المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل   وَقد نجم فِي هَذَا الْوَقْت ناجم وهجم على الْعلمَاء هاجم - نشر طي التعريف في فضل حملة العلم الشريف والرد على ماقتهم السخيف

[الوصابي]

الفصل: ‌ ‌فصل   وَقد نجم فِي هَذَا الْوَقْت ناجم وهجم على الْعلمَاء هاجم

‌فصل

وَقد نجم فِي هَذَا الْوَقْت ناجم وهجم على الْعلمَاء هاجم باللوم والعقوق وإهمال الشَّرَائِع والحقوق ورام عكس الْأُمُور الشَّرْعِيَّة بإثارة الْمَظَالِم البدعية

(فَلَا الْحق مسلوك وَلَا الشَّرْع قَائِم

)

لم يعرف للشَّرْع الشريف حَقه بل أهمله وجفاه وعقه

فَلم ينصر حَاكما وَلَا منع مُتَعَدِّيا ظَالِما

قد أتعبه حسده وجهله حَتَّى عزب عَنهُ رشده وعقله

فَجعل يتبع الْعلمَاء بذمه ويغتابهم بمقته ولومه

ويضحك النَّاس مِنْهُم ويعجب ويبحث عَن زلاتهم ويثرب

وَلَيْسَ بضارهم شَيْئا إِن شَاءَ الله

فَإِن سبحانه وتعالى قد أعز الْعلم وَالْعُلَمَاء وشرفهم فِي الأَرْض وَالسَّمَاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (مثل الْعلمَاء فِي النَّاس كَالنُّجُومِ

ص: 33

يَهْتَدُونَ بهَا فِي الْبر وَالْبَحْر

وَذكره فِي كتاب زهرَة الْعُيُون وَغَيره

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (مَا انتعل عبد قطّ وَلَا تخفف وَلَا لبس ثوبا ليغدو فِي طلب الْعلم إِلَّا غفر لَهُ حِين يخطو عتبَة دَاره) ورويناه فِي كتاب الْأَرْبَعين المحررة فِي أَحَادِيث الْمَغْفِرَة

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (مَا من متعلم يخْتَلف إِلَى بَاب الْمعلم إِلَّا كتب الله لَهُ بِكُل قدم عبَادَة سنة وَبنى لَهُ بِكُل قدم مَدِينَة فِي الْجنَّة وَيَمْشي على الأَرْض تستغفر لَهُ ويمسي وَيُصْبِح مغفورا لَهُ وَشهِدت لَهُ الْمَلَائِكَة يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ عُتَقَاء الله من النَّار) رَوَاهُ أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي رحمه الله فِي تنبيهه بِإِسْنَادِهِ

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (إِن الْمَلَائِكَة لتَضَع أَجْنِحَتهَا رضى لطَالب الْعلم وَإِن الْعَالم يسْتَغْفر لَهُ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض) رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ منا من لم يجل كَبِيرنَا وَيرْحَم صَغِيرنَا وَيعرف لعالمنا حَقه)

رَوَاهُ أَبُو نعيم الْحَافِظ فِي كِتَابه بِإِسْنَادِهِ

ص: 34

فَالْعُلَمَاء هم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وهم قدوة الأتقياء بل هم صفوة الْأَوْلِيَاء

اه

روى التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ الْمَشْهُورَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن الْعلمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وَإِن الْأَنْبِيَاء لم يورثوا دِينَارا وَلَا درهما وَإِنَّمَا ورثوا الْعلم فَمن أَخذه فقد أَخذ بحظ وافر)

وَذكر الإِمَام النَّوَوِيّ فِي كتاب التِّبْيَان وَغَيره عَن الْإِمَامَيْنِ الجليلين أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله تَعَالَى أَنَّهُمَا قَالَا إِن لم يكن الْعلمَاء أَوْلِيَاء لله فَلَيْسَ لله ولي

وروى الإِمَام الْحَافِظ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن الْخَلِيل بن أَحْمد رحمه الله أَنه قَالَ إِن لم يكن أهل الْقُرْآن والْحَدِيث أَوْلِيَاء الله فَلَيْسَ لله فِي الأَرْض ولي

وروى أَيْضا بِإِسْنَادِهِ عَن أبي عمرَان الصُّوفِي رحمه الله أَنه قَالَ رأى أَحْمد بن حَنْبَل رحمه الله أَصْحَاب الحَدِيث وَقد خَرجُوا من عِنْد مُحدث والمحابر بِأَيْدِيهِم فَقَالَ أَحْمد إِن لم يكن هَؤُلَاءِ النَّاس فَلَا أَدْرِي من النَّاس

ص: 35

وَالْعُلَمَاء أَيْضا هم خلفاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

روى الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ وَأَبُو نعيم الْحَافِظ وَالْقَاضِي الْحسن بن خَلاد الرامَهُرْمُزِي بأسانيدهم عَن عَليّ رضي الله عنه أَنه قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (اللَّهُمَّ ارْحَمْ خلفائي) قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله وَمن خلفاؤك قَالَ (الَّذين يأْتونَ من بعدِي يروون أحاديثي وسنتي ويعلمونها النَّاس)

وَأنْشد الإِمَام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن النُّعْمَان رحمه الله شعرًا فِي الْمَعْنى يَقُول فِيهِ

(هم خلفاء للنَّبِي كَمَا أَتَى

عَليّ رَوَاهُ ثمَّ عَنهُ روينَاهُ)

