المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صفة الصلاة - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٤

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌باب صفة الصلاة

‌باب صفة الصلاة

سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: عن الدعاء قبل الإقامة، وبعدها؟

فأجاب: أما الدعاء قبل الإقامة ففعله بعض من يقتدى به، وأما الدعاء بعد الإقامة فلم يرد فيه شيء، والأولى عدم فعله.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله: عما إذا صف بعض المأمومين في الثاني ولم يتم الأول، هل تصح صلاتهم، أم تلزمهم الإعادة؟

فأجاب: بل تصح صلاتهم ولا إعادة عليهم، لكن يؤمرون بإتمام الصف الأول، فالأول، للأحاديث الواردة في ذلك.

قال الشيخ عبد الله أبا بطين، رحمه الله تعالى: مسألة أظنها من كلام الشيخ تقي الدين، وهي وقوف المأموم بحيث يسمع قراءة الإمام، وإن كان في الصف الثاني أو الثالث، أفضل من الوقوف في طرف الصف الأول، مع البعد عن

ص: 281

سماع قراءة الإمام، لأن الأول صفة في نفس العبادة، فهي أفضل من مكانها، كما رجحنا الرمل مع البعد في الطواف على الدنو مع ترك الرمل. انتهى.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن الأمير إذا كان له مكان خلف الإمام، وهو يتقدم لذلك أكثر الأحيان، وأحياناً يتأخر، إما لشغل، أو نوم، أو نحو ذلك، إذا أخر الإمام لأجله شق على الجماعة، وإن صلى غضب الأمير؟

فأجاب: أما إذا تأخر الأمير عن الصلاة، إلى حد تضيق به صدور الجماعة، فإمام المسجد يصلي ويتركه، ولا يرفع به رأساً، ولو غضب؛ هذا إذا حضر أكثر الجماعة في المسجد. وأمر العبادات إلى الشارع صلى الله عليه وسلم لا تُطَيَّب بها نفس أحد، لا أمير ولا غيره، ويسار فيها على ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تجعل العادات إلا تبعاً للشرع؛ فالشرع متبوع لا تابع. والذي لا يرضى بهذا، فعساه لا يرضى. فإذا كان إمام المسجد بنفسه إذا غاب صلى الجماعة، كما كان العمل عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بالأمير؟ ويبين للأمير ويفطن أن هذا أمر لا يجوز له.

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى: اعلم، أرشدك الله لطاعته، وأحاطك بحياطته، وتولاك في الدنيا والآخرة: أن مقصود الصلاة، وروحها ولبها، هو: إقبال

ص: 282

القلب على الله تعالى فيها؛ فإذا صليت بلا قلب، فهي كالجسد الذي لا روح فيه. ويدل لهذا قوله تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [سورة الماعون آية: 4-5]، ففسر السهو بالسهو عن وقتها أي: إضاعته، والسهو عما يجب فيها، والسهو عن حضور القلب؛ ويدل على ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق: يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً " 1، فوصفه بإضاعة الوقت بقوله:"يرقب الشمس "، وبإضاعة الأركان بذكره النقر، وبإضاعة حضور القلب بقوله:" لا يذكر الله فيها إلا قليلاً ".

سئل الشيخ عبد الله بن محمد: عن رفع اليدين؟

فأجاب: أما رفع اليدين في الصلاة عند التكبير، فثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه في ثلاثة مواضع في الصلاة: عند تكبيرة الإحرام يرفع يديه، حتى يكونا حذو منكبيه، وإذا أراد أن يركع رفعهما كذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، فإذا فرغ من رفع اليدين وضع يمينه على شماله، على مفصل الكف، تحت السرة، كما في سنن أبي داود عن علي قال:"من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة، تحت السرة ".

وأجاب بعضهم، رحمه الله: رفع اليدين في الصلاة،

1 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (622)، والترمذي: الصلاة (160)، والنسائي: المواقيت (511)، وأبو داود: الصلاة (413) ، وأحمد (3/185)، ومالك: النداء للصلاة (512) .

