الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِم وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الْكِتَابَ كَلَامُ اللَّهِ]
قَالُوا: وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْكِتَابَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلَا يَكُونُ كَلَامٌ إِلَّا لِحَيٍّ نَاطِقٍ، وَهَذِهِ صِفَاتٌ جَوْهَرِيَّةٌ تَجْرِي مَجْرَى الْأَسْمَاءِ، وَكُلُّ صِفَةٍ مِنْهَا غَيْرُ الْأُخْرَى، فَالْإِلَهُ وَاحِدٌ، خَالِقٌ وَاحِدٌ، وَرَبٌّ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ.
فَيُقَالُ لَهُم: أَمَّا قَوْلُ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ الْكِتَابَ - أَيِ الْقُرْآنَ - كَلَامُ اللَّهِ، فَهَذَا حَقٌّ، وَالْكَلَامُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمُتَكَلِّمٍ.
وَالْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ حَيٌّ مُتَكَلِّمٌ، وَإِنَّهُ تَكَلَّمَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ، وَالْقُرْآنُ قَدْ أَخْبَرَ بِكَلَامِ اللَّهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَهَلْ يُسَمَّى نَاطِقًا وَكَلَامُهُ نُطْقًا؟
فِيهِ نِزَاعٌ، فَبَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يُجِيزُهُ، وَبَعْضُهُمْ يَمْنَعُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ، وَلَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ تَسْمِيَةُ اللَّهِ نَاطِقًا، بِخِلَافِ لَفْظِ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ، وَقَدْ تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ظُهُورِ الْبِدَعِ فِيهِمْ كَمَا تَنَازَعَ أَهْلُ الْكِتَابِ فِي كَلَامِ اللَّهِ، هَلْ هُوَ قَائِمٌ بِهِ، أَوْ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ.
وَالَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَجُمْهُورُهَا، أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ قَائِمٌ بِهِ،
وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يُوصَفُ بِهِ مِنَ الْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَحْدَثَ قَوْمٌ مِنْهُمْ بَعْدَ انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرِ التَّابِعِينَ، بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ، وَشَارَكَهُمْ فِي هَذِهِ الْبِدْعَةِ كَثِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
وَظَهَرَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ بَعْدَ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ، وَانْتَصَرَ لَهَا قَوْمٌ مِنَ الْوُلَاةِ، وَغَيْرِهِم، ثُمَّ أَطْفَأَهَا اللَّهُ بِمَنْ أَقَامَهُ اللَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ الَّذِينَ بَيَّنُوا فَسَادَهَا وَبَيَّنُوا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُنَزَّلٌ مِنْهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، بَلْ مِنْهُ بَدَأَ، لَمْ يَبْتَدِئْ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ يَكُونُ إِلَهًا وَلَا رَبًّا.
وَكَذَلِكَ حَيَاتُهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُم: إِنَّ حَيَاتَهُ تَكُونُ إِلَهًا وَلَا رَبًّا، وَلَا أَنَّهُ مُسَاوٍ لِلرَّبِّ تَعَالَى فِي الْجَوْهَرِ.