المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الإمامة - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٤

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌فصل في الإمامة

‌فصل في الإمامة

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله: عن رجلين: أحدهما حفظ القرآن عن ظهر قلب، والآخر لم يحفظ إلا بعضه، أيهما يقدم في الإمامة

إلخ؟

فأجاب: إن كان الحافظ للقرآن حافظه عن ظهر قلب ورداه 1 بَيِّن، يكره الدين، ويوالي المنافقين موالاة بينة، ويتجاسر على الأمور المحرمة، مثل الزنى، والسرقة، والخيانة، فإن كان هذه صفة حاله، فلا يصلي بالجماعة. فإن كان ما فيه شيء بيِّن، إنما هو تهمة، أو أن غيره خير منه، مثل الجهاد، والمذاكرة، فالذي حافظ القرآن عن ظهر قلب أحق من الذي ما حفظه، ولو كان أكثر منه عملاً، وأحب منه للدين.

وأجاب أيضاً: البلاد التي ما فيها من يعرف قراءة الصلاة، يلزم الأمير أن يجعل فيها من يصلي بهم، ويعلمهم ما يلزمهم في الصلاة; وإن كان فقيراً أعطي من الزكاة لأجل فقره، لا لأجل صلاته.

1 أي: فسقه.

ص: 404

سئل الشيخ سعد بن حمد بن عتيق: إذا كان رجلان أحدهما أجود من الآخر قراءة، وبأحد أعضاء سجوده عيب، أيهما أولى بالإمامة؟

فأجاب: الأولى: تقديم سالم الأعضاء إذا كان يحسن الفاتحة، لنص الفقهاء على كراهة تقديم من بأحد أعضاء سجوده عيب، يمنع ذلك العضو من مس الأرض؛ وأما إذا لم يحسن السليم الفاتحة، قدم الآخر للضرورة.

سئل بعضهم: هل يكون تلقيب العامل بالسنة، والآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، وتعييره مانعاً من جواز الصلاة خلف الملقب؟

فأجاب: إن كان المعير والملقب للعامل بالسنة، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، عالماً بأنه عامل بسنة صحيحة صريحة، وآمر بمعروف وناه عن منكر، فعيره بذلك، ولقبه من أجل ذلك، وجب عليه أن يتوب من ذلك؛ فإن أبى مع علمه بذلك وإقراره بأنه عير العامل والآمر والناهي، فهذا أقل أحواله أن يحكم عليه بأنه فاسق، وإمامة الفاسق، قال المرداوي في التنقيح والإنصاف: ولا تصح إمامة فاسق مطلقاً، أي: سواء كان فسقه من الاعتقاد، أو الأفعال، أو الأقوال، وسواء كان مشهور الفسق، أم لا، كما نبه عليه في الإنصاف; قال: إلا في صلاة جمعة، إن تعذر فعلها خلف غيره، وكذا صلاة عيد؛ وإن خاف أذى صلى خلفه وأعاد،

ص: 405

وإن صلى خلفه ونوى الانفراد، ووافقه في الأفعال، لم يعد، ولو كانوا جماعة وصلوا خلفه بإمام. انتهى.

وقال الشيخ، رحمه الله: إذا كان بينهم معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء والمذاهب، لم ينبغ أن يؤمهم، لأن المقصود بالصلاة جماعة إنما يتم بالائتلاف. انتهى. فإن كان الملقب والمعير، بينه وبين المعير والملقب معاداة أو شبهها، فلا يقبل قوله فيه، وغايته أن يكون مكروهاً له ائتمامه به.

وأجاب أيضاً بعضهم، رحمه الله تعالى: صلاة الجماعة والأعياد خلف من لا يحكم بردته جائزة، وأنه رأي أهل السنة والجماعة؛ قال شيخ الإسلام: ويرون الجماعة وإقامة الجمعة والأعياد مع الأئمة، أبراراً أو فجاراً; وقال أيضاً: بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد وغيره من أئمة السنة. انتهى. هذا بخلاف من حكم بردته، فإنه لا يصلى خلفه جمعة ولا جماعة؛ وفيه خلاف ضعيف مردود، ذكره بعضهم.

