الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسند كَعْب بن مالكٍ الأنصَارِيِّ
2581 -
[ح] إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَانَ، عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أنَّهُ حَدَّثَهُ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ، وَأوْسُ بْنُ الحَدَثَانِ فِي أيَّامِ التَّشْرِيقِ فَنادَيَا:«أنْ لَا يَدْخُلَ الجنَّة إِلَّا مُؤْمِنٌ وَأيَّامُ التَّشْرِيقِ أيَّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ» .
أخرجه أحمد (15886)، وعبد بن حميد (374)، ومسلم (2649).
2582 -
[ح] الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أنَّ أباهُ أخْبَرَهُ، أنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أصْوَاتُهُما حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى:«يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ» .
فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله، وَأشَارَ إِلَيْهِ أنْ ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ الشَّطْرَ، قَالَ: قَدْ فَعَلتُ يَا رَسُولَ الله، قَالَ:«قُمْ فَاقْضِهِ» .
أخرجه ابن أبي شيبة (23715)، وأحمد (27719)، وعبد بن حميد (377)، والدارمي (2750)، والبخاري (457)، ومسلم (3986)، وابن ماجة (2429)، وأبو داود (3595)، والنسائي (5926).
2583 -
[ح](سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ) عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أبِيهِ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأكُلُ بِثَلَاثِ أصَابِعَ وَلَا يَمْسَحُ يَدَهُ حَتَّى يَلعَقَهَا» .
أخرجه ابن أبي شيبة (24937)، وأحمد (27709)، والدارمي (2164)، ومسلم (5344)، وأبو داود (3848)، والنسائي (6719).
2584 -
[ح] ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأنْصَارِيِّ أنَّهُ أخْبَرَهُ أنَّ أباهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحدِّثُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّما نَسَمَةُ المُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الجَنَّةِ، حَتَّى يَرْجِعَهُ الله إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» .
أخرجه مالك (643)، وأحمد (15868)، وعبد بن حميد (376)، وابن ماجة (4271)، والنسائي (2211).
2585 -
[ح] مُحمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الله ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أنَّ عَبْدَ الله بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، يُحدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخلَّفَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: لَمْ أتَخلَّفْ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ، إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أنِّي كُنْتُ تَخلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أحَدًا تَخلَّفَ عَنْهَا.
إِنَّما خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ الله بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ العَقَبَةِ، حِينَ تَوَافَقْنَا عَلَى
الإِسْلَامِ وَمَا أُحِبُّ أنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، وَأشْهَرَ، وَكَانَ مِنْ خَبَرِي حِينَ تَخلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ لِأنِّي لَمْ أكُنْ قَطُّ أقْوَى، وَلَا أيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلكَ الغَزَاةِ، وَالله مَا جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتيْنِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُما فِي تِلكَ الغَزَاةِ.
وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، قَلَّمَا يُرِيدُ غَزَاةً يَغْزُوهَا إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلكَ الغَزَاةُ، فَغَزَاهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَمَفَازًا، وَاسْتَقْبَلَ عَدُوا كَثِيرًا، فَجَلَا لِلمُسْلِمِينَ أمْرَهُ لِيَتَأهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، فَأخْبَرَهُمْ.
بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كَثِيرٌ، لَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابُ حَافِظٍ - يُرِيدُ الدِّيوَانَ - فَقَالَ كَعْبٌ: فَقَلَّ رَجُلٌ يُرِيدُ يَتَغَيَّبُ، إِلَّا ظَنَّ أنَّ ذَلِكَ سَيُخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِل فِيهِ وَحْيٌ مِنَ الله، وَغَزَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم تِلكَ الغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ، وَالظِّلُّ.
