الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [سورة النساء آية: 115]، وقوله:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [سورة التوبة آية: 100]، وقوله في أعظم سورة في القرآن:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [سورة الفاتحة آية: 6-7] ، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضى الله عنهم.
وقول الواحد منهم، فهو حجة عند العلماء، يأخذ به الإمام أحمد وغيره، إذا لم يخالفه مثله؛ وأما إذا خالفه غيره من الصحابة، فليس قول أحدهما على الآخر حجة.
فصل: في أصول الفقه
سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، رحمه الله تعالى: عن صفة الواجب وحدّه، والمسنون وحَدِّه، والمكروه وحدّه، والحرام وحدّه؟
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، الواجب في الشرع: ما ذم تاركه إذا تركه قصداً، وأثيب فاعله. وهو يرادف الفرض عند الحنابلة، والشافعية، وأكثر الفقهاء؛ وعن أحمد رواية: أن الفرض آكد من الواجب، وهو قول أبي حنيفة. وأما المسنون فهو: ما أثيب فاعله، ولم يذم تاركه؛ والسنة في اللغة: الطريقة والسيرة، وإذا أطلقت في الشرع، فإنما يراد
بها: ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وندب إليه قولاً وفعلاً، ما لم ينطق به الكتاب العزيز.
وأما المكروه فهو: ضد المندوب، وهو لغة: ضد المحبوب، وشرعا: ما مدح تاركه ولم يعاقب فاعله؛ ومنه ما نهى عنه الشارع لرجحان تركه على فعله، كالصوم في السفر إذا وجدت المشقة في الصوم، ونحو ذلك. وأما المكروه، فهو في عرف المتأخرين: ما نهي عنه نهي تنْزيه، ويطلق على الحرام أيضاً، وهو كثير في كلام المتقدمين، كالإمام أحمد وغيره، كقول الإمام أحمد: أكره المتعة، والصلاة في المقابر، وهما محرمان؛ وقد ورد المكروه بمعنى الحرام في قوله تعالى:{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} [سورة الإسراء آية: 38] .
والحرام فهو: ضد الحلال، وهو: ما حرمه الله في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، من ترك الواجبات، وفعل المحرمات. وأصل التحريم في اللغة: المنع، ومنه قوله تعالى:{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [سورة القصص آية: 12]، وَحَدُّه شرعاً: ما ذم فاعله، ولو قولاً، كالغيبة والنميمة ونحوهما مما يحرم التلفظ به، أو عمل القلب، كالنفاق والحقد ونحوهما.
[الفرق بين المندوب والمستحب والباطل والفاسد]
وسئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله: عن
الفرق بين المندوب، والمستحب، والمباح، والجائز، والباطل، والفاسد، والصحيح، والمكروه؟
فأجاب: اعلم أن جميع الأحكام الشرعية لا تخلو، إما أن تكون واجبة، أو مستحبة، أو مباحة، أو مكروهة، أو محرمة؛ يعني: منها ما هو كذا، ومنها ما هو كذا
…
إلخ. وهذه هي الأحكام الخمسة المشهورة عند أهل العلم. فالواجب: ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه؛ وضده الحرام، وهو: ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله. والمستحب يرادف المندوب، والمسنون عند الأصوليين والفقهاء، ويقابل المكروه؛ فالمستحب وما يرادفه، هو: ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه، والمكروه: ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله. والخامس: المباح، وهو: ما لا يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه في الجملة؛ وقد يثاب على فعله مع النية الصالحة، إذا أراد به الاستعانة على الطاعة.
وأما الفرق بين الباطل والفاسد، فإن الذي عليه الأصوليون: أنهما مترادفان; وقال أبو حنيفة: الباطل ما نهي عنه لذاته، كبيع المضامين والملاقيح، والفاسد ما نهي عنه لوصف فيه، ولولا ذلك الوصف لصح، كالربا، إنما حرم الفضل فيه، وهو الفضل فيما يحرم فيه الفضل، والنساء فيما يحرم بيع بعضه ببعض نسيئة مثلاً، والله أعلم.
وإن كانت فاسدة، كالنكاح بغير ولي، ونحو ذلك، فالغالب أن الفقهاء يعبرون عن مثل هذا بالفاسد، لكون التعبير جارياً على القوانين، والذي يعبر منهم بالفاسد يقال باطل؛ فتدبر، والله أعلم.
وسئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله تعالى: ما الفرق بين الباطل والفاسد عند الأصوليين
…
إلخ؟
فأجاب: هما مترادفان عند الأصوليين، والفقهاء من الحنابلة والشافعية. وقال أبو حنيفة: إنهما متباينان؛ فالباطل عنده: ما لم يشرع بالكلية، كبيع المضامين والملاقيح، والفاسد: ما شرع أصله ولكن امتنع لاشتماله على وصف محرم كالربا. وعند الجمهور: كل ما كان منهياً عنه، إما لعينه أو وصفه، ففاسد وباطل؛ لكن ذهب بعض الفقهاء من الحنابلة إلى التفرقة بين ما أجمع على بطلانه، وما لم يجمع عليه، فعبروا عن الأول بالباطل، وعن الثاني بالفاسد، ليتميز هذا من هذا، لكون الثاني تترتب عليه أحكام الصحيح غالباً، أو أنهم قصدوا الخروج من الخلاف في نفس التعبير، لأن من عادة الفقهاء من أهل المذاهب مراعاة الخروج من الخلاف؛ وبعضهم يعبر بالباطل عن المختلف فيه، مراعياً للأصل، ولعل من فرق بينهما في التعبير، لا يمنع من تسمية المختلف فيه باطلاً، فلا اختلاف، ومثل ذلك: خلافهم في الفرض والواجب.
قال في القواعد الأصولية: إنهما مترادفان شرعاً في أصح الروايتين عن أحمد؛ اختارها جماعة منهم ابن عقيل، وقاله الشافعية. وعن أحمد: الفرض آكد؛ اختارها جماعة، وقاله الحنفية. فعلى هذه الرواية، الفرض: ما ثبت بدليل مقطوع به، وذكره ابن عقيل عن أحمد، وقيل: ما لا يسقط في عمد ولا سهو. وحكى ابن عقيل عن أحمد رواية: أن الفرض ما لزم بالقرآن، والواجب ما كان بالسنة؛ وفائدة الخلاف: أنه يثاب على أحدهما أكثر، وأن طريق أحدهما مقطوع به والآخر مظنون؛ ذكره القاضي وذكرهما ابن عقيل على الأول، وقال غير واحد: والنّزاع لفظي. وعلى هذا الخلاف: ذكر الأصحاب مسائل فرقوا فيها بين الفرض والواجب.
تعارض الأصل والظاهر
مسألة: في تعارض الأصل والظاهر.
قال ابن رجب، رحمه الله، في قواعده: إذا تعارض معنا أصلان، عملنا بالأرجح منهما لاعتضاده بما يرجحه؛ فإن استويا خرج في المسألة وجهان غالباً. وإذا تعارض الأصل والظاهر، فإن كان الظاهر حجة يجب قبولها شرعاً، كالشهادة والرواية أو الأخبار، فهو مقدم على الأصل بغير خلاف، وإن لم يكن كذلك، بل كان مستنده العرف والعادة الغالبة والقرائن، أو غلبة الظن ونحو ذلك، فتارة يعمل بالأصل ولا يلتفت إلى هذا الظاهر، وتارة يعمل بالظاهر ولا يلتفت إلى الأصل، وتارة يخرج في المسألة
خلاف؛ فهذه أربعة أقسام.
ومن صور الأول: إخبار الثقة العدل بالكلب ولغ في هذا الإناء. ومن صور الثاني: إذا تيقن الطهارة أو النجاسة في ماء، أو ثوب، أو أرض، أو بدن، وشك في زوالها، وكذلك في النكاح والطلاق، فإنه يبنى على الأصل، إلا أن يتبين زواله. ومن صور الثالث: النوم المستثقل ينقض الوضوء، لأنه مظنة خروج الحدث، وإن كان الأصل عدم الخروج وبقاء الطهارة. والرابع يكون غالباً عند تقاوم الظاهر والأصل وتساويهما؛ فمن صوره: لو أدخل الكلب رأسه في إناء فيه ماء، وشك هل ولغ فيه أو لا، وكان فمه رطباً، فهل يحكم بنجاسة الماء لأن الظاهر ولوغه؟ أم بطهارته لأنها الأصل؟ على وجهين. انتهى ملخصاً، وفيه نوع تصرف من خط الشيخ عبد الرحمن بن حسن، نقله عنه الشيخ حمد بن عتيق.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله تعالى: وأما القياس إذا صح، فهو أحد أدلة الأصول الخمسة، التي هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستصحاب؛ فكل واحد من هذه الخمسة دليل مستقل بنفسه، إلا أنه وقع من بعض الأصوليين خلاف في الاستصحاب. وقال ابن عبد الهادي: ذكره المحققون إجماعاً، فالتحق بالأصول
الأربعة. وقد عرف القياس اصطلاحاً بأنه: حمل فرع على أصل في حكم، بجامع بينهما؛ قال ابن عبد الهادي: وأركانه أربعة: الأصل، والفرع، وحكم الأصل، والوصف الجامع. انتهى. قال أبو العباس ابن تيمية، رحمه الله تعالى: لا تناقض دلالة القياس إذا كانت صحيحة. انتهى.
وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، رحمه الله تعالى: القواعد جمع قاعدة، وهي: حكم كلي ينطبق على جزئيات لتعرف أحكامها 1. الواجب: ما يستحق الثواب بفعله، والعقاب بتركه. والحرام بالعكس، أي: ما يستحق العقاب بفعله، والثواب بتركه. والمندوب: ما يستحق الثواب بفعله، ولا عقاب بتركه. والمكروه بالعكس، أي: ما يستحق الثواب بتركه، ولا عقاب في فعله. والمباح: ما لا ثواب ولا عقاب في فعله ولا تركه. والفرض، والواجب: مترادفان، خلافاً للحنفية.
وينقسم الواجب إلى: فرض عين، وفرض كفاية، وإلى معين ومخير، وإلى مطلق وموقت، والموقت إلى مضيق
1 كذا بالأصل، ولعله سقط منه الفاء في قوله الواجب، وفي المصباح: القاعدة في الاصطلاح بمعنى الضابط، وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته.
وموسع. والمندوب والمستحب مترادفان. والمسنون أخص منهما. والجائز يطلق على: المباح وعلى الممكن، وعلى ما يستوي فعله وتركه عقلًا، وعلى المشكوك فيه. والرخصة: ما شرع لعذر مع بقاء مقتضى التحريم; والعزيمة بخلافها. والاعتقاد: هو الجزم بالشيء من دون سكون النفس؛ فإن طابق فصحيح كاعتقاد أن الله مستو على عرشه بائن من خلقه، والفاسد عكسه، لأنه اعتقاد الشيء على غير ما هو عليه. وقد يطلق الجهل على عدم العلم. والدليل: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بالغير، وهو المدلول؛ وأما ما يحصل عنده الظن فهو ما قد يسمى دليلاً توسعاً.
والأصل: ما يبنى عليه غيره، والفرع عكسه. والفقه: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد. والمسنون: ما لازمه النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر به، مع بيان كونه غير واجب؛ وقد تطلق السنة على الواجب، نحو: عشر من السنة. والمجاز: هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح التخاطب لعلاقة مع قرينة، وهو نوعان: مرسل، كاليد للنعمة، والعين للرؤية، واستعارة كالأسد للرجل الشجاع؛ وقد يكون مركباً، كما يقال للمتردد في أمر: أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى؛ وقد يقع في الإسناد، مثل جد جده، ولاستيفاء الكلام في إبدالك من آخر.
والحقيقة: هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح التخاطب. والتأويل: صرف اللفظ عن حقيقته إلى مجازه، أو قصره على بعض مدلولاته لقرينة اقتضتها؛ وقد يكون قريباً، فيكفي فيه أدنى مرجح، وبعيداً فيحتاج إلى الأقوى، ومتعسفاً فلا يقبل. والاجتهاد: استفراغ الفقيه الوسع في تحصيل ظن بحكم شرعي. والفقيه: من يتمكن من استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها، وأماراتها التفصيلية؛ وإنما يتمكن من ذلك من حصل ما يحتاج إليه فنه من علوم الغريب، والأصول، والكتاب والسنة، ومسائل الإجماع. والتقليد: هو اتباع قول الغير من دون حجة ولا شبهة؛ ولا يجوز التقليد في الأصول ولا في العلميات، ويجب في العملية المحضة الظنية، والقطعية على غير المجتهد، ولا يجوز له تقليد غيره مع تمكنه من الاجتهاد، ولو أعلم منه ولو صحابياً، ولا فيما يخصه، ويحرم بعد أن اجتهد اتفاقاً.
[الرخصة والعزيمة]
سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، رحمهم الله تعالى: عن قول الفقهاء في الرخصة: إنها ما ثبت على خلاف دليل شرعي، لمعارض راجح، وضدها العزيمة؟
فأجاب: اعلم أن العزيمة شرعاً: حكم ثابت بدليل شرعي خال عن معارض راجح؛ فقوله بدليل شرعي: احتراز عما ثبت بدليل عقلي، وقوله: خال عن معارض، احتراز عما ثبت بدليل شرعي، لكن لذلك الدليل معارض مساو، أو
راجح، لأنه إن كان المعارض مساوياً لزم الوقوف، وانتفت العزيمة، ووجب طلب المرجح الخارجي، وإن كان راجحاً لزم العمل بمقتضاه وانتفت العزيمة، وثبتت الرخصة، كتحريم الميتة عند عدم المخمصة؛ فالتحريم فيها عزيمة، لأنه حكم ثبت بدليل شرعي خال عن معارض; فإذا وجدت المخمصة حصل المعارض لدليل التحريم، وهو راجح عليه حفظاً للنفس؛ فجاز الأكل وحصلت الرخصة.