فالعالم خَليفَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي أمته وَهُوَ وَاسِطَة بَين الله تَعَالَى وَبَين بريته

يحرم ويبيح ويميز الْفَاسِد من الصَّحِيح

وَهُوَ كَمَا ذكر موقع عَن الله ومعبر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَهَذِه هِيَ الْمرتبَة الْعليا وَهَذَا هُوَ الشّرف الْأَقْصَى

ص: 36

رُوِيَ أَن مُعَاوِيَة نزل بِالْأَبْطح حَاجا فِي خِلَافَته مَعَه زَوجته فاخته بنت قرظة وَالنَّاس يصدرون وَإِذا بِرَجُل قد حف بِهِ لفيف من النَّاس يسألونه عَن أَشْيَاء أشكلت عَلَيْهِم من أَمر دينهم وَذَلِكَ الرجل يفتيهم

فَالْتَفت مُعَاوِيَة إِلَى بنت قرظة وَقَالَ هَذَا وَأَبِيك الشّرف هَذَا وَالله شرف الدُّنْيَا وَشرف الْآخِرَة

وَلَقَد صدق مُعَاوِيَة فِي قَوْله فَإِن الْعَالم قَائِم فِي الْأمة مقَام الْأَنْبِيَاء وَهُوَ سراج الْأمة وضياؤها بِلَا مراء

يبين لَهُم الْأَحْكَام وَيفرق لَهُم الْحَلَال من الْحَرَام ويخرجهم بفتواه من الآثام ويوضح لَهُم شرائع الْإِسْلَام

قَالَ الإِمَام أَبُو عَمْرو بن الصّلاح رَحمَه لله فِيمَا يرويهِ عَن سهل بن عبد الله التسترِي رحمه الله وَكَانَ أحد الصَّالِحين المعروفين بالمعارف والكرامات أَنه قَالَ من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى مجَالِس الْأَنْبِيَاء عليهم السلام فَلْينْظر إِلَى مجَالِس الْعلمَاء يَجِيء الرجل فَيَقُول يَا فلَان أيش تَقول فِي رجل حلف على امْرَأَته بِكَذَا وَكَذَا فَيَقُول طلقت امْرَأَته

وَهَذَا مقَام الْأَنْبِيَاء فاعرفوا لَهُم ذَلِك

هَذَا آخر كَلَامه رَحمَه الله

ص: 37

فيا لَهُ من شرف مَا أَعْلَاهُ وَمن عز ومنصب مَا أسماه وَمَا أخطره على من لم يتحر فِي فتواه وَلم يراقب فِي علمه وَعَمله مَوْلَاهُ

قَالَ أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي رحمه الله فِي كتاب أدب التَّعْلِيم وَيَنْبَغِي أَن يَنْوِي المتعلم بِطَلَب الْعلم رضى الله تَعَالَى وَالدَّار الْآخِرَة وَإِزَالَة الْجَهْل عَن نَفسه وَعَن سَائِر الْجُهَّال وإحياء الدّين وإبقاء الْإِسْلَام فَإِن بَقَاء الْإِسْلَام بِالْعلمِ وَلَا يَصح الزّهْد وَالتَّقوى مَعَ الْجَهْل

وَقَالَ فِي تنبيهه الْعلمَاء سرج الأَرْض

وكل عَالم مِصْبَاح زَمَانه يستضيء بِهِ أهل زَمَانه وعصره

وَقيل الْعَالم كَالْعَيْنِ العذبة نَفعهَا دَائِم

وَقيل الْعَالم كالغيث حَيْثُ وَقع نفع

وَقيل هُوَ كالسراج من مر بِهِ اقتبس وَقيل مثل الْعَالم كَمثل الْحمة يَأْتِيهَا الْبعدَاء وَيَتْرُكهَا الأقرباء فَبينا هِيَ كَذَلِك إِذْ غَار مَاؤُهَا وَقد انْتفع بهَا قوم وَبَقِي قوم يتفكنون أَي يتندمون

قَالَ أهل اللُّغَة الْحمة بِفَتْح الْحَاء عين مَاء حَار يستشفى بالاغتسال فِيهَا

وَقَالَ الْحسن رحمه الله مثل الْعلمَاء كَمثل النُّجُوم إِذا بَدَت اهتدوا بهَا

وَمَوْت الْعَالم ثلمة فِي الْإِسْلَام لَا يسدها شَيْء مَا اخْتلف اللَّيْل وَالنَّهَار

ص: 38

وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لمَوْت عَالم أحب إِلَى إِبْلِيس من موت سبعين عابدا

ذكره عَنهُ فِي كتاب التَّرْغِيب والترهيب وَأنْشد للشَّافِعِيّ رضي الله عنه

(الأَرْض تحيى إِذا مَا عَاشَ عالمها

مَتى يمت عَالم مِنْهَا يمت طرف)

(كالأرض تحيى إِذا مَا الْغَيْث حل بهَا

وَإِن نأى عَاد فِي أكنافها التّلف)

وروى الثعالبي عَن عَطاء فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {أَو لم يرَوا أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها}

قَالَ موت علمائها وفقهائها

وَعَن سعيد بن جُبَير رضي الله عنه عَلامَة هَلَاك النَّاس هَلَاك عُلَمَائهمْ

فَإِن بهم صَلَاح الدّين وقمع الْمُعْتَدِينَ وَمَعْرِفَة رب الْعَالمين

ص: 39