المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل: الرد عليهم في قولهم ومثل هذا القول في كتب الله المنزلة على أفواه الأنبياء والرسل شيء كثير] - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية - جـ ٣

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ: قِيَاسُ النَّصَارَى كُتُبَهُمْ عَلَى الْقُرْآنِ قِيَاسٌ بَاطِلٌ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِمْ كَيْفَ يُمْكِنُ تَغْيِيرُ كُتُبِنَا الَّتِي هِيَ مَكْتُوبَةٌ بِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِسَانًا]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِمْ إِنَّ التَّوْرَاةَ أُخِذَتْ عَنِ الْعُزَيْرِ وَهُوَ نَبِيٌّ مَعْصُومٌ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّهُ غُيِّرَ بَعْضُ أَلْفَاظِهَا بَعْدَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ]

- ‌[فَصْلٌ: ثُبُوتُ الِاخْتِلَافِ وَالتَّغْيِيرِ فِي نُسَخِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَى النَّصَارَى فِي أَنَّ الْقُرْآنَ أَقَرَّهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِلْزَامُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِدِينِ الْإِسْلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ: وُجُوبُ مُحَاجَّةِ الظَّالِمِينَ مِنْ مُشْرِكِينَ وَأَهْلِ كِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ: الْإِسْلَامُ هُوَ دِينُ الْأَنْبِيَاءِ جَمِيعًا]

- ‌[فَصْلٌ: أَمْرُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِ الْحَقِّ لِتَقُومَ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْمُخَالِفِ]

- ‌[فَصْلٌ: نَقْضُ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الظُّلْمَ اتَّصَفَ بِهِ الْيَهُودُ دُونَ النَّصَارَى]

- ‌[فَصْلٌ: الْمُسْلِمُونَ يُوَافِقُونَ النَّصَارَى فِيمَا كَفَّرُوا بِهِ الْيَهُودَ]

- ‌[فَصْلٌ: غُلُوُّ النَّصَارَى فِي عِيسَى عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: تَطَرُّفُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَتَوَسُّطُ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَى النَّصَارَى أَنَّ الْقُرْآنَ نَفَى عَنْهُمُ الشِّرْكَ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَى النَّصَارَى أَنَّ الْقُرْآنَ سَوَّى بَيْنَ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِمْ أَنْ يَتْرُكُوا كَلِمَةَ اللَّهِ عِنْدَهُمُ الَّتِي عَظَّمَهَا الْقُرْآنُ]

- ‌[فَصْلٌ: تَكْرِيمُ الْإِسْلَامِ لِلْمَسِيحِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: نَسْخُ شَرْعِ التَّوْرَاةِ وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الْمَسِيحُ حَقٌّ]

- ‌[فَصْلٌ: شَهَادَةُ كُتُبِ الْيَهُودِ لِعِيسَى بِالنُّبُوَّةِ شَهَادَةٌ لِمُحَمَّدٍ]

- ‌[فَصْلٌ: رَفْضُ دَعْوَى النَّصَارَى أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ مَعَ تَشَكُّكِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: اللَّهُ سبحانه وتعالى نَفَى جَمِيعَ وُجُوهِ الشِّرْكِ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّسُولُ بَشَرٌ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا يَقُولُ إِنَّهُ مَلَكٌ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَى النَّصَارَى أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ أَنَّ تَفْسِيرَهُمْ لِلتَّثْلِيثِ تَفْسِيرٌ بَاطِلٌ]

- ‌[فَصْلٌ: دَلَائِلُ وُجُودِ اللَّهِ وَحَيَاتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: طُرُقُ مَعْرِفَةِ صِفَاتِ الرَّبِّ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ دَعْوَاهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَمَّى نَفْسَهُ أَبًا وَابْنًا وَرُوحَ قُدُسٍ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى الرُّوحِ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ رُوحُ اللَّهِ تَرِفُّ عَلَى الْمَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ " رُوحُكَ الْقُدُسِ لَا تُنْزَعُ مِنِّي]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَشَدَّدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَبِرُوحِ فَاهٍ جَمِيعُ قُوَّاتِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ لِرُوحِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ لِكَلِمَةِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِبْطَالُ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالتَّعْمِيدِ عَلَى الْأَقَانِيمِ]

- ‌[فَصْلٌ: تَسْمِيَتُهُمْ لِعِلْمِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ ابْنًا وَتَسْمِيَتُهُمْ لِحَيَاتِهِ رُوحَ الْقُدُسِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِبْطَالُ احْتِجَاجِهِمْ بِمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْأَقَانِيمِ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى تَأْيِيدِ الْمَسِيحِ بِرُوحِ الْقُدُسِ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِم وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الْكِتَابَ كَلَامُ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ: مُنَاقَشَتُهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْأَقَانِيمَ صِفَاتٌ جَوْهَرِيَّةٌ تَجْرِي مَجْرَى الْأَسْمَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِبْطَالُ تَمْثِيلِهِمُ الصِّفَاتِ بِشُعَاعِ الشَّمْسِ]

- ‌[فَصْلٌ: بَيَانُ تَنَاقُضِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي عَقِيدَةِ إِيمَانِهِم]

- ‌[فَصْلٌ: تَنَاقُضُ قَوْلِهِم لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَجَزَّأُ]