وَأنا إِلَيْهَا أصْعَرُ فَتجَهَّزَ إِلَيْهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَالمُؤْمِنُونَ مَعَهُ، وَطَفِقْتُ أغْدُو لِكَيْ أتَجهَّزَ مَعَهُ، فَأرْجِعَ، وَلَمْ أقْضِ شَيْئًا، فَأقُولُ فِي نَفْسِي أنا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، إِذَا أرَدْتُ فَلَمْ يَزَل كَذَلِكَ يَتَمادَى بِي حَتَّى شَمَّرَ بِالنَّاسِ الجِدُّ، فَأصْبَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم غَادِيًا وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلتُ: الجَهَازُ بَعْدَ يَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ ألحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَمَا فَصَلُوا لِأتَجَهَّزَ فَرَجَعْتُ، وَلَمْ أقْضِ شَيْئًا مِنْ جَهَازِي، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ، وَلَمْ أقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَل ذَلِكَ يَتَمادَى بِي حَتَّى أسْرَعُوا، وَتَفَارَطَ الغَزْوُ فَهَمَمْتُ أنْ أرْتَحِلَ، فَأُدْرِكَهُمْ وَلَيْتَ أنِّي فَعَلتُ.
ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لِي، فَطَفِقْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَطُفْتُ فِيهِمْ يَحْزُنُنِي أنْ لَا أرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفاقِ - أوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَهُ الله - وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي القَوْمِ بِتَبُوكَ:«مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ » قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: حَبَسَهُ يَا رَسُولَ الله بُرْدَاهُ، وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَمَا قُلتَ، وَالله يَا رَسُولَ الله، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم.
فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلمَّا بَلَغَنِي أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلًا مِنْ تَبُوكَ
حَضَرَنِي بَثِّي، فَطَفِقْتُ أتفَكَّرُ الكَذِبَ، وَأقُولُ بِمَاذَا أخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا، أسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ ذِي رَأيٍ مِنْ أهْلي، فَلمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي البَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أنِّي لَنْ أنْجُوَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أبَدًا، فَأجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَصَبَّحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأ بِالمَسْجِدِ، فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ المُتخَلِّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَانِيَتَهُمْ، وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى الله تبارك وتعالى حَتَّى جِئْتُ.
فَلمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبسَّمَ تَبسُّمَ المُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ لِي:«تَعَالَ» فَجِئْتُ أمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي:«مَا خَلَّفَكَ، ألَمْ تَكُنْ قَدِ اسْتَمَرَّ ظَهْرُكَ» قَالَ: فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا لَرَأيْتُ أنِّي أخْرُجُ مِنْ سَخْطَتِهِ بِعُذْرٍ، لَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، وَلَكِنَّهُ وَالله لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ
حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى عَنِّي بِهِ، لَيُوشِكَنَّ الله تَعَالَى يُسْخِطُكَ عَليَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ بِصِدْقٍ تَجِدُ عَليَّ فِيهِ إِنِّي لَأرْجُو قرَّةَ عَيْنِي عَفْوًا مِنَ الله تبارك وتعالى، وَالله مَا كَانَ لِي عُذْرٌ، وَالله مَا كُنْتُ قَطُّ أفْرَغَ، وَلَا أيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخلَّفْتُ عَنْكَ.
قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ الله تَعَالَى فِيكَ» فَقُمْتُ، وَبَادَرَتْ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لِي: وَالله مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ المُتخَلِّفُونَ، لَقَدْ كَانَ كَافِيَكَ مِنْ ذَنْبِكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَكَ، قَالَ: فَوَالله مَازَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أرَدْتُ أنْ أرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي.
قَالَ: ثُمَّ قُلتُ لَهُمْ: هَل لَقِيَ هَذَا مَعِي أحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، لَقِيَهُ مَعَكَ رَجُلَانِ قَالَا مَا قُلتَ، فَقِيلَ لَهُما مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ، قَالَ: فَقُلتُ لَهُمْ: مَنْ هُما؟ قَالُوا: مُرارَةُ ابْنُ الرَّبِيعِ العَامِرِيُّ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِيُّ، قَالَ: فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا لِي فِيهِمَا أُسْوَةٌ، قَالَ: فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُما لِي، قَالَ: وَنَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أيُّها الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبنَا النَّاسُ.