وأجاب الشيخ محمد بن عبد اللطيف: أما الصلاة خلف شارب التتن، فالظاهر عدم الجواز؛ فإذا وجد غيره لم تصح، وإن لم يوجد صحت الصلاة خلفه. وصلاته بمن هو مثله من الفساق عند العدم جائزة؛ قال شيخ الإسلام:

ص: 406

ويصلى خلف الفساق وأهل البدع عند عدم غيرهم، ولا تعاد الصلاة؛ وأما الداعية من أهل البدع، فلا يصلى خلفه.

سئل عبد الله بن الشيخ: عن المطوع الرديء؟

فأجاب: والمطوع الرديء الذي ما له دين، إن أسلم الناس أسلم، وإن ارتدوا ارتد، فلا تصح الصلاة وراءه.

وسئل الشيخ عبد اللطيف، رحمه الله: عما نسب عن شيخ الإسلام، أنه ذكر: أن الإمام أحمد كان يصلي خلف الجهمية؟

فأجاب: هذا لو سلم، من أوضح الواضحات عند طلبة العلم وأهل الأثر، وذلك أن الإمام أحمد وأمثاله من أهل العلم والحديث لا يختلفون في تكفير الجهمية، وأنهم ضلال زنادقة؛ وقد ذكر من صنف في السنة تكفيرهم عن عامة أهل العلم والأثر، وعد اللالكائي منهم عدداً يتعذر ذكرهم في هذه الرسالة، وكذلك عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة، والخلال في كتاب السنة، وابن أبي مليكة في كتاب السنة له; وإمام الأئمة ابن خزيمة قرر كفرهم، ونقله عن أساطين الأئمة. وقد حكى كفرهم شمس الدين ابن القيم في كافيته، عن خمسمائة من أئمة المسلمين وعلمائهم. والصلاة خلفهم لا سيما صلاة الجمعة، لا تنافي القول بتكفيرهم، لكن تجب الإعادة حيث لا تمكن الصلاة خلف

ص: 407

غيرهم؛ والرواية المشهورة عن الإمام أحمد، هي المنع من الصلاة خلفهم، وقد يفرق بين من قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها، وبين من لا شعور له بذلك؛ وهذا القول يميل إليه شيخ الإسلام، في المسائل التي قد يخفى دليلها على بعض الناس. وعلى هذا القول: فالجهمية في هذه الأزمنة قد بلغتهم الحجة، وظهر الدليل، وعرفوا ما عليه أهل السنة، واشتهرت الأحاديث النبوية وظهرت ظهوراً ليس بعده إلا المكابرة والعناد، وهذا حقيقة الكفر والإلحاد، كيف وقولهم: يقتضي من تعطيل الذات والصفات، والكفر بما اتفقت عليه الرسالة والنبوات، وشهدت به الفطر السليمات، ما لا يبقى معه حقيقة للربوبية والإلهية، ولا وجود للذات المقدسة المتصفة بجميل الصفات.

وهم إنما يعبدون عدماً لا حقيقة لوجوده، ويعتمدون من الخيالات والشبه ما يعلم فساده بضرورة العقل وبالضرورة من دين الإسلام عند من عرفه، وعرف ما جاءت به الرسل من الإثبات. ولبشر المريسي وأمثاله من الشبه والكلام في نفي الصفات، ما هو من جنس هذا المذكور عند الجهمية المتأخرين؛ بل كل أمة أخف إلحاداً من بعض هؤلاء الضلال، ومع ذلك فأهل العلم متفقون على تكفيره، وعلى أن الصلاة لا تصح خلف كافر جهمي أو غيره. وقد صرح الإمام أحمد فيما نقل عنه ابنه عبد الله وغيره، أنه كان يعيد صلاة الجمعة وغيرها، وقد يفعله المؤمن مع غيرهم من

ص: 408

المرتدين، إذا كانت لهم شوكة ودولة؛ والنصوص في ذلك معروفة مشهورة، نحيل طالب العلم على أماكنها ومظانها.

وأجاب الشيخ عبد الله والشيخ إبراهيم: ابنا الشيخ عبد اللطيف، والشيخ سليمان بن سحمان: لا تصح إمامة من لا يكفر الجهمية والقبوريين أو يشك في كفرهم؛ وهذه المسألة من أوضح الواضحات عند طلبة العلم وأهل الأثر، وذكروا نحواً مما تقدم من كلام الشيخ عبد اللطيف، ثم قالوا: وكذلك القبوريون لا يشك في كفرهم من شم رائحة الإيمان؛ وقد ذكر شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، رحمهما الله، في غير موضع: أن نفي التكفير بالمكفرات قوليها وفعليها، فيما يخفى دليله ولم تقم الحجة على فاعله، وأن النفي يراد به نفي تكفير الفاعل وعقابه قبل قيام الحجة عليه، وأن نفي التكفير مخصوص بمسائل النّزاع بين الأمة.