- ‌[فَصْلٌ: نَقْضُ قَوْلِهِم إِنَّ اللَّطَائِفَ لَا تَظْهَرُ إِلَّا فِي الْكَثَائِفِ وَلِهَذَا تَجَسَّمَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ الْخَالِقَةُ بِعِيسَى]

- ‌[فَصْلٌ: تَفْنِيدُ مُرَادِ النَّصَارَى بِظُهُورِ اللَّهِ فِي عِيسَى]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِم ظَهَرَ فِي عِيسَى حُلُولُ ذَاتِهِ وَاتِّحَادُهُ بِالْمَسِيحِ أَوْ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: مَا تَنَبَّأَتْ بِهِ الْكُتُبُ السَّابِقَةُ بِشَأْنِ الْمَسِيحِ]

- ‌[فَصْلٌ: مُنَاقَشَتُهُمْ فِيمَا نَقَلُوهُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ حَوْلَ مَجِيءِ الْمَسِيحِ عليه السلام وَبَيَانُ وَجْهِ الدَّلَالَةِ فِيهَا] [

- ‌قَوْلُ عِزْرَا يَأْتِي الْمَسِيحُ وَيُخَلِّصُ الشُّعُوبَ وَالْأُمَمَ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ أَرْمِيَا النَّبِيِّ عَنْ وِلَادَتِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ أَشْعِيَا النَّبِيِّ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُ الشُّعُوبَ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ زَكَرِيَّا وَيَحُلُّ هُوَ وَهُمْ فِيكِ وَتَعْرِفِينَ أَنِّي أَنَا اللَّهُ الْقَوِيُّ السَّاكِنُ فِيكِ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ عَامُوصَ سَتُشْرِقُ الشَّمْسُ وَيَهْتَدِي بِهَا الضَّالُّونَ وَيَضِلُّ عَنْهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُهُ إِنَّهُ سَيَسْكُنُ اللَّهُ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ مِيخَا وَأَنْتَ يَا بَيْتَ لَحْمٍ قَرْيَةُ يَهُودَا بَيْتُ أَفْرَاتَا يَخْرُجُ لِي رَئِيسٌ الَّذِي يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ حَبْقُوقَ النَّبِيِّ إِنَّ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ يَتَرَاءَى وَيَخْتَلِطُ مَعَ النَّاسِ وَيَمْشِي مَعَهُم]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ أَشْعِيَا النَّبِيِّ هَا هِيَ الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَيُدْعَى اسْمُهُ عِمَّانُوِيلَ]

- ‌[فَصْلٌ: فِي كَلَامِ أَشْعِيَا بِشَارَةٌ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ أَشْعِيَا وَيَحُلُّ فِيهِ رُوحُ الْقُدُسِ رُوحُ اللَّهِ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ رُوحُ الْحِيَلِ وَالْقُوَّةِ رَوْحُ الْعِلْمِ وَخَوْفِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُ أَشْعِيَا مِنْ أَعْجَبِ الْأَعَاجِيبِ أَنَّ رَبَّ الْمَلَائِكَةِ سَيُولَدُ مِنَ الْبَشَرِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِم وَمِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى أَفْوَاهِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ شَيْءٌ كَثِيرٌ]

- ‌[فَصْلٌ: رَأْيُ النَّصَارَى فِي عَدَمِ إِيمَانِ الْيَهُودِ بِالْمَسِيحِ بِالرَّغْمِ مِمَّا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ مِنَ النُّبُوَّاتِ عَنْ ظُهُورِهِ]

- ‌[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمُ السُّنَّةُ الْجَدِيدَةُ الْمُخْتَارَةُ هِيَ السُّنَّةُ الَّتِي تَسَلَّمْنَاهَا مِنْ يَدَيِ الرُّسُلِ الْأَطْهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمَا وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ عَنْ خَلْقِ آدَمَ عَلَى رَأْيِهِمْ فِي الْمَسِيحِ] [

- ‌قَوْلُهُ فِي التَّوْرَاةِ لِنَخْلُقْ خَلْقًا عَلَى شِبْهِنَا وَمِثَالِنَا]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمَا وَرَدَ فِي الْأَمْرِ بِإِهْلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ عَلَى رُبُوبِيَّةِ الِابْنِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمَا وَرَدَ عَنْ دَاوُدَ عَلَى رُبُوبِيَّةِ الْمَسِيحِ]

- ‌[فَصْلٌ: قَوْلُهُ فِي التَّوْرَاةِ الَّذِي قَالَ لِي أَنْتَ ابْنِي وَأَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمَا وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ لِمُوسَى وَمَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ مِنْ تَعَدُّدِ أُلُوهِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ اسْتِدْلَالِهِمْ بِشَهَادَةِ أَشْعِيَا بِتَحْقِيقِ الثَّالُوثِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ مَا جَاءَ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ قَوْلِهِ نُقَدِّسُكَ وَنُعَظِّمُكَ وَنُثَلِّثُ لَكَ تَقْدِيسًا مُثَلَّثًا كَالْمَكْتُوبِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ أَشْعِيَا]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ تَأْكِيدِهِمْ إِقْرَارَ الْيَهُودِ بِالثَّالُوثِ وَكُفْرِهِمْ بِمَعْنَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ: رُجُوعُهُمْ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى التَّمَسُّكِ بِالتَّثْلِيثِ لِمَا سَبَقَ أَنْ نَقَلُوهُ وَأَشَارُوا إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ: رَدُّ زَعْمِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ عِبَادَةُ ثَلَاثَةِ آلِهَةٍ وَأَنَّهُ لَا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّثْلِيثِ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ شَهَادَاتِ الْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ: إِسْقَاطُ احْتِجَاجِهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى بَاطِلِهِمْ وَأَنَّ الْقُرْآنَ يُؤْخَذُ كُلُّهُ]