وأما الرخصة: فهي ما ثبت على خلاف دليل شرعي، لمعارض راجح، فقوله: ما ثبت على خلاف دليل شرعي احتراز عما ثبت على وفق الدليل، فإنه لا يكون رخصة بل عزيمة، كالصوم في الحضر، وقوله: لمعارض راجح، احتراز عما كان لمعارض غير راجح، بل إما مساوياً فيلزم الوقوف على حصول المرجح، أو قاصراً عن مساواة الدليل الشرعي، فلا يؤثر وتبقى العزيمة بحالها. وعلى التعريف المذكور، يدخل في العزيمة الأحكام الخمسة الثابتة بالأدلة الشرعية، ويدخل في الرخصة ما عارض تلك الأحكام وخالفها لمعارض راجح عليها، كأكل الميتة عند المخمصة.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى: وأما الحديث إذا ذكره بعض المقبولين، ونسبه إلى الصحاح أو المسانيد، فقد ذكر أنه يجوز العمل به، ولو لم يوقف على الأصل، وأظن بعضهم حكى الإجماع على جواز العمل به.
المسند، والمرسل، أيهما أقوى؟
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمه الله: عن المسند والمرسل، أيهما أقوى؟
فأجاب: المسند أقوى من المرسل، وذلك أن المسند: ما اتصل سنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا كان السند كلهم ثقات، وليس فيهم شذوذ، فأجمع العلماء على الاحتجاج به إذا لم يعارضه مثله، أو أقوى منه. وأما المرسل: فهو ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، كقول الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وقول محمد بن شهاب الزهري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول عطاء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فسقط رجل بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكثير من أهل العلم لا يحتج بالمرسل إلا إذا اتصل وأسند من وجه صحيح. فإذا كان كذلك، تبين لك: أن المسند أقوى وأصح من المرسل بكثير. وقولك: ما معناهما؟ فيتبين لك ذلك من جواب المسألة قبلها. ومن أصح المراسيل عندهم، مراسيل سعيد بن المسيب القرشي المدني عالم المدينة؛ وقيل: إنه أعلم التابعين وأفضلهم.
إذا جاء خبران عن النبي صلى الله عليه وسلم: أحدهما يدل على الأمر،
والآخر يدل على النهي، أيهما أرجح؟
وسئل: إذا جاء خبران عن النبي صلى الله عليه وسلم: أحدهما يدل على الأمر، والآخر يدل على النهي، أيهما أرجح؟
فأجاب: الراجح ما صح سنده عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل العدول الثقات الضابطين؛ فإن قدر اتحادهما في الصحة، فإن أمكن معرفة الآخر منهما أخذ بالآخر لأنه هو الناسخ، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قوله؛ فإن لم
يمكن معرفة ذلك، وأمكن الجمع بينهما فذاك؛ فإن لم يكن ذلك أخذ بالأحوط، والذي عليه الأكثرون من العلماء والفقهاء.
الغريب والمتصل
وسئل الشيخ أحمد بن ناصر: عن الغريب والمتصل؟
فأجاب: الغريب: الذي ليس له إلا سند واحد، كما يقول الترمذي في بعض الأحاديث: هذا غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه؛ وقد يكون صحيحاً إذا كان رواته موثقين، وقد يكون ضعيفاً؛ فعلى كل تقدير هو ضعف في الحديث. والمتصل: هو ما اتصل سنده إلى منتهاه، سواء كان مرفوعاً أو موقوفاً أو مقطوعاً؛ فيخرج المرسل، والمنقطع، والمعضل.
الفرق بين المرفوع والمسند والمتصل
وسئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: عن الفرق بين المرفوع والمسند والمتصل؟
فأجاب: اعلم أن المرفوع: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو حكماً؛ واشترط الخطيب البغدادي: كون المضيف صحابياً، والجمهور على خلافه. والمسند: هو المرفوع، فهو مرادف له؛ وقد يكون متصلاً، كمالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون منقطعاً، كمالك عن الزهري، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ الزهري لم يسمع من ابن عباس، فهو مسند منقطع؛ وقد صرح ابن عبد البر بترادفهما؛ والانقطاع يدخل عليهما جميعاً.
