الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحادي عشر - تجنب النيل من الشخص والتشفي من عرضه
كان ابن قدامة (صاحب المغني) إذا أراد أن يناظر أحداً تبسَّم في وجهه.
وكان أحد العلماء يقول: هذا والله يقتل الناس بتبسمه.
يقول المتنبي:
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم
…
ومن لك بالحرِّ الذي يحفظ اليدا
والمعنى: أن التبسم والأريحية والهدوء يمتص حماس الخصم، وقد يكون سبباً في منازلته لك بالإنصات والتقدير، وبالتالي بإزالة الخلاف بحول الله.
وهذا هو المنهج القرآني الكريم، فإن الله - تعالى - في نداءات كثيرة يقول عن اليهود والنصارى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} ، وهو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم كما مر معنا - في حواره صلى الله عليه وسلم مع عتبة بن ربيعة المشرك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تجنب النيل من شخصه وعرضه، بل على العكس كنَّاه فقال له:«أفرغتَ يا أبا الوليد؟» ، كذلك عندما أخبر صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ رضي الله عنه عن الكلام الآثم من ذلك المنافق (عبد الله بن أبي بن سلول) فإنه صلى الله عليه وسلم مع الأذى من ذلك المنافق - إلا أنه صلى الله عليه وسلم كناه بأبي الحباب.
ولكن حتى يكون طرحنا صحيحاً موافقاً للكتاب والسنة، فإنه إذا تجاوز الأمر حده وبلغ السيل منتهاه، وأصبح من المصلحة الشرعية النيل من هذا الشخص السيئ المتعدي الطاغي، فإنه يُنال منه ويُنصر دين الله عز وجل، وهذا - أيضاً - منهج قرآني كريم، كما في قوله تعالى:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} المسد (1) ، فإن الله - تعالى - ذكره باسمه وأهانه.
الثاني عشر - أن يحدد نوع الخلاف، هل هو في مسألة قطعية أو ظنية؟
لأن خلاف التضاد، لا يعذر صاحبه عند أهل السنة.
مثل من ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، كرجل يقول: أركان الإسلام أربعة.
فتقول: هي خمسة. وتذكرها له بالدليل.
فيقول: لا بل أربعة. ويذكرها ويسقط ركناً منها عامداً.
فهذا ليس بخلاف عند أهل السنة، بل هو ردَّةٌ وكفر.
وأما خلاف التنوع ومسائله، فهي المسائل التي فيها سعة؛ كالمسائل الفقهية التي يكثر فيها الخلاف في كل آن وحين. مثل الإشارة بالأصبع في التشهد ، أو وضع اليد في الصلاة ، أو صلاة التراويح، أو غيرها مما كثر فيه الخلاف وطال. والحل فيها ما قاله صلى الله عليه وسلم:«إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» . (1)
فلذلك تدعو للناس في هذه الحالة بالأجر وتلتمس لهم العذر، ولا يجوز للمخالف في مسائل الفرعيات أن يعنف على من خالفه، ولكن يظل الحق مع صاحب الدليل القطعي الأثري.
(1) أخرجه البخاري (7352) عناية الشيخ محمد علي القطب والشيخ هشام البخاري ، ومسلم (1716) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
وقد أطال شيخ الإسلام في رسالته " رفع الملام عن الأئمة الأعلام "، في ذكر أعذار العلماء في خلافاتهم مع بعضهم الآخر ، ودافع عنهم دفاعاً شديداً، فارجع إليها فإنها رسالة نفيسة.