قَالَ: وَتَغَيَّرُوا لَنا حَتَّى تَنكَّرَتْ لِي مِنْ نَفْسِي الأرْضُ، فَمَا هِيَ بِالأرْضِ الَّتِي كُنْتُ أعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتكَنَّا، وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهمَا يَبْكِيَانِ، وَأمَّا أنا فَكُنْتُ أشَبَّ القَوْمِ وَأجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ المُسْلِمِينَ، وَأطُوفُ بِالأسْوَاقِ، وَلَا يُكَلِّمُنِي أحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأقُولُ فِي نَفْسِي حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أمْ لَا،
ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ، وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أقْبَلتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِليَّ، فَإِذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أعْرَضَ.
حَتَّى إِذَا طَالَ عَليَّ ذَلِكَ مِنْ هَجْرِ المُسْلِمِينَ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ حَائِطَ أبِي قَتادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأحَبُّ النَّاسِ إِليَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَالله مَا رَدَّ عَليَّ السَّلَامَ، فَقُلتُ لَهُ: يَا أبا قَتادَةَ، أنْشُدُكَ الله، هَل تَعْلَمُ أنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ، قَالَ: فَعُدْتُ فَنشَدْتُهُ، فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَشَدْتُهُ، فَقَالَ: الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجِدَارَ.
فَبَيْنَا أنا أمْشِي بِسُوقِ المَدِينَةِ، إِذَا نَبطِيٌّ مِنْ أنْبَاطِ أهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِطَعَامٍ يَبِيعُهُ بِالمَدِينَةِ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِليَّ، حَتَّى جَاءَ فَدَفَعَ إِليَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، وَكُنْتُ كَاتِبًا، فَإِذَا فِيهِ: أمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنَا أنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجعَلكَ الله بِدَارِ هَوَانٍ، وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ، قَالَ: فَقُلتُ: حِينَ قَرَأتُها، وَهَذَا أيْضًا مِنَ البَلَاءِ.
قَالَ: فَتيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الخَمْسِينَ، إِذَا بِرَسُولِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَأتِينِي، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَأمُرُكَ أنْ تَعْتَزِلَ امْرَأتَكَ، قَالَ: فَقُلتُ: أُطَلِّقُهَا أمْ مَاذَا أفْعَلُ؟ قَالَ: بَل اعْتَزِلهَا، فَلَا تَقْرَبْهَا، قَالَ: وَأرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ: فَقُلتُ: لِامْرَأتِي الحَقِي بِأهْلِكِ، فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ الله فِي هَذَا الأمْرِ.
قَالَ: فَجَاءَتْ امْرَأةُ هِلَالِ ابْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ هِلَالًا شَيْخٌ ضَائِعٌ، لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَل تَكْرَهُ أنْ أخْدُمَهُ؟ قَالَ:«لَا وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ» قَالَتْ: فَإِنَّهُ وَالله مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَالله مَا زَالَ يَبْكِي مِنْ لَدُنْ أنْ كَانَ مِنْ أمْرِكَ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، قَالَ: فَقَالَ لِي بَعْضُ أهْلي: لَوِ اسْتَأذَنْتَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأتِكَ فَقَدْ أذِنَ لِامْرَأةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أنْ تَخْدُمَهُ.
قَالَ: فَقُلتُ: وَالله لَا أسْتَأذِنُ فِيهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، وَمَا أدْرِي مَا يَقُولُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَأذَنْتُهُ، وَأنا رَجُلٌ شَابٌّ قَالَ: فَلَبِثْنَا بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ كَمَالُ خَمْسِينَ لَيْلَةً حِينَ نُهِيَ عَنْ كَلَامِنَا، قَالَ: ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أنا جَالِسٌ عَلَى الحَالِ الَّتِي ذَكَرَ الله تبارك وتعالى مِنَّا قَدْ ضَاقَتْ عَليَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَليَّ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَارِخًا: أوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلعٍ يَقُولُ بِأعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أبْشِرْ، قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِتَوْبَةِ الله تبارك وتعالى عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الفَجْرِ، فَذَهَبَ يُبشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ يُبشِّرُونَ.
