المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل   فَعرف بِهَذَا وَأَمْثَاله أَن حُرْمَة الْعلم لَا تسْقط بالزلل وَلَا - نشر طي التعريف في فضل حملة العلم الشريف والرد على ماقتهم السخيف

[الوصابي]

الفصل: ‌ ‌فصل   فَعرف بِهَذَا وَأَمْثَاله أَن حُرْمَة الْعلم لَا تسْقط بالزلل وَلَا

‌فصل

فَعرف بِهَذَا وَأَمْثَاله أَن حُرْمَة الْعلم لَا تسْقط بالزلل وَلَا يُبَاح عرض الْعَالم بترك الْعَمَل

فبركة الْعلم ترده إِلَى الصَّوَاب ويرجى لحامله التَّوْفِيق للمتاب لطفا من الله الرَّحِيم الْوَهَّاب

وروى أنس رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ (من طلب الْعلم لغير الله لم يخرج من الدُّنْيَا حَتَّى يَأْبَى عَلَيْهِ الْعلم فَيكون لله وَمن طلب الْعلم لله فَهُوَ كالصائم نَهَاره الْقَائِم ليله وَإِن بَابا من الْعلم يتعلمه الرجل خير لَهُ من أَن لَو كَانَ لَهُ أَبُو قبيس ذَهَبا فأنفقه فِي سَبِيل الله)

رَوَاهُ الإِمَام أَبُو اللَّيْث رحمه الله فِي تنبيهه

وَقيل ليحيى بن يمَان رحمه الله إِنَّهُم يطلبونه وَلَيْسَ لَهُم فِيهِ نِيَّة فَقَالَ طَلَبهمْ إِيَّاه لَهُ نِيَّة

وَقَالَ مُجَاهِد رحمه الله طلبنا هَذَا الْعلم وَلَيْسَ لنا فِيهِ نِيَّة ثمَّ

ص: 56

أحسن الله النِّيَّة بعد

وَقَالَ رجل لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة رحمه الله نشدتك بِاللَّه أطلبت هَذَا الْعلم يَوْم طلبته لله فَقَالَ سُفْيَان اللَّهُمَّ لَا إِنَّمَا طلبناه تأدبا وتطرفا فَأبى الله إِلَّا أَن يكون لَهُ

ويروى طلبنا الْعلم لغير الله فَأبى الْعلم إِلَّا أَن يكون لله

وَقَالَ أَبُو ذَر رضي الله عنه لِأَن يبْعَث الرجل عَالما خير لَهُ من أَن يبْعَث جَاهِلا وَنَحْوه

عَن أبي الدَّرْدَاء وَأبي هُرَيْرَة رضي الله عنهما وَقد اشْتهر عَن المقرىء الْمَعْرُوف بِابْن شنبوذ أَنه غير حروفا من الْقُرْآن تخَالف الْمُصحف الْكَرِيم وَالْإِجْمَاع فقرأها وأقرأها فَأنْكر عَلَيْهِ أهل زَمَانه فَأحْضرهُ الْوَزير ابْن مقلة وحبسه وشدد عَلَيْهِ وَأمر بضربه حَتَّى رَجَعَ الْمُقْرِئ عَمَّا فعله وَأشْهد على تَوْبَته وَذَلِكَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَلَاث مائَة وَقد كَانَ دَعَا وَهُوَ يضْرب على ابْن مقلة بِقطع يَده وتشتت شَمله فَاسْتَجَاب الله دعاءه عَلَيْهِ

فعزل ابْن مقلة سنة أَربع وَعشْرين وَجرى عَلَيْهِ من الضَّرْب والإهانة أَمر عَظِيم وتشتت شَمله وَقطعت يَده وَلسَانه مَعَ أَن ابْن مقلة قصد رده إِلَى الْحق الْمُبين وَأنكر عَلَيْهِ مَا يجب إِنْكَاره على كل متدين والمقرئ الْمَذْكُور قد أَتَى بمنكر مَشْهُور حِين خَالف الْجُمْهُور لَكِن خطأه فِي قَضِيَّة لَا تسْقط حَظه من

