المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل: نقض دعواهم أن الظلم اتصف به اليهود دون النصارى] - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية - جـ ٣

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ: قِيَاسُ النَّصَارَى كُتُبَهُمْ عَلَى الْقُرْآنِ قِيَاسٌ بَاطِلٌ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِمْ كَيْفَ يُمْكِنُ تَغْيِيرُ كُتُبِنَا الَّتِي هِيَ مَكْتُوبَةٌ بِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِسَانًا]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِمْ إِنَّ التَّوْرَاةَ أُخِذَتْ عَنِ الْعُزَيْرِ وَهُوَ نَبِيٌّ مَعْصُومٌ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّهُ غُيِّرَ بَعْضُ أَلْفَاظِهَا بَعْدَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ]

- ‌[فَصْلٌ: ثُبُوتُ الِاخْتِلَافِ وَالتَّغْيِيرِ فِي نُسَخِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَى النَّصَارَى فِي أَنَّ الْقُرْآنَ أَقَرَّهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِلْزَامُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِدِينِ الْإِسْلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ: وُجُوبُ مُحَاجَّةِ الظَّالِمِينَ مِنْ مُشْرِكِينَ وَأَهْلِ كِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ: الْإِسْلَامُ هُوَ دِينُ الْأَنْبِيَاءِ جَمِيعًا]

- ‌[فَصْلٌ: أَمْرُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِ الْحَقِّ لِتَقُومَ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْمُخَالِفِ]

- ‌[فَصْلٌ: نَقْضُ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الظُّلْمَ اتَّصَفَ بِهِ الْيَهُودُ دُونَ النَّصَارَى]

- ‌[فَصْلٌ: الْمُسْلِمُونَ يُوَافِقُونَ النَّصَارَى فِيمَا كَفَّرُوا بِهِ الْيَهُودَ]

- ‌[فَصْلٌ: غُلُوُّ النَّصَارَى فِي عِيسَى عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: تَطَرُّفُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَتَوَسُّطُ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَى النَّصَارَى أَنَّ الْقُرْآنَ نَفَى عَنْهُمُ الشِّرْكَ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَى النَّصَارَى أَنَّ الْقُرْآنَ سَوَّى بَيْنَ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِمْ أَنْ يَتْرُكُوا كَلِمَةَ اللَّهِ عِنْدَهُمُ الَّتِي عَظَّمَهَا الْقُرْآنُ]

- ‌[فَصْلٌ: تَكْرِيمُ الْإِسْلَامِ لِلْمَسِيحِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: نَسْخُ شَرْعِ التَّوْرَاةِ وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الْمَسِيحُ حَقٌّ]

- ‌[فَصْلٌ: شَهَادَةُ كُتُبِ الْيَهُودِ لِعِيسَى بِالنُّبُوَّةِ شَهَادَةٌ لِمُحَمَّدٍ]

- ‌[فَصْلٌ: رَفْضُ دَعْوَى النَّصَارَى أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ مَعَ تَشَكُّكِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: اللَّهُ سبحانه وتعالى نَفَى جَمِيعَ وُجُوهِ الشِّرْكِ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّسُولُ بَشَرٌ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا يَقُولُ إِنَّهُ مَلَكٌ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَى النَّصَارَى أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ أَنَّ تَفْسِيرَهُمْ لِلتَّثْلِيثِ تَفْسِيرٌ بَاطِلٌ]

- ‌[فَصْلٌ: دَلَائِلُ وُجُودِ اللَّهِ وَحَيَاتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: طُرُقُ مَعْرِفَةِ صِفَاتِ الرَّبِّ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَاهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَمَّى نَفْسَهُ أَبًا وَابْنًا وَرُوحَ قُدُسٍ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى الرُّوحِ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ رُوحُ اللَّهِ تَرِفُّ عَلَى الْمَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ " رُوحُكَ الْقُدُسِ لَا تُنْزَعُ مِنِّي]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَشَدَّدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَبِرُوحِ فَاهٍ جَمِيعُ قُوَّاتِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ لِرُوحِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ لِكَلِمَةِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِبْطَالُ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالتَّعْمِيدِ عَلَى الْأَقَانِيمِ]