الفصل: ‌[فصل: الرد عليهم في قولهم ومثل هذا القول في كتب الله المنزلة على أفواه الأنبياء والرسل شيء كثير]

[فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِم وَمِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى أَفْوَاهِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ شَيْءٌ كَثِيرٌ]

قَالُوا: وَمِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى أَفْوَاهِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ - شَيْءٌ كَثِيرٌ عِنْدَ النَّصَارَى جَمِيعِهِمُ الْمُخْتَلِفَةِ أَلْسِنَتُهُمُ الْمُفَرَّقِينَ فِي سَبْعَةِ أَقَالِيمِ الْعَالَمِ الْمُتَمَسِّكِينَ بِدِينِ النَّصْرَانِيَّةِ - قَوْلٌ وَاحِدٌ وَنَصٌّ وَاحِدٌ، عَلَى مَا تَسَلَّمُوهُ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ حِينَ أَنْذَرُوهُمْ وَرَدُّوهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، سَلَّمُوهَا إِلَيْهِم، كُلُّ أُمَّةٍ بِلِسَانِهَا، وَهِيَ عَلَى هَيْئَتِهَا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.

وَالْجَوَابُ عَلَى هَذَا مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْقَوْلَ فِي سَائِرِ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنَ النُّصُوصِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ عُلَمَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ، وَبَيَّنُوا مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ لِمَعَانِي الْكُتُبِ الَّتِي عِنْدَهُم، وَذَكَرُوا مِمَّا عِنْدَهُمْ مِنَ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ بِأَنَّ الْمَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ لَيْسَ هُوَ اللَّهَ - مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ بُطْلَانُ قَوْلِهِم، وَأَنَّهُمْ مِمَّنْ تَرَكُوا الْمُحْكَمَ مِنَ الْآيَاتِ وَاتَّبَعُوا الْمُتَشَابِهَ، وَلِهَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِم:

{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] .

ص: 415

وَهَذَا كَقَوْلِ الْمَسِيحِ عليه السلام لَمَّا سُئِلَ عَنْ عِلْمِ السَّاعَةِ فَقَالَ: (لَا يَعْلَمُهَا إِنْسَانٌ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلَا الِابْنُ إِلَّا الْأَبُ فَقَط) فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ عِلْمَ السَّاعَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَيْئَيْنِ: عَلَى أَنَّ اسْمَ الِابْنِ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى النَّاسُوتِ دُونَ اللَّاهُوتِ، فَإِنَّ اللَّاهُوتَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْفَى عَنْهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِابْنَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ، وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ بِالِاتِّحَادِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الِاتِّحَادُ حَقًّا كَمَا يَزْعُمُونَ لَكَانَ الِابْنُ يَعْلَمُ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ، وَيَقْدِرُ عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ هُوَ اللَّهُ عِنْدَهُم، وَالنَّاسُوتُ لَا يَتَمَيَّزُ عِنْدَهُمْ عَنِ اللَّاهُوتِ فِيمَا يُوصَفُ بِهِ الْمَسِيحُ مِنْ كَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا يُحْيِي وَيُمِيتُ.

وَقَالَ الْمَسِيحُ لِتَلَامِيذِهِ: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَآمِنُوا بِي) وَقَالَ أَيْضًا: (مَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلَيْسَ يُؤْمِنُ بِي فَقَطْ بَلْ وَبِالَّذِي أَرْسَلَنِي)، وَهُمْ يَذْكُرُونَ أَنَّ الْمَسِيحَ عليه السلام اسْتَصْرَخَ اللَّهَ قَائِلًا: (إِلَهِي إِلَهِي

ص: 416

انْظُرْ لِمَاذَا تَرَكْتَنِي وَتَبَاعَدْتَ عَنْ خَلَاصِي) .

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُم: إِنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَسَائِرِ النُّبُوَّاتِ؛ تَسَلَّمُوهَا مِنَ الْحَوَارِيِّينَ كُلُّ أُمَّةٍ بِلِسَانِهَا، وَهِيَ عَلَى هَيْئَتِهَا - قَوْلٌ لَمْ يُقِيمُوا عَلَى صِحَّتِهِ دَلِيلًا، بَلِ ادَّعَوْا ذَلِكَ دَعْوَى مُجَرَّدَةً.

