَاء لِبَنِيهِ يَا بني تعلمُوا الْعلم وَإِن لم تنالوا بِهِ من الدُّنْيَا حظا فَلِأَن يذم الزَّمَان لكم أحب إِلَيّ أَن يذم الزَّمَان بكم
كَيفَ وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (من طلب الْعلم تكفل الله برزقه)
رَوَاهُ أَبُو نعيم الْحَافِظ فِي كِتَابه بِإِسْنَادِهِ
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (من تفقه فِي دين الله كَفاهُ الله همه ورزقه من حَيْثُ لَا يحْتَسب)
ذكره الإِمَام أَبُو اللَّيْث رحمه الله فِي كِتَابه
ويروى أَن الله سُبْحَانَهُ أوحى إِلَى الأَرْض يَا أَرض حرمت عَلَيْك أَن تطعمي بني آدم إِلَّا بكد الْيَمين وعرق الجبين غير طَالب الْعلم فَإِنِّي تكفلت برزقه
ذكره فِي حقائق التَّفْسِير
وروى أَبُو نعيم الْحَافِظ رحمه الله بِإِسْنَادِهِ فِي كتب رياض المتعلمين أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (من غَدا فِي طلب الْعلم صلت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة وبورك لَهُ فِي معاشه وَلم ينقص من رزقه وَكَانَ عَلَيْهِ مُبَارَكًا)
وَاعْتبر يَا بني بِي وَمَا جمعت من كتبي فَإِنِّي كنت لَا لي مَال وَلَا أَسْتَطِيع كسبا للعيال وَلست محترفا وَلَا تَاجر وَلَا أَنا على السّفر للتِّجَارَة جاسر فَمَا دخلت سوقا لبيع وَلَا شِرَاء وَلَا طلبت العشور من الورى وَلَا درت فِي الْقرى للقرا بل اشتغلت بِالْعلمِ وَطَلَبه وأفنيت أيامي بِالْعلمِ وَكتبه فَأَتَانِي الله برزقي من حَيْثُ لَا أحتسب ووهب لي الجزيل وَلست بمكتسب تفضلا من الرَّحْمَن الرَّحِيم وَقَول كن فَكَانَ
(لقد جَاءَنِي الرزق من رَبنَا
…
تَعَالَى الَّذِي فَوقِي الرزق صب)
(وَأعْطى الجزيل بِلَا كلفة
…
وَلَا فِي اجْتِهَاد وَلَا فِي تَعب)
(وَلَا باتجار وَلَا من رَبًّا
…
وَلَا من رشا أَو جنا أَو طلب)
(وَقد كنت فِي الْفقر صفر الْيَدَيْنِ
…
أراقب إِحْسَان أم وَأب)
(فَأَعْطَانِي الله مَا قد كفى
…
وجاد وَبَارك فِيمَا وهب)
(تَعَالَى وَعز وَجل الَّذِي
…
ينيل الْفَتى الرزق لَا فِي سَبَب)
(وَلكنه قَول كن حِكْمَة
…
وَقد أحكم الله مَا قد كتب)
وَلما رَزَقَنِي الله سُبْحَانَهُ محبَّة الْعلم وَالْعُلَمَاء وجدت ذَلِك أبرد على قلبِي من المَاء على الظما وحبب إِلَيّ الْعلم حَتَّى لَا أحب من الدُّنْيَا سواهُ وَظَهَرت لي بركته فِي الدُّنْيَا وهداه وَفِي الْآخِرَة أَرْجُو من الله رِضَاهُ وَأَن يحشرني مَعَ
الْعلمَاء لحبي لَهُم وَإِن لم أكن عَاملا عَمَلهم
فالمرء مَعَ من أحب إِن شَاءَ الله
فَاتبع يَا وَلَدي فِي طلبه فني حَتَّى أَقُول لسائلي إِن ابْني مني وَقد قلت فِي ذَلِك أبياتا فاروها عني وَهِي هَذِه
