المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الاول في بيان حقيقة الاختلاف وما يتصل بها

- ‌الاختلاف والخلاف وعلم الخلاف:

- ‌الجدل و «علم الجدل» :

- ‌الشقاق:

- ‌المقبول والمردود من الاختلاف:

- ‌بعض فوائد الاختلاف المقبول:

- ‌أقسام الخلاف من حيث الدوافع:

- ‌رأي العلماء في الاختلاف:

- ‌الفصل الثاني: تاريخ الاختلاف وتطوره

- ‌اختلاف الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌التأويل وأنواعه:

- ‌أهل الاجتهاد من الصحابة:

- ‌تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من الاختلاف:

- ‌معالم ادب الاختلاف في عصر النبوة:

- ‌الاختلاف في عصر الصحابة وآدابه:

- ‌بين عمر وعلي:

- ‌بين عمر وعبد الله بن مسعود:

- ‌بين ابن عبّاس وزيد بن ثابت:

- ‌وصف ضرار لـ «علي» وبكاء معاوية:

- ‌سمات أدب الاختلاف في عهد الخلافة الراشدة:

- ‌الخلاف في عهد التابعين وآدابه:

- ‌أثر الخلاف السياسي في الاختلافات الاعتقادية والفقهية:

- ‌مناظرة بين عبّاس للخوارج:

- ‌الفصل الثالث اختلاف مناهج الأئمة في الاستنباط

- ‌المذاهب الفقهية:

- ‌مناهج الأئمة المشهورين:

- ‌ولنا كلمة:

- ‌‌‌أسباب الاختلاف من عهد النبوة حتى عهد الفقهاء:

- ‌أسباب الاختلاف من عهد النبوة حتى عهد الفقهاء:

- ‌أسباب الاختلافات الفقهية في عصر الفقهاء:

- ‌الفصل الخامس: في معالم الاختلاف بين الائمة وآدابه

- ‌رسالة الليث بن سعد الى الامام مالك:

- ‌ نماذج من أدب الاختلاف بين كبار الأئمة من السلف الصالح

- ‌أبو حنيفة ومالك:

- ‌محمد بن الحسن ومالك:

- ‌الشافعي ومحمد بن الحسن:

- ‌مالك وابن عيينة:

- ‌مالك والشافعي:

- ‌أحمد بن حنبل ومالك:

- ‌آراء بعض العلماء في أبي حنيفة:

- ‌آراء بعض العلماء في الشافعي:

- ‌بين الإمام أحمد والشافعي:

- ‌الفصل السادس: الخلاف بعد القرون الخيرة وآدابه

- ‌الحالة بعد القرن الرابع:

- ‌التقليد وعواقبه:

- ‌حالة الأمة في الأحقاب الأخيرة:

- ‌أسباب الاختلاف اليوم

- ‌سبيل النجاة:

- ‌خاتمة

الفصل: ‌بين ابن عباس وزيد بن ثابت:

‌بين ابن عبّاس وزيد بن ثابت:

وحتى نتلمس المزيد من أدب الاختلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم نعرض القضايا الخلافية، فنقول: كان ابن عباس رضي الله عنهما يذهب كالصدّيق وكثير من الصحابة إلى أن الجد يسقط جميع الإخوة والأخوات في المواريث كالادب، وكان زيد بن ثابت كعلي وابن مسعود وفريق آخر من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يذهب إلى توريث الإخوة مع الجد ولا يحجبهم به، فقال ابن عباس يوما: ألا يتقي الله زيد، يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أب الأب أبا!: وقال: لوددت أني وهؤلاء الذين يخالفوني في الفريضة نجتمع، فنضع أيدينا على الركن، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين

(48) .

تلك أمثلة من اختلافات الصحابة الفقيهة، نوردها لا لنعمق الهوة ونؤصل الاختلاف بل لتنحصر ضالتنا في استقراء آداب نلتقي عليها في حل خلافاتنا الفقهية حتى يغدو أسلوب حياة لنا في تعاملنا مع الناس.

