الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: بَيَانُ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ لِكَلِمَةِ اللَّهِ]
قَالُوا: وَقَوْلُهُ: عَلَى لِسَانِ أَشْعِيَا النَّبِيِّ: (يَيْبَسُ الْقَتَادُ، وَيَجِفُّ الْعُشْبُ، وَكَلِمَتُهُ بَاقِيَةٌ إِلَى الْأَبَدِ) .
فَيُقَالُ: إِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِكَلِمَةِ اللَّهِ عِلْمَهُ، أَوْ كَلِمَةً مُعَيَّنَةً، أَوْ تَكُونُ كَلِمَةُ اللَّهِ اسْمَ جِنْسٍ، وَعَلَى التَّقْدِيرَاتِ الثَّلَاثَةِ لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ كَلِمَةُ اللَّهِ اسْمَ جِنْسٍ لِكُلِّ مَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ كَمَا قَالَ:
{وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: 40] .
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: - «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
وَلِهَذَا جَمَعَهَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -:
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] .
وَفِي قَوْلِهِ:
فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ مَا قَالَهُ اللَّهُ فَهُوَ حَقٌّ ثَابِتٌ لَا يَبْطُلُ.
كَمَا قَالَ - تَعَالَى -:
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: 137] .
يَعْنِي بِتَمَامِهَا نَفَاذَ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ النَّصْرِ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَإِهْلَاكِهِ، وَإِخْرَاجِهِمْ إِلَى الشَّامِ.
وَقَالَ - تَعَالَى -:
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف: 27] .
وَقَوْلُهُ:
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ الْمَسِيحِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ يَزُولَانِ، وَكَلَامِي لَا يَزُولُ، فَإِنْ أَرَادَ عِلْمَ اللَّهِ، فَعِلْمُ اللَّهِ بَاقٍ سَوَاءٌ أَرَادَ بِهِ عِلْمَهُ الْقَائِمَ بِذَاتِهِ أَوْ مَعْلُومَهُ الَّذِي أَخْبَرَ بِبَقَائِهِ فَلَا حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَرَادَ كَلِمَةً مُعَيَّنَةً فَإِنَّ الْمَسِيحَ عِنْدَكُمْ لَيْسَ كَلِمَةً مُعَيَّنَةً مِنْ كَلَامِهِ، بَلْ هُوَ عِنْدَكُمْ هُوَ الْكَلِمَةُ وَهُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكَلِمَةِ الْمَسِيحَ وَالْمَسِيحُ عِنْدَكُمْ أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ لَا يُوصَفُ بِالْبَقَاءِ دُونَ الْقِدَمِ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكَلِمَةِ الْمَسِيحَ فَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهُ يُسَمَّى بِالْكَلِمَةِ، لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ: كُنْ فَكَانَ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ، وَيُرِيدُ
بِذَلِكَ إِمَّا بَقَاؤُهُ إِلَى أَنْ يَنْزِلَ إِلَى الْأَرْضِ، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ بَقَاءَ ذِكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَلِسَانِ صِدْقٍ لَهُ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَدَّعُونَهُ، أَنَّهُ قَالَ: وَكَلِمَةُ اللَّهِ بَاقِيَةٌ إِلَى الْأَبَدِ فَوَصَفَهَا بِالْبَقَاءِ دُونَ الْقِدَمِ.
وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْكَلِمَةَ الْمَوْلُودَةَ مِنَ الْأَبِ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَمْ تَزَلْ وَلَا تَزَالُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُوصَفَ بِالدَّوَامِ وَالْبَقَاءِ، بِخِلَافِ مَا وَعَدَ بِهِ مِنَ النَّعِيمِ وَالرَّحْمَةِ وَالثَّوَابِ، فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِالْبَقَاءِ وَالدَّوَامِ كَمَا فِي الْقُرْآنِ:{أُكُلُهَا دَائِمٌ} [الرعد: 35] وَقَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص: 54] .
وَفِي الزَّبُورِ: اعْتَرِفُوا لِلرَّبِّ، فَإِنَّهُ صَالِحٌ، وَإِنَّهُ إِلَى الْأَبَدِ رَحْمَتُهُ.