وَمِثْلُ هَذَا النَّقْلِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِالتَّوَاتُرِ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ، لَا سِيَّمَا إِذْ قِيلَ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: إِنَّ هَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَلْسِنَةِ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِهِ إِنْجِيلًا قَدِيمًا، وَمِنْ ذَلِكَ لِسَانُ الْعَرَبِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ النَّصَارَى كَثِيرُونَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَلَا تَعْرِفُ تَوْرَاةً وَلَا إِنْجِيلًا وَلَا نُبُوَّاتٍ عَرَبِيَّةً، إِلَّا مَا عُرِّبَ مِنَ النُّسَخِ الْعِبْرِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ، وَنَحْنُ نُطَالِبُهُمْ بِهَذِهِ الْكُتُبِ الَّتِي هِيَ بِالْعَرَبِيَّةِ الَّتِي فِي زَمَنِ الْحَوَارِيِّينَ أَيْنَ هِيَ؟ وَمَنْ رَآهَا؟ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ،

ص: 417

فَهَذِهِ النُّسَخُ الْيَوْمَ الْعَرَبِيَّةُ الْمَوْجُودَةُ بِأَيْدِي النَّاسِ هِيَ مِمَّا عُرِّبَ مِمَّا بِأَيْدِيهِم، وَحِينَئِذٍ فَلَا تُعْرَفُ صِحَّتُهَا إِنْ لَمْ تُعْرَفْ صِحَّةُ التَّرْجَمَةِ، وَيَثْبُتْ نَقْلُ تِلْكَ عَنِ الْمَسِيحِ عليه السلام، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْأَلْسُنِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ التَّوْرَاةَ وَالنُّبُوَّاتِ الَّتِي نُقِلَتْ مِنْ نُسَخِ الْيَهُودِ وَالْأَنَاجِيلِ هِيَ أَرْبَعَةُ كُتُبٍ بَعْدَ الْمَسِيحِ عليه السلام، اثْنَانِ مِمَّنْ كَتَبَهَا لَمْ يَرَيَا الْمَسِيحَ، وَهُمَا لُوقَا، وَمُرْقُسُ، وَاثْنَانِ رَأَيَاهُ، وَهُمَا يُوحَنَّا، وَمَتَّى.

وَالنُّسَخُ إِنَّمَا كَثُرَتْ عَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَمَا يَنْقُلُهُ الْأَرْبَعَةُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا مَعْلُومًا، وَإِذَا كَثُرَتِ الْأَلْسُنُ بِهَا فَمِنْ بَعْدِ الْأَرْبَعَةِ، لَا أَنَّ الَّذِينَ سَمِعُوهَا مِنَ الْمَسِيحِ عليه السلام تَكَلَّمُوا بِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِسَانًا، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، وَلَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، إِذِ الْحَوَارِيُّونَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ لَمْ يَكُونُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُ نَقَلَهَا اثْنَانِ

ص: 418

وَسَبْعُونَ، فَهُمْ نَقَلُوهَا عَمَّنْ نَقَلَهَا إِلَيْهِمْ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ، وَهُمْ إِنَّمَا يُسْنِدُونَ نَقْلَهَا إِلَى أَرْبَعَةٍ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْحَوَارِيِّينَ لَيْسُوا مَعْصُومِينَ، بَلْ يَجُوزُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْغَلَطُ فِي بَعْضِ مَا يَنْقُلُهُ، وَمَا يُنْقَلُ مِنْ خَوَارِقِهِمْ لِلْعَادَاتِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُكَذِّبُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَدِّقُهُ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى عِصْمَتِهِم، إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُمُ ادَّعَوُا النُّبُوَّةَ، وَأَقَامُوا الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى نُبُوَّتِهِم، وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَالصَّالِحُونَ إِذَا كَانَتْ لَهُمْ كَرَامَاتٌ لَمْ تَدُلَّ كَرَامَاتُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ كَالْأَنْبِيَاءِ، بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الْغَلَطُ مَعَ ثُبُوتِ كَرَامَاتِهِم.

وَالْحَوَارِيُّونَ عِنْدَهُمْ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، وَإِنْ سَمَّوْهُمْ رُسُلًا، فَهُمْ رُسُلُ الْمَسِيحِ لَا رُسُلُ اللَّهِ تبارك وتعالى.

الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ مَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ مِنَ الْأَقْوَالِ الصَّرِيحَةِ الْكَثِيرَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ وَأَصْرَحُ مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ عَلَى قَوْلِهِم.

وَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ التَّمَسُّكُ بِالصَّرِيحِ الْمُحْكَمِ، وَرَدُّ الْمُتَشَابِهِ إِلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْمُتَشَابِهِ، وَرَدُّ الْمُحْكَمِ إِلَيْهِ.

الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ هَذِهِ الْكُتُبُ بِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِسَانًا سَوَاءٌ كَانَتْ كُلُّهَا مَنْقُولَةً عَنِ الْحَوَارِيِّينَ نَقْلًا صَحِيحًا،

ص: 419

أَوْ كَانَ نُقِلَ أَكْثَرُهَا أَوْ أَكَثْرُ مِنْهَا مُتَرْجَمَةً مِنْ لُغَةٍ إِلَى لُغَةٍ.

فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بِكُلِّ لِسَانٍ عِدَّةُ نُسَخٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا إِلَّا لِسَانٌ وَاحِدٌ مَعَ كَثْرَةِ النُّسَخِ بِهَا فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، لَمْ يُمْكِنْ أَحَدًا أَنْ يَقْطَعَ بِأَنَّ جَمِيعَ النُّسَخِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ وَنَصٍّ وَاحِدٍ، كَمَا ادَّعَاهُ هَؤُلَاءِ فِي الِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِسَانًا، حَيْثُ قَالُوا:

(وَمِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى أَفْوَاهِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ كَثِيرٌ، عِنْدَ النَّصَارَى جَمِيعِهِمُ الْمُخْتَلِفَةِ أَلْسِنَتُهُمُ الْمُتَفَرِّقِينَ فِي سَبْعَةِ أَقَالِيمِ الْعَالَمِ، الْمُتَمَسِّكِينَ بِدِينِ النَّصْرَانِيَّةِ - قَوْلٌ وَاحِدٌ وَنَصٌّ وَاحِدٌ عَلَى مَا تَسَلَّمُوهُ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ، وَرَدُّوهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَسَلَّمُوهَا إِلَيْهِمْ كُلُّ أُمَّةٍ بِلِسَانِهَا، وَهِيَ عَلَى هَيْئَتِهَا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا) .

فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَتَضَمَّنُ عِدَّةَ دَعَاوَى لَيْسَ فِيهَا مَا يُمَكِّنُ قَائِلَهُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ تَكَلَّمُوا بِهَذَا الْكَلَامِ بِلَا عِلْمٍ، بَلْ بِالْجَهْلِ وَالضَّلَالِ، كَمَا هُوَ عَادَتُهُم، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُم: مَنِ الَّذِي جَمَعَ كُلَّ نُسْخَةٍ فِي الْعَالَمِ مِنْ جَمِيعِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَسَائِرِ النُّبُوَّاتِ الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ بِلِسَانٍ وَاحِدٍ كَالْعَرَبِيِّ مَثَلًا، وَهَلْ مَيَّزَ جَمِيعَ النُّسَخِ

ص: 420

فَلَمْ يَجِدْ نُسْخَةً تَزِيدُ عَلَى نُسْخَةٍ وَلَا تَنْقُصُ عَنْهَا؟

وَمَعْلُومٌ إِنْ كَانَ هَذَا مُمْكِنًا أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: جَمَعَهَا جَامِعٌ وَغَيَّرَ بَعْضَ أَلْفَاظِهَا، فَلَا يُمْكِنُهُمْ دَعْوَى بَقَائِهَا بِلَا تَغْيِيرٍ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ أَحَدًا أَنْ يَقُولَ: أَنَا أَعْلَمُ مُوَافَقَةَ كُلِّ نُسْخَةٍ مِنْ نُسَخِ هَذِهِ الْكُتُبِ لِكُلِّ نُسْخَةٍ تُوجَدُ فِي سَبْعَةِ أَقَالِيمِ الْعَالَمِ بِذَلِكَ اللِّسَانِ، فَضْلًا عَنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِسَانًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْسُنَ كُلَّهَا تَكَلَّمَتْ بِهَا الْحَوَارِيُّونَ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى لَفْظِهِمْ إِلَى الْيَوْمِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَمْكَنَهُ جَمْعُ نُسَخِ كِتَابِ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الْفُنُونِ مِنْ كُتُبِ الطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَالْهَنْدَسَةِ وَالنَّحْوِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، كَانَ إِمْكَانُ تَغْيِيرِ بَعْضِ أَلْفَاظِ تِلْكَ النُّسَخِ أَيْسَرَ عَلَيْهِمْ مِنْ مُقَابَلَةِ أَلْفَاظِ كُلِّ نُسْخَةٍ بِأَلْفَاظِ تِلْكَ النُّسَخِ مِثْلَهَا.

فَإِنَّ هَذَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ، بَلْ هُوَ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ، وَلَا سِيَّمَا وَالْمُقَابَلَةُ إِنْ كَانَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَنْقُلُ لِلْآخَرِ لَفْظَ

ص: 421

نُسْخَتِهِ فَيَكُونُ مَدَارُ الْمُقَابِلَةِ عَلَى خَبَرٍ وَاحِدٍ، لَمْ يَقْتَرِنْ بِخَبَرِهِ مَا يُعْلَمُ بِهِ صِدْقُهُ، فَقَدْ يَغْلَطَانِ أَوْ يَكْذِبَانِ جَمِيعًا.

وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ عَدَدٍ يَحْصُلُ بِهِمُ الْعِلْمَ احْتَاجَتْ كُلُّ نُسْخَةٍ بِكُلِّ لِسَانٍ إِلَى أَنْ يَشْهَدَ بِلَفْظِهَا جَمْعٌ يَحْصُلُ بِهِمُ الْعِلْمُ، وَأُولَئِكَ بِأَعْيَانِهِمْ يَشْهَدُونَ بِلَفْظِ كُلِّ نُسْخَةٍ بِكُلِّ لِسَانٍ، وَيَشْهَدُونَ بِلَفْظِ كُلِّ نُسْخَةٍ، وَيَشْهَدُ لَهُمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ بِلَفْظِ النُّسْخَةِ الْأُخْرَى (وَمُوَافَقَتِهَا لَهَا، وَهَؤُلَاءِ أَوْ مِثْلُهُمْ بِمُوَافَقَةِ النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ) .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، بَلْ لَوِ اجْتَمَعَ جَمِيعُ مُلُوكِ النَّصَارَى عَلَى ذَلِكَ (وَعُلَمَاءُ بِلَادِهِمْ عَلَى ذَلِكَ) لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ مِنَ النُّسَخِ مَا هُوَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي بِلَادٍ لَا حُكْمَ لَهُمْ عَلَيْهَا، وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ فِي بِلَادِهِمْ مِنَ النُّسَخِ مَا لَمْ يُظْهِرْهَا أَصْحَابُهَا.

