الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسند المِسْوَر بن مَخرَمَة الزُّهريّ
2616 -
[ح] هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخرَمَةَ، أنَّهُ أخْبَرَهُ أنَّ سُبَيْعَةَ الأسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَقَالَ لَها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:«قَدْ حَلَلتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ» .
أخرجه مالك (1727)، وعبد الرزاق (11734)، وابن أبي شيبة (17378)، وأحمد (19124)، والبخاري (5320)، وابن ماجة (2029)، والنسائي (5669).
2617 -
[ح] عُثْمَان بْن حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ الأنْصَارِيُّ، أخْبَرَنِي أبُو أُمَامَةَ ابْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: أقْبَلتُ بِحَجَرٍ أحْمِلُهُ ثَقِيلٍ وَعَليَّ إِزَارٌ خَفِيفٌ، قَالَ: فَانْحَلَّ إِزَارِي وَمَعِيَ الحَجَرُ لَمْ أسْتَطِعْ أنْ أضَعَهُ حَتَّى بَلَغْتُ بِهِ إِلَى مَوْضِعِهِ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ارْجِعْ إِلَى ثَوْبِكَ فَخُذْهُ، وَلَا تَمْشُوا عُرَاةً» .
أخرجه مسلم (699)، وأبو داود (4016).
2618 -
[ح](أيُّوبَ السختياني، وَلَيْث) حَدَّثَنِي عَبْد الله بْن عُبَيْد الله بْنِ أبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: أُهْدِيَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أقْبِيَةٌ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ، فَقَسَمَهَا فِي أصْحَابِهِ، فَقَالَ مَخرَمَةُ: يَا مِسْوَرُ، اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لِي أنَّهُ قَسَمَ أقْبِيَةً، فَانْطَلَقْنَا، فَقَالَ: ادْخُل، فَادْعُهُ لِي، قَالَ: فَدَخَلتُ فَدَعَوْتُهُ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ إِليَّ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا، قَالَ:«خَبَأتُ لَكَ هَذَا يَا مَخْرَمَةُ» .
أخرجه أحمد (19135)، والبخاري (2599)، ومسلم (2395)، وأبو داود (402)، والترمذي (2818)، والنسائي (9584)، وأبو يعلى (7220).
2619 -
[ح] الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الطُّفَيْلِ هُوَ ابْنُ الحَارِثِ، - وَهُوَ ابْنُ أخِي عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأُمِّهَا - أنَّ عَائِشَةَ، حُدِّثَتْ: أنَّ عَبْدَ الله بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: فِي بَيْعٍ أوْ عَطَاءٍ أعْطَتْهُ عَائِشَةُ: وَالله لَتنتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أوْ لَأحْجُرَنَّ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أهُوَ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَتْ: هُوَ لله عَليَّ نَذْرٌ، أنْ لا أُكلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أبَدًا.
فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا، حِينَ طَالَتِ الهِجْرَةُ، فَقَالَتْ: لا وَالله لا أُشَفِّعُ فِيهِ أبَدًا، وَلا أتَحنَّثُ إِلَى نَذْرِي. فَلمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، كَلَّمَ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَهُما مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، وَقَالَ لَهُما: أنْشُدُكُما بِالله لمَّا أدْخَلتُمانِي عَلَى عَائِشَةَ، فَإِنَّهَا لا يَحِلُّ لَهَا أنْ تَنْذِرَ قَطِيعَتِي. فَأقْبَلَ بِهِ المِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأرْدِيَتِهِمَا، حَتَّى اسْتَأذَنا عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالا: السَّلامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ أنَدْخُلُ؟
قَالَتْ عَائِشَةُ: ادْخُلُوا، قَالُوا: كُلُّنَا؟ قَالَتْ: نَعَمِ، ادْخُلُوا كُلُّكُمْ، وَلا تَعْلَمُ أنَّ مَعَهُما ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الحِجَابَ، فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِي، وَطَفِقَ المِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا إِلَّا مَا كَلَّمَتْهُ، وَقَبِلَتْ مِنْهُ، وَيَقُولانِ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ الهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ:«لا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ» .
فَلمَّا أكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيجِ، طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُما نَذْرَهَا وَتَبْكِي وَتَقُولُ: إِنِّي نَذَرْتُ، وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ، فَلَمْ يَزَالا بِهَا حَتَّى كَلَّمَتْ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَتبكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا.