- ‌[فَصْلٌ: تَسْمِيَتُهُمْ لِعِلْمِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ ابْنًا وَتَسْمِيَتُهُمْ لِحَيَاتِهِ رُوحَ الْقُدُسِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِبْطَالُ احْتِجَاجِهِمْ بِمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْأَقَانِيمِ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى تَأْيِيدِ الْمَسِيحِ بِرُوحِ الْقُدُسِ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِم وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الْكِتَابَ كَلَامُ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ: مُنَاقَشَتُهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْأَقَانِيمَ صِفَاتٌ جَوْهَرِيَّةٌ تَجْرِي مَجْرَى الْأَسْمَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِبْطَالُ تَمْثِيلِهِمُ الصِّفَاتِ بِشُعَاعِ الشَّمْسِ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ تَنَاقُضِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي عَقِيدَةِ إِيمَانِهِم]

- ‌[فَصْلٌ: تَنَاقُضُ قَوْلِهِم لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَجَزَّأُ]

- ‌[فَصْلٌ: نَقْضُ قَوْلِهِم إِنَّ اللَّطَائِفَ لَا تَظْهَرُ إِلَّا فِي الْكَثَائِفِ وَلِهَذَا تَجَسَّمَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ الْخَالِقَةُ بِعِيسَى]

- ‌[فَصْلٌ: تَفْنِيدُ مُرَادِ النَّصَارَى بِظُهُورِ اللَّهِ فِي عِيسَى]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِم ظَهَرَ فِي عِيسَى حُلُولُ ذَاتِهِ وَاتِّحَادُهُ بِالْمَسِيحِ أَوْ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: مَا تَنَبَّأَتْ بِهِ الْكُتُبُ السَّابِقَةُ بِشَأْنِ الْمَسِيحِ]

- ‌[فَصْلٌ: مُنَاقَشَتُهُمْ فِيمَا نَقَلُوهُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ حَوْلَ مَجِيءِ الْمَسِيحِ عليه السلام وَبَيَانُ وَجْهِ الدَّلَالَةِ فِيهَا] [

- ‌قَوْلُ عِزْرَا يَأْتِي الْمَسِيحُ وَيُخَلِّصُ الشُّعُوبَ وَالْأُمَمَ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ أَرْمِيَا النَّبِيِّ عَنْ وِلَادَتِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ أَشْعِيَا النَّبِيِّ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُ الشُّعُوبَ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ زَكَرِيَّا وَيَحُلُّ هُوَ وَهُمْ فِيكِ وَتَعْرِفِينَ أَنِّي أَنَا اللَّهُ الْقَوِيُّ السَّاكِنُ فِيكِ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ عَامُوصَ سَتُشْرِقُ الشَّمْسُ وَيَهْتَدِي بِهَا الضَّالُّونَ وَيَضِلُّ عَنْهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُهُ إِنَّهُ سَيَسْكُنُ اللَّهُ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ مِيخَا وَأَنْتَ يَا بَيْتَ لَحْمٍ قَرْيَةُ يَهُودَا بَيْتُ أَفْرَاتَا يَخْرُجُ لِي رَئِيسٌ الَّذِي يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ حَبْقُوقَ النَّبِيِّ إِنَّ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ يَتَرَاءَى وَيَخْتَلِطُ مَعَ النَّاسِ وَيَمْشِي مَعَهُم]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ أَشْعِيَا النَّبِيِّ هَا هِيَ الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَيُدْعَى اسْمُهُ عِمَّانُوِيلَ]