وَرَكَضَ إِليَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أسْلَمَ، وَأوْفَى الجَبَلَ فَكَانَ الصَّوْتُ أسْرَعَ مِنَ الفَرسِ، فَلمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُما إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ، وَالله مَا أمْلِكُ غَيْرَهُما يَوْمَئِذٍ، فَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُما فَانْطَلَقْتُ أؤُمُّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، يَلقَانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهنِّئونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ الله عَلَيْكَ حَتَّى دَخَلتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ
حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِليَّ طَلحَةُ بْنُ عُبيْدِ الله يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي، وَهَنَّأنِي، وَالله مَا قَامَ إِليَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ.
قَالَ: فَكَانَ كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا لِطَلحَةَ، قَالَ كَعْبٌ: فَلمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ:«أبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» قَالَ: قُلتُ: أمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ الله، أمْ مِنْ عِنْدِ الله؟ قَالَ:«لَا بَل مِنْ عِنْدِ الله» قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، حَتَّى يُعْرَفَ ذَلِكَ مِنْهُ.
قَالَ: فَلمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ أنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى الله تَعَالَى، وَإِلَى رَسُولِهِ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:«أمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قَالَ: فَقُلتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، قَالَ: فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّما الله تَعَالَى نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ.
قَالَ: فَوَالله مَا أعْلَمُ أحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ أبْلَاهُ الله مِنَ الصِّدْقِ فِي الحَدِيثِ مُذْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، أحْسَنَ مِمَّا أبْلَانِي الله تبارك وتعالى، وَالله مَا تَعَمَّدْتُ كَذِبَةً مُذْ قُلتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَإِنِّي لَأرْجُو أنْ يَحْفَظَنِي فِيمَا بَقِيَ، قَالَ: وَأنْزَلَ الله تبارك وتعالى {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى
إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 117 - 119].
قَالَ كَعْبٌ: فَوَالله مَا أنْعَمَ الله تبارك وتعالى عَليَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أنْ هَدَانِي، أعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ، أنْ لَا أكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأهْلِكُ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوهُ، حِينَ كَذَبُوهُ، فَإِنَّ الله تبارك وتعالى قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوهُ حِينَ كَذَبُوهُ شَرَّ مَا يُقَالُ لِأحَدٍ.
فَقَالَ الله تَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95، 96].
قَالَ: وَكُنَّا خُلِّفْنَا أيُّها الثَّلَاثَةُ عَنْ أمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم
حِينَ حَلَفُوا، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، فَأرْجَأ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أمْرَنَا حَتَّى قَضَى الله
تَعَالَى، فَبِذَلِكَ قَالَ الله تَعَالَى:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] وَلَيْسَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا، وَإِرْجَاؤُهُ أمْرَنَا الَّذِي ذَكَرَ مِمَّا خُلِّفْنَا بِتَخَلُّفِنَا عَنِ الغَزْوِ، وَإِنَّما هُوَ عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ.
أخرجه أحمد (15874)، والبخاري (2757)، ومسلم (7116)، وأبو داود (2202)، والنسائي (812).
[رواه] ابْن إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أبِي كَعْبِ بْنِ القَيْنِ، أخُو بَنِي سَلِمَةَ، أنَّ أخَاهُ عُبَيْدَ الله بْنَ كَعْبٍ، وَكَانَ مِنْ أعْلَمِ الأنْصَارِ، حَدَّثَهُ أنَّ أباهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، وَكَانَ كَعْبٌ مِمَّنْ شَهِدَ العَقَبَةَ، وَبَايَعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِهَا، قَالَ: خَرَجْنَا فِي حُجَّاجِ قَوْمِنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، وَقَدْ صَلَّيْنَا وَفَقِهْنَا وَمَعَنَا البَرَاءُ ابْنُ مَعْرُورٍ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا، فَلمَّا تَوَجَّهْنَا لِسَفَرِنَا وَخَرَجْنَا مِنَ المَدِينَةِ.