ص: 57

حُرْمَة الْقُرْآن وَالْعلم فَكَانَ رده بالرفق أولى من العنف رِعَايَة لحق الْعلم وَلَكِن الله يفعل مَا يَشَاء

ذكره الإِمَام ابْن أبي شامة فِي كِتَابه المرشد بِمَا هَذَا مَعْنَاهُ

وَذكر الإِمَام ابْن عبد السَّلَام فِي قَوَاعِد الْأَحْكَام أَنه قَالَ لَو رفعت صغائر الْأَوْلِيَاء إِلَى الْأَئِمَّة والحكام لم يجز تعزيرهم عَلَيْهَا بل تقال عثرتهم وَتغْفر زلتهم فهم أولى من أقيلت عثرته وغفرت زلته

هَذَا لَفظه بِحُرُوفِهِ وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم (أقيلوا ذَوي الهيئات عثراتهم

. .) فَأهل الْعلم أشرف ذَوي الهيئات إِذْ هم الْأَوْلِيَاء بقول الثِّقَات فَثَبت أَن الْقُرْآن وَالْعلم أَعلَى من أَن يهان حاملهما أَو يضام ناقلهما وَالْحَمْد لله الَّذِي أعزهما وأعز أهلهما

رَوَت عَائِشَة رضي الله عنها عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ (من وقر عَالما فقد وقر ربه) ذكره الإِمَام الْمَاوَرْدِيّ فِي كِتَابه

والتوقير هُوَ التبجيل والتعظيم

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (الْمَشْي بَين يَدي الكبراء من الْكَبَائِر وَلَا يمشي بَين يَدي الكبراء إِلَّا مَلْعُون يَعْنِي قدامهم) قيل يَا رَسُول الله من الكبراء قَالَ (الْعلمَاء والصالحون)

وَذكره الإِمَام مُوسَى بن أَحْمد الوصابي

ص: 58

رَحمَه الله فِي كتاب الْحجَّة

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (ثَلَاث من توقير جلال الله إكرام ذِي الشيبة فِي الْإِسْلَام وحامل كتاب الله وحامل الْعلم من كَانَ من صَغِير أَو كَبِير)

روينَاهُ فِي مجَالِس الإِمَام الميانشي بِسَنَدِهِ

وَقد كَانُوا يوقرون علماءهم ويتواضعون لَهُم وَإِن كَانُوا فِي النّسَب دونهم

هَذَا ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما لَا يجهل شرفه وَنسبه إِذْ هُوَ ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْخُذ بركاب زيد بن ثَابت الخزرجي إِذا أَرَادَ أَن يركب ليضع رجله فِي الركاب قيل لَهُ تمسك بركابه وَأَنت ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنَّا هَكَذَا نصْنَع بالعلماء وَكَانَ زيد هَذَا من فُقَهَاء الْأَنْصَار رضي الله عنهم

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما من آذَى فَقِيها فقد آذَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمن آذَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذَى الله عز وجل ذكره الْخَطِيب فِي كتاب الْفَقِيه والمتفقه

وَقد أخبر الله تَعَالَى فِي كِتَابه عَن الْجَزَاء لمن آذاه مَا هُوَ فَقَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين يُؤْذونَ الله وَرَسُوله لعنهم الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأعد لَهُم عذَابا مهينا}

ص: 59

)

وَقَالَ أَبُو مَنْصُور الثعالبي رحمه الله فِي كتاب الفرائد والقلائد لَا يستخف بِالْعلمِ وَأَهله إِلَّا رفيع جَاهِل أَو وضيع خامل

ذكره الإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ فِي كِتَابه إحْيَاء عُلُوم الدّين عَن حُذَيْفَة رضي الله عنه أَنه قَالَ إِنَّكُم لن تزالوا بِخَير مَا عَرَفْتُمْ الْحق وَكَانَ الْعَالم فِيكُم غير مستخف بِهِ