- ‌[فَصْلٌ: فِي كَلَامِ أَشْعِيَا بِشَارَةٌ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ أَشْعِيَا وَيَحُلُّ فِيهِ رُوحُ الْقُدُسِ رُوحُ اللَّهِ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ رُوحُ الْحِيَلِ وَالْقُوَّةِ رَوْحُ الْعِلْمِ وَخَوْفِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ أَشْعِيَا مِنْ أَعْجَبِ الْأَعَاجِيبِ أَنَّ رَبَّ الْمَلَائِكَةِ سَيُولَدُ مِنَ الْبَشَرِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِم وَمِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى أَفْوَاهِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ شَيْءٌ كَثِيرٌ]

- ‌[فَصْلٌ: رَأْيُ النَّصَارَى فِي عَدَمِ إِيمَانِ الْيَهُودِ بِالْمَسِيحِ بِالرَّغْمِ مِمَّا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ مِنَ النُّبُوَّاتِ عَنْ ظُهُورِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمُ السُّنَّةُ الْجَدِيدَةُ الْمُخْتَارَةُ هِيَ السُّنَّةُ الَّتِي تَسَلَّمْنَاهَا مِنْ يَدَيِ الرُّسُلِ الْأَطْهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمَا وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ عَنْ خَلْقِ آدَمَ عَلَى رَأْيِهِمْ فِي الْمَسِيحِ] [

- ‌قَوْلُهُ فِي التَّوْرَاةِ لِنَخْلُقْ خَلْقًا عَلَى شِبْهِنَا وَمِثَالِنَا]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمَا وَرَدَ فِي الْأَمْرِ بِإِهْلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ عَلَى رُبُوبِيَّةِ الِابْنِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمَا وَرَدَ عَنْ دَاوُدَ عَلَى رُبُوبِيَّةِ الْمَسِيحِ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُهُ فِي التَّوْرَاةِ الَّذِي قَالَ لِي أَنْتَ ابْنِي وَأَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمَا وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ لِمُوسَى وَمَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ مِنْ تَعَدُّدِ أُلُوهِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ اسْتِدْلَالِهِمْ بِشَهَادَةِ أَشْعِيَا بِتَحْقِيقِ الثَّالُوثِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ مَا جَاءَ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ قَوْلِهِ نُقَدِّسُكَ وَنُعَظِّمُكَ وَنُثَلِّثُ لَكَ تَقْدِيسًا مُثَلَّثًا كَالْمَكْتُوبِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ أَشْعِيَا]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ تَأْكِيدِهِمْ إِقْرَارَ الْيَهُودِ بِالثَّالُوثِ وَكُفْرِهِمْ بِمَعْنَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ: رُجُوعُهُمْ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى التَّمَسُّكِ بِالتَّثْلِيثِ لِمَا سَبَقَ أَنْ نَقَلُوهُ وَأَشَارُوا إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ زَعْمِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ عِبَادَةُ ثَلَاثَةِ آلِهَةٍ وَأَنَّهُ لَا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّثْلِيثِ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ شَهَادَاتِ الْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِسْقَاطُ احْتِجَاجِهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى بَاطِلِهِمْ وَأَنَّ الْقُرْآنَ يُؤْخَذُ كُلُّهُ]

الفصل: ‌[فصل: نقض دعواهم أن الظلم اتصف به اليهود دون النصارى]

[فَصْلٌ: نَقْضُ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الظُّلْمَ اتَّصَفَ بِهِ الْيَهُودُ دُونَ النَّصَارَى]

