الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصلاة:
حكم ترك الصلاة وإخراجها عن وقتها
سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: متى يؤمر المميز بالصلاة
…
إلخ؟
فأجاب: العبادات كلها لا تجب إلا بعد البلوغ؛ وأما ولي الصغير فيجب عليه أمره، وتدريبه على العبادات إذا ميز وعقلها، ليعتادها ويألف الخير.
وسئل: عمن جن وترك الصلاة ستة عشر يوماً؟
فأجاب: الذي جن وترك الصلاة ستة عشر يوماً، ثم بعد ذلك صحا، فإنه لا يقضي ما فاته على الصحيح.
سئل الشيخ محمد بن عمر بن سليم: عمن أخر صلاة الفجر إلى وقت الظهر؟
فأجاب: الذي أخر صلاة الفجر إلى وقت الطهر آثم، لأن تأخير الصلاة عن وقتها حرام باتفاق العلماء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: اتفق المسلمون كلهم على أن عليه أن يصلي الظهر والعصر بالنهار، ويصلي
الفجر قبل طلوع الشمس، لا يترك ذلك لصناعة، ولا لصيد ولا لهو، ولا لزراعة، ولا لجنابة ولا نجاسة، ولا غير ذلك؛ والنبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العصر يوم الخندق، لاشتغاله بجهاد الكفار، ثم صلاها بعد المغرب، فأنزل الله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [سورة البقرة آية: 238]، أي: صلاة العصر؛ ولهذا قال جمهور العلماء: إن ذلك التأخير منسوخ لهذه الآية، فلم يجز تأخير الصلاة حال القتال، بل أوجب عليه الصلاة في الوقت حال القتال؛ هذا مذهب مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه. وعن أحمد رواية أخرى: يخير حال القتال بين الصلاة وبين التأخير، ومذهب أبي حنيفة: يشتغل بالقتال ويصلي بعد الوقت.
وأما تأخير الصلاة لغير الجهاد، لصناعة أو زراعة أو عمل أو صيد، فلا يجوز ذلك عند أحد من العلماء، بل قال الله تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [سورة الماعون آية: 4-5]، قال طائفة من السلف: هم الذين يؤخرونها عن وقتها، وقال بعضهم: هم الذين لا يؤدونها على الوجه المأمور به، وإن صلوها في الوقت. فتأخيرها عن الوقت حرام باتفاق العلماء، والعلماء متفقون على أن تأخير صلاة الليل إلى النهار، وصلاة النهار إلى الليل، بمنْزلة تأخير شهر رمضان إلى شوال؛ وإنما يعذر بالتأخير النائم والناسي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها؛ لا كفارة لها إلا ذلك "1.
1 البخاري: مواقيت الصلاة (597)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (684)، والترمذي: الصلاة (178)، والنسائي: المواقيت (613، 614)، وأبو داود: الصلاة (442)، وابن ماجة: الصلاة (695، 696) ، وأحمد (3/100، 3/269، 3/282) .
وأما الجنب، والمحدث، ومن عليه نجاسة، إذا عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله، لمرض أو برد، فإنه يتيمم ويصلي في الوقت وجوباً، ولا يؤخر الصلاة حتى يصلي في غير الوقت باغتسال، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" الصعيد الطيب طهور المسلم، ولو لم يجد الماء عشر سنين؛ فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك، فإنه خير لك "1. فكل ما يباح بالماء يباح بالتيمم عند عدم الماء، أو عدم القدرة على استعماله؛ فإذا تيمم للصلاة يقرأ القرآن داخل الصلاة وخارجها، وإن كان جنباً.
وقال شيخ الإسلام أيضاً: ومن امتنع عن الصلاة بالتيمم فإنه من جنس اليهود والنصارى؛ فإن التيمم إنما أبيح لهذه الأمة خاصة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:" فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي "2. قال: ومما يزيد ما تقدم وضوحاً، قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين: " صل قائماً، فإن لم تسطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب " 3.
