المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل   وَبعد فَإِنِّي أوصِي وَلَدي وأحبائي وَمن تَبِعَهُمْ من بني أبي - نشر طي التعريف في فضل حملة العلم الشريف والرد على ماقتهم السخيف

[الوصابي]

الفصل: ‌ ‌فصل   وَبعد فَإِنِّي أوصِي وَلَدي وأحبائي وَمن تَبِعَهُمْ من بني أبي

‌فصل

وَبعد فَإِنِّي أوصِي وَلَدي وأحبائي وَمن تَبِعَهُمْ من بني أبي وأصحابي بفن الْعلم وحرفته وَأَن يَكُونُوا من محبيه وَحَمَلته فَإِنَّهُ فن الأتقياء وَسلَاح الْأَوْلِيَاء ووراثة الْأَنْبِيَاء وَهُوَ الْكَنْز الَّذِي لَا يضيع وَلَا يفوت وَهُوَ الرفيق الَّذِي لَا يفارقك حِين تَمُوت وَهُوَ الَّذِي ينفع صَاحبه فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي يشفع لمن عمل بِهِ فِي العقبى

قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه لكميل بن زِيَاد رضي الله عنه الْعلم خير من المَال الْعلم يحرسك وَأَنت تحرس المَال المَال تنقصه النَّفَقَة وَالْعلم يزكو على الْإِنْفَاق وَالْعلم حَاكم وَالْمَال مَحْكُوم عَلَيْهِ محبَّة الْعلم دين يدان الله بِهِ الْعلم يكْسب الْعَالم الطَّاعَة فِي حَيَاته وَجَمِيل الأحدوثة بعد وَفَاته

مَاتَ خزان الْأَمْوَال وهم أَحيَاء

ص: 160

وَالْعُلَمَاء باقون مَا بَقِي الدَّهْر أعيانهم مفقودة وأمثالهم فِي الْقُلُوب مَوْجُودَة

انْتهى كَلَامه رضي الله عنه

وينشد فِي الْمَعْنى

(وَفِي الْجَهْل قبل الْمَوْت موت لأَهله

وأجسامهم قبل الْقُبُور قُبُور)

(وكل فَتى لم يحي بِالْعلمِ ميت

وَلَيْسَ لَهُ حَتَّى النشور نشور)

وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (الْعلم سلاحي وَالصَّبْر رِدَائي وَالرِّضَا غنيمتي)

ذكره فِي الشفا وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه قَالَ الْعلم أفضل من المَال لِأَنَّهُ مِيرَاث الْأَنْبِيَاء وَالْمَال مِيرَاث الفراعنة وَلِأَن الْعلم يحرسك وَأَنت تحرس المَال وَلِأَن الْعلم لَا يُعْطِيهِ الله إِلَّا من يُحِبهُ وَالْمَال يُعْطِيهِ من يُحِبهُ وَمن لَا يُحِبهُ وَلِأَن الْعلم لَا ينقص بالبذل والإنفاق وَالْمَال ينقص بذلك

وَلِأَن صَاحب المَال ميت وَصَاحب الْعلم لَا يَمُوت وَلِأَن صَاحب المَال إِذا مَاتَ انْقَطع ذكره والعالم إِذا مَاتَ فَذكره بَاقٍ

حَكَاهُ السَّمرقَنْدِي فِي كِتَابه عَنهُ وينشد

ص: 161

(الجاهلون فموتى قبل مَوْتهمْ

والعالمون وَإِن مَاتُوا فأحياء)

وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه من أَرَادَ الدُّنْيَا فَعَلَيهِ بِالْعلمِ وَمن أَرَادَ الْآخِرَة فَعَلَيهِ بِالْعلمِ وَقَالَ أَيْضا من نظر فِي الْفِقْه نبل قدره وَمن كتب الحَدِيث قويت حجَّته