(مَا لَذَّة التَّمْر والحلواء وَالضَّرْب
…
وَلَا عنَاق الغواني الخرد وَالْعرب)
(كلذتي فِي انتخاب الْعلم أجمعه
…
من المحابر بالأقلام فِي الْكتب)
(من ذَا الْكتاب إِلَى هَذَا مداولة
…
وَفِي الْمعَانِي وكشف السّتْر والحجب)
(عَن الدقائق والأشكال أظهره
…
أحلى لدي من الحلوا على سغب)
(فمؤنسي دفتري وَالْعلم مفتخري
…
وخاطري حاضري فِي الْعلم لم يغب)
(مَا لَذَّة الْخلق فِي الدُّنْيَا جَمِيعهم
…
وَلَا الْمُلُوك وَأهل اللَّهْو والطرب)
(كلذتي فِي طلاب الْعلم يَا وَلَدي
…
فالعلم معتمدي حَقًا ومكتسبي)
(مهما وصلت إِلَى تَحْقِيق مَسْأَلَة
…
سَار السرُور بأعضائي وَبَين بِي)
(وَغَابَ عني جَمِيع الْخلق قاطبة
…
وصرت ألهو بفن مونق عجب)
(مَا المَال مَا الْأَهْل مَا الْأَوْلَاد كلهم
…
ألذ عِنْدِي من علمي وَمن كتبي)
(إِن جلت فِي الْعلم أنساني السرُور كَمَا
…
أنسى الهموم وأنسى شدَّة الكرب)
(فالعلم أنسي ومحبوبي ومطلبي
…
ناهيك من متجر حُلْو ومكتسب)
(كل المسرات غير الْعلم فانية
…
يَا حبذا الْعلم من فَخر وَمن حسب)
(فاعكف عَلَيْهِ وَلَا تهجره واغن بِهِ
…
عَن كل أهل وَعَن مَال وَعَن نسب)
(وَإِن يحل دونه شغل وحادثة
…
فاصبر وجد وَكن من أَصْبِر الْعَرَب)
(وَلَا يصدك عَنهُ بعد شقته
…
وَمَا تقاسيه من فكر وَمن نصب)
(فَإِن عقباه فِي دنياك مربحة
…
وَفِي الْقِيَامَة يعلى أرفع الرتب)
(أشبه بِنَفْسِك أهل الْعلم يَا وَلَدي
…
فَذَاك خير بِلَا شكّ وَلَا ريب)
(وَلَا يهمك كَون النَّاس قد هجروا
…
أهل الْعُلُوم وعقوهم بِلَا سَبَب)
(من يجهل الْعلم عادى الحاملين لَهُ
…
وكل غوغاء فَلَا تعبأ بهم تصب)
(فَالْحق مر وَعلم الشَّرْع يمْنَع عَن
…
نيل الْحَرَام وَعَن ظلم وَعَن غلب)
(لذاك قد كَرهُوا من صَار يفطمهم
…
عَن الْمعاصِي وَمن يهدي إِلَى الْأَدَب)
(فَكُن غَرِيبا فريدا بالعلوم تَجِد
…
عواقب الْعلم عزا غير مُنْقَلب)
(فالعلم كنز وَذخر لَيْسَ يعدله
…
كنز من الدّرّ أَو كنز من الذَّهَب)
(يَكْفِيك فضلا بِأَن الله يمدحه
…
والصالحون أولو التَّقْوَى وكل نَبِي)
(هَذَا وكل بني حَوَّاء فحاجتهم
…
تَدْعُو إِلَيْهِ بِلَا ريب وَلَا كذب)
(فالزمه واحفظه وَاسْتعْمل قواك بِهِ
…
واعمل بعلمك كي تنجو من العطب)
وَأنْشد إمامنا وَسَيِّدنَا رضي الله عنه فِي كتاب المعتقد للألباب فَقَالَ فِي بَاب فضل الْعلم مِنْهُ
(إِن الْعُلُوم تميز الطّيب عَن خبث
…
وَالْحق عَن بَاطِل فاشدد لَهَا الطلبا)
(ليطمس الْجَهْل بالأنوار جوهرها
…
ويرشد الْمَرْء مأوى حَاله عقبا)
(فالعلم يحيي الْقُلُوب الميتات بِهِ
…
وَيصْلح الدّين وَالدُّنْيَا إِذا خربا)
(وكل حِين بِهِ تزداد مرتبَة
…
وتكسب الْفَهم إِيجَاد الَّذِي عزبا)