فتبين بهذا: أن المريض يصلي في الوقت على حسب حاله، قاعداً أو على جنب، إذا كان القيام يزيد في مرضه، ولا يصلي بعد خروج الوقت قائماً؛ هذا مما اتفق عليه العلماء، وهذا كله لأن فعل الصلاة في وقتها فرض، والوقت أوكد فرائض الصلاة، كما أن صيام شهر رمضان أوجب في
1 الترمذي: الطهارة (124)، وأبو داود: الطهارة (333) .
2 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (522) ، وأحمد (5/383) .
3 البخاري: الجمعة (1117) .
وقته ليس لأحد أن يؤخره عن وقته؛ لكن يجوز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر عند كثير من العلماء للسفر والمرض ونحو ذلك من الأعذار.
وأما تأخير صلاة النهار إلى الليل، والليل إلى النهار، والفجر بعد طلوع الشمس، فلا يجوز ذلك لمرض ولا لسفر، ولا لشغل ولا لصناعة باتفاق العلماء، قال عمر رضي الله عنه:"الجمع بين الصلاتين لغير عذر من الكبائر "، وفي وصية أبي بكر لعمر، رضي الله عنهما:"إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، وحقاً بالليل لا يقبله بالنهار "؛ ومن ظن أن الصلاة بعد خروج الوقت بالماء، خير من الصلاة في الوقت بالتيمم، فهو جاهل ضال.
سئل أبناء الشيخ، وحمد بن ناصر: عمن ترك الصلاة كسلاً من غير جحود لها؟
فأجابوا: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً، كما روى مسلم في صحيحه من حديث بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر " 1، وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ليس بين العبد وبين الشرك والكفر إلا ترك الصلاة " 2، وعن عبد الله بن شقيق قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال ترْكه كفر إلا الصلاة، رواه الترمذي؛ فدلت
1 الترمذي: الإيمان (2621)، والنسائي: الصلاة (463)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، وأحمد (5/346، 5/355) .
2 مسلم: الإيمان (82)، والترمذي: الإيمان (2618، 2620)، وأبو داود: السنة (4678)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، وأحمد (3/370، 3/389)، والدارمي: الصلاة (1233) .
هذه الأحاديث: على أن ترك الصلاة كفر مستقل، من غير اقترانه بجحد الوجوب؛ وذلك لأن جحد الوجوب لا يختص بالصلاة وحدها، فإن من جحد شيئاً من فرائض الإسلام فهو كافر بالإجماع.
وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: اختلف العلماء، رحمهم الله، في تارك الصلاة كسلاً من غير جحود: فذهب أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، ومالك، إلى أنه لا يحكم بكفره; واحتجوا بما رواه عبادة. وذهب إمامنا أحمد بن حنبل والشافعي في أحد قوليه، وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك والنخعي، والحكم وأيوب السختياني وأبو داود الطيالسي، وغيرهم من كبار الأئمة والتابعين، إلى أنه كافر، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعاً، وذكره في كتاب الزواجر عن جمهور الصحابة والتابعين. وقال الإمام محمد بن حزم: سائر الصحابة والتابعين ومن بعدهم يكفِّرون تارك الصلاة مطلقاً، ويحكمون عليه بالارتداد، وذكر الأحاديث - ثم قال - وعن عبد الله بن شقيق قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال ترْكه كفر غير الصلاة.
فهذه الأحاديث كما ترى صحيحة في كفر تارك الصلاة، مع ما تقدم من إجماع الصحابة، كما حكاه إسحاق وابن حزم وعبد الله بن شقيق، وهو مذهب الجمهور من التابعين ومن بعدهم؛ ثم إن العلماء كلهم مجمعون على قتل تارك الصلاة
كسلاً، إلا أبا حنيفة والزهري وداود، فإنهم قالوا: يحبس تارك الصلاة حتى يموت أو يتوب. واحتج الجمهور على قتله بالكتاب والسنة، وذكر الأدلة - ثم قال - وأما كلام الفقهاء: فقال الشيخ علي الأجهوري في شرح المختصر: من ترك فرضاً أخره لبقاء ركعة بسجدتيها من الضروري، قتل بالسيف حداً على المشهور. وقال ابن حبيب وجماعة خارج المذهب كافراً، واختاره ابن عبد السلام.
