الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا قيام للإسلام دونها، وهي فوق الخلاف أو الوفاق في المسائل الاجتهادية.
4 لم تكن المسائل الاعتقادية مما يجري فيه الخلاف، فالخلافات لم تكن تتجاوز مسائل الفروع.
5 كان الصحابة رضوان الله عليهم قبل خلافة عثمان رضي اله عنه منحصرين في المدينة، وقليل منهم في مكة، لا يغادرون إلاّ لجهاد نحوه، ثم يعودون فيسهل اجتماعهم، ويتحقق إجماعهم في كثير من الأمور.
6 كان القراء والفقهاء بارزين ظاهرين كالقيادات السياسية، وكل له مكانته المعروفة التي لا ينازعه فيها منازع، كما أن لكل شهرته في الجانب الفقهي الذي يتقنه، مع وضوح طرائقهم ومناهجهم في الاستنباط وعليها بينهم ما يشبه الاتفاق الضمني.
7 كانت نظرتهم إلى استدراكات بعضهم على بعض أنها معونة يقدمها المستدرك منهم لأخيه وليست عيبا أو نقدا.
الخلاف في عهد التابعين وآدابه:
كان من سياسات أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ألاّ يسمح للصحابة من المهاجرين والأنصار بالإقامة خارج المدينة، فهم في غير المدينة دائما مسافرون يذهبون لغزو أو تعليم أو ولاية أو قضاء أو غير ذلك من المهام، وتبقى المدينة المستقر والمقام لهم بعد ذلك، فهي
حاضرة الدولة وقاعدة الخلافة، وهم حملة رسالة الإسلام ورعيله الأول فيجب أن يكونوا قريبين من الخليفة، أعوانا له على أعبائه، مشاركين إياه في شؤون الأمة كلها.
فلما ولي عثمان رضي الله عنه لم ير باسا في أن يسمح لكل من اراد من الصحابة مغادرة المدينة أو يستوطن حيث يشاء من ديار الإسلام، فتفرق فقهاء الصحابة وقراؤهم في الأمصار التي فتحت، والبلدان التي مصرت، فاستوطن المصرين (البصرة والكوفة) ما يزيد عن ثلاثمائة من الصحابة، واقام في مصر والشام عدد منهم.
ولقد نقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن رجع من حنين ترك في المدينة اثني عشر الفا من الصحابة، بقي منهم فيها حتى وفاته عشرة آلاف، وتفرق ألفان منهم في الأمصار (58) .
وقد حمل علم وفقه الفقهاء والقراء من الصحابة بعدهم من تلقى عنهم من التابعين، أمثال: سعيد بن المسيب (59) الذي يعتبر راوية عمر وحامل فقهه في المدينة، وعطاء بن أبي رباح في مكة، وطاووس في اليمن، ويحيى بن أبي كثير في اليمامة، والحسن في البصرة، ومكحول في الشام، وعطاء في خراسان، وعلقمة في الكوفة وغيرهم
…
وهؤلاء كانوا كثيرا ما يمارسون الفتوى والاجتهاد بمشهد
(58) الفكر السامي (11/311) .
(59)
هو سيد التابعين وعالمهم، ولد سنة (15 هـ) وتوفي سنة (94 هـ) له ترجمة في مظان كثيرة منها: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/119 123) وخلاصة تذهيب الكمال (121) وتهذيب التهذيب (4/84) وتقريب التهذيب (1/305) والبداية (9/99) كما أفردت ترجمته ومناقبه بمؤلفات خاصة قديمة وحديثة.
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تلقوا العلم والفقه عنهم، وتربوا على أيديهم، وتأدبوا بآدابهم، وتأثروا بمناهجهم في الاستنباط، فما خرجوا عن آداب الصحابة في الاختلاف عندما اختلفوا، ولا جاوزوا تلك السيرة، وهؤلاء هم فقهاء الجمهور الذين تأثرت بهم جماهير الأمة، وعنهم تلقوا الفقه، ولعل مما يوضح ذلك الأدب هاتان المناظرتان في الدية.
أخرج عبد الرزاق (60) من طريق الشعبي قال: جاء رجل إلى شريح، فسأله عن دية الأصابع، فقال: في كل أصبع عشرة إبل. فقال الرجل: سبحان الله. هذه وهذه سواء (مشيرا إلى الإبهام والخنصر) فقال شريح: ويحك، إن السنة منعت القياس، اتبع لا تبتدع.
وأخرج مالك في الموطأ عن ربيعة قال: سألت سعيد بن المسيب. كم في أصبع المرأة؟ قال: عشرة من الإبل. قلت: ففي أصبعين؟ قال عشرون. قلت ففي ثلاث؟ قال: ثلاثون. قلت ففي أربع؟ قال عشرون. قلت: حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها (أي: ديتها) فقال سعيد: أعراقي أنت؟ فقال ربيعة: بل عالم متثبت. أو جاهل متعلم. قال سعيد: هي السنة يا ابن أخي (61) .
وينتهي الأمر عند هذا الحد دون أن يحتد طرف ويتهم الآخر بالجهل، أو يزعم لنفسه إصابة الحق وما يراه غيره الباطل، فمذهب سعيد
(60) المصنف والفكر السامي (1/391) وقد أخرجه ابن المنذر وسنده صحيح.
(61)
الموطأ مع شرحه للزمراني (4/188) ومصنف عبد الرزاق (9/349) وسنن البيهقي (8/96) .
والحجازيين أن دية المرأة كدية الرجل حتى تبلغ الثلث من ديته، فما زاد عن الثلث تكون فيه ديتها نصف دية الرجل، ذلك لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها)(62) . ومذهب العراقيين أن ديتها نصف دية الرجل ابتداء.
وناظر الشعبي (عامر بن شراحيل الكوفي) رجلا في القياس، فقال له: أرأيت لو قتل الأحنف بن قيس وقتل معه طفل صغير أكانت ديتهما واحدة أم يفضل الأحنف لعقله وحلمه؟ قال الرجل: بل سواء، قال: فليس القياس بشيء.
والتقى الأوزاعي بأبي حنيفة في مكة، فقال الأوزاعي: ما بالكم لا ترفعون أيديكم عند الركوع والرفع منه؟ فقال أبو حنيفة: لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء. فقال الأوزاعي: كيف وقد حدّثني الزهري عن سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه.
فقال أبو حنيفة: حدثنا حماد عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه إلاّ عند افتتاح الصلاة ولا يعود لشيء من ذلك.
فقال الأوزاعي: أحدثك عن الزهري عن سالم، عن أبيه وتقول: حدّثني حماد عن إبراهيم؟
فقال أبو حنيفة: كان حماد أفقه من الزهري، وكان إبراهيم أفقه من
(62) أخرجه النسائي (8/54) والدارقطني (4/364) .