وأما دعاء الصالحين، والاستغاثة بهم، وقصدهم في الملمات والشدائد، فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه، والحكم بأنه من الشرك الأكبر؛ فليس في تكفيرهم، وتكفير الجهمية قولان. وأما الإباضية في هذه الأزمان، فليسوا كفرقة من أسلافهم، والذي بلغنا أنهم على دين عباد القبور، وانتحلوا أموراً كفرية لا يتسع ذكرها هنا، ومن كان بهذه المثابة، فلا شك في كفره؛ فلا يقول بإسلامهم إلا مصاب

ص: 409

في عقله ودينه، ولا تصح خلف من لا يرى كفر هؤلاء الملاحدة، أو يشك في كفرهم.

سئل الشيخ سعد بن حمد بن عتيق: عن صلاة الأعرابي بالمهاجر؟

فأجاب: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، إذا لم يكن مانع شرعي عام.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن إمامة الصبي

إلخ؟

فأجاب: تصح إمامة الصبي، إذا كان أقرأ من الذي وراءه، ولو قبل أن يرشد.

وأجاب بعضهم: تصح إمامة من له عشر سنين لمثله، وللبالغين بشرط أن يكون قارئاً للفاتحة، والبالغون لا يحسنون قراءة الفاتحة، لحديث:" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله "1. فإن كان في البالغين من يحسنها، فهو أحق بالإمامة من الصبي.

سئل الشيخ سعيد بن حجي: عن الإمام إذا صلى محدثاً جاهلاً هو والمأمومون؟

فأجاب: إذا صلى محدثاً جاهلاً هو والمأمومون حتى سلموا، فصلاتهم صحيحة دون الإمام، فإنه يعيد، روي عن عمر، وعثمان وعلي، ومالك والشافعي؛ وإن علم وهو في الصلاة، بطلت وأعادوها.

1 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (673)، والترمذي: الصلاة (235)، والنسائي: الإمامة (780)، وأبو داود: الصلاة (582)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (980) ، وأحمد (4/117، 4/121، 5/272) .

ص: 410

وسئل بعضهم: إذا صلى الإمام ناسياً حدثه، فذكر وهو في صلاته؟

فأجاب: إذا صلى الإمام محدثاً جاهلاً هو والمأمومون حتى سلم صحت صلاتهم، وعلى الإمام أن يتوضأ ويعيد الصلاة؛ فإن علم الحدث وهو في الصلاة، بطلت صلاتهم واستأنفوها.

وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن قوله صلى الله عليه وسلم: "يصلون لكم "

إلخ؟

فأجاب: قوله صلى الله عليه وسلم: " يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم " 1، فهذا يدل على أن الإمام إذا حصل في صلاته نقص، فالإثم عليه دون المأموم، حتى لو صلى الإمام محدثاً جاهلاً أو ناسياً، ولم يعلم المأموم حتى فرغ، فصلاته صحيحة؛ وكذا لو ترك الإمام فرضاً من فرائض الصلاة عمداً، ولم يعلم المأموم به أبداً، فصلاته صحيحة.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن الأمي

إلخ؟

فأجاب: الأمي: الذي لا يحسن الفاتحة، أو يلحن فيها لحناً يخل بالمعنى، وأما إذا كان يحسن الفاتحة ولا يحيل ألفاظها عن معانيها، فهذا لا يسمى أمياً؛ ولكن أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله، فإذا وجد القارئ قدم على

1 البخاري: الأذان (694) ، وأحمد (2/355، 2/536) .

ص: 411

غيره، وأما إذا أقيمت الصلاة ثم جاء القارئ وهم يصلون، جاز للقارئ أن يصلي معهم، إذا كان الإمام يحسن قراءة الفاتحة ولا يلحن فيها لحناً يحيل المعنى; وأما الذي يلحن فيها لحناً يحيل المعنى، فهذا هو الأمي، لا يجوز أن يصلي إلا بمثله، فلا يؤم أحداً يحسن الفاتحة.

