الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشكلة وموهم الاختلاف والتناقض
س: ما هو المراد من مشكل القرآن؟
ج: المراد من مشكل القرآن: هو ما يوهم التعارض والاختلاف والتناقض بين بعض الآيات.
وكلام الله تعالى وقرآنه العظيم منزه عن ذلك. كما قال الله تعالى: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ولكن ربما يقع للمبتدئ ما يوهم اختلافا، والحقيقة أنه ليس اختلافا، وقد تكلم في هذا كثير من أهل العلم والمعرفة لإزالة ما وقع فيه اشتباه في اللفظ، ولكن لكل لفظ سببه ولكل لفظ ما معناه.
وجريا على عادتنا في تلخيص واختصار الموضوع نورد صورا من أسباب الاختلاف حتى يتضح السبب فتزول الشبه ويذهب العجب، وفي أسباب الاختلاف قال الإمام الزركشي في البرهان:
للاختلاف أسباب نختصرها فيما يأتي:
أولها: وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى: مثال ذلك في قول الله تعالى في خلق آدم حيث قال: آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثم قال في موضع آخر: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وفي موضع آخر قال: مِنْ طِينٍ لازِبٍ وفي آخر قال تعالى: مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ فهذه الألفاظ المختلفة ومعانيها في أحوال مختلفة لأن الصلصال غير الحمأ، والحمأ غير التراب، إلا أن مرجعها جميعا إلى جوهر واحد وهو التراب، ومن التراب درجت كل هذه الأحوال وهذه الأطوار، وليس هناك اختلاف في الحقيقة.
ثانيها: اختلاف الموضع: ومثال ذلك في قوله تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ وكقوله تعالى: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ مع قول الله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ قال الحليمي: (تحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل. وأما الثانية فتحمل على ما يستلزمه الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه، وغيره حمله على اختلاف الأماكن لأن في القيامة مواقف كثيرة.
ففي موضع يسألون، وفي موضع آخر لا يسألون).
وهناك آيات ظاهرها اختلاف، مثل قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وقوله:
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. فقد حمل الشيخ أبو الحسن الشاذلي الموضع الأول على التوحيد ودليله في هذا قوله تعالى: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
والموضع الثاني على الأعمال وقيل: إن الثانية ناسخة للأولى.
ومما يظهر فيه اختلاف قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً مع قوله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فالآية الأولى تفهم إمكان العدل، والثانية تنفيه.
والجواب هنا: أن الآية الأولى في توفية الحقوق، والثانية في الميل القلبي وليس هذا في مقدور العبد.
ثالثها: الاختلاف في جهتي الفعل: وذلك في مثل قوله تعالى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وقوله: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وهنا أضيف القتل إليهم والرمي إليه صلى الله عليه وسلم على سبيل الكسب والمباشرة، ونفاه عنهم وعنه باعتبار التأثير.
رابعها: الاختلاف في الحقيقة والمجاز: ويتضح ذلك من قوله تعالى: وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى أي أنهم سكارى من الأهوال مجازا، وليس من الشرب حقيقة.
خامسها: اختلاف بوجهين واعتبارين: ويدل على ذلك الاختلاف قوله تعالى:
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ مع قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فقد يظن أن الوجل خلاف الطمأنينة وجواب ذلك: أن الطمأنينة تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد، والوجل يكون بالخوف من الزيغ والذهاب عن الهدى، فتجل القلوب لهذا، وقد جمع الله تعالى بينهما في قوله جل شأنه: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ. ونكتفي بهذا القدر من الأمثلة حيث أن هذا المختصر لا يتحمل أكثر من هذا.
واعلم أن اختلاف القرآن الكريم ليس تناقضا. بل إن بعضه يوضح البعض الآخر، ولا