ص: 283

وجعل اليمين على الشمال، سنة مؤكدة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة في الصحاح والسنن والمسانيد؛ ومن أشهر ذلك حديث عبد الله بن عمر المتفق على صحته، قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع "1. وأما وضع اليمين على الشمال، ففي حديث سهل بن سعد، في صحيح البخاري، قال: " كان الناس يؤمرون: أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة " 2 الحديث.

وسئل: عن الاستفتاح في الصلاة بما الناس عليه، وما الدليل على ذلك؟

فأجاب: قد ثبت في السنن الأربعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستفتح الصلاة بـ" سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك "، وصح في صحيح مسلم: أن عمر كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يعلمهن الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار؛ فلأجل ذلك أخذ به الإمام أحمد، وجماعة من أهل الحديث. قال أحمد: أنا أختاره، وإن استفتح أحد بغيره مما صح عنه صلى الله عليه وسلم فحسن.

وأجاب عبد الله بن الشيخ، رحمه الله: قوله: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض " 3 إلى قوله " وأنا من المسلمين " 4 هو في صحيح مسلم وغيره من كتب الحديث،

1 البخاري: الأذان (735)، ومسلم: الصلاة (390)، والترمذي: الصلاة (255)، والنسائي: الافتتاح (878)، وأبو داود: الصلاة (721)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (858) ، وأحمد (2/8)، والدارمي: الصلاة (1308) .

2 البخاري: الأذان (740) ، وأحمد (5/336)، ومالك: النداء للصلاة (378) .

3 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (771)، والترمذي: الدعوات (3421، 3422، 3423)، والنسائي: الافتتاح (897)، وأبو داود: الصلاة (760) ، وأحمد (1/102)، والدارمي: الصلاة (1238) .

4 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (771)، والترمذي: الدعوات (3421، 3422)، والنسائي: الافتتاح (897)، وأبو داود: الصلاة (760) .

ص: 284

ولا يقال إلا بعد تكبيرة الإحرام، يستفتح به قبل الشروع في قراءة الفاتحة.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: أما الاستفتاح في الصلاة، فلا يشرع إلا في الركعة الأولى، فرضاً كانت أو نفلاً، وكذلك التعوذ في المشهور؛ والشافعي يرى التعوذ في كل ركعة فرضاً أو نفلاً.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: قوله في الاستفتاح: "ولا إله غيرك " أي: لا يستحق أن يعبد غيرك، وهو يؤيد ما قد قلته، من أن المقدر في كلمة الإخلاص، إذا قال الموحد: لا إله إلا الله، أي: لا إله حق إلا الله، والعامل في هذا المقدر "لا" على أنه خبرها في قول الأخفش. وعلى قول سيبويه لم تعمل فيه "لا" وإنما عمل فيه المبتدأ، وهو "لا" مع اسمها؛ فإن "لا" مع اسمها في محل رفع على الابتداء. والمقصود: أن المقدر "حق" ليطابق ما في الآيتين في سورة الحج ولقمان.

سئل الشيخ حسين، والشيخ عبد الله، ابنا الشيخ محمد، رحمهم الله: عن الجهر بالبسملة؟

فأجاب: الصواب عندنا ترك الجهر بالبسملة، وهذا هو الثابت عندنا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل خلفائه الراشدين،

ص: 285

كما هو مذكور في الكتب الصحيحة، كالصحيحين وغيرهما، والله أعلم.

وأجاب أيضاً: الشيخ عبد الله بن محمد: أكثر الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يخفيها ولا يجهر بها، وإن جهر أحد لم ينكر عليه، لأن في بعض الأحاديث أنه جهر بها.