وأجاب أيضاً: وأما الإمام الذي لا يحسن الفاتحة، ولا يعربها، فلا يصلى وراءه.

سئل الشيخ سعيد بن حجي، رحمه الله: عمن يلحن في الفاتحة

إلخ؟

فأجاب: يلزم القارئ أن يقرأ الفاتحة مرتبة مشددة، غير ملحون فيها لحناً يحيل المعنى، نحو أن يقول:"أنعمتُ" برفع التاء، فإن فعل لم يعتد بقراءته إلا أن يكون عاجزاً، وهذا مذهب الشافعي؛ فإن كان لحناً لا يحيل المعنى، نحو: أن يكسر نون أولى "نِستعين"، لم تبطل صلاته.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله: هل يصح ائتمام المفترض بالمتنفل، وعكسه

إلخ؟

فأجاب: الراجح عندنا: صحة ائتمام المفترض بالمتنفل وعكسه، وكذلك من يصلي الظهر بمن يصلي

ص: 412

العصر؛ وأما صلاة الجمعة والفجر خلف من يصلي رباعية، فلا أدري.

سئل الشيخ حمد بن عتيق: عمن نسي صلاة أو نام عنها، ثم ذكرها والصلاة الأخرى تقام

إلخ؟

فأجاب: إن كانت الفائتة رباعية والتي تقام كذلك، فينوي الصلاة التي تقام عن التي نسيها، ثم يأتي بالتي تقام.

سئل الشيخ عبد الله أبا بطين، رحمه الله: عمن يصلي راتبة العشاء، خلف من يصلي التراويح؟

فأجاب: أما من يصلي راتبة العشاء خلف من يصلي التراويح، ففي مثل هذه المسألة خلاف مشهور؛ والذي يترجح عندي الجواز.

سئل الشيخ سعيد بن حجي، عمن يصلي خلف الإمام وحده؟

فأجاب: السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام، فإن كان واحداً صلى عن يمينه؛ فإن كانت معهم امرأة قامت خلفهم. فإن وقف المأمومون قدام الإمام لم تصح صلاتهم، وإن وقف الرجل خلف الصف، أو خلف الإمام وحده، فصلى ركعة فأكثر، لم تصح صلاته.

ص: 413

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن صلاة النساء مع الرجال في صف واحد؟

فأجاب: وقوف النساء مع الرجال في صف واحد مكروه، والسنة وقوفهن خلف الرجال؛ هذا هو الذي وردت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ووقوف النساء مع الرجال في صف واحد غير مناسب، وقد ورد في الحديث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أخروهن حيث أخرهن الله ".

وسئل: عن صلاة النساء فوق سطح المسجد، فوق الرجال

إلخ؟

فأجاب: لا أعلم فيه بأساً، سواء كن يصلين مع الإمام، أو منفردات. وقولك: هل يفرق بين مقدم السطح أو مؤخره؟ فإن كن يصلين مع الإمام وجب عليهن ألا يتقدمن على الإمام، فإن كن منفردات فلا علمت في تقدمهن في مقدم السطح بأساً، إذا لم يكن في السطح رجال.

وسئل: عن مصافة الصبي؟

فأجاب: والصبي الذي ما أرشد تصح مصافته.

وسئل: عن وقوف الفذ وحده؟

فأجاب: الفذ إذا وقف في الصف وحده، لأجل إدراك الركعة، فهذا ينهى عنه، كما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكرة، فقال له:" زادك الله حرصاً ولا تعد " 1؛ وإذا فعل الإنسان ذلك، فإن دخل في الصف قبل أن يسجد، أو أحرم معه آخر، فالمشهور صحة الصلاة، فإن خر ساجداً

1 البخاري: الأذان (783)، والنسائي: الإمامة (871)، وأبو داود: الصلاة (683، 684) ، وأحمد (5/39، 5/42، 5/45، 5/50) .

ص: 414

قبل أن يدخل في الصف وكان وحده، فإنه يؤمر بالإعادة، لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الذي صلى وحده خلف الصف بالإعادة. وأما العذر الذي يجوز له، فالذي عليه الجمهور: أنه لا يجوز للفذ أن يصلي خلف الصف، لا لعذر ولا لغير عذر؛ وأما على القول الذي اختاره الشيخ تقي الدين، فهو جائز للعذر، مثل أن يجد الصف قد تم، ولا يجد من يقوم معه، فيصلي وحده، ولا يجذب رجلاً من الصف ليقف معه.