فانظر تصريحهم: أن تارك الصلاة يقتل باتفاق أصحاب مالك، وإنما اختلفوا في كفره، وأن ابن حبيب وابن عبد السلام اختارا أنه يقتل كافراً. وقال الأذرعي في كتاب قوت المحتاج في شرح المنهاج: من ترك الصلاة جاحداً وجوبها كفر إجماعاً، وإن تركها كسلاً قتل حداً على الصحيح. والصحيح قتله بصلاة واحدة، بشرط إخراجها عن وقت الضرورة؛ فانظر كلامه في قتل من ترك الصلاة كسلاً، وأن الربيع روى عن الشافعي أن ماله يكون فيئاً، ولا يدفن في مقابر المسلمين. وقال الشيخ أحمد بن الهيتمي: إن ترك الصلاة جاحداً وجوبها كفر بالإجماع، أو تركها كسلاً مع اعتقاد وجوبها قتل، لآية:{فَإِنْ تَابُوا} [سورة التّوبة آية: 5 و11] ، وخبر "أمرت "؛ فانظر كلامه في قتل تارك الصلاة كسلاً، وأن الآية والحديث شرطان في الكف عن القتل. وقال في الإقناع وشرحه: من جحد وجوبها كفر؛ فإن تركها تهاوناً وتكاسلاً لا جحوداً يهدده، فإن
أبى أن يصليها حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله. فتأمل كلامه في ترك الصلاة من غير جحود أنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً. انتهى كلامه ملخصاً.
وأجاب أيضاً: وأما تارك الصلاة مع إقراره بوجوبها، فاختلف العلماء فيه: فبعضهم يقول: يقتل حداً بعد ما يستتاب، وبعضهم يقول: يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً؛ وهذا هو الصواب الذي تدل عليه السنة، وهو قول جمهور السلف من الصحابة والتابعين، بل قد نقل إسحاق بن راهويه الإجماع على أنه كافر. والدليل على كفره ما في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " 1، وفي صحيح مسلم أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر "2.
وفي المسند أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الصلاة فقال: " من أتى بها كانت له نوراً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يأت بها لم تكن له نوراً ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف " 3، وفي المسند عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم "4. وقال ابن مسعود في قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [سورة مريم آية: 59] ، قال: هم الذين يؤخرونها عن وقتها، ولو تركوها لكانوا كفاراً.
1 مسلم: الإيمان (82)، والترمذي: الإيمان (2620)، وأبو داود: السنة (4678)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، وأحمد (3/370، 3/389)، والدارمي: الصلاة (1233) .
2 الترمذي: الإيمان (2621)، والنسائي: الصلاة (463)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، وأحمد (5/346، 5/355) .
3 أحمد (2/169)، والدارمي: الرقاق (2721) .
4 أحمد (6/421) .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: المشهور في مذهب الإمام أحمد، أن من ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً يكفر، ويقتل كفراً إذا دعي إليها فأصر؛ ومنها صلاة الجمعة، نصوا على أن من تركها تهاوناً وكسلاً ولو مرة واحدة أنه يكفر؛ ويوجد أناس في أطراف البلدان يتركونها مراراً، وهذا أمر عظيم وخطره كبير، وقد يكون الإنسان كافراً مرتداً بترك فريضة وهو لا يشعر.
فاحذروا، رحمكم الله، التهاون بمثل هذه الأمور الخطيرة، التي إذا وقعت من سفيه ضرت العامة إذا تركوه عليها. وأعظم الناس خطراً في مثل هذه الأمور: الأمراء والنواب، إذا تركوا القيام بما أوجب الله عليهم من القيام بأمر الله على الداني والقاصي، والقريب والبعيد، والعدو والصديق كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [سورة النساء آية: 135] ؛ وهذا هو الواجب على ولاة الأمور، فنسأل الله لنا ولكم التوفيق.