المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا- المرحلة القبلية للخطأ - الخلاف أسبابه وآدابه

[عائض القرني]

فهرس الكتاب

- ‌ المقدمة

- ‌أولا- المرحلة القبلية للخطأ

- ‌ثانيًا - المرحلة البعدية للخطأ

- ‌أسباب الخلاف

- ‌أولا - وجود الخطأ أصلا

- ‌ثانياً - البغي والعدوان

- ‌ثالثًا - الحسد

- ‌رابعًا - الكبر

- ‌خامسًا - التعصب للأشخاص والمناهج

- ‌سادساً - ضيق الأفق

- ‌سابعاً - فساد التصور وضعفه

- ‌ثامناً - إلزام ما لا يلزم

- ‌تاسعاً - غلبة العاطفة على العقل

- ‌عاشراً - حب الخلاف لذاته

- ‌الحادي عشر - عدم التثبت في الأقوال والأفعال

- ‌الثاني عشر - اختلال التوازن المعرفي والعلمي

- ‌الثالث عشر - اتباع الهوى

- ‌الرابع عشر - عدم الانسجام الروحي والتناكر

- ‌آداب الخلاف

- ‌أولاً - الإخلاص والمتابعة

- ‌رابعاً - إيراد الدليل

- ‌خامساً - الهدوء في الرد

- ‌سادساً - ذكر جوانب الاتفاق قبل الاختلاف

- ‌سابعاً - التواضع في الرد

- ‌ثامناً - تحديد محل الخلاف

- ‌تاسعاً - الرد إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌عاشراً - التحاكم إلى صاحب أهلية في الحكم

- ‌الحادي عشر - تجنب النيل من الشخص والتشفي من عرضه

- ‌الثالث عشر - الإنصاف مع المخالف ولو كان عدواً لك

- ‌الرابع عشر - إحسان الظن

- ‌الخامس عشر - اختلاف الخلاف:

الفصل: ‌أولا- المرحلة القبلية للخطأ

‌أولا- المرحلة القبلية للخطأ

وأقصد بذلك المرحلة التي تسبق الحكم بخطأ الشيء:

1-

التحري والتبين والتثبت من الخبر:

وقد أمرنا الله - تعالى - بضرورة التبين والتثبت من الأخبار لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} الحجرات (6) . ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} النساء (94) .

ولقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} الإسراء (36)

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» (1) .

وقد ذكر الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في كتابه رياض الصالحين باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه حديثا عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» (2) .

(1) مسلم 1 / 10 (5) ؛ كتاب الجمع بين الصحيحين للموصلي تحقيق د. علي حسين البواب 2 / 340.

(2)

مسلم:المقدمة 1 / 9 ، كتاب الجمع بين الصحيحين السابق ، ج2 ، ص341.

ص: 7

ومن التثبت طلب سند الكلام؛ أي تقول للناقل: من أخبرك بهذا الكلام؟ أو ما مستندك؟ وهذه الخصيصة من أهم خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فتجدها في العلاقات الاجتماعية بين الناس، وتجدها في طلب العلم بكل فنونه، فهم على سبيل المثال لا يقبلون قول أي إنسان في علم الحديث ما لم يعرف عند علماء الرجال وهذا نوع من التثبت والتحقق.

قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:" الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء فإذا قيل له من حدثك بقي "(1) أي اتضح وانكشف.

2 -

معرفة حال الناقل:

وهنا يتأتى وزن ناقل الخبر من حيث القبول أو الرد، ومن ذلك الصدق والعدالة والضبط والإتقان والأمانة والاحتياط من مرض التحاسد بين الأقران والمعاصرين، وفي ذلك يقول الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى - في ترجمة عفان الصفار:(كلام النظير والأقران ينبغي أن يتأمل ويتأنى فيه)(2) .

(1) صحيح مسلم.

(2)

ميزان الاعتدال (ج3، ص 81) انظر: فقه التعامل مع الأخطاء، د. عبد الرحمن مدخلي، ص 33- 39.

ص: 8

وكما مر معنا في النقطة السابقة فإن معرفة حال الناقل ضرورة لا بد منها في تلقي الأخبار سواء الشرعية وهي الأصل والأهم، أو حتى الأخبار الاجتماعية التي تدور داخل المجتمعات؛ وذلك لأن المعرفة التامة بحال القائلين تخرج - بإذن الله تعالى- أولئك الكاذبين المرجفين قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} الحجرات (6) . كذلك من معرفة حال الناقل ومعرفة ظروفه المحيطة سواء النفسية الداخلية أو الخارجية فربما يكون سبب نقل هذه المعلومة الخاطئة من هذا الثقة أمراً خارجاً عن إرادته وأهليته قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} النحل (106) . ولا أريد أن أطيل كثيراً لعل الصورة وضحت، ولكن المهم هنا معرفة حال الناقل سواء كان فرداً أو جماعة معرفة تامة.