وأجاب بعضهم، رحمهم الله: اختلف الفقهاء: هل البسملة آية من الفاتحة وغيرها من السور؟ أو هي آية من الفاتحة دون غيرها من السور؟ أو ليست من الفاتحة ولا غيرها من السور، بل هي آية من القرآن، تكتب في أول كل سورة، سوى براءة؟ هذه أقوال ثلاثة، ذهب إلى كل قول طائفة من العلماء؛ والذي يترجح عندنا القول الأخير، وبه قال أحمد بن حنبل وغيره من فقهاء الحديث.

وأما الجهر بها في الصلاة، فالأحاديث الصحيحة، تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يجهر بها، لا هو ولا خلفاؤه؛ فإنه قد روي في بعض الأحاديث، كما قد ثبت في الصحيح عن أنس بن مالك، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين في الحضر والسفر، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر، يستفتحون القراءة بـ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، لا يذكرون:{ِبسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة ولا في

ص: 286

آخرها " 1.

يعنى: أن أول ما يجهرون به في الصلاة من القراءة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وبذلك أخذ الإمام أحمد وجماعة من فقهاء الحديث، واستحبوا ترك الجهر بها من غير إنكار على من جهر بها. وأما القراءة في الصلاة، فالواجب من ذلك قراءة الفاتحة لا غير، لمن قدر على تعلمها، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " 2، أخرجه مسلم في صحيحه، وفيه دلالة واضحة.

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، بعد ذكره مقصود الصلاة ولبها وتقدم قريباً: إذا فهمت ذلك، فافهم نوعاً واحداً من الصلاة، وهو قراءة الفاتحة، لعل الله أن يجعل صلاتك في الصلوات المقبولة المكفرة للذنوب. ومن أحسن ما يفتح لك الباب في فهم الفاتحة، حديث أبي هريرة الذي في صحيح مسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل: فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مجدني عبدي، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال الله: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل "3.

1 البخاري: الأذان (743)، ومسلم: الصلاة (399)، والترمذي: الصلاة (246)، والنسائي: الافتتاح (902)، وأبو داود: الصلاة (782)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (813) ، وأحمد (3/101، 3/114، 3/168، 3/223)، والدارمي: الصلاة (1240) .

2 البخاري: الأذان (756)، ومسلم: الصلاة (394)، والترمذي: الصلاة (247)، والنسائي: الافتتاح (910)، وأبو داود: الصلاة (822)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (837) .

3 مسلم: الصلاة (395)، والترمذي: تفسير القرآن (2953) ، وأحمد (2/241، 2/285، 2/460)، ومالك: النداء للصلاة (189) .

ص: 287

فإذا تأمل العبد هذا، وعلم أنها نصفان: نصف لله، وهو أولها إلى قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، ونصف للعبد، دعاء يدعو به لنفسه. وتأمل أن الذي علمه هذا هو الله تعالى، وأمره أن يدعو به، ويكرره في كل ركعة، وأنه سبحانه من فضله وكرمه: ضمن إجابة هذا الدعاء إذا دعاه بإخلاص وحضور قلب، تبين له ما أضاع أكثر الناس.

قد هيئوك لأمر لو فطنتَ له

فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ

وها أنا أذكر لك بعض معاني هذه السورة العظيمة، لعلك تصلي بحضور قلب، ويعلم قلبك ما نطق به لسانك، لأن ما نطق به اللسان ولم يعقد عليه القلب ليس بعمل صالح، كما قال تعالى {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [سورة الفتح آية: 11] . وأبدأ بمعنى الاستعاذة، ثم البسملة، على طريق الاختصار والإيجاز.

فمعنى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ألوذ واعتصم بالله، وأستجير بجنابه من شر هذا العدو، أن يضرني في ديني، أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أُمرت به، أو يحثني على ما نُهيت عنه، لأنه أحرص ما يكون على العبد إذا أراد عمل الخير، من صلاة، أو قراءة، أو غير ذلك؛ وذلك أنه لا حيلة لك في دفعه إلا بالاستعاذة بالله، لقوله تعالى:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [سورة الأعراف آية: 27] ، فإذا طلبت من الله أن يعيذك منه، واعتصمت به، كان هذا

ص: 288

سبباً في حضور القلب. فاعرف معنى هذه الكلمة، ولا تقلها باللسان فقط، كما عليه أكثر الناس.