حَكَاهُمَا عَنهُ النواوي رحمه الله فِي أول شرح الْمُهَذّب وَغَيره وَأنْشد بَعضهم

(الْعلم فِيهِ جلالة ومهابة

وَالْعلم أَنْفَع من كنوز الْجَوْهَر)

(تفنى الْكُنُوز على الزَّمَان وَصَرفه

وَالْعلم يبْقى باقيات الأعصر)

وَقَالَ الْأَحْنَف بن قيس رحمه الله كَاد الْعلمَاء أَن يَكُونُوا أَرْبَابًا وكل عز لم يوطد بِعلم فَإلَى الذل يصير وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء مَا رفع الله امْرأ عَن مَحَله بِغَيْر التقى وَالْعلم إِلَّا وحطه

وَقَالَ ابْن المعتز رحمه الله علم الْإِنْسَان وَلَده المخلد وَأنْشد أَبُو الْفَتْح البستي رَحمَه الله

ص: 162

(يَقُولُونَ ذكر الْمَرْء يبْقى بنسله

وَلَيْسَ لَهُ ذكر إِذا لم يكن نسل)

(فَقلت لَهُم نسلي بَدَائِع حكمتي

فَمن سره نسل فَإنَّا بذا نسلوا)

وَكَانَ يحيى بن كثير رحمه الله يَقُول مِيرَاث الْعلم خير من الذَّهَب

وَفِي تَفْسِير الثعالبي رحمه الله إِن مُصعب بن الزبير رحمه الله قَالَ لِابْنِهِ يَا بني تعلم الْعلم فَإِن كَانَ لَك مَال كَانَ لَك جمالا وَإِن لم يكن لَك مَال كَانَ لَك مَالا

وينشد قيل إِنَّه لأبي الْأسود الدؤَلِي رضي الله عنه

(يَا طَالب الْعلم نعم الشَّيْء تطلبه

لَا تعدلن بِهِ درا وَلَا ذَهَبا)

(الْعلم زين وتشريف لصَاحبه

فاطلب هديت فنون الْعلم والأدبا)

(الْعلم كنز وَذخر لَا نفاد لَهُ

نعم الْوَزير إِذا مَا عَاقل صحبا)

(فجامع الْعلم مغبوط بِهِ أبدا

وَلَيْسَ يحذر مِنْهُ الْفَوْت والسلبا)

ص: 163

(فاشدد يَديك بِهِ تحمد مغبته

يقيك حر زفير النَّار واللهبا)

وَقَالَ يحيى بن أَكْثَم رحمه الله قَالَ لي الرشيد مَا أنبل الْمَرَاتِب قلت مَا أَنْت فِيهِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ أفتعرف من أجل مني قلت لَا قَالَ لكني أعرفهُ رجل فِي حَلقَة يَقُول حَدثنَا فلَان عَن فلَان عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا خير مِنْك وَأَنت ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَولي عهد الْمُسلمين وأمير الْمُؤمنِينَ قَالَ نعم وَيلك هَذَا خير مني لِأَنَّهُ لَا يَمُوت أبدا وَنحن نموت ونفنى وَالْعُلَمَاء باقون مَا بَقِي الدَّهْر وَأنْشد بَعضهم

(لَئِن مَاتَ قوم بعد علم وَطَاعَة

فَذكرهمْ فِي النَّاس لَيْسَ يَمُوت)

(لقد نطقت آثَارهم بعد مَوْتهمْ

بفضلهم والجاهلون سكُوت)

وَقَالَ آخر

(النَّاس موتى وَأهل الْعلم أَحيَاء

وَالنَّاس مرضى وهم فيهم أطباء)

ص: 164

(وَالنَّاس أَرض وَأهل الْعلم فَوْقهم

سَمَاء نور فَمَا فِي النُّور ظلماء)

(لَا تركنن إِلَى الْجُهَّال إِنَّهُم

وَحقّ رَبِّي لأهل الْعلم أَعدَاء)

