الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آداب الخلاف
أولاً - الإخلاص والمتابعة
يجب وجوباً على المسلم في جميع أمره أن يتحقق فيه شرطان: الإخلاص لله تعالى ثم متابعة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك موضوعنا ومحور حديثنا (الخلاف) ، فإنهما (الإخلاص والمتابعة) من آدابه، بل هما الأساسان اللذان يجب أن ينطلق منهما الحوار في مواجهة الخلاف وعرضه وتحليله، وبالتالي إزالته بإذن الله تعالى. فيجب أن يكون القصد من الحوار هو وجه الله تبارك وتعالى، لا من أجل أن تتناقل الألسنة أن فلاناً محاور جيد أفحم المخالفين بالحجة والبرهان وجعلهم في ورطة، وأحرج موقفهم وكشف عوارهم.
لا، بل يكون القصد هو رضى الرحمن وحده، سواء رضي الناس أم غضبوا، وكذلك يكون الحوار على سنة محمد صلى الله عليه وسلم وبأسلوبه الكريم، فإن الله تعالى يقول:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الأحزاب (21) ، فإن كنت قائداً فهو أسوتك، وإن كنت جندياً فهو أسوتك، وإن كنت معلماً فهو مدرستك، وإن كنت طالباً فهو معلمك، وإن كنت زوجاً فهو مثالك في الحياة الزوجية والأسرية، وإن كنت مقاتلاً فهو معك يعلمك، وإن كنت داعية بالحسنى فهو أستاذك، فالمقصود أنه صلى الله عليه وسلم قدوة الأمة الصالحة لكل زمان ومكان، فلا تستطيع أن تعمل عملاً أو تسلك طريقاً خيّراً إلا تجده أمامك ليرشدك الطريق، فكان لزاماً علينا معشر المسلمين وقد حققنا الشرط الأول وأخلصنا العمل لله تعالى دون شريك أن نحقق الشرط الثاني؛ وهو تحقيق المتابعة الخالصة له صلى الله عليه وسلم، حتى تكون جميع أمورنا في هذه الحياة قائمة على بناء سليم قويم، ومن ذلك فنون الحوار في التعامل مع الخلاف وأهله بأدب وروية حتى يسير على أسس الحوار العلمي الصحيح بإذن الله تبارك وتعالى.
ثانياً - أن تتمنى للمخالف العودة إلى الطريق الصحيح
وهذا العنصر مهم جداً، وهو أمنيتك أن يعود المخالف للجادة، حتى وإن كان هذا المخالف يقع في جانب الخلاف المذموم المحرم، ومن ذلك خلاف الكافرين أو خلاف المبتدعة بجميع طوائفهم، بل يجب عليك - أيها المحاور - بحق أن تُعمل جهدك في تحقيق هذا الهدف وهو العودة الحقة للطريق المستقيم لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه:«فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» (1) .
وقد عاتب الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم لشدة ما وجد من حزن وأسى على المخالفين ليكونوا مسلمين، وحتى يفوزوا برضى الرحمن وينجوا من عذابه يقول سبحانه وتعالى لنبيه:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} الكهف (6) ، والذي أريد أن أقوله إن من آداب الخلاف أن يكون فيه شفقةٌ على المخالف أن يظل على خطئه.
(1) البخاري 7 / 58، مسلم (2406) بشرح النووي ج15 ، وأخرجه أحمد 5 / 333.
هذا الشعور والأدب هو من سمات سلفنا الصالح الذين خلَّد الله ذكرهم، فلا تجد أحداً منهم إلا وتمنى أن يكون مخالفُه محقاً وإن كان ذلك على حسابه، بشرط أن يكون حقاً فعلاًَ. أما بعض منا الآن وللأسف الشديد همه هو إظهار حجته والسعي الحثيث لإسكات المخالف، دون شعور أو رجاء أن يعود به لدائرة الاجتماع والطريق القويم. ورحم الله الإمام الشافعي القائل: ما ناظرت أحداً من الناس (يعني المخالفين) إلا تمنيت أن يجعل الله الحق على لسانه!
ثالثاً - أن تسمع الحجة والرأي
فقبل أن تُصدر أحكامك على المخالف يجب عليك أن تحاوره وتسمع رأيه وحجته.