ثُمَّ قَالُوا: فَأَمَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا فَمَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُمُ الْيَهُودُ الَّذِينَ سَجَدُوا لِرَأْسِ الْعِجْلِ، وَكَفَرُوا بِاللَّهِ مِرَارًا كَثِيرَةً لَيْسَتْ وَاحِدَةً، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وَعَبَدُوا الْأَصْنَامَ، وَذَبَحُوا لِلشَّيَاطِينِ لَيْسَ حَيَوَانَاتٍ غَيْرَ نَاطِقَةٍ فَقَطْ، بَلْ بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ حَسَبَ مَا شَهِدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَائِلًا عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ النَّبِيِّ عليه السلام فِي كِتَابِ الزَّبُورِ فِي مَزْمُورِ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ يَقُولُ ذَبَحُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ لِلشَّيَاطِينِ وَأَرَاقُوا دَمًا زَكِيًّا دَمَ بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمُ الَّذِينَ ذَبَحُوا لِلْمَنْحُوتَاتِ بِكَنْعَانَ وَقَدْ تَنَجَّسَتِ الْأَرْضُ بِالدِّمَاءِ وَتَنَجَّسَتْ أَعْمَالُهُمْ وَزَنَوْا بِضَغَائِنِهِمْ، وَسَخِطَ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ وَرَذَّلَ مِيرَاثَهُمْ.

وَقَالَ أَيْضًا عَلَى لِسَانِ أَشْعِيَا النَّبِيِّ عليه السلام يَقُولُ اللَّهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: لَمْ يَسْمَعُوا وَصَايَايَ، لَمْ يَحْفَظُوا كُلَّ مَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ،

ص: 84

بَلْ غَيَّرُوا وَنَقَضُوا الْمِيثَاقَ الَّذِي كُنْتُ جَعَلْتُهُ لَهُمْ إِلَى الْأَبَدِ، فَلِذَلِكَ أَجْلَسْتُهُمْ عَلَيْهِمُ الْحُزْنُ، وَأَهْلَكْتُهُمْ وَانْقَطَعَ مِمَّنْ يَبْقَى مِنْهُمُ الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ.

هَكَذَا قَالَ اللَّهُ عَلَى سُكَّانِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: سَأُبَدِّدُهُمْ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ يَرْفَعُونَ الْأُمَمُ أَصْوَاتَهُمْ وَيُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَيُمَجِّدُونَهُ بِأَصْوَاتٍ عَالِيَةٍ، وَيَجْتَمِعُونَ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَمِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، وَمِنَ الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ وَيُقَدِّسُونَ اسْمَ اللَّهِ وَيَرْجِعُونَ إِلَى اللَّهِ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ، وَيَكُونُونَ شُعْبَةً، وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَيَكُونُونَ مُبَدَّدِينَ فِي الْأَرْضِ.

وَقَالَ أَشْعِيَا النَّبِيُّ عليه السلام يَقُولُ اللَّهُ: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ نَجَّسْتُمْ جَبَلِي الْمُقَدَّسَ، فَإِنِّي سَأُفْنِيكُمْ بِالْحَرْبِ وَتَمُوتُونَ، وَذَلِكَ لِأَنِّي

ص: 85

دَعَوْتُكُمْ فَلَمْ تُجِيبُوا وَكَلَّمْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا، وَعَمِلْتُمُ الشَّيْءَ بَيْنَ يَدِيَّ) .

وَقَالَ أَشْعِيَا أَيْضًا: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَغَضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ بُيُوتِهِمْ وَمِنْ بَيْتِهِ وَلَا يَغْفِرُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَعْنَةٌ، وَجُعِلُوا لَعْنَةَ النَّاسِ فَلِذَلِكَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، وَبَدَّدَهُمْ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَلَا يَعُودُ يَرْحَمُهُمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ بِرَحْمَةٍ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ، وَلَا يُقَرِّبُونَ لِلَّهِ قُرْبَانًا وَلَا ذَبِيحَةً فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَذَلِكَ الزَّمَانِ، وَلَا يَفْرَحُ بَنُو إِسْرَائِيلَ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا عَنِ اللَّهِ عز وجل) .

وَقَالَ أَرْمِيَا النَّبِيُّ عليه السلام: (كَمَا أَنَّ الْحَبَشِيَّ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكُونَ أَبْيَضًا، فَكَذَلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَا يَتْرُكُونَ عَادَتَهُمُ الْخَبِيثَةَ، وَلِذَلِكَ إِنِّي لَا أَرْحَمُ، وَلَا أُشْفِقُ، وَلَا أَرِقُّ عَلَى الْأُمَّةِ الْخَبِيثَةِ وَلَا أَرْثِي لَهَا) .