وقيل: إن المسند: ما وصل إسناده إلى الصحابي ولو موقوفاً عليه؛ فالمسند والمتصل سواء، إذ هذا بعينه هو تعريف المتصل، فعلى هذا يفارق المرفوع بقولنا: ولو موقوفاً، فبينه وبين المرفوع على هذا القول عموم وخصوص وجهي، يجتمعان فيما اتصل سنده ورفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وينفرد المرفوع في المنقطع المرفوع، وينفرد المسند في الموقوف؛ والأكثر على التعريف الأول؛ والعموم والخصوص الوجهي كذلك يجري أيضاً بين المتصل والمرفوع، كما يعرف مما تقدم. وأما قولك: أيهما أصح؟ فاعلم: أن الصحة غير راجعة لهذه الأوصاف باعتبار حقيقتها؛ وإنما الصحة والحسن والضعف أوصاف تدخل على كل من المرفوع والمسند والمتصل، فمتى وجدت، حكم بمقتضاها لموصوفها، لكن المرفوع أولى من المتصل إذا لم يرفع، ومن المسند على القول الثاني إذا لم يرفع أيضاً، لا من حيث الصحة، بل من حيث رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأما الصحة فقد ينفرد بها بعض هذه الأقسام لا من حيث ذاته، والمرفوع إذا لم يبلغ درجة الصحة احتج به في الشواهد والمتابعات كما عليه جمع، والله أعلم وصلى الله على محمد.
أصح الأسانيد
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: اختلف العلماء في أصح الأسانيد: فقال الإمام
محمد بن إسماعيل البخاري أصح الأسانيد: مالك عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر رضي الله عنهم. القول الثاني: قول الإمام أحمد، رحمه الله: أصحها: الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه، رضي الله عنهما. الثالث: قول عبد الرزاق بن همام اليماني: أصحها: ما رواه زين العابدين علي بن الحسين عن أبيه حسين عن علي، رضي الله عنهم. الرابع: قول عمرو بن علي الفلاس: أصحها: ما رواه محمد بن سيرين البصري عن عبيدة السلماني الكوفي عن علي رضي الله عنه. الخامس: قول يحيى بن معين: أصحها: ما رواه سليمان بن مهران الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن وقاص عن ابن مسعود، رضي الله عنهم أجمعين. قال زكريا الأنصاري في شرح ألفية العراقي: والصواب: عدم التعميم مطلقاً، بل يقال: أصح أسانيد ابن عمر: الزهري عن سالم عن أبيه، وأصح أسانيد المكيين: سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر، رضي الله عنهم أجمعين، وأصح أسانيد المدنيين: مالك عن نافع عن ابن عمر، وأصح أسانيد المصريين: الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر، رضي الله عنهم، وأصح أسانيد اليمانيين: معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة، رضي الله عنهم. قال: وأوهى أسانيد أبي هريرة: السري بن إسماعيل
عن داود بن يزيد الأودي عن أبيه عن أبي هريرة، وأوهى أسانيد ابن مسعود: شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن ابن مسعود رضي الله عنه، وأوهى أسانيد أنس: داود بن المحبر عن أبيه عن أبان بن عياش عن أنس رضي الله عنه.
الفرق بين: حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا
سئل الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ: عن الفرق بين حَدَّثَنا وأخبرنا وأنبأنا؟
فأجاب: بينهما فرق اصطلاحي عند المحدثين: فإذا قال المحدث: حدثنا، حمل على السماع من الشيخ، وإذا قال أخبرنا حمل على سماع الشيخ؛ فلفظ الإخبار أعم من التحديث، فكل تحديث إخبار ولا ينعكس، قاله ابن دقيق العيد. وأنبأنا من حيث اللغة واصطلاح المتقدمين بمعنى: أخبرنا، إلا في عرف المتأخرين، فهو للإجازة كعنه، فلما كثر واشتهر استغنى المتأخرون عن ذكره؛ قاله خاتمة المحدثين ابن حجر العسقلاني، والله أعلم.
قول من يقول من المصنفين: رواه الجماعة أو الخمسة
…
إلخ
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن قول مَن يقول من المصنِّفين: رواه الجماعة أو الخمسة
…
إلخ؟
فأجاب: المراد بالخمسة: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. والجماعة: هؤلاء الخمسة المذكورون مع البخاري ومسلم؛ هذا اصطلاح صاحب المنتقى. وإذا قالوا في الحديث مرفوعا،: فالمراد: أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قوله، وضده الموقوف: وهو قول الصحابي
نفسه. والحديث الغريب: الذي ما يروى إلا من طريق واحد. وإذا قالوا فيه: ليِّن، فهو ضد القوي. وإذا قالوا: على شرط الشيخين، فالمراد بالشيخين البخاري ومسلم، وشرطهما معروف. وإذا قالوا: على شرطهما، أو شرط البخاري، أو مسلم، فالمراد: أن رجال هذا السند يروي لهم البخاري، أو مسلم. وأما أصحاب الرأي، فهم عند المتقدمين: فقهاء الكوفة، كأبي حنيفة وأصحابه، سموا أصحاب الرأي لأنهم توسعوا في القياس، والسلف يسمون القياس رأياً؛ وجميع الأئمة يعتمدون القياس، لكن أهل الكوفة توسعوا فيه، فخصوا بهذا الاسم.
