الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث عشر - اتباع الهوى
وهذه المسألة طامة كبرى وورطة عظيمة، وذلك لأن صاحب الهوى صعب الاقتناع، شديد الدفاع، وقليل من أتباع الهوى من يعودون إلى الجادة إلا من رحم ربك. واتباع الهوى على صنفين:
أما الصنف الأول: فهم الكفرة المردة الجحدة الذين قال الله تعالى فيهم: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} البقرة (89) .
وقال سبحانه وتعالى عنهم: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} الأنعام (33) .
والآيات والأحاديث في هذا السياق والدلالة كثيرة جدًّا، والمقصود هو إيصال المراد وتوضيح المسألة.
أما الصنف الثاني: فهم المبتدعة المنحرفة عن طريق السلف وفهمهم في تطبيق السنة ، فهؤلاء ابتدعوا في دين الله - تعالى - ما لم يأذن به الله ولم يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنشئوا طقوساً ومراسيم واحتفالات وهيئات ما أنزل الله بها من سلطان، بحجة التقدير والتوقير، وربما الحب الظاهر دون اتباع ولا دليل ولا برهان، وإذا أتيت تحاور الشخص منهم كأنك اعتديت على أمر مسلّم بصحته وسنيته ودليله.
فتدخل معه في نقاش طويل والصواب أن يختصر معه الطريق ويقال له: يا هذا يقول تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} البقرة (111)، ويقول صلى الله عليه وسلم:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (1) ، أي مردود على صاحبه غير مقبول، وذلك لأن الشريعة كملت وما مات صلى الله عليه وسلم إلا وقد بلغ الرسالة كاملة. يقول تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة (3) .
(1) البخاري (2697)، ومسلم (1718) . انظر: كتاب الجمع بين الصحيحين لضياء الدين الموصلي، ج1ص59.
والسؤال: أين الدليل من الكتاب والسنة على حجية عملك أو قولك هذا؟ والجواب لا دليل فقط اتباع الهوى. فيكون هذا الصنف ، والصنف الأول سببين في نشوء الخلاف، وإن كان الصنف الأول (وهم أتباع الهوى الكفرة) خلافهم مع المسلمين خلاف جذري، أما الخلاف الناشئ مع صنف المبتدعة فهو خلاف بحسب بدعته؛ فإن البدع كما ذكر أهل العلم بدع مكفِّرة وبدع مفسقة. فإن الذي يطوف بالقبور ويسأل الأموات من دون الله تعالى، ويذبح لغير الله - تعالى - معتقداً نفعاً منهم أو ضرًّا، وبُيِّن له الحق فأصر وألح واتبع هواه، فهذا بدعته مكفرة، يقع معه ومع أضرابه خلاف كبير؛ لأن الخلاف على أصل من أصول العقيدة وهو العبادة التي هي حق الله تعالى الخالص. فمعنى لا إله إلا الله أي إفراد الله عز وجل بالعبادة، فلا معبود بحق سواه سبحانه وتعالى، ومعنى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي إفراد محمد صلى الله عليه وسلم بالاتباع لا الهوى ولا أي شخص سواه صلى الله عليه وسلم.
والخلاف مع أهل البدع - كما هو معروف بالتجربة والبرهان - خلاف صعب للغاية؛ لأن المبتدع يرى أنه على حق، فإذا ما تم الحوار معه تلعثم وانسحب دون رجوع عن قوله وفعله إلا من رحم الله، ولكن للإنصاف نجد بعض الجهلة يقلدون المبتدعة في أمور ربما يكون بعضها شركية فإذا ما نصح وبين له الخطأ وأن هذا العمل مخالف لسنة المعصوم صلى الله عليه وسلم، فإنهم في الغالب يعودون إلى الحق، ولكن مقصودي الخلاف مع أشياخهم وضلالهم فإنهم سائرون على خطى الشيطان في بدعتهم، إلا من تداركه الله برحمة منه وفضل. نسأل الله الهداية واتباع الحق والبعد عن الضلال والهوى.