وأما البسملة، فمعناها: أَدْخُلُ في هذا الأمر من قراءة، أو دعاء، أو غير ذلك {ِبسْمِ اللَّهِ} ، لا بحولي ولا بقوتي؛ بل أفعل هذا الأمر مستعيناً بالله، متبركاً باسمه تبارك وتعالى. هذا في كل أمر تسمي في أوله، من أمر الدين وأمر الدنيا؛ فإذا أحضرت في نفسك: أن دخولك في القراءة، مستعيناً به، متبرئاً من الحول والقوة، كان هذا أكبر الأسباب في حضور القلب، وطرد الموانع من كل خير. {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} : اسمان مشتقان من الرحمة، أحدهما أبلغ من الآخر، مثل العلام والعليم؛ قال ابن عباس:"هما اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر رحمة ".

وأما الفاتحة فهي سبع آيات: ثلاث ونصف لله، وثلاث ونصف للعبد. فأولها:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، فاعلم أن الحمد هو: الثناء باللسان على الجميل الاختياري، فأخرج بقوله الثناء باللسان، الثناء بالفعل، الذي يسمى لسان الحال؛ فذلك من نوع الشكر. وقوله: على الجميل الاختياري: الذي يفعله الإنسان بإرادته، وأما الجميل الذي لا صنع له فيه، مثل الجمال، ونحوه، فالثناء به يسمى: مدحاً لا حمداً.

والفرق بين الحمد والشكر، أن الحمد يتضمن

ص: 289

المدح والثناء على المحمود بذكر محاسنه، سواء كان إحساناً إلى الحامد أو لم يكن، والشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور؛ فمن هذا الوجه الحمد أعم من الشكر، لأنه يكون على المحاسن، والإحسان؛ فإن الله يحمد على ما له من الأسماء الحسنى، وما خلقه في الآخرة والأولى، ولهذا قال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} الآية [سورة الإسراء آية: 111]، قال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [سورة الأنعام آية: 1] إلى غير ذلك من الآيات. وأما الشكر، فإنه لا يكون إلا على الإنعام، فهو أخص من الحمد من هذا الوجه، لكنه يكون بالقلب واليد واللسان، ولهذا قال تعالى:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} [سورة سبأ آية: 13] ، والحمد إنما يكون بالقلب واللسان؛ فمن هذا الوجه الشكر أعم من جهة أنواعه، والحمد أعم من جهة أسبابه.

والألف واللام في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} للاستغراق، أي: جميع أنواع الحمد لله لا لغيره؛ فأما الذي لا صنع للخلق فيه، مثل خلق الإنسان، وخلق السمع والبصر، والسماء والأرض، والأرزاق، وغير ذلك، فواضح، وأما ما يحمد عليه المخلوق، مثل ما يثنى على الصالحين، والأنبياء، والمرسلين، وعلى من فعل معروفاً، خصوصاً إن أسداه إليك، فهذا كله لله أيضاً، بمعنى: أنه خلق ذلك الفاعل، وأعطاه ما فعل به، وحببه إليه، وقواه عليه، فصار الحمد كله لله بهذا الاعتبار.

ص: 290

وأما قوله: {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الفاتحة آية: 2]، فالله: علَمٌ على ربنا تبارك وتعالى، ومعناه: الإله، أي: المعبود، لقوله:{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [سورة الأنعام آية: 3]، أي: المعبود في السماوات، والمعبود في الأرض، {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [سورة مريم آية: 93] الآيتين. وأما الرب، فمعناه: المالك المتصرف. وأما العالمين، فهو: اسم لكل ما سوى الله تبارك وتعالى، فكل ما سواه من ملك، ونبي، وإنسي، وجني، وغير ذلك، مربوب مقهور، يتصرف فيه، فقير محتاج؛ كلهم صامدون إلى واحد لا شريك له في ذلك، وهو الغني الصمد. وذكر بعد ذلك:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [سورة الفاتحة آية: 4]، وفي قراءة أخرى:{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}