وأجاب الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: أما صلاة الفذ ركعة خلف الصف، فمقتضى كلام الفقهاء: أنه يستأنف الصلاة، ولا يبني، ويدخل في ذلك بتكبيرة الإحرام.

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله: عن مكث الإمام بعد السلام مستقبل القبلة، حتى يفرغ من التهليلات العشر، كما يستفاد من حديث ابن غنم؟

فأجاب: الحديث المشار إليه، في إسناده من لا يحتج به، ولو كان إسناده مما يحتج به لكان معارضاً بالأحاديث الصحيحة؛ فأخرج البخاري عن ابن عمر: " صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء، ثم انصرف

" 1 الحديث. وأخرج النسائي وابن أبي شيبة، عن جابر بن يزيد عن أبيه، " أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما صلى انحرف "، وترجم له النسائي: الانحراف بعد السلام. وخرج المروزي عن العرباض بن سارية، قال: " صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 البخاري: مواقيت الصلاة (564)، ومسلم: فضائل الصحابة (2537)، والترمذي: الفتن (2251)، وأبو داود: الملاحم (4348) ، وأحمد (2/131) .

ص: 415

صلاة الغداة، فأقبل علينا فوعظنا

" 1 الحديث; فهذه نصوص في أنه أعقب سلامه من الصلاة بالانصراف والإقبال على المأمومين.

وذكر حديث عائشة، وثوبان، وابن مسعود، ثم قال: قال علماؤنا الحنابلة، ويكره مكثه - أي الإمام - كثيراً بعد المكتوبة مستقبل القبلة. وقال في شرح الزاد: ويكره للإمام إطالة قعوده بعد الصلاة مستقبل القبلة. وقال الزين بن المنير: استدبار الإمام المأموم إنما هو لحق الإمامة، فإذا انقضت الصلاة زال السبب; فاستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين. وقال الكوراني في شرح البخاري: استدباره إنما يكون للإمامة، فإذا فرغ فالأولى استقبال الناس، لبعده عن شوب الكبر. انتهى. وكان أبو بكر يسلم عن يمينه وعن شماله، ثم ينتقل ساعتئذ، كأنه على الرضف.

وذكر الآثار، ثم قال: فهذا ما ثبت بصحيح السنة، وعمل به السلف ومن بعدهم من الأئمة، ففيما ثبت غنى عما لم يثبت؛ فالمتبعون لصريح الأخبار، ومشهور الآثار، أسعد من هؤلاء بهذا الحديث، وإن كان مما لا يحتج أهل العلم بمثله، فلو كان معهم خبر صريح إما حسن وإما صحيح، لكان من المتعين على كل فقيه متدين يعرف السنة، أن يحمل مثل هذا الحديث على أنه عام مخصوص بغير الإمام، لتجتمع الأحاديث، ويحصل العمل بها جميعا; فإن المأموم والمنفرد

1 أبو داود: السنة (4607) ، وأحمد (4/126)، والدارمي: المقدمة (95) .

ص: 416

إذا أتيا بالذكر المشروع عقب السلام حال استقبالهما القبلة، فقد عملا بالسنة في حقهما، كما هو ظاهر الأحاديث الصحيحة؛ وسنذكر من الأحاديث الواردة فيما يقال بعد الصلاة ما يدل على هذا، وتقدمت في باب صفة الصلاة.

سئل الشيخ سعيد بن حجي: إذا انصرف المأموم من الصلاة قبل أن ينصرف إمامه

إلخ؟

فأجاب: يكره للإمام إطالة الجلوس في مكانه مستقبل القبلة بعد تسليمه من الصلاة، لأن عائشة قالت:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام " 1، رواه مسلم، وابن ماجة، فإن شاء قام، وإن شاء انحرف عن قبلته، لما روى سمرة قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه " 2، رواه مسلم، إذا ثبت أن انصراف الإمام إقبال بوجهه على المأموم؛ فيستحب للمأموم أن لا يقوم قبل انصراف إمامه، لقوله صلى الله عليه وسلم:" لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف " 3، رواه مسلم؛ والمستحب في الاصطلاح لا يعاقب على تركه.