قَالَ البَرَاءُ لَنَا: يَا هَؤُلَاءِ، إِنِّي قَدْ رَأيْتُ وَالله رَأيًا، وَإِنِّي وَالله مَا أدْرِي تُوَافِقُونِي عَلَيْهِ أمْ لَا، قَالَ: قُلنَا لَهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَدْ رَأيْتُ أنْ لَا أدَعَ هَذِهِ البَنِيَّةِ مِنِّي بِظَهْرٍ، يَعْنِي الكَعْبَةَ، وَأنْ أُصَلِّيَ إِلَيْهَا، قَالَ: فَقُلنَا: وَالله مَا بَلَغَنَا أنَّ نَبِيَّنَا يُصَلِّي إِلَّا إِلَى الشَّامِ، وَمَا نُرِيدُ أنْ نُخَالِفَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي إِلَيْهَا، قَالَ: فَقُلنَا لَهُ: لَكِنَّا لَا نَفْعَلُ، فَكُنَّا إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ صَلَّيْنَا إِلَى الشَّامِ وَصَلَّى إِلَى الكَعْبَةِ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَ أخِي: وَقَدْ كُنَّا عِبْنَا عَلَيْهِ مَا صَنَعَ، وَأبَى إِلَّا الإِقَامَةَ عَلَيْهِ.
فَلمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: يَا ابْنَ أخِي انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَاسْألهُ عَمَّا صَنَعْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، فَإِنَّهُ وَالله قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ لَمَّا رَأيْتُ مِنْ خِلَافِكُمْ إِيَّايَ فِيهِ.
قَالَ: فَخَرَجْنَا نَسْألُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَكُنَّا لَا نَعْرِفُهُ لَمْ نَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ مِنْ أهْلِ مَكَّةَ، فَسَألنَاهُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَل تَعْرِفَانِهِ؟ قَالَ: قُلنَا: لَا، قَالَ: فَهَل تَعْرِفَانِ العَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَمَّهُ؟ قُلنَا: نَعَمْ، قَالَ: وَكُنَّا نَعْرِفُ العَبَّاسَ، كَانَ لَا يَزَالُ يَقْدَمُ عَلَيْنَا تَاجِرًا.
قَالَ: فَإِذَا دَخَلتُما المَسْجِدَ فَهُوَ الرَّجُلُ الجَالِسُ مَعَ العَبَّاسِ، قَالَ: فَدَخَلنَا المَسْجِدَ فَإِذَا العَبَّاسُ جَالِسٌ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَعَهُ جَالِسٌ فَسَلَّمْنَا، ثُمَّ جَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِلعَبَّاسِ:«هَل تَعْرِفُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يَا أبا الفَضْلِ؟ » قَالَ: نَعَمْ هَذَا البَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَهَذَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: فَوَالله مَا أنْسَى قَوْلَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: «الشَّاعِرُ؟ » قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَقَالَ البَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: يَا نَبِيَّ الله إِنِّي خَرَجْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، وَهَدَانِي الله لِلإِسْلَامِ، فَرَأيْتُ أنْ لَا أجْعَلَ هَذِهِ البَنِيَّةَ مِنِّي بِظَهْرٍ، فَصَلَّيْتُ إِلَيْهَا، وَقَدْ خَالَفَنِي أصْحَابِي فِي ذَلِكَ، حَتَّى وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَمَاذَا تَرى يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ:«لَقَدْ كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا» قَالَ: فَرَجَعَ البَرَاءُ إِلَى قِبْلَةِ. رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى مَعَنَا إِلَى الشَّامِ، قَالَ: وَأهْلُهُ يَزْعُمُونَ أنَّهُ صَلَّى إِلَى الكَعْبَةِ حَتَّى مَاتَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَما قَالُوا، نَحْنُ أعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ.
قَالَ: وَخَرَجْنَا إِلَى الحَجِّ، فَوَاعَدْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم العَقَبةَ مِنْ أوْسَطِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَلمَّا فَرَغْنَا مِنَ الحَجِّ، وَكَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَعَدْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، وَمَعَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أبُو جَابِرٍ سَيِّدٌ مِنْ سَادَتِنَا، وَكُنَّا نَكْتُمُ مَنْ مَعَنَا مِنْ قَوْمِنَا مِنَ المُشْرِكِينَ أمْرَنَا فَكَلَّمْنَاهُ، وَقُلنَا لَهُ: يَا أبا جَابِرٍ، إِنَّكَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أشْرَافِنَا، وَإِنَّا نَرْغَبُ بِكَ عَمَّا أنْتَ فِيهِ أنْ تَكُونَ حَطَبًا لِلنَّارِ غَدًا، ثُمَّ دَعَوْتُهُ إِلَى الإِسْلَامِ، وَأخْبَرْتُهُ بِمِيعَادِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَأسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَنَا العَقَبَةَ، وَكَانَ نَقِيبًا.