ومن جواب الشيخ سليمان بن علي بن مشرف، قال: وأما أصحاب الرأي فهم خمسة: أبو حنيفة، وزفر، ومحمد بن الحسن، وعثمان البتي، وربيعة؛ وسبب تسميتهم بذلك لأنهم إذا لم يجدوا في المسألة نصاً قاسوها، فإذا أجمعوا عليها بما يرون أثبتوها. انتهى.
هل ينسخ القرآن بعضه بعضاً
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله تعالى: هل ينسخ القرآن بعضه بعضاً؟ وهل ينسخ السنة، والسنة تنسخه؟
فأجاب: الذي عليه أئمة أهل العلم أن القرآن ينسخ بعضه بعضاً، وفيه آيات معروفة منسوخة، والآية التي نسختها معروفة؛ يعرف ذلك من طلبه من مظانه. وكذلك القرآن ينسخ
السنة. وأما نسخ القرآن بالسنة، فالذي عليه المحققون من العلماء، أن السنة لا تنسخ القرآن، لكن السنة تفسر القرآن، وتبينه، وتفصل مجمله، لأن الله امتن على أزواج نبيه بالكتاب والحكمة، فقال:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [سورة الأحزاب آية: 34] ؛ قال كثير من العلماء: كان جبرائيل ينْزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة، كما ينْزل عليه بالقرآن، ولا يسمون ذلك نسخاً، بل تفسيراً له وتوضيحاً وتشريعاً للأمة، لأن الله ضمن لنبيه صلى الله عليه وسلم جمع القرآن في صدره وبيان معناه، كما قال تعالى:{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [سورة القيامة آية: 17-19] .
الرواية بالمعنى للكتاب والسنة
وسئل: هل تجوز الرواية بالمعنى للكتاب والسنة؟
فأجاب: أما قراءة القرآن بالمعنى، فما علمت أحداً يجوز ذلك، وكيف يجوز تغيير كلام الله، وتغيير نظمه الذي أعجز الله به جميع الخلق، وجعله آية ودلالة باهرة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؟ هذا لا يقوله أحد. وأما رواية الحديث بالمعنى، فهذا مما اختلف فيه العلماء؛ فأجازه طائفة، ومنعه كثيرون من أهل الحديث، والفقهاء وغيرهم.
[معنى الاشتقاق وما يراد به عند المحققين]
قال الشيخ: عبد اللطيف، رحمه الله تعالى، في أثناء جواب له: فأما مسألة الاشتقاق فينبغي أولاً أن يسأل هذا: ما معنى
الاشتقاق؟ وما يراد به عند المحققين؟ وإن زعم أنه أخذ الأسماء من مصادرها، وأن المصادر متقدمة، فهذا يلزم عليه سبق مادة أخذ منها الاسم، ومجرد القول بهذا لا يرتضى عند المحققين من أئمة الهدى. فإن عرف ذلك، وأجابك عن معنى الاشتقاق على الوجه الذي أشرنا إليه، فأخبره أن البصريين والكوفيين اختلفوا في الاسم من حيث هو، هل هو مشتق من السمو، أو من السمة؟ ذهب البصريون إلى الأول، والكوفيون إلى الثاني. وأصله عند البصريين: سمو على وزن فعل، فحذفت لام الكلمة وهي الواو، ثم سكن أوله تخفيفاً، ثم أتي بهمزة الوصل توصلاً بالنطق بالساكن، فصار اسماً. وعليه، فوزنه افع، ففيه إعلالات ثلاثة وهي: الحذف، ثم الإسكان، ثم الإتيان بهمزة الوصل. وأما على مذهب الكوفيين، فأصله: وسم على وزن فعل، حذفت فاء الكلمة وهي الواو اعتباطاً، ثم عوض عنها همزة الوصل. وعلى هذا، فوزنه اعل. ويسأل عن معنى الإعلال وما يقابله، وعن الاشتقاق الأكبر والأصغر والكبير، وعن معنى الاشتقاق الأكبر، مع المباينة في أكثر الحروف ما معناه؟ فإذا أجابك عن هذا، فأجبه عن سؤاله، وإلا فكيف يسأل عن التفاصيل من أضاع القواعد والجمل.
ثم قال، رحمه الله: وأما ما فيه من جهة اللسان العربي، فإن "هل" لا تقابل بـ"أم" لأن ما يقابل بـ"أم" همزة الاستفهام، كما يعلم من محله. وأما قوله: لا تثبت من الرسول، فإن الإثبات يتعدى بـ"عن" لا بـ"من". وكذلك قوله: ولا ممن يعتبر بهم، فإن الاعتبار نوع، والاعتداد نوع آخر، فيعتد بالصالحين وأهل العلم، والاعتبار لا يختص بهم، بل لما ذكر فعل بني النضير بأنفسهم وديارهم قال:{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [سورة الحشر آية: 2] .
