الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: رَدُّ اسْتِدْلَالِهِمْ بِشَهَادَةِ أَشْعِيَا بِتَحْقِيقِ الثَّالُوثِ]
قَالُوا: وَكَذَلِكَ شَهِدَ (أَشْعِيَا) بِتَحَقُّقِ الثَّالُوثِ بِوَحْدَانِيَّةِ جَوْهَرِهِ، وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ:(رَبُّ الْقُوَّاتِ)، وَبُقُولِهِ:(رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وَمِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْمَزَامِيرِ شَيْءٌ كَثِيرٌ حَتَّى الْيَهُودُ يُقِرُّونَ هَذِهِ النُّبُوَّاتِ، وَلَا يَعْرِفُونَ لَهَا تَأْوِيلًا، وَهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ، وَلَا يُنْكِرُونَ مِنْهُ كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا قُلُوبُهُمْ مَغْلُوقَةٌ عَنْ فَهْمِهِ لِقَسَاوَتِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا فِي كَنِيسَتِهِمْ كُلَّ سَبْتٍ يَقِفُ
الْحَرَّانُ أَمَامَهُم، وَيَقُولُ كَلَامًا عِبْرَانِيًّا هَذَا تَفْسِيرُهُ، وَلَا يَجْحَدُونَهُ، (نُقَدِّسُكَ، وَنُعَظِّمُكَ، وَنُثَلِّثُ لَكَ تَقْدِيسًا مُثَلَّثًا كَالْمَكْتُوبِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ) .
فَيَصْرُخُ الْجَمِيعُ مُجَاوِبِينَ: (قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْقُوَّاتِ، وَرَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) .
فَمَا أَوْضَحَ إِقْرَارَهُمْ بِالثَّالُوثِ، وَأَشَدَّ كُفْرَهُمْ بِمَعْنَاهُ، فَنَحْنُ لِأَجْلِ هَذَا الْبَيَانِ الْوَاضِحِ الَّذِي قَالَهُ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَفِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ فَجَعَلُوهُ ثَلَاثَةَ أَقَانِيمَ جَوْهَرًا وَاحِدًا، طَبِيعَةً وَاحِدَةً، إِلَهًا وَاحِدًا، رَبًّا وَاحِدًا، خَالِقًا وَاحِدًا، وَهُوَ الَّذِي نَقُولُهُ: أَبٌ وَابْنٌ وَرُوحُ قُدُسٍ.
وَالْجَوَابُ: أَمَّا مَا فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام مِنْ تَثْنِيَةِ اسْمِ الرَّبِّ عِنْدَ إِضَافَتِهِ إِلَى مَخْلُوقٍ آخَرَ فَهُوَ مِنْ نَمَطِ تَثْنِيَةِ اسْمِ الْإِلَهِ،
وَهَذَا لَا يَقْتَضِي تَعَدُّدَ الْأَرْبَابِ وَالْآلِهَةِ، وَلِهَذَا لَا يَقْتَضِي جَعْلَهُمُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعَةً إِذَا ذُكِرَ اللَّفْظُ مَرَّتَيْنِ وَأَرْبَعَةً.
فَكَذَلِكَ إِذَا ذُكِرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْبَابَ ثَلَاثَةٌ، وَهُمْ أَيْضًا لَا يَقُولُونَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَابٍ وَثَلَاثَةِ آلِهَةٍ فَلَوْ كَانَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَابٍ وَثَلَاثَةِ آلِهَةٍ، لَدَلَّ عَلَى نَقِيضِ قَوْلِهِم، بَلْ هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُثْبِتُونَ إِلَهًا وَاحِدًا، وَلَكِنَّهُمْ يُنَاقِضُونَ فَيُصَرِّحُونَ بِثَلَاثَةِ آلِهَةٍ، وَيَقُولُونَ هُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ.
وَالْكُتُبُ لَا تَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمُ الْمُتَنَاقِضِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنَ اعْتِرَافِ الْيَهُودِ بِأَلْفَاظِ هَذِهِ النُّبُوَّاتِ، وَدَعْوَاهُ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ لَهَا تَأْوِيلًا، فَإِنْ أَرَادُوا بِالتَّأْوِيلِ تَفْسِيرَهَا وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُهَا، فَهَذَا ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى الصِّبْيَانِ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِم.
وَلَكِنَّ النَّصَارَى ادَّعَوْا مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، وَإِنْ أَرَادُوا بِالتَّأْوِيلِ مَعْنًى يُخَالِفُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ فَهَذَا إِنَّمَا
يُحْتَاجُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ ظَاهِرُهُ مَعْنًى بَاطِلًا، لَا يَجُوزُ إِرَادَتُهُ، وَلَيْسَ مَا ذَكَرُوا هُنَا مِنْ هَذَا الْبَابِ، بَلِ الْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ يَكْثُرُ فِيهَا مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَفْهَمُ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَرْبَابٍ أَوْ ثَلَاثَةَ آلِهَةٍ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، وَقَالَ قَوْلًا مُخْتَلِفًا يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ، وَمِثْلُ هَذَا مَوْجُودٌ فِي سَائِرِ الْكَلَامِ يُقَالُ: هَذَا أَمِيرُ الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ، وَأَمِيرُ الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ، وَأَمِيرُ الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ، وَهُوَ أَمِيرٌ وَاحِدٌ.
وَيُقَالُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْأُمِّيِّينَ، وَرَسُولٌ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَرَسُولٌ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَهُوَ رَسُولٌ وَاحِدٌ.