قَالَ: فَنِمْنَا تِلكَ اللَّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا حَتَّى إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لمِيعَادِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، نَتَسَلَّلُ مُسْتَخْفِينَ تَسَلُّلَ القَطَا حَتَّى اجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ عِنْدَ العَقَبَةِ، وَنَحْنُ سَبْعُونَ رَجُلًا، وَمَعَنَا امْرَأتَانِ مِنْ نِسَائِهِمْ - نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمُّ عُمارَةَ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، وَأسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ، وَهِيَ أُمُّ مَنِيعٍ، قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا بِالشِّعْبِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، حَتَّى جَاءَنَا وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ عَمُّهُ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، إِلَّا أنَّهُ أحَبَّ أنْ يَحْضُرَ أمْرَ ابْنِ أخِيهِ، وَيَتَوَثَّقُ لَهُ.
فَلمَّا جَلَسْنَا كَانَ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ أوَّلَ مُتَكَلِّمٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الخَزْرَجِ، قَالَ: وَكَانَتِ العَرَبُ مِمَّا يُسَمُّونَ هَذَا الحَيَّ مِنَ الأنْصَارِ الخَزْرَجَ أوْسَهَا وَخَزْرَجَهَا، إِنَّ مُحمَّدًا مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأيِنَا فِيهِ، وَهُوَ فِي عِزٍّ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ، قَالَ: فَقُلنَا: قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلتَ، فَتكَلَّمْ يَا رَسُولَ الله، فَخُذْ لِنَفْسِكَ، وَلِرَبِّكَ مَا أحْبَبْتَ.
قَالَ: فَتكَلَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَتلَا وَدَعَا إِلَى الله عز وجل وَرَغَّبَ فِي الإِسْلَامِ، قَالَ:«أبايِعُكُمْ عَلَى أنْ تَمنَعُونِي مِمَّا تَمنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ، وَأبْنَاءَكُمْ» قَالَ: فَأخَذَ البَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحقِّ لَنمْنَعَنَّكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ الله، فَنَحْنُ أهْلُ الحُرُوبِ، وَأهْلُ الحَلقَةِ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، قَالَ: فَاعْتَرَضَ القَوْلَ، وَالبَرَاءُ يُكَلِّمُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أبُو الهَيْثَمِ بْنُ التَّيهَانِ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الأشْهَلِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ حِبَالًا، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا - يَعْنِي العُهُودَ - فَهَل عَسَيْتَ إِنْ نَحْنُ فَعَلنَا ذَلِكَ، ثُمَّ أظْهَرَكَ الله أنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ، وَتَدَعَنَا؟ قَالَ: فَتبَسَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:«بَلِ الدَّمَ الدَّمَ، وَالَهدْمَ الَهدْمَ أنا مِنْكُمْ، وَأنْتُمْ مِنِّي أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ، وَأُسَالِمُ مَنْ سَالمتُمْ» وَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أخْرِجُوا إِليَّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا يَكُونُونَ عَلَى قَوْمِهِمْ» .
فَأخْرَجُوا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنْهُمْ تِسْعَةٌ مِنَ الخَزْرَجِ، وَثَلَاثَةٌ مِنَ الأوْسِ - وَأمَّا مَعْبَدُ بْنُ كَعْبٍ فَحَدَّثَنِي فِي حَدِيثِهِ، عَنْ أخِيهِ، عَنْ أبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - قَالَ: كَانَ أوَّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم البَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، ثُمَّ تَتَابَعَ القَوْمُ، فَلمَّا بَايَعَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَرَخَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأسِ العَقَبَةِ بِأبْعَدِ صَوْتٍ سَمِعْتُهُ قَطُّ: يَا أهْلَ الجُباجِبِ - وَالجُباجِبُ: المَنازِلُ - هَل لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ وَالصُّبَاةُ مَعَهُ؟ قَدْ أجْمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ - قَالَ عَلِيٌّ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ مَا يَقُولُهُ عَدُوُّ الله مُحمَّدٌ -.