فذكر في أول هذه السورة التي هي أول المصحف، الألوهية والربوبية والملك، كما ذكره في آخر سورة في المصحف:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ} [سورة الناس آية: 1-3] . فهذه ثلاثة أوصاف لربنا تبارك وتعالى، ذكرها مجموعة في موضع واحد في أول القرآن، ثم ذكرها مجموعة في موضع واحد، في آخر ما يطرق سمعك من القرآن.

فينبغي لمن نصح نفسه: أن يعتني بهذا الموضع، ويبذل جهده في البحث عنه، ويعلم أن العليم الخبير لم يجمع بينها في أول القرآن، ثم في آخره، إلا لما يعلم من شدة حاجة العباد إلى معرفتها، ومعرفة الفرق بين هذه

ص: 291

الصفات؛ فكل صفة لها معنى غير معنى الصفة الأخرى، كما يقال محمد رسول الله، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم، فكل وصف له معنى، غير معنى الوصف الآخر.

إذا عرفت أن معنى الله هو: الإله، وعرفت أن الإله هو: المعبود، ثم دعوت الله، أو ذبحت له، أو نذرت له، فقد عرفت أنه الله، فإن دعوت مخلوقاً طيباً أو خبيثاً، أو ذبحت له، أو نذرت له، فقد زعمت أنه الله; فمن عرف أنه قد جعل "شمسان" أو "تاجاً" برهة من عمره هو الله، عرف ما عرفت بنو إسرائيل لما عبدوا العجل، فلما تبين لهم ارتاعوا، وقالوا ما ذكر الله عنهم:{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة الأعراف آية: 149] .

وأما الرب، فمعناه: المالك المتصرف، فالله تعالى مالك كل شيء، وهو المتصرف فيه؛ وهذا حق، ولكن أقرّ به عباد الأصنام الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر الله عنهم في القرآن في غير موضع، كقوله تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} إلى قوله: {فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [سورة يونس آية: 31] .

فمن دعا الله في تفريج كربته، وقضاء حاجته، ثم دعا مخلوقاً في ذلك، خصوصاً إن اقترن بدعائه نسبة نفسه إلى عبوديته، مثل قوله في دعائه: فلان عبدك، أو قول: عبد علي، أو عبد النبي، أو عبد الزبير، فقد أقر له

ص: 292

بالربوبية، وفي دعائه علياً، أو الزبير، وإقراره له بالعبودية ليأتي له بخير، أو ليصرف عنه شراً، مع تسمية نفسه عبداً له، قد أقَرّ له بالربوبية، ولم يقر لله بأنه رب العالمين كلهم، بل جحد بعض ربوبيته. فرحم الله عبداً نصح نفسه، وتفطن لهذه المهمات، وسأل عن كلام أهل العلم، وهم أهل الصراط المستقيم، هل فسروا السورة بهذا، أم لا.

وأما الملك فيأتي الكلام عليه، وذلك أن قوله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [سورة الفاتحة آية: 4]، وفي القراءة الأخرى:{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فمعناه عند جميع المفسرين كلهم، ما فسره الله به في قوله:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [سورة الانفطار آية: 17-19] . فمن عرف تفسير هذه الآية، وعرف تخصيص الملك بذلك اليوم، مع أنه سبحانه مالك كل شيء، ذلك اليوم وغيره، عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة، التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها، وبسبب الجهل بها دخل النار من دخلها.

فيا لها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها! فأين هذا المعنى والإيمان به، والإيمان بما صرح به القرآن، مع قوله صلى الله عليه وسلم:" يا فاطمة بنت محمد، لا أغني عنك من الله شيئاً " 1، من قول صاحب البردة؟

ولن يضيق رسول الله جاهك بي

إذا الكريم تجلى باسم منتقمِ

1 البخاري: الوصايا (2753)، ومسلم: الإيمان (206)، والنسائي: الوصايا (3646، 3647) ، وأحمد (2/398، 2/519)، والدارمي: الرقاق (2732) .