فالعلم ولَايَة لَا يخْشَى عَلَيْهَا الْعَزْل وَلَا يَنْعَزِل صَاحبهَا بِمَوْت وَلَا قتل بل طَاعَة الْعَالم بعد مَوته قَائِمَة والأعمال بِحكمِهِ وفتاويه من بعده لَازِمَة وآثاره ومعالمه شاهدة عَلَيْهِ دائمة كَمَا قيل

(لعمري لَئِن أضحت رميما عظامهم

لقد آذَنت آثَارهم بحياتها)

وسلفنا ومشايخنا الماضون كَأَنَّهُمْ لما لدينا من علمهمْ موجودن كَمَا قيل

(يَمُوت قوم ويحيي الْعلم ذكرهم

وَالْجهل يلْحق أَمْوَاتًا بأموات)

وَأنْشد البطليوسي النَّحْوِيّ الْمَشْهُور رَحمَه الله تَعَالَى

(أَخُو الْعلم حَيّ خَالِد بعد مَوته

وأوصاله تَحت التُّرَاب رَمِيم)

ص: 165

(وَذُو الْجَهْل ميت وَهُوَ ماش على الثرى

يظنّ من الْأَحْيَاء وَهُوَ عديم)

وَلم يمت من خلف علما نَافِعًا وَلَا كَانَ سَعْيه بذلك ضائعا بل حَسَنَاته متزايدة وَإِن كَانَ رميما وأجره مضاعف وَإِن كَانَ شخصه مَعْدُوما

قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ)

رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ

وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (سبع يجْرِي للْعَبد أجرهن من بعد مَوته وَهُوَ فِي قَبره من علم علما أَو أجْرى نَهرا أَو حفر بِئْرا أَو غرس نخلا أَو بنى مَسْجِدا أَو ورث مُصحفا أَو ترك ولدا يسْتَغْفر لَهُ بعد مَوته)

ذكره فِي كتاب الْكَوْكَب عَن مُسْند الْبَزَّار وَنَحْوه فِي منتخب ابْن الْجَوْزِيّ رحمه الله فيا حسنها من كَرَامَة يتضاعف أجرهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيَا لَهَا من ولَايَة لَيْسَ لَهَا نِهَايَة

وَأنْشد أَبُو بكر بن عَليّ الْحسن الْكَاتِب القستهاني رحمه الله فِيمَا حَكَاهُ السلَفِي عَنهُ وَمَا أحسن مَا قَالَ

ص: 166

(تعلم الْعلم فَمَا أَن على

صَاحبه ضنك وَلَا أزل)

(فَإِنَّمَا الْعلم لأربابه

ولَايَة لَيْسَ لَهَا عزل)

وَقَالَ آخر قيل إِنَّه الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ رحمه الله ونفع بِهِ وَبِمَا جمعه

(عَلَيْكُم بالمحابر فالزموها

وَلَا تعبوا بأصحاب الدواة)

(فَمَا لولاية الْفُقَهَاء عزل

وعزل ولَايَة الْكتاب يَأْتِي)

وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لهِلَال بن يسَار رحمه الله (لَا تفارق المحبرة فَإِن الْخَيْر فِيهَا وَفِي أَهلهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة)

وَذكره أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي فِي كِتَابه أدب التَّعْلِيم وَتَبعهُ على ذكره رشيد الدّين الكاشغري رحمه الله فِي كِتَابه مُخْتَصر الْوَسِيلَة

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما الْعلم يزِيد

ص: 167

الشريف شرفا وَيجْلس الْمَمْلُوك على الأسرة

وَرَفعه أَي الحَدِيث إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَعَن الْمَاوَرْدِيّ رحمه الله فِي كِتَابه عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن الْحِكْمَة تزيد الشريف شرفا وترفع العَبْد الْمَمْلُوك حَتَّى تجلسه مجَالِس الْمُلُوك)