أخرجه عبد الرزاق (15851)، وأحمد (19129)، والبخاري (6073).
2620 -
[ح] الزُّهْرِيّ: أخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بَنِ الحَكَمِ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُما حَدِيثَ صَاحِبِهِ قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَمَانَ الحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الحُلَيْفَةِ، قَلَّدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الهَدْيَ وَأشْعَرَهُ، وَأحْرَمَ بِالعُمْرَةِ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَسَارَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الأشْطَاطِ قَرِيبٌ مِنْ عُسْفَانَ، أتَاهُ عَيْنُهُ الخُزَاعِيُّ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤيٍّ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الأحَابِشَ، - وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ وَقَالَ: قَدْ جَمَعُوا لَكَ الأحَابِيشَ - وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ البَيْتِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أشِيرُوا عَليَّ، أتَرَوْنَ أنْ نَمِيلَ إِلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ، فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْرُوبِينَ، وَإِنْ نَجَوْا» وَقَالَ يَحْيَى، ابْنُ سَعِيدٍ: عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ: «مَحْزُونِينَ، وَإِنْ يَحْنُونَ تَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا الله، أوْ تَرَوْنَ أنْ نَؤُمَّ البَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلنَاهُ» فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، يَا نَبِيَّ،
الله، إِنَّما جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَلَمْ نَجِئْ نُقَاتِلُ أحَدًا، وَلَكِنْ مَنْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ البَيْتِ قَاتَلنَاهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«فَرُوحُوا إِذًا» .
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ أبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا رَأيْتُ أحَدًا قَطُّ كَانَ أكْثَرَ مَشُورَةً لِأصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فِي حَدِيثِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ: فَرَاحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ بِالغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً، فَخُذُوا ذَاتَ اليَمِينِ» فَوَالله مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُوَ بِقَتَرَةِ الجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، بَركَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ: بَرَكَتْ بِهَا رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«حَلْ حَلْ» فَألحَّتْ، فَقَالُوا: خَلَأتِ القَصْوَاءُ خَلَأتِ، القَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَا خَلَأتْ القَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الفِيلِ» .
ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْألُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ الله إِلَّا أعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا» ثُمَّ زَجَرَهَا، فَوَثَبَتْ بِهِ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهَا حَتَّى نَزَلَ بِأقْصَى الحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ المَاءِ، إِنَّما يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يَلبَثْهُ النَّاسُ أنْ نَزَحُوهُ، فَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم العَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أمَرَهُمْ أنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، قَالَ: فَوَالله مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ.
قَالَ: فَبيْنَما هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الخُزاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ، وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحٍ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، مِنْ أهْلِ تِهَامَةَ، وَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤيٍّ نَزَلُوا أعْدَادَ مِيَاهِ الحُدَيْبِيَةِ، مَعَهُمُ العُوذُ المَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ البَيْتِ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهَكَتْهُمُ الحَرْبُ، فَأضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْني وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أظْهَرُ، فَإِنْ شَاءُوا أنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمَوْا، وَإِنْ هُمْ أبَوْا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأُقاتِلَنَّهُمْ عَلَى أمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتي أوْ لَيُنْفِذَنَّ الله أمْرَهُ» قَالَ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ:«حَتَّى تَنْفَرِدَ» . قَالَ: «فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْنَاهُمْ مُدَّةً» . قَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ.
فَانْطَلَقَ حَتَّى أتَى قُرَيْشًا فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا، فَإِنْ شِئْتُمْ نَعْرِضُهُ عَلَيْكُمْ. فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي أنْ تُحدِّثَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذُو الرَّأيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ. قَالَ: قَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ: أيْ قَوْمُ، ألَسْتُمْ بِالوَالِدِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أوَلَسْتُ بِالوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَهَل تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنِّي اسْتَنْفَرْتُ أهْلَ عُكَاظٍ، فَلمَّا بَلَّحُوا عَليَّ جِئْتُكُمْ بِأهْلي، وَمَنْ أطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى.
فَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، فَاقْبَلُوهَا، وَدَعُونِي آتِهِ. فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَأتَاهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أيْ مُحمَّدُ، أرَأيْتَ إِنْ اسْتَأصَلتَ قَوْمَكَ، هَل سَمِعْتَ بِأحَدٍ مِنَ العَرَبِ اجْتَاحَ أصْلَهُ قَبْلَكَ؟ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى، فَوَالله إِنِّي لَأرَى وُجُوهًا، وَأرَى أوْبَاشًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ.
فَقَالَ لَهُ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ، نَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أبُو بَكْرٍ. قَالَ: أمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أجْزِكَ بِهَا لَأجَبْتُكَ. وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ، أخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ المِغْفَرُ، وَكُلَّمَا أهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لحْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ يَدَهُ بِنَصْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ: أخِّرْ يَدَكَ عَنْ لحْيَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأسَهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: المُغِيرَةُ ابْنُ شُعْبَةَ. قَالَ: أيْ غُدَرُ، أوَلَسْتُ أسْعَى فِي غَدْرَتِكَ.
وَكَانَ المُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَقَتَلَهُمْ، وَأخَذَ أمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ، فَأسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أمَّا الإِسْلَامُ فَأقْبَلُ، وَأمَّا المَالُ، فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ» . ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِعَيْنِهِ، قَالَ: فَوَالله مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلدَهُ، وَإِذَا أمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا، خَفَضُوا أصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ.
فَرَجَعَ إِلَى أصْحَابِهِ، فَقَالَ: أيْ قَوْمِ، وَالله لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى المُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَالله إِنْ رَأيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أصْحَابُ مُحمَّدٍ مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وَالله إِنْ يَتَنَخَّمُ نُخَامَةً، إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلدَهُ، وَإِذَا أمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا خَفَضُوا أصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ: دَعُونِي آتِيهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ. فَلمَّا أشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأصْحَابِهِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«هَذَا فُلَانٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ البُدْنَ، فَابْعَثُوهَا لَهُ» فَبُعِثَتْ لَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ القَوْمُ يُلَبُّونَ، فَلمَّا رَأى ذَلِكَ، قَالَ:«سُبْحَانَ الله، مَا يَنْبَغي لَهِؤُلَاءِ أنْ يُصَدُّوا عَنِ البَيْتِ» .
قَالَ: فَلمَّا رَجَعَ إِلَى أصْحَابِهِ، قَالَ: رَأيْتُ البُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَلَمْ أرَ أنْ يُصَدُّوا عَنِ البَيْتِ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، فَقَالَ: دَعُونِي آتِهِ. فَقَالُوا: ائْتِهِ. فَلمَّا أشْرَفَ عَلَيْهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«هَذَا مِكْرَزٌ، وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ» فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَا هُوَ يُكَلِّمُهُ، إِذْ جَاءَهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَأخْبَرَنِي أيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«سَهُلَ مِنْ أمْرِكُمْ» .
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنكُمْ كِتَابًا. فَدَعَا الكَاتِبَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اكْتُبْ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ» فَقَالَ سُهَيْلٌ: أمَّا الرَّحْمَنُ، فَوَالله مَا أدْرِي مَا هُوَ، وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا هُوَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ. فَقَالَ المُسْلِمُونَ: وَالله مَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ» .
ثُمَّ قَالَ: «هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحمَّدٌ رَسُولُ الله» فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَالله لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أنَّكَ رَسُولُ الله، مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ البَيْتِ وَلَا قَاتَلنَاكَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وَالله إِنِّي لَرَسُولُ الله وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله» قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: «لَا يَسْألُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ الله إِلَّا أعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا» .
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى أنْ تُخلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ البَيْتِ فَنطُوفَ بِهِ» فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَالله لَا تَتَحَدَّثُ العَرَبُ أنا أُخِذْنَا ضُغْطَةً، وَلَكِنْ لَكَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ. فَكَتَبَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: عَلَى أنَّهُ لَا يَأتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ، إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا. فَقَالَ المُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ الله، كَيْفَ يُردُّ إِلَى المُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَ أبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ، وَقَالَ يَحْيَى عَنِ ابْنِ المُبارَكِ: يَرْصُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أظْهُرِ المُسْلِمِينَ. فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحمَّدُ، أوَّلُ مَا أُقاضِيكَ عَلَيْهِ أنْ تَرُدَّهُ إِليَّ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّا لَمْ نَقْضِ الكِتَابَ بَعْدُ» قَالَ: فَوَالله إِذًا لَا نُصَالحُكَ عَلَى شَيْءٍ أبَدًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَأجِزْهُ لِي» قَالَ: مَا أنا بِمُجِيزُهُ لَكَ. قَالَ: «بَلَى، فَافْعَل» قَالَ: مَا أنا بِفَاعِلٍ. قَالَ مِكْرَزٌ: بَلَى قَدْ أجَزْنَاهُ لَكَ. فَقَالَ أبُو جَنْدَلٍ: أيْ مَعَاشِرَ
المُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إِلَى المُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، ألَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الله.
فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فَأتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلتُ: ألَسْتَ نَبِيَّ الله؟ قَالَ: «بَلَى» قُلتُ: ألَسْنَا عَلَى الحقِّ؟ وَعَدُوُّنا عَلَى البَاطِلِ؟ قَالَ: «بَلَى» قَالَ: قُلتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: «إِنِّي رَسُولُ الله، وَلَسْتُ أعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي» قُلتُ: أوَلَسْتَ كُنْتَ تُحدِّثُنا أنا سَنَأتِي البَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: «بَلَى» قَالَ: «أفَأخْبَرْتُكَ أنَّكَ تَأتِيهِ العَامَ» قُلتُ: لَا. قَالَ: «فَإِنَّكَ آتِيهِ، وَمُتَطَوِّفٌ بِهِ» .
قَالَ: فَأتَيْتُ أبا بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقُلتُ: يَا أبا بَكْرٍ، ألَيْسَ هَذَا نَبِيُّ الله حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى. قُلتُ: ألَسْنَا عَلَى الحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى. قُلتُ فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أيُّهَا الرَّجُلُ، إِنَّهُ رَسُولُ الله، وَلَنْ يَعْصِي رَبَّهُ عز وجل، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: تَطَوَّفْ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ، فَوَالله إِنَّهُ لَعَلَى الحقِّ.
قُلتُ: أوَلَيْسَ كَانَ يُحدِّثُنَا أنا سَنَأتِي البَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أفَأخْبَرَكَ أنَّهُ يَأتِيهِ العَامَ؟ قُلتُ: لَا. قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ، وَمُتَطَوِّفٌ بِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلتُ لِذَلِكَ أعْمَالًا. قَالَ: فَلمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الكِتَابِ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِأصْحَابِهِ:«قُومُوا، فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا» قَالَ: فَوَالله مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أحَدٌ، قَامَ، فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ.
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ الله، أتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ، ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ، فَيَحْلِقَكَ. فَقَامَ، فَخَرَجَ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ: نَحَرَ هَدْيَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ. فَلمَّا رَأوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا.
ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ، فَأنْزَلَ الله عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} حَتَّى بَلَغَ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، قَالَ: فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُما مُعَاوِيَةُ بْنُ أبِي سُفْيَانَ، وَالأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى المَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أبُو بَصِيرٍ، رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ: فَقَدِمَ عَلَيْهِ أبُو بَصِيرِ بْنُ أُسَيْدٍ الثَّقَفِيُّ مُسْلِمًا مُهَاجِرًا، فَاسْتَأجَرَ الأخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ رَجُلًا كَافِرًا مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَمَوْلًى مَعَهُ، وَكَتَبَ مَعَهُما إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَسْألُهُ الوَفَاءَ فَأرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: العَهْدَ الَّذِي جَعَلتَ لَنَا فِيهِ. فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا بِهِ ذَا الحُلَيْفَةِ، فَنزَلُوا يَأكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أبُو بَصِيرٍ لِأحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَالله إِنِّي لَأرَى سَيْفَكَ يَا فُلَانُ هَذَا جَيِّدًا. فَاسْتَلَّهُ الآخَرُ، فَقَالَ: أجَل وَالله إِنَّهُ لجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ، ثُمَّ جَرَّبْتُ.