وَذكر الإِمَام أَبُو الْقَاسِم الرَّافِعِيّ رحمه الله وَتَبعهُ النَّوَوِيّ والأصبحي وَغَيرهم رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَن الوقيعة فِي الْعلمَاء مُحرمَة أَشد تَحْرِيم وألحقوها بالكبائر الَّتِي ترد بهَا الشَّهَادَات وَتسقط بهَا الولايات وَهَذَا مَا لم يقْصد بذلك استهزاء فَإِن قصد الإستهزاء بِالْعلمِ أَو بالعلماء أَو بالشريعة الْعُظْمَى أَو بِشَيْء من أَحْكَام الدّين فقد كفر بِاللَّه رب الْعَالمين وَصَارَ مُرْتَدا تجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُرْتَدين على مَا سبق فِي أول الْجُزْء بدليله من كتاب الله تَعَالَى وتنزيله وَالله الْهَادِي إِلَى سَبيله

وَالْحَمْد لله على جَمِيع نعمه ونسأله الْمَزِيد من جوده وَكَرمه

ص: 60

وَقد أفْصح الْقُرْآن الْكَرِيم بِأَن حَملته هم أهل الشّرف العميم وَأَنَّهُمْ الموصوفون بالتعظيم والإصطفاء والتكريم والنجاة من الْعَذَاب الْأَلِيم فضلا من الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

فَقَالَ سُبْحَانَهُ {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب} أَي أعطينا الْقُرْآن {الَّذين اصْطَفَيْنَا} أَي الَّذين اخترنا {من عبادنَا}

قَالَ أَكثر الْمُفَسّرين هم أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ثمَّ قسمهم ثَلَاث طَبَقَات ورتبهم على ثَلَاث دَرَجَات فَقَالَ سُبْحَانَهُ {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات}

وَجعل كلهم فِي الْجنَّة بِحرْمَة الْقُرْآن وَكلمَة الْإِخْلَاص وَقد اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي معنى الظَّالِم والمقتصد وَالسَّابِق فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رضي الله عنه سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات بِإِذن الله}

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم (أما السَّابِق فَيدْخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَأما المقتصد فيحاسب حسابا يَسِيرا وَأما

ص: 61

الظَّالِم لنَفسِهِ فَيحْبس فِي الْمَحْشَر ثمَّ الَّذين تلافاهم الله برحمته وهم الَّذين يَقُولُونَ الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن)

وَقَالَ عُثْمَان رضي الله عنه سَابِقنَا أهل جهادنا وَمُقْتَصِدنَا أهل حَضَرنَا وَظَالِمنَا أهل بدونا

وَقَالَت عَائِشَة رضي الله عنها السَّابِق بالخيرات من مضى على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم شهد لَهُ بِالْجنَّةِ والمقتصد من اتبع أَثَره من أَصْحَابه والظالم مثلي ومثلكم

وَقَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما السَّابِق المخلص والمقتصد الْمرَائِي والظالم الْكَافِر نعْمَة الله عَلَيْهِ غير الجاحد لَهَا وَقيل الظَّالِم لنَفسِهِ الَّذِي مَاتَ على كَبِيرَة وَلم يتب مِنْهَا والمقتصد الَّذِي لم يصب كَبِيرَة وَالسَّابِق الَّذِي لم يعْص الله والتائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ

وَعَن الْحسن رحمه الله السَّابِق من رجحت حَسَنَاته على سيئاته والمقتصد من اسْتَوَت حَسَنَاته وسيئاته والظالم الَّذِي ترجح سيئاته على حَسَنَاته

وَقَالَ سهل بن عبد الله السَّابِق الْعَالم والمقتصد المتعلم والظالم الْجَاهِل

وَقيل الظَّالِم طَالب الدُّنْيَا والمقتصد طَالب

ص: 62

العقبى وَالسَّابِق طَالب الْمولى

وَقيل الظَّالِم الْمُسلم والمقتصد الْمُؤمن وَالسَّابِق المحسن

وَقيل الظَّالِم الْمرَائِي والمقتصد من يكون بعض عمله رِيَاء وَبَعضه إخلاصا وَالسَّابِق المخلص فِي أَعماله كلهَا