ص: 86

وَقَالَ حِزْقِيلُ النَّبِيُّ عليه السلام: (قَالَ اللَّهُ: إِنَّمَا رَفَعْتُ يَدِي عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَدَّدْتُهُمْ بَيْنَ الْأُمَمِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا بِوَصَايَايَ، وَلَمْ يُطِيعُوا أَمْرِي، وَخَالَفُونِي فِيهَا فِيمَا قُلْتُ لَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِي) .

وَمِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي التَّوْرَاةِ، وَكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ، وَزَبُورِ دَاوُدَ شَيْءٌ كَثِيرٌ يُقِرُّونَهَا الْيَهُودُ فِي كَنَائِسِهِمْ، وَيَقْرَأُونَهَا وَلَا يُنْكِرُونَ مِنْهَا حَرْفًا وَاحِدًا، وَمِثْلُ مَا هُوَ عِنْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي جَمِيعِ الْأَلْسُنِ اهـ.

وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا كَوْنُ الْيَهُودِ ظَالِمِينَ كَافِرِينَ مُعْتَدِينَ مُسْتَحِقِّينَ لِعَذَابِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ، فَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ مَنْقُولٌ بِالتَّوَاتُرِ، كَمَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ وَالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّصَارَى أَيْضًا ظَالِمُونَ مُعْتَدُونَ كَافِرُونَ مُسْتَحِقُّونَ لِعَذَابِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ، وَفِي الْيَهُودِ مِنَ الْكُفْرِ مَا لَيْسَ فِي النَّصَارَى، وَفِي النَّصَارَى مَا لَيْسَ فِي الْيَهُودِ فَإِنَّ الْيَهُودَ بَدَّلُوا شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ كَفَرُوا بِهِ

ص: 87

وَكَذَّبُوهُ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ كَذَّبُوهُ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ.

كَمَا قَالَ - تَعَالَى - عَنْهُمْ:

{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85](85) أُولَئِكَ {الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 86](86){وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87](87){وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 88](88){وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89](89){بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [البقرة: 90](90){وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 91](91){وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة: 92](92){وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 93] .

ص: 88

فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا بِتَكْذِيبِ الْمَسِيحِ، وَثَانِيًا بِتَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

وَقَالَ - تَعَالَى -:

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: 112] .

وَقَالَ - تَعَالَى -:

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78](78){كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79] .

وَقَالَ - تَعَالَى -:

{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60] .

فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْيَهُودَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَأَنَّهُمْ عَبَدُوا الطَّاغُوتَ، وَأَنَّهُ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ لَكِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَنَّهُمْ

ص: 89

الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:

{إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: 150] .

فِي قَوْلِهِ:

{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46] .

غَلَطٌ بَيِّنٌ وَلِهَذَا كَانَ بَاطِلًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.

فَإِنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى -:

{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] .

نَهْيٌ عَنْ مُجَادَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

وَقَوْلَهُ:

{إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [البقرة: 150] .

مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعًا.

وَلِهَذَا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، إِذَا جَادَلَهُمُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ أَنْ يُجَادِلُوهُ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِاللِّسَانِ تَارَةً وَبِالْيَدِ أُخْرَى، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِجِهَادِ الظَّالِمِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَجَاهَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا

ص: 90

بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَحَوْلَهَا وَقَرِيبًا مِنْهَا، كَمَا جَاهَدَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَالنَّضِيرَ، وَقُرَيْظَةَ، وَأَهْلَ خَيْبَرَ، وَأَهْلَ وَادِي الْقُرَى، وَغَيْرَهُمْ.