إن ابن عباس رضي الله عنهما الذي بلغت ثقته بصحة اجتهاده وخطأ اجتهاد زيد هذا الحد الذي رأيناه، رأى زيد بن ثابت يوما يركب دابته فأخذ بركابه يقود به، فقال زيد: تنحّ يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقول ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا. فقال زيد: أرني

(48) يراجع تخريجنا لهذا الاثر من كتب الآثار بحاشيتنا على المحصول (2/ق2/76) وينظر كذلك (2/ق1/ 181) .

ص: 65

يدك. فأخرج ابن عباس يده، فقبلها زيد وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. (49) وحين توفي زيد قال ابن عباس: «هكذا يذهب العلم» (50) وفي رواية البيهقي في سننه الكبرى «هكذا ذهاب العلم، لقد دفن اليوم علم كثير» (51) . وكان عمر رضي الله عنه يدعو ابن عباس للمعضلات من المسائل مع شيوخ المهاجرين والأنصار من البدريين وغيرهم (52) .

والحق لو أننا حاولنا تتبع القضايا الخلافية بين الصحابة في مسائل الفقه، وسلوكهم في عرض مذاهبهم لسودنا في ذلك كتبا، وهذا ليس مبتغانا هنا إنما نورد نماذج فقط نستشف منها الآداب التي تربى عليها جيل الصحابة رضوان الله عليهم، لتدل على مدى التزامهم بآداب الاختلاف في الظروف كلها.

حين جرى الكتاب بما سبق في علم الله، ووقعت الفتن الكبرى، وحدث ما حدث بين الصحابة لأمور الله وحده العالم بكل اسبابها، والمحيط بسائر عواملها حين حدث ذلك ووقع السيف بينهم ما نسي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضائل أهل الفضل منهم، ولا أنستهم الأحداث الجسام والفتن العظام مناقب أهل المناقب منهم، فهذا أمير المؤمنين

(49) كما في كنز العمال (7/37) وحياة الصحابة (3/30) وفيها ينظر تصحيحه وبقية مراجعه.

(50)

انظر إعلام الموقعين (1/18) .

(51)

سنن البيهقي (6/211) والمحصول (2/ق2/77) .

(52)

مصنف عبد الرزاق (11/28) رقم (30489) والمحصول (2/ق1/217) وما بعدها.

ص: 66

علي رضي الله عنه يقول عنه مروان بن الحكم: «ما رأيت أحدا أكرم غلبة من علي، ما هو إلاّ يوم الجمل فنادى مناديه

ولا يذفف أي يجهز على جريح» (53) .

ويدخل عمران بن طلحة على علّي رضي الله عنه، بعدما فرغ من معركة الجمل، فيرحب به ويدنيه ويقول: «إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله عز وجل فيهم: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين)(الحجر: 47) . ثم أخذ يسأله عن أهل بيت طلحة فردا فردا وعن غلمانه وعن أمهات أولاده

يا ابن أخي كيف فلانة؟ كيف فلانة؟ ويستغرب بعض الحاضرين ممن لم يحظوا بشرف صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يدركوا ماذا يعني أن يكون الإنسان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول رجلان جالسان على ناحية البساط: الله أعدل من ذلك، تقتلهم بالأمس وتكونون إخوانا في الجنة؟ فيغضب الإمام علي، ويقول للقائلين:«قوما أبعد أرض الله وأسحقها فمن هو إذا إن لم أكن أنا وطلحة، فمن إذن؟!» (54) .

ويسأل بعضهم أمير المؤمنين عليا عن «أهل الجمل» أمشركون هم؟ فيقول رضي الله عنه: من الشرك وفرّوا.

قال: أمنافقون هم؟ فيقول رضي الله عنه: إن المنافقين لا يذكرون الله إلاّ قليلا.

فيقال: فمن هم إذن؟ فيقول كرم الله وجهه؛ إخواننا بغوا علينا (55) .

(53) حياة الصحابة (3/12) .

(54)

طبقات ابن سعد (3/224) وحياة الصحابة (3/13) .

(55)

أخرجه البيهقي في السنن (8/173) .

ص: 67