[الترشيح والإطلاق والتجريد، ما يراد به عند أهل الفن]
وأما قول السائل: سؤال عن الترشيح والإطلاق أيهما أبلغ؟ وكذلك الإطلاق والتجريد، فينبغي ان يسأل عن الترشيح والإطلاق والتجريد، ما يراد به عند أهل الفن؟ فإن عبارته تفيد عدم معرفته، إذ لا مقابلة بين الترشيح، والإطلاق، والتجريد، في الأبلغية؛ فسؤاله نص ظاهر في جهله. فإن الترشيح يراد به: تقوية الشبه بين المشبه والمشبه به، بأن يذكر ما هو من خواص المشبه به، كقوله: انشبت المنية أظفارها؛ فإن هذا فيه ذكر التقوية بما هو من خواص المشبه به، وهي الأظفار، فالترشيح قوى المعنى المراد. وأما الإطلاق في الاستعارة، فيقابله التقييد. والتجريد معناه: أن يتجرد المتكلم من نفسه مخاطباً، كقول الشاعر:
يؤدون التحية من بعيد
…
إلى قمر من الإيوان بادِ
والبلاغة تختلف باختلاف الأحوال، فتوصف بها الكلمة والكلام والمتكلم؛ وحقيقتها: مطابقة الكلام مقتضى الحال، فإن كان الحال يقتضي الترشيح فهو أبلغ، وإلا فلكل مقام مقال. وأما الإخبار عن الاسم بـ"الذي"، فهو كثير في القرآن وغيره، قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [سورة الأعراف آية: 54] ، فأخبر بـ"الذي" عن اسمه الشريف الذي هو أعرف المعارف، و"الذي" اسم أيضاً، بخلاف ما يفيده السؤال. وأما الإخبار عن الاسم بـ"أل" فكقول الشاعر:
ما أنت بالحكم الّترضى حكومته
…
....................................
وكذا كل فعل مضارع دخلت عليه "أل". وأما الإخبار عن اسم من الأسماء بـ"الذين"، فكقوله تعالى {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [سورة آل عمران آية: 172] . وأما الإخبار بـ"الذين"، فكقوله:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ} [سورة فصلت آية: 29]، وقال:{وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [سورة النساء آية: 16] . وأما الكل، والكلي، فالكل يراد به الجميع، كقوله:"كل المؤمنين يدخلون الجنة"، والكلي ما يقع على الأكثر والغالب، كقولك:"كل بني تميم يحملون الصخرة العظيمة".
[أما بالتخفيف تأتي على وجهين]
وسئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، رحمهما الله تعالى، عن "أما" بالتخفيف؟ فأجاب:"أما" بالتخفيف تأتي على وجهين: أحدهما: أن تكون حرف تنبيه، كما في قوله:"أما إني لم أكن في صلاة". ويكثر ذلك قبل القسم كما في قوله:
أما والذي أبكى وأضحك والذي
…
أمات وأحيا والذي أمره الأمرُ
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى
…
أليفين منها لا يروعهما الذعرُ
وقال الآخر:
أما والذي حجت له العيس وارتمى
…
لمرضاته شعث طويل ذميلها
لئن نائبات الدهر يوماً أدلن لي
…
على أم عمرو دولة لا أقيلها
وقال الآخر:
أما يستفيق القلب أن ما بدا له
…
توهم صيف من سعاد ومربع
أخادع عن إطلالها العين أنه
…
متى تعرف الأطلال عيني تدمع
عهدت بها وحشاً عليها براقع
…
وهذي وحوش أصبحت لم تبرقع
وهذا إذا قصد به تنبيه المخاطب لما بعدها، والإشارة إلى أن ما بعدها مما يهتم به ويلتفت إليه، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:" ألا لعنة الله على اليهود والنصارى " 1، " ألا هل بلغت؟ " 2، " ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب " 3، وكقول الشاعر:
ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا
…
....................................
1 البخاري: الصلاة (436)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (531)، والنسائي: المساجد (703) ، وأحمد (6/80، 6/146، 6/252، 6/255)، والدارمي: الصلاة (1403) .
2 البخاري: العلم (105)، ومسلم: القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1679) ، وأحمد (5/37، 5/39، 5/49) .
3 البخاري: العلم (105)، ومسلم: القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1679)، وابن ماجة: المقدمة (233) ، وأحمد (5/37، 5/39، 5/49)، والدارمي: المناسك (1916) .