ص: 293

فإن لي ذمة منه بتسميتي

محمداً وهو أوفى الخلق بالذممِ

إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي

فضلاً وإلا فقل يا زلة القدمِ

فليتأمل من نصح نفسه هذه الأبيات ومعناها، ومن فتن بها من العباد، وممن يدعي أنه من العلماء، واختاروا تلاوتها على تلاوة القرآن، هل يجتمع في قلب عبد: التصديق بهذه الأبيات، والتصديق بقوله:{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [سورة الانفطار آية: 19]، وقوله:"يا فاطمة بنت محمد، لا أغني عنك من الله شيئاً " 1؟ لا والله! لا والله! لا والله! إلا كما يجتمع في قلبه أن موسى صادق، وأن فرعون صادق، وأن محمداً صادق على الحق، وأن أبا جهل صادق على الحق.

فلا والله ما استويا ولن يتلاقيا

حتى تشيب مفارق الغربانِ

فمن عرف هذه المسألة، وعرف البردة ومن فتن بها، عرف غربة الإسلام، وعرف أن العداوة، واستحلال دمائنا وأموالنا ونسائنا، ليس عند التكفير والقتال؛ بل هم الذين بدؤونا بالتكفير والقتال، بل عند قوله:{فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن آية: 18]، وعند قوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [سورة الإسراء آية: 57]، وقوله:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} [سورة الرعد آية: 14] .

1 البخاري: الوصايا (2753)، ومسلم: الإيمان (206)، والنسائي: الوصايا (3646، 3647) ، وأحمد (2/398، 2/519)، والدارمي: الرقاق (2732) .

ص: 294

فهذا بعض المعاني في قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [سورة الفاتحة آية: 4] بإجماع المفسرين كلهم؛ وقد فسرها الله سبحانه في سورة: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [سورة الانفطار آية: 1] كما قدمت لك. واعلم، أرشدك الله، أن الحق لا يتبين إلا بالباطل، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.

فتأمل ما ذكرت لك، ساعة بعد ساعة، ويوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، وسنة بعد سنة، لعلك أن تعرف ملة أبيك إبراهيم، ودين نبيك، فتحشر معهما، ولا تصد عن الحوض يوم الدين، كما يصد عنه من صد عن طريقهما؛ ولعلك أن تمر على الصراط يوم القيامة، ولا تزل عنه، كما زل عن صراطهما المستقيم في الدنيا من زل. فعليك بإدامة دعاء الفاتحة، مع حضور قلب وخوف وتضرع.

وأما قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [سورة الفاتحة آية: 5]، فالعبادة: كمال المحبة وكمال الخضوع والخوف والذل. وقدم المفعول، وهو: إياك، وكرر للاهتمام والحصر، أي: لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك؛ وهذا هو كمال الطاعة. والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين: فالأول: التبرؤ من الشرك، والثاني: التبرؤ من الحول والقوة. فقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [سورة الفاتحة آية: 5]، أي: إياك نوحد، ومعناه: أنك تعاهد ربك أن لا تشرك في عبادته أحداً، لا ملكاً ولا نبياً ولا غيرهما، كما قال للصحابة:{وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران آية: 80] .

ص: 295

فتأمل هذه الآية، واعرف ما ذكرت لك في الربوبية، أنها التي نسبت إلى تاج، ومحمد بن شمسان؛ فإذا كان الصحابة لو يفعلونها مع الرسل كفروا بعد إسلامهم، فكيف بمن فعلها في تاج، وأمثاله؟ وقوله:{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [سورة الفاتحة آية: 5]، هذا فيه أمران: أحدهما: سؤال الإعانة من الله، كما مر أنها من نصف العبد.