(فَالله أثنى عَلَيْهِ فِي الْكتاب بِمَا
…
نتلوه فِي آل عمرَان وَبعد سبا)
(واقرأ بطه وآي الرّوم مَعَ قصَص
…
وَالْفرق فِي زمر فِي كل ذَاك نبا)
(وَالْعَنْكَبُوت ومدحا فِي مجادلة
…
آي أَتَت ذكرهَا للسمع قد عذبا)
(وَفِي الحَدِيث فقد نَص الرَّسُول على
…
فضل الْعُلُوم فَكُن للْعلم مطلبا)
(يضيق كل إِنَاء حِين تملؤه
…
والصدر إِن يمتلىء علما بِهِ رحبا)
(مَا ورث الرُّسُل إِلَّا الْعلم كن علما
…
ووارثا لرَسُول الله منتصبا)
(وَلَا تدع فتش كتب الْعلم إِن بهَا
…
مَا يشحذ الْفَهم والأفكار والأدبا)
(وَهَا كنوز الْمَعَالِي والمعارف فِي
…
مَاض ومستقبل مجني لمن هدبا)
(هَل غير شرع رَسُول الله مُعْتَمد
…
شرع شرِيف على الْأَشْيَاء قد غلبا)
وَهَذَا ذكر الْآيَات الْكَرِيمَة الْوَارِدَة فِي فضل الْعلم وَالْعُلَمَاء الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا فِي هَذِه الأبيات وَهِي عشر نذكرها على تَرْتِيب مَا نظمه
وَهِي قَوْله {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وأولو الْعلم}
{إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء} {رب زِدْنِي علما} {إِن فِي ذَلِك لآيَات للْعَالمين} على قِرَاءَة من كسر اللَّام {وَقَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم وَالْإِيمَان} {وَقَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم} {قل هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ} {وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ} {بل هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم} {يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات}
وَاعْلَم أَن الْعُلُوم كلهَا فاضلة وَكلهَا أبازير للفقه قَالَ
الْغَزالِيّ رحمه الله وَلأَجل شرف علم الْفِقْه وفر الله دواعي الْخلق على طلبه وَكَانَ الْعَالم بِهِ أرفع الْعلمَاء مَكَانا وأجلهم شَأْنًا وَأَكْثَرهم اتبَاعا وأعوانا قَالَ صلى الله عليه وسلم (فَقِيه وَاحِد أَشد على الشَّيْطَان من ألف عَابِد)
رَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ رحمه الله وروى الإِمَام الثعالبي الْمُفَسّر رحمه الله بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الله بن الْمُبَارك رحمه الله قَالَ دخلت على سُفْيَان الثَّوْريّ رحمه الله بِمَكَّة فَوَجَدته مَرِيضا شَارِب دَوَاء
وَبِه غم شَدِيد فَسلمت عَلَيْهِ فَقلت مَا لَك يَا أَبَا عبد الله فَقَالَ أَنا شَارِب دَوَاء وَبِي غم شَدِيد