وَقَالَ الْحَافِظ ابْن الْجَوْزِيّ رحمه الله فِي وَصيته لوَلَده الْعلم يرفع الأراذل فقد كَانَ خلق كثير لَا نسب لَهُم يذكر وَلَا صُورَة تستحسن فعزوا وشرفوا بِالْعلمِ

كَانَ عَطاء بن أبي رَبَاح رضي الله عنه مَمْلُوكا لامْرَأَة من أهل مَكَّة

وَكَانَ أسود مستوحش الْخلقَة كَأَن أَنفه باقلاه فتعلم الْعلم فنال بِهِ الْعِزّ والرفعة حَتَّى أَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك جَاءَهُ هُوَ وولداه فجلسوا يسألونه عَن الْمَنَاسِك فَحَدثهُمْ وَهُوَ معرض بِوَجْهِهِ عَنْهُم من هوانهم لَدَيْهِ وعزته بِالْعلمِ وَسليمَان يَوْمئِذٍ هُوَ الْخَلِيفَة فَقَالَ سُلَيْمَان لِوَلَدَيْهِ لما خرجا من عِنْده لَا تنيا عَن طلب الْعلم فَمَا أنسى ذلنا بَين يَدي هَذَا العَبْد الْأسود

وَكَانَ زيد بن أسلم مولى وَكَانَ زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهم يتخطى

ص: 168

مجَالِس قومه حَتَّى يَأْتِيهِ فيجلس عِنْده فَقيل لَهُ يغْفر الله لَك أَنْت سيد النَّاس وأفضلهم تذْهب إِلَى هَذَا العَبْد فتجلس مَعَه فَقَالَ إِنَّه يَنْبَغِي للْعلم أَن يتبع حَيْثُ مَا كَانَ

رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي حليته بِإِسْنَادِهِ وَنَحْوه ذكر الإِمَام النواوي رحمه الله فِي تهذيبه حِكَايَة عَن تَارِيخ البُخَارِيّ رحمه الله وَفِيه فَقيل لَهُ تَتَخَطَّى مجَالِس قَوْمك إِلَى عبد عمر بن الْخطاب فَقَالَ إِنَّمَا يجلس الْمَرْء إِلَى من يَنْفَعهُ فِي دينه

وَكَانَ الْحسن مولى وَكَذَلِكَ ابْن سِرين وَمَكْحُول رضي الله عنهم وَخلق كثير فشرفوا بِالْعلمِ وَالتَّقوى وَبَقِي ذكرهم وشرفهم إِلَى آخر الدُّنْيَا وَقَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي كِتَابه كَانَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الأوقص عُنُقه دَاخِلا فِي بدنه وَكَانَ منكباه خَارِجين كَأَنَّهُمَا زجان

فَقَالَت لَهُ أمه يَا بني إِنَّك خلقت خلقَة لَا تكون فِي قوم إِلَّا كنت المضحوك مِنْهُ المسخور بِهِ

فَعَلَيْك بِطَلَب الْعلم فيرفعك فَطلب الْعلم ثمَّ ولي قَضَاء مَكَّة عشْرين سنة

وَكَانَ الْخصم إِذا قعد بَين يَدَيْهِ يرعد من هيبته لأجل علمه

وَحكى أَبُو اللَّيْث رحمه الله فِي تنبيهه عَن

ص: 169

سَالم بن أبي الْجَعْد رحمه الله أَنه قَالَ اشتراني مولَايَ بِثَلَاث مئة وأعتقني فَقلت فِي أَي الْحَرْف احترف فاخترت الْعلم على كل حِرْفَة فَلم تمض لي مُدَّة حَتَّى أَتَانِي الْخَلِيفَة زَائِرًا فَلم آذن لَهُ قَالَ وَدخل صَالح المري رحمه الله على الْملك فأجلسه على وسادته فَجَلَسَ فَقَالَ صَالح قَالَ الْحسن وَصدق الْحسن قَالَ لَهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ وأيش قَالَ الْحسن قَالَ قَالَ الْحسن إِن الْعلم يزِيد الشريف شرفا ويبلغ بِالْعَبدِ منَازِل الْأَحْرَار وَإِلَّا فَمن صَالح المري حَتَّى يجلس على وسَادَة أَمِير الْمُؤمنِينَ لَوْلَا الْعلم وَأنْشد بَعضهم

