الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: إِلْزَامُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِدِينِ الْإِسْلَامِ]
وَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى -:
{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1](1){لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 2](2){وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 3](3){وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} [الكافرون: 4](4){وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 5](5){لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] فَهُوَ أَمْرٌ بِالْقَوْلِ لِجَمِيعِ الْكَافِرِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ كَافِرُونَ قَدْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَأَمَرَ بِجِهَادِهِمْ وَكَفَّرَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُمْ كَافِرِينَ وَيُوجِبْ جِهَادَهُمْ قَالَ - تَعَالَى -:
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 1] .
وَقَالَ - تَعَالَى -:
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17] .
وَقَالَ - تَعَالَى -:
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73] .
وَقَالَ - تَعَالَى -:
وَحَرْفُ (مِنْ) فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، فَتُبَيِّنُ جِنْسَ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلَهَا يَدْخُلُ فِي جَمِيعِ الْجِنْسِ الَّذِي بَعْدَهَا، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ لِلتَّبْعِيضِ كَقَوْلِهِ:
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البينة: 1] .
فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ.
وَكَذَلِكَ دَخَلَ فِي الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ جَمِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَتُهُ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [النور: 55] .
وَإِنْ كَانَ جَمِيعُهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْجِنْسُ يَتَنَاوَلُ الْمَذْكُورِينَ وَغَيْرَهُمْ، وَلَكِنْ لَمْ يَبْقَ فِي الْجِنْسِ إِلَّا الْمَذْكُورُونَ، كَمَا يَقُولُ: هُنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْهُمْ غَيْرُهُ.
وَوَصَفَهُمْ بِالشِّرْكِ، وَبِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -:
فَأَخْبَرَ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرْبَابًا وَاتَّخَذُوا الْمَسِيحَ رَبًّا وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا وَهَؤُلَاءِ بِاتِّخَاذِهِمْ غَيْرَهُ أَرْبَابًا عَبَدُوهُمْ فَأَشْرَكُوا بِاللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ -.
وَقَالَ - تَعَالَى -:
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79](79){وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 80] .
فَقَدْ أَخْبَرَ أَيْضًا أَنَّهُ مَنِ اتَّخَذَ الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا فَإِنَّهُ كَافِرٌ.
وَقَالَ - تَعَالَى -:
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73](73){أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 74](74){مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة: 75](75){قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [المائدة: 76]
(فَقَدَ وَبَّخَ أَهْلَ التَّثْلِيثِ عَلَى أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فَدَخَلُوا فِي قَوْلِهِ:
{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1](1){لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 2](2){وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 3] .
كَمَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْيَهُودُ، وَهُمْ أَوْلَى بِالدُّخُولِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ قَوْلَهُ:(مَا تَعْبُدُونَ) يَتَنَاوَلُ صِفَاتِ الْمَعْبُودِ، وَالْإِلَهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ الْمُؤْمِنُونَ هُوَ الْإِلَهُ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالْقُرْآنَ، وَأَرْسَلَ مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدًا - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ -.
وَالْإِلَهُ الْمُتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لَا يَعْبُدُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَهَذَا كَقَوْلِهِ:
{قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133] .
فَهَذَا الْإِلَهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، وَلَيْسَ هُوَ إِلَهَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي يَعْبُدُونَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِأَنْ يَعْبُدُوهُ فَإِنَّهُمْ يُشْرِكُونَ بِعِبَادَتِهِ وَيَصِفُونَهُ بِمَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ فَلَا يُخْلِصُونَ لَهُ الدِّينَ، فَيَعْبُدُوا مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى إِنْ لَمْ يَسْتَكْبِرُوا عَنْ عِبَادَتِهِ، وَإِلَهُ الْعَبْدِ الَّذِي يَعْبُدُهُ بِالْفِعْلِ لَيْسَ حَالُهُ مَعَهُ كَحَالِهِ مَعَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يَعْبُدَهُ، وَهُوَ لَا يَعْبُدُهُ، بَلْ يُشْرِكُ بِهِ أَوْ يَسْتَكْبِرُ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ:{لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 2] .
وَالشِّرْكُ غَالِبٌ عَلَى النَّصَارَى، وَالْكِبْرُ غَالِبٌ عَلَى الْيَهُودِ.