فَكُلُّ مَنْ شَهِدَ مِنَ النَّصَارَى، وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ كُلَّ نُسْخَةٍ فِي الْعَالَمِ بِهَذِهِ الْكُتُبِ تُوَافِقُ جَمِيعَ النُّسَخِ فَهُوَ شَاهِدُ زُورٍ شَهِدَ بِمَا لَا يَعْلَمُ، بَلْ شَهِدَ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهِ.

ص: 422

وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ بِمِثْلِ هَذَا لِنُسَخِ أَيِّ كِتَابٍ كَانَ، فَإِنَّ الْعَادَةَ الْمَعْرُوفَةَ أَنَّ نُسَخَ الْكُتُبِ تَخْتَلِفُ وَيَزِيدُ بَعْضُهَا وَيَنْقُصُ بَعْضُهَا، وَالْقُرْآنُ الْمَنْقُولُ بِالتَّوَاتُرِ لَمْ يَكُنْ الِاعْتِمَادُ فِي نَقْلِهِ عَلَى نُسَخِ الْمَصَاحِفِ، بَلْ الِاعْتِمَادُ عَلَى حِفْظِ أَهْلِ التَّوَاتُرِ لَهُ فِي صُدُورِهِم.

وَلِهَذَا إِذَا وُجِدَ مُصْحَفٌ يُخَالِفُ حِفْظَ النَّاسِ أَصْلَحُوهُ، وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَاحِفِ غَلَطٌ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْمَصَاحِفَ الَّتِي كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ قَدْ قَيَّدَ النَّاسُ صُورَةَ الْخَطِّ وَرَسْمَهُ، وَصَارَ ذَلِكَ أَيْضًا مَنْقُولًا بِالتَّوَاتُرِ فَنَقَلُوا بِالتَّوَاتُرِ لَفْظَ الْقُرْآنِ حِفْظًا، وَنَقَلُوا رَسْمَ الْمَصَاحِفِ أَيْضًا بِالتَّوَاتُرِ.

وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي اتِّفَاقَ جَمِيعِ نُسَخِ الْمَصَاحِفِ كَمَا لَا نَدَّعِي أَنَّ كُلَّ مَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ لَا يَغْلَطُ، بَلْ أَلْفَاظُهُ مَنْقُولَةٌ بِالتَّوَاتُرِ حِفْظًا وَرَسْمًا فَمَنْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ غَلِطَ لِمُخَالَفَتِهِ النَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ، بِخِلَافِ هَذِهِ الْكُتُبِ، فَإِنَّ النَّصَارَى لَمْ يَحْفَظُوهَا كُلَّهَا فِي قُلُوبِهِمْ تَلَقِيًّا لَهَا عَنِ الْحَوَارِيِّينَ حِفْظًا مَنْقُولًا بِالتَّوَاتُرِ، بَلْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَحْفَظُهَا كُلَّهَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْفَظَهَا كُلَّهَا أَهْلُ التَّوَاتُرِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْفَظَ كُلَّ لِسَانٍ مِنْهَا مَنْ تَوَاتَرَ بِهِمْ ذَلِكَ اللِّسَانُ.

ص: 423

وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ لِجَمِيعِ النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْهَا كُلَّهَا بِكُلِّ لِسَانٍ مِنْ زَمَنِ الْحَوَارِيِّينَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، بَلْ وَلَا فِي زَمَنٍ مِنَ الْأَزْمَانِ، بَلْ بَعْدَ انْتِشَارِ النَّصَارَى، وَكَثْرَتِهِم، وَتَفَرُّقِهِمْ فِي الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِيهِمْ مَنْ يَحْفَظُهَا كُلَّهَا عَنْ قَلْبِهِ، كَمَا يَحْفَظُ صِبْيَانُ مَكَاتِبِ الْمُسْلِمِينَ الْقُرْآنَ، فَكَيْفَ يَحْفَظُهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ أَهْلُ التَّوَاتُرِ؟ فَكَيْفَ يَحْفَظُ كُلَّ لِسَانٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ أَهْلُ التَّوَاتُرِ؟

وَإِذَا كَانَ اعْتِمَادُهُمْ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْكُتُبِ، وَهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ مَعْرِفَةُ اتِّفَاقِ جَمِيعِ النُّسَخِ بِلِسَانٍ وَاحِدٍ فَضْلًا عَنْ جَمِيعِ الْأَلْسِنَةِ، عُلِمَ أَنَّ دَعْوَاهُمْ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مُتَّفِقَةً عَلَى نَصٍّ وَاحِدٍ وَلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ جَمِيعَ نُسَخِهَا مُتَّفِقَةٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَفِيمَا قَبْلَهُ - كَلَامُ مُجَازِفٍ يَتَكَلَّمُ بِلَا عِلْمٍ، بَلْ يَتَكَلَّمُ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ.

الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ هَذَا لَوْ قُدِّرَ إِمْكَانُهُ، فَإِنَّمَا يَكُونُ مَنْقُولًا لَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ فَكَيْفَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَذِبٌ؟ فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِي هَذَا الزَّمَانِ نُسَخُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالنُّبُوَّاتِ مُخْتَلِفَةً مُتَنَاقِضَةً.

وَالنُّسَخُ الَّتِي عِنْدَ النَّصَارَى مُخْتَلِفَةٌ، وَهِيَ أَيْضًا تُخَالِفُ نُسَخَ الْيَهُودِ وَالسَّامِرَةِ فِي مَوَاضِعَ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قَالَتِ النَّصَارَى: نُسَخُنَا هِيَ الصَّحِيحَةُ - لَمْ يَكُنْ هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ: نُسَخُنَا هِيَ الصَّحِيحَةُ.

بَلْ مَعْلُومٌ أَنَّ اعْتِنَاءَ الْيَهُودِ بِالتَّوْرَاةِ أَعْظَمُ مِنَ اعْتِنَاءِ النَّصَارَى، (ثُمَّ بَعْدَ هَذَا، مَا ذَكَرُوهُ لَا يَكْفِي إِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ نُسَخَهُمْ تُوَافِقُ النُّسَخَ الَّتِي عِنْدَ الْيَهُودِ حَتَّى السَّامِرَةِ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ) .

وَإِنْ قَالُوا: إِذَا خَالَفَ نَقْلُ الْيَهُودِ لِنَقْلِ الْحَوَارِيِّينَ - لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ

ص: 424

لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ. كُلُّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى عِصْمَتِهِم، وَقَدْ عُرِفَ فَسَادُهُ، وَإِذَا قَالَتِ النَّصَارَى: نَحْنُ نَنْقُلُهَا عَنِ الْحَوَارِيِّينَ الْمَعْصُومِينَ، قَالَتِ الْيَهُودُ: نَحْنُ نَنْقُلُهَا عَن مُوسَى الْمَعْصُومِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ، أَوْ عَنِ الْعَارِفِ الْمَعْصُومِ بِاتِّفَاقِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَكَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَالتَّوْرَاةُ بِاتِّفَاقِ الْخَلْقِ مَأْخُوذَةٌ عَن مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَهُوَ مَعْصُومٌ، وَإِنَّمَا يَطْعَنُ مَنْ يَطْعَنُ فِي نَقْلِ بَعْضِهَا لِانْقِطَاعِ التَّوَاتُرِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ لَمَّا خُرِّبَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ سَاكِنٌ، أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ بَعْضَ أَلْفَاظِهَا غُيِّرَ حِينَئِذٍ، وَيَقُولُ بَعْضُهُم: لَمْ تُغَيَّرْ أَلْفَاظُ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَإِنَّمَا غُيِّرَ أَلْفَاظُ بَعْضِ النُّسَخِ، وَانْتَشَرَتِ النُّسَخُ الْمُغَيَّرَةُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لَا يَعْرِفُوا غَيْرَهَا.

ثُمَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَزَلْ فِيهِمْ نَبِيٌّ بَعْدَ نَبِيٍّ حَتَّى جَاءَ الْمَسِيحُ، وَبَعْدَ الْمَسِيحِ فَلَمْ يَزَالُوا خَلْقًا كَثِيرًا لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا عَلَى تَغْيِيرِ نُسَخِ التَّوْرَاةِ، بِخِلَافِ الْإِنْجِيلِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا نَقَلَهُ أَرْبَعَةٌ، وَمَنْ كَتَبَ التَّوْرَاةَ وَالزَّبُورَ وَالنُّبُوَّاتِ مِنْ أَتْبَاعِ الْمَسِيحِ، فَإِنَّمَا كَتَبُوهَا مِنَ النُّسَخِ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِي الْيَهُودِ.

ص: 425

وَإِذَا قَالُوا: كَانُوا مَعْصُومِينَ، فَهَذَا مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَالْيَهُودُ يَنْقُلُونَهَا أَيْضًا عَنِ الْمَعْصُومِ قَبْلَ هَؤُلَاءِ، فَلَا يُمْكِنُ مَعَ هَذَا أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ أَنَّ النُّبُوَّاتِ الَّتِي عِنْدَ النَّصَارَى تَوَاتَرَتْ عَنِ الْمَعْصُومِ أَعْظَمَ مِنْ تَوَاتُرِ مَا عِنْدَ الْيَهُودِ، بَلْ لَا يَشُكُّ الْعُقَلَاءُ الْعَادِلُونَ أَنَّ نَقْلَ حُرُوفِ التَّوْرَاةِ أَصَحُّ مِنْ نَقْلِ حُرُوفِ الْإِنْجِيلِ.