سئل الشيخ عبد الله بن محمد، رحمهما الله: عن المصافحة في المسجد؟

فأجاب: أما المصافحة في المسجد وغيره فلا بأس

1 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (592)، والترمذي: الصلاة (298)، والنسائي: السهو (1338)، وأبو داود: الصلاة (1512)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (924) ، وأحمد (6/62، 6/184، 6/235)، والدارمي: الصلاة (1347) .

2 البخاري: الأذان (845)، ومسلم: الرؤيا (2275)، والترمذي: الرؤيا (2294) .

3 مسلم: الصلاة (426)، والنسائي: السهو (1363)، وأبو داود: الصلاة (624) ، وأحمد (3/102، 3/154، 3/217، 3/240، 3/290)، والدارمي: الصلاة (1317) .

ص: 417

بها، وما بلغكم من النهي عن ذلك فله سبب، وذلك أن بعض الناس يظن أن هذا شيء مستحب دائماً، يداوم عليه، ولو سلم قبل الصلاة 1؛ وأما إذا فعله بعض الأحيان وتركه في بعض، فلا بأس بذلك.

وأجاب الشيخ عبد الله، والشيخ إبراهيم، ابنا الشيخ عبد اللطيف، والشيخ سليمان بن سحمان: هذا السلام على الإمام ومن يليه ليس بمشروع; ولا أصل لذلك لا بنص ولا عمل من الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه؛ ولو كان ذلك مشروعاً لتوفرت الهمم والدواعي على نقله، ولكان السابقون الأولون أحق بذلك منا وأسبق إليه، ولكن رد السلام واجب، وتنبيههم على أن هذا ليس بمشروع بعد الصلاة أولى.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله: يلزم الأمير يلزمهم تفقد الناس في المساجد، حتى يعرف من يتخلف عن الصلاة ويتهاون بها، ويجعل للناس ثواباً للقيام على الناس بالاجتماع للصلاة في جميع البلدان والقرى؛ فإن هذا مما شرعه الله ورسوله وأوجبه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة. وقد ورد الزجر والوعيد على المتخلفين عن الصلوات الخمس في المساجد حيث ينادى لها؛ والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. ومن المعلوم: أن الصلاة لا تقام إلا بالاجتماع لها،

1 أي: على من يليه في الصف.

ص: 418

والتهاون بذلك من أسباب إضاعتها; وذلك يوجب عقوبة الدنيا والآخرة كما قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [سورة مريم آية: 59] .

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عمن يتخلف عن صلاة الجماعة؟

فأجاب: الذي يتخلف عن صلاة الجماعة، أو الجمعة، يؤدب على ذلك إما بالضرب أو الحبس، ولا يزاد في الضرب على عشر ضربات، وبالإشهار به بين الناس.

وأجاب أيضاً: الذي يتخلف عن الجماعة يؤدب بضرب، قدر خمسة أسواط، أو ستة.

وأجاب أيضاً: وأما المتخلف عن صلاة الجمعة، فيؤدب بما يزجره عن تركها إذا لم يكن له عذر، وكذلك المتخلف عن صلاة الجماعة، يؤدب إذا لم يكن له عذر.

وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: وأما المتخلف عن الجمعة أو الجماعة، وهو يسمع الأذان، يؤدب على ما يراه الأمير أنه يزجره عن ذلك الفعل، إما بقدر عشر ضربات، أو بأخذ دسماله، وكشف رأسه قدام الناس، وإما بتفشيله بكلام، وإما بأخذ شيء من ماله ويتصدق به على المساكين، هذا إذا لم يكن له عذر، إما مرض، أو حدث، أو حضرة طعام وهو جائع، أو يرصد ماله، أو يخاف يضيع.

ص: 419

وأجاب أيضاً: وأما المتخلف عن الجمعة أو الجماعة، فهو يؤدب الأدب الذي يزجره، حتى يحافظ على الجمعة والجماعة، هذا إذا عرف أنه يتخلف عن الصلاة أكثر الأوقات؛ فإن كان تخلفه قليلاً، ويدعي أن له عذراً يعذر به، فلا يناسب تأديبه. والمرأة التي لا تصلي تجبر على الصلاة، فإن امتنعت ضربت حتى تصلي.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما من يداوم على التكاسل عن الصلاة، بحيث لا يدرك في الغالب إلا التشهد، أو ركعة، فهذا يخاف على فاعله من النفاق; ويسقط من مرتبته، وينبغي نصيحته، واعتزاله حتى يرتدع.

ص: 420