وأما قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [سورة الفاتحة آية: 6] ، فهذا هو الدعاء الصريح، الذي هو حظ العبد من الله، وهو التضرع إليه، والإلحاح عليه أن يرزقه هذا المطلب العظيم، الذي لم يعط أحد في الدنيا والآخرة أفضل منه، كما من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح بقوله:{وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [سورة الفتح آية: 2] . والهداية ها هنا: التوفيق والإرشاد.

وليتأمل العبد ضرورته إلى هذه المسألة، فإن الهداية إلى ذلك تتضمن العلم النافع، والعمل الصالح، على وجه الاستقامة والكمال، والثبات على ذلك إلى أن يلقى الله.

والصراط: الطريق الواضح، والمستقيم: الذي لا عوج فيه؛ والمراد بذلك: الدين الذي أنزله الله على رسول صلى الله عليه وسلم، وهو:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [سورة الفاتحة آية: 7] ، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وأنت في كل ركعة تسأل الله أن يهديك إلى طريقهم، وعليك من الفرائض أن تصدق الله أنه هو المستقيم، وكل ما خالفه من طريق أو علم أو عبادة فليس

ص: 296

بمستقيم؛ وهذه أول الواجبات من هذه الآية، وهو اعتقاد ذلك بالقلب. وليحذر المؤمن من خدع الشيطان، وهو: اعتقاد ذلك مجملاً، وتركه مفصلاً، فإن أكفر الناس من المرتدين، يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق، وأن ما خالفه باطل، فإذا جاء بما لا تهوى أنفسهم، فكما قال تعالى:{فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} [سورة المائدة آية: 70] .

وأما قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [سورة الفاتحة آية: 7]، فالمغضوب عليهم هم: العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم، والضالون: العاملون بغير علم؛ فالأول صفة اليهود، والثاني صفة النصارى. وكثير من الناس إذا رأى في التفسير: أن اليهود مغضوب عليهم، وأن النصارى ضالون، ظن الجاهل أن ذلك مخصوص بهم، وهو يقر أن ربه فارض عليه أن يدعو بهذا الدعاء، ويتعوذ من طريق أهل هذه الصفات، فيا سبحان الله! كيف يعلمه الله ويختار له، ويفرض عليه أن يدعو به دائماً، مع أنه لا حذر عليه منه، ولا يتصور أنه يفعله؛ هذا من ظن السوء بالله، والله أعلم.

هذا آخر الفاتحة، وأما "آمين" فليست من الفاتحة، ولكنها تأمين على الدعاء، معناها: اللهم استجب. فالواجب تعليم الجاهل، لئلا يظن أنها من كلام الله.

ص: 297

وأجاب ابنه: الشيخ عبد الله: وأما التأمين بعد الفاتحة، فثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} ، فقولوا: آمين؛ فإن الملائكة في السماء تقول: آمين. فمن وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه "1. ويسن للإمام والمأمومين أن يقولوها جهراً.

وأجاب بعضهم: التأمين سنة مؤكدة، وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا قرأ:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين، يجهر بها " 2. وصح من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه "3. وأجمع العلماء، رحمهم الله، على استحباب ذلك.

سئل بعضهم: كم الواجب من القراءة في الصلاة؟ وما الدليل على ذلك؟

فأجاب: الواجب من ذلك قراءة الفاتحة لا غير، لمن قدر على تعلمها، واستدلوا على ذلك، بقوله صلى الله عليه وسلم:" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " 4، أخرجه مسلم في صحيحه؛ وفيه دلالة واضحة.

سئل الشيخ حمد بن عتيق: عمن قرأ سورة مرتين في ركعة من الفرض؟ فأجاب: لا بأس به.

1 البخاري: تفسير القرآن (4475)، ومسلم: الصلاة (410)، والترمذي: الصلاة (250)، والنسائي: الافتتاح (927، 928، 929، 930)، وأبو داود: الصلاة (935، 936)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (851) ، وأحمد (2/233، 2/238، 2/270، 2/312، 2/449، 2/459)، ومالك: النداء للصلاة (195، 196، 197)، والدارمي: الصلاة (1246) .