3-

عرض هذا الأمر على الأصول:

ص: 9

الخطوة الثانية - بعد التثبت أن هذا الأمر حصل فعلاً - ينبغي عرض هذا الأمر الذي أرى أنه خطأ على الأصول (كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالفهم النبوي الشريف وفهم الصحابة الكرام ، فإنه سوف يتضح هذا الأمر فإن كان صحيحاً أقر وإن كان خطأ رفض أو صُحح.

يقول تبارك وتعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} النساء (59) . والرد إلى لله - تعالى - هو الردُّ لكتابه الكريم، والرد للرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد لسنته المطهرة صلى الله عليه وسلم.

ومن لوازم معرفة الأصول المعرفة الصحيحة العرض على العلماء لأنهم (ورثة الأنبياء)، وهم أهل الذكر الذين أمرنا الله - تعالى - بسؤالهم لقوله سبحانه:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} النحل (43) وبالتالي يتضح الأمر جلياً بإذن الله تعالى.

4-

الروية وعدم التسرع في الحكم:

ص: 10

ينبغي عدم التسرع في إطلاق الأحكام على الناس حتى نرى الحقيقة جلية ونسلك المسالك الشرعية في معالجة الأخطاء، ولا نتعجل النتائج فقد دعا الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام - أقوامهم سنين طويلة، وذلك لأن التسرع في إطلاق الأحكام وبخاصة غير المحببة ربما يكون فيه ظلمٌ وتعدٍّ على الآخرين؛ لأن بناء الحكم ينبغي له التأني والمرور بخطوات سابقة تجعلك بإذن الله - تعالى - قوي الموقف في هذه القضية، حتى وإن كان هذا القائل كافرا، يقول شيخ الإسلام:" والظلم محرم في كل حال فلا يحل لأحد أن يظلم أحداً ولو كان كافرا "(1) .

5-

معرفة حال الفاعل وظروفه:

ومن ذلك أن يسأل الشخص المقصود بالأمر بما وصل إلينا عنه، ويأخذ رأيه، ويقول له: يا فلان، وصلنا عنكم كذا ولم نصدق، فنحن نعرف منهجكم ونعرف فضلكم في سبيل الخير، وكل ذلك بلين ورحمة وتواضع وابتسامة، قال - تعالى - في رسوله صلى الله عليه وسلم:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران (159) .

(1) الفتاوى ، ج19 ، ص:440.

ص: 11

وهذا منهج سلوكي يجب أن نتبعه ما دمنا مسلمين متابعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه بعد ذلك سوف يوضح لك هذا الشخص وجهة نظره ورؤيته للأمر، أو ينفي علاقته بتلك المخالفة، أو حتى يقلع عن المخالفة فوراً بلا حوار، فلعل الرجل لديه شبهة أو قرأ فكرة منحرفة خدشت سلوكه ومبادئه، أو طرأ عليه طارئ لا تعلمه فوق استطاعته كان سبباً فيما سمعتَ أو نُقل إليك من خلاف عنه، وفي قصة حاطب رضي الله عنه عندما كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخطة الرسول صلى الله عليه وسلم:(وهذا فعل خطير) ، وأراد عمر رضي الله عنه قتله لأنه رأى أن هذا العمل نفاق، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لحاطب: «ما هذا يا حاطب؟) ، قال: لا تعجل عليَّ يا رسول الله، إني كنت امرءاً من قريش ولم أكن من أنفَسِهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يداً يحمون قرابتي. وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنه قد صدقكم)، فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه. فقال صلى الله عليه وسلم: إنه شهد بدرًا وما يدريك لعل

ص: 12

الله عز وجل اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» (1) .

إذاً لا بد من معرفة رأي المخالف ومعرفة تصوره حتى يكون حوارنا على أسس سليمة ومتينة.

(1) صحيح البخاري عناية الشيخ محمد علي القطب والشيخ هشام البخاري ج3 ، ومختصر صحيح مسلم للمنذري في فضائل الصحابة رضي الله عنهم (1720) بلفظ أقرب جدًّا.

ص: 13