وَهَذَا أَمْرٌ يُعْرَفُ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَإِنَّ التَّوْرَاةَ أُخِذَتْ عَنِ الْمَعْصُومِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَكَانَتْ مَنْقُولَةً قَبْلَ الْمَسِيحِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَعْظَمَ مِنْ نَقْلِ الْإِنْجِيلِ، وَبَعْدَ الْمَسِيحِ نَقَلَهَا الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِذَا وُجِدَ مَا عِنْدَ الْيَهُودِ وَالسَّامِرَةِ مِنْ نُسَخِ النُّبُوَّاتِ يُخَالِفُ مَا عِنْدَ النَّصَارَى فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ - كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ لَيْسَتْ أَلْفَاظُهَا مَنْقُولَةً عَنْ نَصٍّ وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِهَا مُتَوَاتِرًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 426

الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّ جَمِيعَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِهِمْ أَلْبَتَّةَ نَصًّا، بَلْ غَايَةُ مَا يَدَّعُونَ فِيهَا الظُّهُورُ، وَهُمْ مُنَازَعُونَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ: بَلِ الظَّاهِرُ فِيمَا يَحْتَجُّونَ بِهِ خِلَافُ قَوْلِهِم.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ أُصُولَ الْإِيمَانِ الَّتِي يُؤْمِنُ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِهَا، وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهَا - لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْعِلْمُ لَا يَحْصُلُ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنَّ أَصْرَحَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ التَّثْلِيثِ، هُوَ قَوْلُهُ:(عَمِّدُوا النَّاسَ بَاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ) ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَنَوْا قَوْلَهُمْ بِالتَّثْلِيثِ، وَأَثْبَتُوا لِلَّهِ ثَلَاثَةَ أَقَانِيمَ.

وَلَفْظُ الْأَقَانِيمِ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ بِاتِّفَاقِهِم، بَلْ هُوَ مِمَّا ابْتَدَعُوهُ، قِيلَ: إِنَّهُ لَفْظٌ رُومِيٌّ مَعْنَاهُ: الْأَصْلُ، ثُمَّ أُقْنُومُ الِابْنِ تَارَةً يَقُولُونَ:" هُوَ عِلْمُ اللَّهِ "، وَتَارَةً يَقُولُونَ:" هُوَ حِكْمَةُ اللَّهِ "، وَتَارَةً يَقُولُونَ:" هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ "، وَتَارَةً يَقُولُونَ:" هُوَ نُطْقُ اللَّهِ "،

ص: 427

وَرُوحُ الْقُدُسِ تَارَةً يَقُولُونَ: " هُوَ حَيَاةُ اللَّهِ " وَتَارَةً يَقُولُونَ: " هُوَ قُدْرَةُ اللَّهِ ".

وَالْكُتُبُ الْمَنْقُولَةُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَهُمْ لَيْسَ فِيهَا تَسْمِيَةُ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ لَا بَاسْمِ ابْنٍ وَلَا بَاسْمِ رُوحِ الْقُدُسِ، فَلَا يُوجَدُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ سَمَّى عِلْمَ اللَّهِ وَحِكْمَتَهُ وَكَلَامَهُ - ابْنًا، وَلَا سَمَّى حَيَاةَ اللَّهِ أَوْ قُدْرَتَهُ رُوحَ الْقُدُسِ، بَلْ رُوحُ الْقُدُسِ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ يُرَادُ بِهَا مَعْنًى لَيْسَ هُوَ حَيَاةَ اللَّهِ، كَمَا يُرَادُ بِهَا مَلَكُ اللَّهِ أَوْ مَا يُنَزِّلُهُ فِي قُلُوبِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنْ هُدَاهُ وَنُورِهِ وَتَأْيِيدِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، عُلِمَ أَنَّ مَا فَسَّرُوا بِهِ قَوْلَ الْمَسِيحِ عليه السلام:(عَمِّدُوا النَّاسَ بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ) - كَذِبٌ صَرِيحٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا فَسَّرُوا بِهِ كَلَامَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ إِثْبَاتِ الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ كَذِبٌ صَرِيحٌ عَلَيْهِم، كَقَوْلِهِمْ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ، أَرَادُوا بِهِ إِثْبَاتَ ثَلَاثَةِ آلِهَةٍ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ ضَلَالُهُمْ فِيهِ وَافْتِرَاؤُهُمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَيُعْلَمُ أَنَّ إِلَهَ الثَّلَاثَةِ هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَيْسَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ إِلَهًا آخَرَ غَيْرَ إِلَهِ إِسْحَاقَ حَتَّى لَوْ قِيلَ بِالْأَقَانِيمِ، فَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّ أَحَدَ الْأَقَانِيمِ إِلَهُ هَذَا، وَالْأُقْنُومَ الْآخَرَ إِلَهُ الْآخَرِ، فَإِنَّ هَذَا

ص: 428

لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ لَا النَّصَارَى، وَلَا غَيْرِهِم، لَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَبَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ مَثَلًا، وَالِابْنَ إِلَهُ إِسْحَاقَ، وَرُوحَ الْقُدُسِ إِلَهُ يَعْقُوبَ، بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ مَعَ قَوْلِهِمْ بِالتَّثْلِيثِ أَنَّ الْجَمِيعَ إِلَهٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ، لَيْسَ إِلَهُ هَذَا أُقْنُومًا وَإِلَهُ الْآخَرِ أُقْنُومًا آخَرَ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا يُفَسِّرُونَ بِهِ كَلَامَ الْأَنْبِيَاءِ كَذِبٌ، لَا يَصِحُّ لَا عَلَى تَثْلِيثِهِمُ الَّذِي ابْتَدَعُوهُ، وَلَا قَوْلِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ الْمُتَّبِعِينَ لِرُسُلِ اللَّهِ تَعَالَى.

ص: 429