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هَذَا أزَبُّ العَقَبَةِ هَذَا ابْنُ أزْيَبَ، اسْمَعْ أيْ عَدُوَّ الله أمَا وَالله، لَأفْرُغَنَّ لَكَ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ارْفَعُوا إِلَى رِحَالِكُمْ» قَالَ: فَقَالَ لَهُ العَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحقِّ لَئِنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ عَلَى أهْلِ مِنًى غَدًا بِأسْيَافِنَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَمْ أُؤمَرْ بِذَلِكَ» .
قَالَ: فَرَجَعْنَا فَنِمْنَا حَتَّى أصْبَحْنَا، فَلمَّا أصْبَحْنَا غَدَتْ عَلَيْنَا جُلَّةُ قُرَيْشٍ حَتَّى جَاءُونَا فِي مَنَازِلِنَا، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الخَزْرَجِ، إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أنَّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ إِلَى صَاحِبِنَا هَذَا تَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ بَيْنِ أظْهُرِنَا، وَتُبايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِنَا، وَالله إِنَّهُ مَا مِنَ
العَرَبِ أحَدٌ أبْغَضَ إِلَيْنَا أنْ تَنْشَبَ الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِنْكُمْ، قَالَ: فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَالِكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِنَا، يَحْلِفُونَ لَهُمْ بِالله مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، وَمَا عَلِمْنَاهُ، وَقَدْ صَدَقُوا لَمْ يَعْلَمُوا مَا كَانَ مِنَّا، قَالَ: فَبَعْضُنَا يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ.
قَالَ: وَقَامَ القَوْمُ وَفِيهِمُ الحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيُّ، وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ جَدِيدَانِ، قَالَ: فَقُلتُ كَلِمَةً كَأنِّي أُرِيدُ أنْ أُشْرِكَ القَوْمَ بِهَا فِيمَا قَالُوا: مَا تَسْتَطِيعُ يَا أبا جَابرٍ، وَأنْتَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَتِنَا أنْ تَتَّخِذَ نَعْلَيْنِ مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا الفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمِعَهَا الحَارِثُ فَخَلَعَهُما، ثُمَّ رَمَى بِهِمَا إِليَّ.
فَقَالَ: وَالله لَتنْتَعِلَنَّهُما قَالَ: يَقُولُ أبُو جَابِرٍ: أحْفَظْتَ - وَالله - الفَتَى، فَارْدُدْ عَلَيْهِ نَعْلَيْهِ، قَالَ: فَقُلتُ: وَالله لَا أرُدَّهُما، فَألٌ وَالله صَالحٌ، وَالله لَئِنْ صَدَقَ الفَألُ لَأسْلُبنَّهُ. فَهَذَا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ العَقَبَةِ وَمَا حَضَرَ مِنْهَا.
أخرجه أحمد (15891).
2586 -
[ح] زَكَرِيَّا بْن أبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأنْصَارِيّ، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأفْسَدَ لهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ، وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ» .
أخرجه ابن أبي شيبة (35521)، وأحمد (15876)، والدارمي (2896)، والترمذي (2376)، والنسائي (11796).
- قال التِّرمِذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2587 -
[ح] سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الله أوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هُوَ شَكَّ يَعْنِي سُفْيَانَ، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المُؤْمِنِ كَمَثَلِ الخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ، تُقِيمُهَا الرِّيَاحُ تَعْدِلهُا مَرَّةً، وَتَصْرَعُهَا أُخْرَى حَتَّى يَأتِيَهُ أجَلُهُ، وَمَثَلُ الكَافِرِ مَثَلُ الأرْزَةِ المُجْذِيَةِ عَلَى أصْلِهَا، لَا يُعِلُّهَا شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ انْجِحَافُهَا يَخْتَلِعُهَا - أوْ انْجِعَافُهَا - مَرَّةً وَاحِدَةً» .
أخرجه ابن أبي شيبة (30982)، وأحمد (27713)، وعبد بن حميد (373)، ومسلم (7196)، والنسائي (7437).
* * *