وَقيل الظَّالِم من أَخذ الدُّنْيَا كَيفَ سنحت والمقتصد الْمُجْتَهد فِي طلب الْحَلَال وَالسَّابِق الَّذِي ترك الدُّنْيَا جملَة وَأعْرض عَنْهَا

وَقيل الظَّالِم من ظَاهره خير من بَاطِنه والمقتصد من اسْتَوَى ظَاهره وباطنه وَالسَّابِق من بَاطِنه خير من ظَاهره

وَقيل الظَّالِم الَّذِي يجزع عِنْد الْبلَاء والمقتصد الَّذِي يصبر على الْبلَاء والمقتصد الَّذِي يصبر على الْبلَاء وَالسَّابِق المتلذذ بالبلاء

وَقيل الظَّالِم الَّذِي أعطي فَمنع والمقتصد الَّذِي أعطي فبذل وَالسَّابِق الَّذِي منع فَشكر وَقيل الظَّالِم التَّالِي لِلْقُرْآنِ والمقتصد الْقَارئ لَهُ والعالم بِهِ وَالسَّابِق الْقَارئ لَهُ الْعَالم بِهِ الْعَامِل بِهِ

وَقَالَ ذُو النُّون الْمصْرِيّ رحمه الله الظَّالِم الَّذِي يذكر الله بِلِسَانِهِ والمقتصد الَّذِي يذكرهُ بِقَلْبِه وَالسَّابِق الَّذِي لَا ينسى ربه

وَقيل الظَّالِم الَّذِي يعبد الله خوفًا من النَّار والمقتصد الَّذِي يعبده طَمَعا فِي الْجنَّة وَالسَّابِق الَّذِي يعبده سُبْحَانَهُ لَا لسَبَب

وَقيل السَّابِق الَّذِي يدْخل الْمَسْجِد قبل تأذين الْمُؤَذّن والمقتصد الَّذِي يدْخل الْمَسْجِد وَقد أذن

ص: 63

والظالم الَّذِي يدْخل الْمَسْجِد وَقد أقيم

وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم بن حبيب رحمه الله الظَّالِم من ينتصف وَلَا ينصف والمقتصد من ينصف وينتصف وَالسَّابِق من ينصف وَلَا ينتصف

وَقَالَ أَحْمد بن قَاسم الْأَنْطَاكِي رحمه الله الظَّالِم صَاحب الْأَقْوَال والمقتصد صَاحب الْأَفْعَال وَالسَّابِق صَاحب الْأَحْوَال

ثمَّ جمعهم الله سبحانه وتعالى على اخْتِلَاف طبقاتهم فَقَالَ {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا}

قَالَ مقَاتل رحمه الله يَعْنِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة

وَأسْندَ الإِمَام الْمُفَسّر الثعالبي رحمه الله عَن أُسَامَة بن زيد رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله تَعَالَى {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات بِإِذن الله}

قَالَ (كلهم فِي الْجنَّة) وروى بِإِسْنَادِهِ أَيْضا عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه أَنه قَرَأَ على الْمِنْبَر قَوْله تَعَالَى {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات بِإِذن الله}

فَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (سَابِقنَا

ص: 64

سَابق وَمُقْتَصِدنَا نَاجٍ وَظَالِمنَا مغْفُور لَهُ)

ذكر بعض ذَلِك الواحدي رحمه الله فِي وسيطه وَذكر ذَلِك كُله الثعالبي الْمُفَسّر فِي كِتَابه الْكَشْف وَالْبَيَان فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَكفى بِهَذَا شرفا لقراء الْقُرْآن وَالله الْمُسْتَعَان على مَا يرضيه بمنه ولطفه

ص: 65