الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم
س: ما هي الأحرف السبعة التي نزل القرآن الكريم بها؟ ولماذا؟
ج: لقد سبق أن عرفنا أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المنزل على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام فهو محفوظ بالعناية الربانية من أن تصل إليه أي شائبة أو يقع فيه أي خطأ يحتاج إلى تصويب، ولكن نزول القرآن على سبعة أحرف كان من رحمة الله تعالى بالمسلمين، حيث إنه تعالى يعلم أن منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط؛ لهذه الأسباب وغيرها مما يقتضيه الحال نزل القرآن على سبعة أحرف وقد بيّن ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث نورد بعضا منها:
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» (1).
وعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بأضاة (2) بني غفار فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك» ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على حرفين فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك» ثم جاء الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على ثلاثة أحرف، فقال:«أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك» ثم جاء الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرءوا فقد أصابوا (3). وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة فانتظرته حتى سلّم ثم لببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة؟
فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: كذبت فو الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني هذه
(1) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
(2)
الأضاة: الغدير. أي غدير ماء بني غفار.
(3)
رواه مسلم.
السورة التي سمعتك تقرؤها، فانطلقت أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله:
إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أرسله يا عمر» أي أطلقه. «اقرأ يا هشام» فقرأ هذه السورة التي سمعته يقرؤها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هكذا أنزلت» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ يا عمر» فقرأت القراءة التي أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«هكذا أنزلت» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منها» (1).
وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة اختلافا كثيرا لا يتسع المقام لذكره هنا، ولكنني أقدم لإخواني القرّاء من بين هذه المذاهب أرجحها، وهو مذهب أبي الفضل الرازي، إذ يقول في اللوائح: المراد بهذه الأحرف الأوجه التي يقع بها التغاير والاختلاف، وهذه الأوجه التي يقع بها التغاير والاختلاف لا تخرج عن سبعة وهي:
الأول: اختلاف الأسماء في الإفراد والتثنية والجمع نحو قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ (2). قرئ مسكين بالإفراد وقرئ مساكين بالجمع.
الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر نحو قوله تعالى:
وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (3) قرئ بفتح التاء والطاء مخففة مع فتح العين؛ على أنه فعل ماض، وقرئ (يطّوّع) بياء مفتوحة وبعدها طاء مشددة مفتوحة مع جزم العين على أنه فعل مضارع.
الثالث: اختلاف وجوه الإعراب نحو قوله تعالى: وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (4) قرئ بضم التاء ورفع اللام على أن لا نافية. وقرئ بفتح التاء وجزم اللام على أن لا ناهية (ولا تسئل).
الرابع: الاختلاف بالحذف والزيادة نحو قوله تعالى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (5) قرئ بإثبات الواو قبل السين وقرئ بحذفها (سارعوا).
(1) رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وأحمد، وابن ماجة.
(2)
سورة البقرة آية 184.
(3)
سورة البقرة آية 158.
(4)
سورة البقرة آية 119.
(5)
سورة آل عمران آية 133.
الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير كقوله تعالى: وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا (1) قرئ بتقديم (وقاتلوا) وتأخير (وقتلوا) وقرئ أيضا بتقديم (وقتلوا) وتأخير (وقاتلوا).
السادس: الاختلاف بالإبدال: أي جعل حرف مكان حرف؛ مثل قوله تعالى:
هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ (2) قرئ (تبلوا) بتاء مفتوحة وباء ساكنة، وقرئ أيضا بتاءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة (تتلوا).
السابع: اختلاف اللهجات كالفتح والإمالة والإظهار والإدغام والتسهيل والتحقيق والتفخيم والترقيق
…
وهكذا
…
نحو قوله تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (3) تقرأ بالفتح والإمالة في لفظ (أتى) ولفظ (موسى)، وقس على هذا في البقية (4).
س: ما هي الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف؟
ج: تتلخص هذه الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف فيما يلي:
1 -
تيسير القراءة والحفظ على قوم أمّيّين. لكل قبيلة منهم لسان، ولا عهد لهم بحفظ الشرائع فضلا على أن يكون ذلك ممّا لم يألفوه، وهذه الحكمة نصت عليها الأحاديث في عبارات منها: عن أبيّ قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: «إني بعثت إلى أمة أميّين منهم الغلام والخادم والشيخ العاس والعجوز» فقال جبريل: فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف (5).
2 -
من الحكمة في إنزال القرآن على هذه الأوجه المختلفة: أن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم ألسنتهم مختلفة ولهجاتهم متباينة، ويتعذر على الواحد منهم أن ينتقل من اللهجة التي درج عليها ومرّن لسانه على التخاطب بها، فصارت هذه اللهجة طبيعة من طبائعه وسجية من سجاياه.
(1) سورة آل عمران آية 195.
(2)
سورة يونس آية 30.
(3)
سورة النازعات آية 15.
(4)
انظر الإتقان في علوم القرآن ج 1 ص 46.
(5)
رواه أحمد وأبو داود والترمذي والطبري بإسناد صحيح، وأحجار المراء: موضع بقباء، والشيخ العاس:
الذي كبر سنه وضعف.