الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لاستئناف الحياة الإسلامية الكريمة ما دامت النية خالصة لوجه الله تعالى، وعندها فلن يعدموا التفويق والتأييد من الله.
أسباب الاختلاف اليوم
من المسلم به أن أسباب الاختلاف تتباين بين الأعصار، وإن كان كل عصر يورث الأعصار التالية بعض أسبابه، وإن من أبرز وأهم أسباب الاختلاف اليوم بين المسلمين: الجهل بالإسلام، أو العلم الناقص به.
كانت الحالة العلمية في بلاد المسلمين قبل دخول المستعمر الكافر إليها ما وصفنا، أما بعد دخوله ديار الإسلام فقد ازداد الأمر سوءا، فقد عرف المحتلون أين يكمن فضل هذه الأمة، فوجهوا اهتمامهم إلى وضع برامج العليم وبناء مؤسساته بالطريقة التي تضمن لهم عقول المسلمين وتغيير أفكارهم حتى تصبح مهيأة لقبول الأوضاع والأفكار العالمية الجديدة ومحاولة الانسجام معها، زعما من المستعمرين الكفرة أن في تقبل المسلمين للواقع الجديد دفعا لهم في مدارج الرقي والتقدم قياسا على البلاد الأوربية التي لم تخط خطوتها الجادة نحو مدارج الحضارة إلاّ بعد أن تمردت على الأحكام الدينية، وتحررت من ربقة الكنيسة، وأن الدين أي دين بزعمهم ليس إلا قيدا يحلو دون انطلاق الإنسان نحو النعيم المنتظر (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) (الكهف: 5) وإذا كانت هذه الادعاءات صحيحة بالنسبة
لأديانهم المحرفة فما أبعد أن يصح ذلك بالنسبة للإسلام الذي شاء الله أن تسعد به البشرية وتحقق سائر طموحاتها وهي تتحرك بنور الله.
وسعيا لقطع الأمة عن اسباب وجودها وحياتها الإسلامية وضع المستعمر الكافر كل العراقيل والعقبات أمام التعليم الإسلامي، وما يمكن منه وهو تعليم اللغة العربية، وتحقيقها لهذا الهدف فقد أهمل الطلبة الذين ينحون منحى التعليم الإسلامي، وبث الأفكار التي تقلل من شأنهم وتستهين بدراساتهم التي لم تعد تؤهلهم لشغل أدنى المراتب والمناصب، وبالمقابل خص بالرعاية والعناية الطلبة الذين انخرطوا في المدارس الحديثة، وتلقوا تعليمهم فيها، وفتحت أمامهم أبواب المستقبل الزاهر، فأصبحت المواقع القيادية في الأمة وقفا عليهم، وهكذا ضيق الخناق على أهل التعليم الإسلامي واللغة العربية وسددت جميع السبل المؤدية إليه، ولم يعد يقدم على سلوك سبيله إلاّ نزر يسير من الطلبة يتعرضون عادة إلى مضايقات كثيرة جدا قد تحملهم على التراجع في أي مرحلة من مراحل الطريق، ومن أصر على الاستمرار فإن أمامه دائما ألوانا من التمييز بينه وبين الآخرين، كما قلنا، في الأعمال والوظائف والمرتبات والدرجات تجعله يشعر بالظلم وانتقاص القدرة، لذلك فإن التعليم الإسلامي، في معظم بلاد المسلمين، قد قلّ طالبوه وتدنى مستواه، وصار معظم الذين يقبلون عليه كمن يزرع في أرض لا يرجو جني حصادها، وقد لا يدفعهم الى هذا النوع من التعليم الا ظروف معينة، لايقوون على التحرر من ضغوطها حتى بعد التخرج حيث السبيل موصدة أمامهم، ولا قدرة لهم على ممارسة الدور الذي
ينبغي للعالم أن يقم به في المجتمع وتحقيق الرسالة المنوطة به، وأمام الأبواب الموصدة يفقدون استقلالهم وتضمحل شخصياتهم ويحملون على الانخراط في مؤسسات دينية رسمية أعدت، من قبل، لخدمة أغراض مرسومة محددة لا يستطيعون تجاوزها، حيث يحال بينهم وبين تأدية دورهم في المجتمع، ويفقد الناس ثقتهم بهم.
وفي محاولة لتعميق الهوة بين هذه الأمة وعقيدتها، ورغبة في قطع الجذور التي تصلها بشريعتها، حاول المستعمر الكافر وضع التعليم الإسلامي وتعليم اللغة العربية في الظل، وأخلى الساحة لأفكار ومبادئ اختارها، وزين لشباب الأمة ورود حياضها، فلم يجن هذا الشباب إلا الشوك والقذى. ولم يذق غير مر العلقم، لقد جرّب الشباب المسلم كل ألوان الفكر الذي قدم له من شيوعية الى اشتراكية إلى راديكالية وقومية وديمقراطية وغيرها ممن زيّن له من الغثاء الذي زاد الأمة الإسلامية هوانا على هوان، وذلا فاق ما كانت فيه، وأيقن أن الإسلام وحده القادر على معالجة مشكلات الأمة، والنهوض بها من كبوتها، والقضاء على اسباب تخلفها، فقرر أن يتجه بعد أن تاهت به السبل إلى الإسلام، وأن يسلك السبيل إليه من غير رفيق سوء يخاف على دينه ونفسه، ولما واجهته مشكلة التفقه في الدين ومعرفة أحكامه لجأ الى الكتب من غير دراسات منهجية سابقة تعينه على الفهم السليم، كما افتقد الأستاذ الكفء الذي يأخذ بيده في دراسة هذا النوع الجديد عليه من المعرفة، فكانت النتيجة أن أصبح هؤلاء الشباب يفهمون الإسلام من خلال الكتب التي قرؤوها فرؤوا جانبا محدودا من الإسلام لا يعطيهم