(الْعلم ينْهض بالخسيس إِلَى الْعلَا

وَالْجهل يقْعد بالفتى الْمَنْسُوب)

وَقد قيل ضمن الْعلم لكل من خدمه أَن يَجْعَل النَّاس كلهم خدمه وَأنْشد بَعضهم

(إِذا أَحْبَبْت أَن تحيى سعيدا

وتلقى الله بِالْعَمَلِ الْكَرِيم)

(فَلَا تصْحَب سوى الأخيار واقطع

زَمَانك فِي مدارسة الْعُلُوم)

ص: 170

وَقَالَ أَبُو الْفَتْح البستي فِي قصيدته الْمَشْهُورَة

(يَا أَيهَا الْعَالم المرضي سيرته

أبشر فَأَنت بِغَيْر المَاء رَيَّان)

(وَيَا أَخا الْجَهْل لَو أَصبَحت فِي لجج

فَأَنت مَا بَينهَا لَا شكّ ظمآن)

وَمن شرف الْعلم وفضله أَن الهدهد مَعَ ضعفه وَقلة خطره لما تهدده سُلَيْمَان عليه السلام مَعَ علو قدره وَشدَّة سطوته أَجَابَهُ الهدهد بصولة الْعلم وقوته {أحطت بِمَا لم تحط بِهِ وجئتك من سبإ بنبإ يَقِين}

وَعَن مُجَاهِد رحمه الله فِي قَوْله تَعَالَى {يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء}

قَالَ الْفِقْه وَالْعلم

وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء لم أجد رُتْبَة أرفع وَلَا شَيْء أَنْفَع وَلَا خيرا أجمع من الْعلم إِذا قارنته سكينَة وَإِنِّي رَأَيْته يرفع وضيع الْحسب إِلَى أرفع الرتب حَتَّى تكون لَهُ الْأَشْرَاف أتباعا والأخيار أشياعا وَأنْشد بَعضهم

ص: 171

(الْعلم زين ومحمود عواقبه

فَمن ينله يكن من أسعد النَّاس)

(وَهُوَ الْمُقدم وَالْمُخْتَار بَينهم

كالرأس مَا فِي الْفَتى أعلا من الراس)

وَقَالَ آخر

(الْعلم للمرء مثل التَّاج للْملك

وَالْعلم للمرء مثل الشَّمْس للفلك)

(فاشدد يَديك بِحَبل الْعلم معتصما

فالعلم للمرء مثل المَاء للسمك)

وَأنْشد آخر

(الْعلم زين وفخر لَا خَفَاء بِهِ

من ناله نَالَ أَعلَى عالي الرتب)

(يكسو الْفَتى حللا تبقى عَلَيْهِ وَمَا

نَالَ الْفَتى حلَّة أبهى من الْأَدَب)

وَقَالَ غَيره

(تعلم فَلَيْسَ الْمَرْء يُولد عَالما

وَلَيْسَ أَخُو علم كمن هُوَ جَاهِل)

ص: 172

(وَإِن كَبِير الْقَوْم لَا علم عِنْده

صَغِير إِذا الْتفت عَلَيْهِ المحافل)

(وَإِن صَغِير الْقَوْم إِن كَانَ عَالما

فأكثرهم يرضون مَا هُوَ قَائِل)

وللفقيه إِبْرَاهِيم بن مَسْعُود الإلبيري رَحمَه الله تَعَالَى قصيدة طَوِيلَة مشهروة يحض وَلَده أَبَا بكر على طلب الْعلم ويعظه فَأَحْبَبْت أَن آخذ مِنْهَا مَا يَلِيق بِهَذَا المُصَنّف وَهُوَ قَوْله عَفا الله عَنهُ وجزاه خيرا آمين آمين آمين

