الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخامس عشر - اختلاف الخلاف:
وأقصد من هذا أن الخلاف ليس على وتيرة واحدة وليس كتلة واحدة يقدر بقدر واحد ويحاور بأسلوب واحد، لا، فإن الخلاف عموماً على ضربين مختلفين تماماً ولا يلتقيان ألبتة ما داما كذلك:
فأولها: الخلاف المحرم وهو المذموم المنهي عنه وهذا غير سائغ أبداً، وهو بكل بساطة خلاف أهل الباطل على مختلف مستوياتهم ودركاتهم، وأشد أهل هذا النوع هم الملاحدة والكفار والمنافقون بجميع نحلهم وأديانهم الباطلة، ثم يأتي بعدهم أهل الزيغ والبدع المكفرة، ثم أهل البدع المفسقة، وهكذا، وليس مقصودي هنا التعداد وإنما توضيح الفكرة.
وأما النوع الثاني من الخلاف: فهو الخلاف السائغ الذي أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: «إذا حكم الحاكم فاجتهد» . . . . . الحديث.
وفي معنى الحديث الشريف أنه ربما يجتهد هذا الحاكم صاحب الأهلية في الاجتهاد فلا يصيب، أي يخالف الصواب ومع ذلك فله أجر.
فإذا عرفنا أقسام الخلاف وفهمناها جيداً أدركنا بمشيئة الله تعالى تصنيف المخالفين التصنيف السليم الصحيح، فلا يصح إطلاقاً أن نخلط في الحوار وإقامة الحجة بين النوعين؛ لأن في ذلك ظلماً وإجحافاً على المسلمين القاصدين الخير، ولكن على كل حال يجب توضيح المنهج الحق الذي ارتضاه الله تعالى لعباده.
السادس عشر - ضع نفسك في محل المخالف
لأنك إن وضعت نفسك في مكان المخالف فإنه سيكون بإذن الله تعالى عوناً أدبيًّا لك في تحقيق بقية الآداب السابقة في أصول الحوار وفن التعامل مع المخالفين، فأنت تحب أن ينصحك الآخرون بأسلوب هادئ ومستور، وإن أمكن بالتلميح لا بالتصريح، كذلك تحب أن يبتسم لك الناس ولا يغلظون لك القول، ولا يظهرون أنفسهم بأنهم أعلم منك، ولا يشهرون بك في المجالس، ولا يتهمونك بالانحراف، وغير ذلك من الآداب التي يحبذها كل إنسان!
فإذا اتفقنا على ذلك، فلماذا لا نجعل هذه الأمور نصب أعيننا وفي ذاكرة كل واحد منا في أسلوب التعامل مع بعضنا الآخر أو حتى مع غيرنا؟! فإذا ما اتضح لك أن هذا المخالف للصواب لا يجدي معه ذلك فإن الخلاف يقدر بقدره - كما أسلفنا - على حسب نوعيته، ويتعامل مع المخالف على ضوء التعاليم الشرعية كما مر معنا، المهم هو تحقيق المبدأ الشرعي الذي أمرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم:«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "من الخير» (1)، وأن لا ننسى أبداً قول الله تعالى:{كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} النساء (94) .
(1) أخرجه البخاري (1 / 11) ومسلم (1 / 49) وأبو عوانة في صحيحه 1 / 33 ، وأحمد والنسائي وغيرهم. انظر: السلسلة الصحيحة للألباني ج1 ، ص 155. (من الخير) هذه الزيادة لأبي عوانة والنسائي وأحمد وغيرهم.