ص: 91

وَكَمَا جَاهَدَ النَّصَارَى عَامَ تَبُوكٍ غَزَاهُمْ بِالشَّامِ عَرَبَهُمْ وَرُومَهُمْ، وَأَغْزَاهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ نُوَّابَهُ: زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، وَأَمَرَهُمْ بِغَزْوِهِمْ فَغَزَاهُمْ بَعْدَهُ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ.

وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ وَفَدُ نَجْرَانَ النَّصَارَى جَادَلَهُمْ فِي مَسْجِدِهِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ، فَامْتَنَعُوا عَنْ مُبَاهَلَتِهِ، وَأَقَرُّوا بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فَجَادَلَ بَعْضَهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَالظَّالِمُ مِنْهُمْ عَاقَبَهُ وَجَاهَدَهُ، كَمَا عَاقَبَ الظَّالِمَ مِنَ الْيَهُودِ.

وَمِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ قَوْلُهُمْ: وَأَمَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا، فَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُمُ الْيَهُودُ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِمْ: ثُمَّ وَجَدْنَا فِي الْكِتَابِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا بُرْهَانًا

ص: 92

وَهُوَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الشُّورَى:

{وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [الشورى: 15] كَمَا تَقَدَّمَ.

وَهِيَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِمْ فِي قَوْلِهِ:

{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 2] .

أَنَّهُ عَنَى بِالْكِتَابِ الْإِنْجِيلَ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ: النَّصَارَى، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ هُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَزَعْمُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا بَيِّنٌ ظَاهِرٌ.

وَتَفَاسِيرُ النَّصَارَى لِلْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ فِيهَا مِنَ التَّحْرِيفِ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ، وَالْإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، وَلَا يَنْقَضِي التَّعَجُّبُ مِنْهُ، لَكِنَّ إِقْدَامَهُمْ عَلَى تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالْإِلْحَادِ وَالتَّحْرِيفِ أَعْجَبُ وَأَعْجَبُ كَقَوْلِهِمْ: [إِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ أَثْنَى عَلَى الدِّينِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، بَعْدَ مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ

ص: 93

قَوْلَهُ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] أَرَادَ بِهِ النَّصَارَى.

وَقَوْلَهُ: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا} [الحديد: 25] أَرَادَ بِهِ الْحَوَارِيِّينَ.

وَقَوْلَهُ: {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: 213] .

أَرَادَ بِهِ الْإِنْجِيلَ] فَإِنَّ فِي هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الظَّاهِرِ، وَالِافْتِرَاءِ عَلَى مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ أَرَادَ هَذِهِ الْأُمُورَ، مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ افْتِرَائِهِمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّهُمْ أَخْبَرُوا أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنَّ التَّوْرَاةَ وَالزَّبُورَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْكُتُبِ أَخْبَرَتْ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَأْتُونَ إِلَى مَا يَعْلَمُ كُلُّ عَاقِلٍ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرِدْهُ، فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ، وَإِنَّهُ قَوْلٌ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ، وَكُلُّ مَنْ عَرَفَ حَالَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالدِّينِ يَعْلَمُ عِلْمًا يَقِينِيًّا ضَرُورِيًّا أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَجْعَلُ النَّصَارَى مُؤْمِنِينَ دُونَ الْيَهُودِ، بَلْ كَانَ يُكَفِّرُ الطَّائِفَتَيْنِ، وَيَأْمُرُ بِجِهَادِهِمْ، وَيُكَفِّرُ مَنْ لَمْ يَرَ جِهَادَهُمْ وَاجِبًا عَلَيْهِ.

وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عِنْدَهُمْ عَنْ نَبِيِّهِمْ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا، بَلْ هَذَا يَعْلَمُهُ مِنْ حَالِهِ الْمُوَافِقُ وَالْمُخَالِفُ، إِلَّا مَنْ هُوَ مُفَرِّطٌ فِي الْجَهْلِ بِحَالِهِ، أَوْ مَنْ هُوَ مُعَانِدٌ عِنَادًا ظَاهِرًا

ص: 94