(أَبَا بكر دعوتك لَو أجبتا

إِلَى مَا فِيهِ حظك إِن عقلتا)

(إِلَى علم تكون بِهِ إِمَامًا

مُطَاعًا إِن نهيت وَإِن أمرتا)

(ويجلو مَا بِعَيْنِك من عشاها

ويهديك السَّبِيل إِذا ضللتا)

(وَتحمل مِنْهُ فِي ناديك تاجا

ويكسوك الْجمال إِذا اغتربتا)

(ينالك نَفعه مَا دمت حَيا

وَيبقى ذخره لَك إِن ذهبتا)

ص: 173

(هُوَ العضب المهند لَيْسَ ينبو

تصيب بِهِ مقَاتل من ضربتا)

(وكنز لَا تخَاف عَلَيْهِ لصا

خَفِيف الْحمل يُوجد حَيْثُ كنتا)

(يزِيد بِكَثْرَة الْإِنْفَاق مِنْهُ

وَينْقص إِن بِهِ كفا شددتا)

(فَلَو قد ذقت من حلواه طعما

لآثرت التَّعَلُّم واجتهدتا)

(وَلم يشغلك عَنهُ هوى مُطَاع

وَلَا دنيا بزخرفها فتنتا)

(وَلَا ألهاك عَنهُ أنيق روض

وَلَا خدر بربته كلفتا)

(فقوت الرّوح أَرْوَاح الْمعَانِي

وَلَيْسَ بِأَن طعمت وَأَن شربتا)

ص: 174

(فواظبه وَخذ بالجد فِيهِ

فَإِن أعطاكه الله أخذتا)

(وَإِن أُوتيت فِيهِ طَوِيل بَاعَ

وَقَالَ النَّاس إِنَّك قد سبقتا)

(فَلَا تأمن سُؤال الله عَنهُ

بتوبيخ علمت فَهَل عملتا)

(فرأس الْعلم تقوى الله حَقًا

وَلَيْسَ بِأَن يُقَال لقد رأستا)

(وَلَا تحفل بِمَالك واله عَنهُ

فَلَيْسَ المَال إِلَّا مَا علمتا)

(وَلَيْسَ لجَاهِل فِي النَّاس معنى

وَلَو ملك الْعرَاق لَهُ تأتى)

ص: 175

(وَمَا يُغْنِيك تشييد المباني

إِذا بِالْجَهْلِ نَفسك قد هدمتا)

(جعلت المَال فَوق الْعلم جهلا

لعمرك فِي الْقَضِيَّة مَا عدلتا)

(وَبَينهمَا بِنَصّ الْوَحْي بون

ستعلمه إِذا طه قرأتا)

(لَئِن رفع الْغَنِيّ لِوَاء مَال

لأَنْت لِوَاء علم قد رُفِعَتَا)

(وَإِن جلس الْغَنِيّ على الحشايا

لأَنْت على الْكَوَاكِب قد جلستا)

(وَإِن ركب الْجِيَاد مسومات

لأَنْت مَنَابِر التَّقْوَى ركبتا)

(وَمهما افتض أبكار الغواني

فكم بكر من الحكم افتضضتا)

(وَلَيْسَ يَضرك الإقتار شَيْئا

وَإِذا مَا أَنْت رَبك قد عرفتا)

ص: 176

(فَمَاذَا عِنْد رَبك من جميل

إِذا بِفنَاء طَاعَته أنختا)

(فقابل بِالْقبُولِ صَحِيح نصحي

وَإِن أَعرَضت عَنهُ فقد خسرتا)

(فَلَيْسَتْ هَذِه الدُّنْيَا بِشَيْء

تسوؤك حقبة وتسر وقتا)

(وغايتها إِذا فَكرت فِيهَا

كفيئك أَو كحلمك إِن حلمتا)