وكما في قوله:
ألا ليت حظي من عطاياك أنني
…
علمت وراء الرمل ما أنت صانعُ
والثاني بمعنى: "حقاً" أو "أحق"، وزعم بعض الناس أنها تكون حرف عرض بمعنى "لولا"، فيختص بالفعل كما في قولك: أما يقوم، أما يقعد، ونحوه. و"أما" نحو: أما كان فيهم من يفهم؟ فالهمزة للاستفهام، وما: حرف نفي؛ وليست مما نحن فيه، فتنبه! وأما قولك: ما وجه نصب "عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته"؟ فاعلم: أن نصب هذه المصادر على أنها نعت لـ"سبحان"، لأنه اسم محذوف العامل وجوباً، لكونه بدلاً من اللفظ بفعل مهمل، كقول الشاعر:
ثم قالوا تحبها قلت بهراً
…
عدد الرمل والحصى والترابِ
فبهرا هنا: اسم منصوب على المفعولية المطلقة، لكونه هنا بمعنى "عجباً" لكن فعله مهمل غير مستعمل، فلذلك حذف وجوباً. وعدد الرمل في البيت: نعت له، ويحتمل أن عدداً وما عطف عليه نصب على المفعولية المطلقة. والعامل يقدر "سبحته" أو "نزهته"، فهو كقوله:{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [سورة النور آية: 4]، لأن "سبحان": علم على معنى التنْزية والبراءة، أو على لفظه فلا يعمل في المفعول؛ ويمكن أن يقال: لا حاجة إلى هذا التقدير، لأن الاسم قد يعمل لما فيه من رائحة الفعل، ويكون النصب لسبحان، ويقويه قول ابن مالك:
بمثله أو فعل أو وصف نصبْ
…
وكونه أصلاً لهذين انتخبْ
وأما "زنة" فمعناها الموازنة والثقل، بخلاف "ما" إذا كان من بعده الفعل مستعملاً، كقوله:
أذلاّ إذا شب العدى نار حربهم
…
وزهواً إذا ما يجنحون إلى السلمِ
وقول الآخر:
خمولاً وإهمالاً وغيرك مولع
…
بتثبيت أسباب السيادة والمجدِ
استعمال الماضي موضع المضارع
وسئل أيضاً: الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: عن استعمال الماضي موضع المضارع؟
فأجاب: مسألة استعمال الماضي موضع المضارع لهم فيها وجهان: أحدهما: أن في استعمال الصيغة الماضية بدل المضارعية تنبيهاً وإشارة إلى تحقيق النفي في الحال والاستقبال، كتحقيق مضي الماضي من الأفعال والأحوال، وذلك باستعارة ما وضع للماضي لما قصد به الحال والاستقبال، تقوية وتأكيداً لمضمون الجملة المنفية؛ وذلك شائع في لسانهم، وفي التنْزيل:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [سورة النحل آية: 1] ، {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ} ، والمعنى: يأتي، ويقول. ومنه استعمال المضارع بدل الماضي، إشارة إلى التجدد والاستمرار شيئاً فشيئاً، فقوله تعالى:{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [سورة الأنعام آية: 33]، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} [سورة الحجر آية: 97] ، {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ
الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} [سورة الأحزاب آية: 18]، والمعنى: قد علمنا، ومنه قول الأعشى:
وأرى من عصاك أصبح محرو
…
باً وكعب الذي يطيعك عالِ
ولقد أسبي الفتاة فتعصي
…
وكل واش يريد جزم حبالِ
يريد: رأيت وسبيت. والوجه الثاني: أن الكلمة إن دلت على معنى في نفسها، واقترنت بزمان ففعل، فإن كان الزمان الذي دلت عليه ماضياً فالفعل ماض، وإن كان للحال والاستقبال فالفعل مضارع، وإن كان مستقبلاً فقط فالفعل أمر، كما هو مقرر في موضعه؛ فلو عبر بالمضارع وقال: لا ألبس، مثلاً، لاحتمل أنه قصد النفي في الحال فقط، أو فيما يستقبل فقط، لأن ذلك جرى في لسانهم، ومنه {لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [سورة التوبة آية: 92] ، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [سورة الأنبياء آية: 47] ، واحتمل وقوع استثناء يعقبه، فلما عبر بالماضي زال الاحتمال، وانقطع التوقع، وقصد المعنى الأصلي، وهو النفي في الماضي، لئلا يتوهم النفي في الحال والاستقبال؛ تقول: لا لبست، لا ضربت، لا ظلمت، قاصداً الحال والاستقبال، بخلاف: ما ضربت، ما لبست، فإنها للنفي في الماضي. وقولك: ما معنى النفي في قولهم: لا قتلت الميت؟ فالذي في الحلف بالطلاق وتعلقه بالمستحيل: "لأقتلن" بلام التوكيد الموطئة للقسم، والفعل بعدها مؤكد بنون التوكيد الثقيلة، ولا نفي فيها؛ فتنبه!