الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَشَدَّدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَبِرُوحِ فَاهٍ جَمِيعُ قُوَّاتِهِنَّ]
قَالُوا: وَأَيْضًا عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ النَّبِيِّ عليه السلام: بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَشَدَّدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَبِرُوحِ فَاهْ جَمِيعُ قُوَّاتِهِنَّ.
فَيُقَالُ: أَمَّا قَوْلُهُ: بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَشَدَّدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَهُوَ أَيْضًا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ بِكَلِمَتِهِ الَّتِي هِيَ (كُنْ)، كَمَا قَالَ فِي التَّوْرَاةِ (لِيَكُنْ كَذَا لِيَكُنْ كَذَا لِيَكُنْ كَذَا) وَكَذَلِكَ فِي الزَّبُورِ:(لِأَنَّهُ قَالَ فَكَانُوا، وَهُوَ أَمْرٌ فَخُلِقُوا) فَجَعَلَ كَوْنَهُمْ عَنْ قَوْلِهِ.
وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي الزَّبُورِ: (الْكُلُّ بِحِكْمَةٍ صَنَعْتُ)، وَفِي الْقُرْآنِ:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] .
وَلَيْسَ الْمَسِيحُ هُوَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ.
الثَّانِي: أَنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ اسْمُ جِنْسٍ، فَإِنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ لَا نِهَايَةَ لَهَا، قَالَ - تَعَالَى -:
وَالتَّوْرَاةُ تَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْكَلِمَاتِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَالْمَسِيحُ لَيْسَ هُوَ مَجْمُوعَ الْكَلِمَاتِ، بَلْ خُلِقَ بِكَلِمَةٍ مِنْهَا.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَسِيحَ عِنْدَكُمْ هُوَ الْخَالِقُ، وَأَنْتُمْ مَعَ قَوْلِكُمْ: إِنَّهُ الِابْنُ وَالْكَلِمَةُ، تَقُولُونَ إِنَّهُ الْإِلَهُ الْخَالِقُ، وَتَقُولُونَ إِنَّهُ إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ، وَتَقُولُونَ: إِلَهٌ وَاحِدٌ فَتَجْمَعُونَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَإِذَا كَانَ هُوَ الْخَالِقُ فَهُوَ الَّذِي يُشَدِّدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، لَا يُقَالُ بِهِ تَشَدَّدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ بِهِ فِيمَا كَانَ صِفَةً لِلْمَوْصُوفِ، فَيُقَالُ: خَلَقَ اللَّهُ الْأَشْيَاءَ بِكُنْ، وَخَلَقَ الْأَشْيَاءَ بِقُدْرَتِهِ.
وَقَوْلُهُ: (بِكَلِمَتِهِ تَشَدَّدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلِمَةَ صِفَةُ فِعْلٍ بِهَا لِأَنَّهَا هِيَ الْخَالِقَةُ وَالْمَسِيحُ عِنْدَكُمْ هُوَ الْخَالِقُ لَيْسَ هُوَ صِفَةُ خَلْقٍ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ يُرَادُ بِهَا جِنْسُ كَلِمَاتِهِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -:
{وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: 40]
وَكَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ أَقَامَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِكَلِمَتِهِ، كَقَوْلِهِ كُنْ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَعَرُّضٌ لِلْمَسِيحِ عليه السلام.
وَأَمَّا نَقْلُكُمْ أَنَّهُ قَالَ: (وَبِرُوحِ فَاهْ جَمِيعُ قُوَّاتِهِنَّ) فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا، لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِيهَا لِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ حَيَاةُ اللَّهِ فَإِثْبَاتُ حَيَاةِ اللَّهِ حَقٌّ وَهُوَ لَمْ يُسَمِّ حَيَاةَ اللَّهِ رُوحَ الْقُدُسِ، كَمَا زَعَمْتُمْ، وَإِنْ أَرَادَ شَيْئًا غَيْرَ حَيَاةِ اللَّهِ لَمْ تَنْفَعْكُمْ فَأَنْتُمُ ادَّعَيْتُمْ أَنَّ حَيَاةَ اللَّهِ رُوحُ الْقُدُسِ حَتَّى قُلْتُمْ مُرَادُهُ فِي الْإِنْجِيلِ بِقَوْلِهِ:(عَمِّدُوا النَّاسَ بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ) هُوَ حَيَاةُ اللَّهِ، وَادَّعَيْتُمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ سَمَّوْهُ بِذَلِكَ وَلَمْ تَذْكُرُوا نَقْلًا عَنِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ سَمَّوْا حَيَاتَهُ رُوحَ الْقُدُسِ، بَلْ ذَكَرْتُمْ عَنْهُمْ مَا يُوَافِقُ مَا فِي الْقُرْآنِ أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا حَيَاةَ اللَّهِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ اسْتُعْمِلَ فِي هَذَا وَهَذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّ الْمَسِيحَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ:(رُوحُ الْقُدُسِ) حَيَاةَ اللَّهِ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فِي حَيَاةِ اللَّهِ قَطُّ.