(سجنت بهَا وَأَنت لَهَا محب

فَكيف تحب مَا فِيهِ سجنتا)

(وتطعمك الطَّعَام وَعَن قريب

ستطعم مِنْك مَا مِنْهَا طعمتا)

(وتعرى إِن لبست لَهَا ثيابًا

وتكسى إِن ملابسها خلعتا)

(وَتشهد كل يَوْم دفن خل

كَأَنَّك لَا ترَاد بِمَا شهدتا)

(وَلم تخلق لتعمرها وَلَكِن

لتعبرها فجد لما خلقتا)

ص: 177

(وَلَا تحزن على مَا فَاتَ مِنْهَا

إِذا مَا أَنْت فِي أخراك فزتا)

(وَلَا تضحك مَعَ السُّفَهَاء لهوا

فَإنَّك سَوف تبْكي إِن ضحكتا)

(وَكَيف لَك السرُور وَأَنت رهن

وَلَا تَدْرِي. . أتفدى أم غلقتا)

(وسل من رَبك التَّوْفِيق فِيهَا

واخلص فِي الدُّعَاء إِذا سألتا)

(وناد إِذا سجدت لَهُ اعترافا

بِمَا ناداه ذون النُّون بن مَتى)

{لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين}

وَأنْشد شَيخنَا والدنا رضي الله عنه واسْمه عمر

(عَلَيْكُم بِجمع الْعلم فَهُوَ أنيسكم

بِكُل مَكَان والرفيق الْمُوفق)

ص: 178

(بِهِ تكسب العلياء والعون وَالْهدى

بِهِ الْمَرْء فِي الدَّاريْنِ يَعْلُو ويسبق)

(فَإِن قَارن الْعلم اهتمام وفطنة

وَبحث وفكر فَهُوَ يعلي ويشرق)

وَقَالَ بعض البلغاء تعلم الْعلم فَإِنَّهُ يقومك ويسددك صَغِيرا ويقدمك ويسودك كَبِيرا وَيصْلح زيغك وفاسدك ويرغم عَدوك وحاسدك وَيُقِيم عوجك وميلك ويصحح همتك وأملك

وَقَالَ آخر من تفرد بِالْعلمِ لم توحشه الْخلْوَة وَمن تسلى بالكتب لم تفته سلوة وَمن آنسته قِرَاءَة الْقُرْآن لم توحشه مُفَارقَة الإخوان

وَقَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان لِبَنِيهِ يَا بني تعلمُوا الْعلم فَإِن كُنْتُم سادة فقتم وَإِن كُنْتُم وسطا سدتم وَإِن كُنْتُم سوقة عشتم وَأنْشد بَعضهم

(الْعلم زين مَا تعلمه الْفَتى

فانهض إِلَيْهِ وَلَا تكن كسلانا)

(إِن شِئْت للدنيا عَلَوْت بِهِ الْعلَا

أَو شِئْت لِلْأُخْرَى ظَفرت جنَانًا)

ص: 179

وَقَالَ آخر

(تعلم فَإِن الْعلم زين لأَهله

وَلنْ تَسْتَطِيع الْعلم حَتَّى تعلما)

(وَلَا خير فِيمَن عَاشَ لَيْسَ بعالم

بَصِير بِمَا يَأْتِي وَلَا متعلما)

وَقَالَ آخر

(الْعلم زين ومنجاة لصَاحبه

وَمن المهالك والآفات والعطب)

(وَمَا تلحف إِنْسَان بملحفة

أبهى وأجمل من علم وَمن أدب)

وَقَالَ الْغَزالِيّ رحمه الله فِي أول الْمُسْتَصْفى الْعلم أربح المكاسب والمتاجر وأشرف الْمَعَالِي والمفاخر وَأكْرم المحامد والمآثر وَأحمد الْمَوَارِد والمصادر فشرفت بإثباته الأقلام والمحابر وتزينت بأسماعه المحاريب والمنابر وتحلت برقومه الأوراق والدفاتر وَتقدم بشرفه الأصاغر على الأكابر واستضاءت ببهائه الْأَسْرَار والضمائر وتنورت بأنواره الْقُلُوب والبصائر واستحقر فِي ضيائه ضِيَاء الشَّمْس الباهر على الْفلك الدائر وَأنْشد بَعضهم