فَقلت أعندك بصلَة قَالَ نعم قلت فائتني بهَا فكسرتها ثمَّ قلت لَهُ شمها فشمها فعطس عِنْد ذَلِك فَقَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين فسكن مَا بِهِ فَقَالَ لي يَا ابْن الْمُبَارك فَقِيه وطبيب أَو قَالَ عَالم وطبيب فَقلت لَهُ مجربا يَا أَبَا عبد الله قَالَ فَلَمَّا رَأَيْته سكن مَا بِهِ وَطَابَتْ نَفسه قلت إِنِّي أُرِيد أَن أَسأَلك حَدِيثا قَالَ سل مَا شِئْت فَقلت أَخْبرنِي من النَّاس قَالَ الْفُقَهَاء قلت فَمن الْمُلُوك قَالَ الزهاد قلت فَمن الْأَشْرَاف قَالَ الأتقياء
قلت فَمن الغوغاء قَالَ الَّذين يَكْتُبُونَ الحَدِيث يستأكلون بِهِ النَّاس
قلت أَخْبرنِي رَحِمك الله من
السفلة قَالَ الظلمَة
ثمَّ ودعته فَخرجت من عِنْده فَقَالَ لي يَا ابْن الْمُبَارك عَلَيْك بِهَذَا الحيز فَإِنَّهُ مَوْجُود رخيص قبل أَن يغلق فَلَا يُوجد بِالثّمن
انْتهى كَلَامه
ذكره من تَفْسِير الْفُقَهَاء سُورَة آل عمرَان
وَهَذَا الَّذِي ذكره من تَفْسِير الْفُقَهَاء والملوك والأشراف هُوَ كَذَلِك لَيْسَ فِيهِ خلاف
وَأما الغوغاء فلغيره فيهم تَفْسِير آخر
قَالَ الشَّيْخ ابْن سُلَيْمَان الْخطابِيّ رحمه الله يُرِيد بهم الْجُهَّال وَأهل الدناءة وَقلة الْمُرُوءَة
وَأسْندَ عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ الأَصْل الْجَرَاد إِذا ماج بعضه فِي بعض
قَالَ وَبِه سمي الغوغاء من النَّاس وَقَالَ غَيره الغوغاء من لَا يجمع أَمرهم رَئِيس لَهُم فيركب كل مِنْهُم رَأسه فِيمَا يَشَاء لَا يردهُ عقل وَلَا حَيَاء وهم الَّذين كَانُوا قتلة الْأَنْبِيَاء
نسْأَل الله الْعَافِيَة
وَقَالَ أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ رحمه الله فِي كِتَابه وَلكُل شَيْء عماد وعماد الدّين الْفِقْه
وَأنْشد بَعضهم
(وَعلم الْفِقْه أشرف كل علم
…
وَعلم النَّحْو زين للرِّجَال)
(وَتَعْلِيم الْأُصُول أجل أصل
…
وَتَعْلِيم الْفُرُوع من الْكَمَال)
وَأنْشد مُحَمَّد بن الْحسن صَاحب أبي حنيفَة رضي الله عنهما
(تعلم فَإِن الْعلم زين لأَهله
…
وَفضل وعنوان لكل المحامد)
(تفقه فَإِن الْفِقْه أفضل قَائِد
…
إِلَى الْبر وَالتَّقوى وَأَعْدل قَاصد)
(وَإِن فَقِيها وَاحِدًا متورعا
…
أَشد على الشَّيْطَان من ألف عَابِد)
(هُوَ الْعلم الْهَادِي إِلَى سنَن الْهدى
…
هُوَ الْحصن يُنجي من جَمِيع الشدائد)
وَقَالَ آخر عَفا الله تَعَالَى عَنهُ
(إِذا مَا اعتز ذُو علم بِعلم
…
فَعلم الْفِقْه أولى باعتزاز)
(وَكم طيب يفوح وَلَا كمسك
…
وَكم طير يطير وَلَا كباز)
وَقَالَ غَيره
(غَايَة الْعلم بعيد غورها
…
إِنَّمَا الْعلم بحور زاخرة)
(فَعَلَيْك الْفِقْه مِنْهُ يحتوي
…
شرفا الدُّنْيَا وَعز الْآخِرَة)
وَقَالَ آخر
(كل الْعُلُوم سوى الْقُرْآن مشغلة
…
إِلَّا الحَدِيث وَإِلَّا الْفِقْه فِي الدّين)