الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشافعي ومحمد بن الحسن:
يقول الإمام الشافعي: ذاكرت محمد بن الحسن يوما، فدار بيني وبينه كلام واختلاف، حتى جعلت أنظر الى أوداجه تدر، وتتقطع أزراره.. (134) .
ويقول محمد بن الحسن: إن كان أحد يخالفنا فيثبت خلافه علينا فالشافعي، فقيل له: فلم؟ قال: لبيانه وتثبته في السؤال والجواب والاستماع
…
(135) .
تلك هي بعض نماذج ادب الاختلاف، من آداب علماء الأمة، نستنبط منها: أن خلف الأمة في قرون الخير كان يسير حذو السلف، والكل يستقي من ادب النبوة، ولم يكن أدب السلف الصالح يقتصر على تجنب التجريح والتشنيع، بل كان من الآداب الشائعة في ذلك الجيل من العلماء التثبت في أخذ العلم واجتناب الخوض فيما لا علم لهم به، والحرص على تجنب الفتيا خوفا من الوقوع في الخطأ. قال صاحب القوت: وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت في هذا المسجد (مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وعشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم احد يسأل عن حديث أو فتيا إلاّ ودّ ان أخاه كفاه ذلك. وفي لفظ آخر: كانت المسالة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر،
(134) المرجع السابق.
(135)
الانتقاء (38) .
ويردها الآخر حتى ترجع الى الذي سأل عنها أول مرة
…
(136) .
وقد ارتفع هؤلاء الرجال فوق مشاعر الإحساس بالغضاضة، فقد يتوقف أحدهم أمام مسالة تأثما، فمن ذلك أن رجلا سأل مالك بن أنس عن مسألة، وذكر أن قومه أرسلوه يسأله عنها من مسيرة ستة أشهر، قال مالك: فأخبر الذي أرسلك أني لا علم لي بها. قال الرجل: ومن يعلمها؟ قال مالك: من علّمه الله، قالت الملائكة:(لا علم لنا إلا ما علّمتنا)(البقرة: 32) .
وروي عن مالك أيضا ا، هـ سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها:«لا أدري» .
وعن خالد بن خداش قال: قدمت على مالك من العراق بأربعين مسألة فسألته عنها فما أجابني منها إلاّ في خمس مسائل.
وكان ابن عجلان يقول: إذا أخطأ العالم قول (لا أدري) أصيبت مقاتله.
وروي عن مالك، عن عبد الله بن يزيد بن هرمز قال: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول (لا أدري) حتى يكون ذلك في أيديهم أصلا يفزعون إليه، فإذا سئل أحد عما لا يدري قال: لا ادري.
وقال أبو عمر بن عبد البر (توفي سنة 463) : صح عن أبي الدرداء أنه قال: لا أدري نصف العلم.
(136) اتحاف السادة المتقين (1/279 280) .