ص: 180

(الْعلم يجلو الْعَمى عَن قلب صَاحبه

كَمَا يجلي سَواد الظلمَة الْقَمَر)

(وَالْعلم يحيي قُلُوب الحاملين لَهُ

كالأرض تحيى إِذا مَا مَسهَا الْمَطَر)

وَقَالَ آخر

(مَعَ الْعلم فاسلك حَيْثُ مَا سلك الْعلم

وَعنهُ فسائل كل من عِنْده فهم)

(فَفِيهِ جلاء الْقلب من شدَّة الْعَمى

وَعون على الدّين الَّذِي أمره حتم)

(فَإِنِّي رَأَيْت الْجَهْل يزري بأَهْله

وَذُو الْعلم فِي الأقوام يرفعهُ الْعلم)

(يعد كَبِير الْقَوْم وَهُوَ صَغِيرهمْ

وَينفذ مِنْهُ فيهم القَوْل وَالْحكم)

(فخالط رُوَاة الْعلم واصحب خيارهم

فصحبتهم زين وخلطتهم غنم)

(وَلَا تَعدونَ عَيْنَاك عَنْهُم فَإِنَّهُم

نُجُوم إِذا مَا غَابَ نجم بدا نجم)

وَقَالَ آخر

ص: 181

(الْعلم بلغ قوما ذرْوَة الشّرف

وَصَاحب الْعلم مَحْفُوظ من الخرف)

(يَا صَاحب الْعلم مهلا لَا تدنسه

بالموبقات فَمَا للْعلم من خلف)

وَقَالَ غَيره رَحمَه الله تَعَالَى

(وقرة الْعين عِنْد النَّاس أَكْثَرهم

لبس الثِّيَاب وَذَات الطرز وَالْعلم)

(وقرة الْعين عِنْدِي أنني رجل

ملئت بِالْعلمِ من قَرْني إِلَى قدمي)

(فَمن يكن هَكَذَا تمّ الفخار لَهُ

وَصَاحب الْجَهْل مَعْدُود من النعم)

وَأنْشد الإِمَام السلَفِي رحمه الله لنَفسِهِ

(يَا من تصدى لطلاب الْعلَا

عَلَيْك بِالْعلمِ وتطلابه)

(فَلَيْسَ فِي الْعَالم أَعلَى وَلَا

أرفع من رُتْبَة طلابه)

قَالَ أَبُو اللَّيْث رحمه الله وَأنْشد الشَّيْخ برهَان الدّين رَحمَه الله تَعَالَى

ص: 182

(أرى الْعلم أَعلَى رُتْبَة فِي الْمَرَاتِب

وَمن دونه عز الْعلَا فِي المواكب)

(وَذُو الْعلم يبْقى عمره متضاعفا

وَذُو الْجَهْل بعد الْمَوْت تَحت الترائب)

(هُوَ النُّور كل النُّور يهدي من الْعَمى

وَذُو الْجَهْل مر الدَّهْر بَين الغياهب)

(هُوَ الذرْوَة الشماء يحمي من التجا

إِلَيْهَا ويمسي آمنا فِي النوائب)

(بِهِ ينتجي وَالنَّاس فِي غفلاتهم

بِهِ يرتجي وَالروح بَين الترائب)

(فَمن رامه رام المآرب كلهَا

وَمن حازه قد حَاز كل المطالب)

(هُوَ المنصب الْكُلِّي يَا صَاحب الحجى

إِذا نلته هون بفوت المناصب)

(وَإِن فاتك الدُّنْيَا وَطيب نعيمها

فَلَا تحزنن فالعلم خير الْمَوَاهِب)

ص: 183