الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ " رُوحُكَ الْقُدُسِ لَا تُنْزَعُ مِنِّي]
قَالُوا: وَقَوْلُهُ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " رُوحُكَ الْقُدُسُ لَا تُنْزَعُ مِنِّي ".
فَيُقَالُ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ كَانَتْ فِي دَاوُدَ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْمَسِيحِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَسِيحِ، وَهُمْ يُسَلِّمُونَ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَا فِي الْكُتُبِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ حَلَّتْ فِي غَيْرِ الْمَسِيحِ فِي دَاوُدَ، وَفِي الْحَوَارِيِّينَ، وَفِي غَيْرِهِمْ.
وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ رُوحُ الْقُدُسِ هُوَ حَيَاةَ اللَّهِ وَمَنْ حَلَّتْ فِيهِ يَكُونُ لَاهُوتًا، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا وَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ هَؤُلَاءِ فِيهِمْ لَاهُوتٌ وَنَاسُوتٌ كَالْمَسِيحِ، وَهَذَا خِلَافُ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ.
وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَسِيحُ فِيهِ لَاهُوتَانِ الْكَلِمَةُ وَرُوحُ الْقُدُسِ، فَيَكُونُ الْمَسِيحُ مَعَ النَّاسُوتِ أُقْنُومَيْنِ: أُقْنُومُ الْكَلِمَةِ، وَأُقْنُومُ رُوحِ الْقُدُسِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ صِفَةً لِلَّهِ قَائِمَةً بِهِ، فَإِنَّ صِفَةَ اللَّهِ الْقَائِمَةُ بِهِ، بَلْ وَصِفَةُ كُلِّ مَوْصُوفٍ لَا تُفَارِقُهُ وَتَقُومُ بِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي
هَذَا أَنَّ اللَّهَ اسْمُهُ رُوحُ الْقُدُسِ، وَلَا أَنَّ حَيَاتَهُ اسْمُهَا رُوحُ الْقُدُسِ وَلَا أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ الَّذِي تَجَسَّدَ الْمَسِيحُ مِنْهُ، وَمِنْ مَرْيَمَ هُوَ حَيَاةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ - تَعَالَى -، وَأَنْتُمْ قُلْتُمْ إِنَّا مَعَاشِرَ النَّصَارَى لَمْ نُسَمِّهِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ مِنْ ذَاتِ أَنْفُسِنَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَمَّى لَاهُوتَهُ بِهَا، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ اللَّهَ سَمَّى نَفْسَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِ بِرُوحِ الْقُدُسِ، وَلَا سَمَّى نَفْسَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِ ابْنًا فَبَطَلَ تَسْمِيَتُكُمْ لِصِفَتِهِ الَّتِي هِيَ الْحَيَاةُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلِصِفَتِهِ الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ بِالِابْنِ.
وَأَيْضًا فَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ الْمَسِيحَ مُخْتَصٌّ بِالْكَلِمَةِ وَالرُّوحِ، فَإِذَا كَانَتْ رُوحُ الْقُدُسِ فِي دَاوُدَ عليه السلام وَالْحَوَارِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، بَطَلَ مَا خَصَّصْتُمْ بِهِ الْمَسِيحَ، وَقَدْ عُلِمَ بِالِاتِّفَاقِ أَنَّ دَاوُدَ عَبْدٌ لِلَّهِ عز وجل، وَإِنْ كَانَتْ رُوحُ الْقُدُسِ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ الْمَسِيحُ عَبْدٌ لِلَّهِ وَإِنْ كَانَتْ رُوحُ الْقُدُسِ فِيهِ، فَمَا ذَكَرْتُمُوهُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا حُجَّةٌ لَكُمْ.