فَقَالَ أبُو بَصِيرٍ: أرِنِي أنْظُرْ إِلَيْهِ. فَأمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الآخَرُ حَتَّى أتَى المَدِينَةَ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ رَأى هَذَا
ذُعْرًا» فَلمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قُتِلَ وَالله صَاحِبِي، وَإِنِّي لمَقْتُولٌ. فَجَاءَ أبُو. بَصِيرٍ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ الله، قَدْ وَالله أوْفَى الله ذِمَّتَكَ قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أنْجَانِي الله مِنْهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أحَدٌ» .
فَلمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أتَى سِيفَ البَحْرِ، قَالَ: وَيَنْفَلَّتُ أبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بِأبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أسْلَمَ إِلَّا لحَقَ بِأبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، قَالَ: فَوَالله مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ، وَأخَذُوا أمْوَالَهُمْ. فَأرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُناشِدُهُ الله وَالرَّحِمَ لمَّا أرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَمَنْ أتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَأرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، فَأنْزَلَ الله عز وجل:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} [الفتح: 24] حَتَّى بَلَغَ {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 26] وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ الله، وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ.
أخرجه عبد الرزاق (9720)، وابن أبي شيبة (13369)، وأحمد (19136)، والبخاري (1694)، وأبو داود (1754)، والنسائي (3737).
2621 -
[ح] ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ، أنَّ مَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ، وَالمِسْوَرَ ابْنَ مَخْرَمَةَ، أخْبَرَاهُ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَألُوهُ أنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:«أحَبُّ الحَدِيثِ إِليَّ أصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا المَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأنيْتُ بِهمْ» .
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلمَّا تَبيَّنَ لَهُمْ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي المُسْلِمِينَ، فَأثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ:«أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلأءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأيْتُ أنْ أرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أحَبَّ مِنْكُمْ أنْ يُطَيِّبَ بِذَلِكَ فَليَفْعَل، وَمَنْ أحَبَّ مِنْكُمْ أنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أوَّلِ مَا يُفِيءُ الله عَلَيْنَا فَليَفْعَل» .
فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّا لا نَدْرِي مَنْ أذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعُوا إِلَيْنَا عُرفَاؤُكُمْ أمْرَكُمْ» فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَأخْبَرُوهُ: أنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأذِنُوا.
أخرجه أحمد (19121)، والبخاري (2539)، وأبو داود (2693)، والنسائي (8825).
2622 -
[ح] ابْنَ شِهَابٍ، أنَّ عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ حَدَّثَهُ، أنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَقْتَلَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ لَقِيَهُ المِسْوَرُ بْنُ مَخرَمَةَ فَقَالَ: هَل لَكَ إِليَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأمُرُنِي بِهَا؟ قَالَ: فَقُلتُ لَهُ: لَا، قَالَ لَهُ: هَل أنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فَإِنِّي أخَافُ أنْ يَغْلِبَكَ القَوْمُ عَلَيْهِ، وَايْمُ الله، لَئِنْ أعْطَيْتَنِيهِ لَا يُخْلَصُ إِلَيْهِ أبَدًا حَتَّى تَبْلُغَ نَفْسِي، إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا وَأنا يَوْمَئِذٍ مُحتَلِمٌ.
فَقَالَ: «إِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَأنا أتَخوَّفُ أنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا» قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ. صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَأثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ، فَأحْسَنَ قَالَ:«حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي، وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا، وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَالله لَا تَجْتَمِعُ ابْنَةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَابْنَةُ عَدُوِّ الله مَكَانًا وَاحِدًا أبدًا» .
أخرجه أحمد (19120)، والبخاري (926)، ومسلم (6390)، وابن ماجة (1999)، وأبو داود (2069)، والنسائي (8314)، وأبو يعلى (7181).
[ورواه] اللَّيْثُ بْن سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ عُبيْدِ الله بْنِ أبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخرَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: «إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ المُغِيرَةِ اسْتَأذَنُونِي فِي أنْ يُنْكِحُوا ابْنَتهُمْ عَلِيَّ بْنَ أبِي طَالِبٍ، فَلَا آذَنُ لهُمْ» ، ثُمَّ قَالَ:«لَا آذَنُ» ثُمَّ قَالَ: «لَا آذَنُ، فَإِنَّما ابْنَتي بَضْعةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أرَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» .
أخرجه أحمد (19134)، والبخاري (5230)، ومسلم (6388)، وابن ماجة (1998)، وأبو داود (2071)، والترمذي (3867)، والنسائي في) «الكبرى» . (8312).