الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وينال أحدهم من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بمحضر من عمار بن ياسر الذي كان على غير موقفها يوم الجمل كما هو معروف فيقول رضي الله عنه: «اسكت مقبوحا منبوحا، أتؤذي محبوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشهد أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة؟ لقد سارت أمنا عائشة رضي الله عنها مسيرة وإنا لنعلم أنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها» (56) .
أي أدب بعد هذا ينتظر صدوره من رجال قضت مشيئة الله أن تتلاقى رماحهم، لكن النور الذي استقوه من مشكاة النبوة ظل ينير قلوبا عجزت الإحن أن تغشاها، ففاضت بمثل هذا الادب في الاختلاف، وحمد لله فما كان الله جل شأنه ليجمع في رجال عصوره الخير الاختلاف ومجانفة الأدب.
وصف ضرار لـ «علي» وبكاء معاوية:
أخرج أبو نعيم عن أبي صالح قال: دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية، فقال له: صف لي عليا، فقال: أو لا تعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا أعفيك، قال: اما إذا لابد، فإنه والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة (الدمعة) ، طويل
(56) المرجع السابق وكنز العمال (7/166) وحياة الصحابة (3/14) .
الفكرة، يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب (ما غلظ وخشن من الطعام) كان والله كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا، وقربه منا، لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلو المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فاشهد بالله لقد رايته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه يميل في محرابه قابضا على لحيته، يتململ (يضطرب ويتقلب) تململ السليم (الملسوع) ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه، يقول للدنيا: ألي تعرضت؟ ألي تشوفت؟ (اطلعت) هيهات، هيهات، غرّي غيري، قد بتتّك ثلاثا (طلقتك طلاقا باتا) فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه آه، من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق
…
فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال معاوية: كذا كان أبو الحسن رحمه الله، كيف وجدك (حزنك) عليه يا ضرار؟ قال: وجد من ذبح واحدها في حجرها، لا ترقأ (تسكن وتنقطع) دمعتها، ولا يسكن حزنها. ثم قام فخرج (57) .
(57) الحلية (1/84) وأخرجه ايضا ابن عبد البر في الاستيعاب (3/44) عن الجرمازي رجل همدان عن ضرار الصدائي بمعناه.