2 الترمذي: الصلاة (248)، وأبو داود: الصلاة (932)، والدارمي: الصلاة (1247) .

3 البخاري: الأذان (782)، ومسلم: الصلاة (410)، والترمذي: الصلاة (250)، والنسائي: الافتتاح (927، 928، 929، 930)، وأبو داود: الصلاة (935، 936)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (851، 853) ، وأحمد (2/233، 2/270، 2/312، 2/449، 2/459)، ومالك: النداء للصلاة (195، 196، 197)، والدارمي: الصلاة (1246) .

4 البخاري: الأذان (756)، ومسلم: الصلاة (394)، والترمذي: الصلاة (247، والنسائي: الافتتاح (910)، وأبو داود: الصلاة (822)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (837) .

ص: 298

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهم الله: ما يقول بين السجدتين؟

فأجاب: إذا جلس بين السجدتين، قال: رب اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، وعافني، واعف عني.

وسئل: عن التحيات؟

فأجاب: وأما صفة التحيات، فالذي نختاره: ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه كان يعلم أصحابه التشهد في الصلاة، كما يعلمهم السورة من القرآن: التحيات لله، والصلوات، والطيبات. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وآله، ويدعو بما تيسر، ثم يسلم "1.

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله:"التحيات لله "، ومن التحيات الخضوع، والركوع، والكتوف 2، والخشوع، والدوام، والبقاء، وأمثال ذلك، "والصلوات " هي: الدعوات؛ فأولها: الشهادتان، ومنها الخوف والرجاء، والتوكل، والإنابة، والخشية، والرغبة، والرهبة، والذبح، والنذر ونحو ذلك، "والطيبات " وأولها: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن

1 البخاري: التوحيد (7381)، ومسلم: الصلاة (402)، والترمذي: الصلاة (289) والنكاح (1105)، والنسائي: التطبيق (1162، 1163، 1164، 1166، 1167، 1170، 1171) والسهو (1298) ، وأحمد (1/376، 1/450، 1/459، 1/464)، والدارمي: الصلاة (1340، 1341) .

2 وضع إحدى يديه على الأخرى، ذلاً بين يدي الله.

ص: 299

المنكر، وكل عمل، كالجهاد، والنفقة، والكلام، وكل عمل تعمله لله؛ فهذا كله لا حق فيه لا لملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهم.

"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " ومعناها: تدعو بالسلامة والرحمة والبركة، ثم تدعو لنفسك وكل عبد صالح في السماوات والأرض، من الأحياء والأموات، ثم تختمها بالشهادتين.

سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، عن رفع اليدين إذا قام بعد التشهد الأول؟

فأجاب: هو في هذا الموضع ثابت في الصحيح، من حديث عبد الله بن عمر، وثابت أيضاً من حديث علي عند الإمام أحمد، خرجه في المسند، وكذلك هو في سنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجة، وهو أصح الروايتين عند أصحاب الإمام أحمد.

ص: 300

فصل

قال الشيخ: عبد الرحمن بن حسن في أثناء جواب له: قال ابن القيم، رحمه الله: فصل فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله بعد انصرافه من الصلاة، وجلوسه بعدها، وسرعة انفتاله منها، وما شرعه لأمته من الأذكار، والقراءة بعدها: كان إذا سلم استغفر ثلاثاً، وقال:" اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام " 1، ولم يمكث مستقبل القبلة إلا مقدار ما يقول ذلك، بل يسرع الانفتال إلى المأمومين. وكان ينفتل عن يمينه، وعن يساره؛ قال ابن مسعود:" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما ينصرف عن يساره "2. وقال أنس: " أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه " 3، والأول في الصحيحين، والثاني في مسلم.

وقال عبد الله بن عمر: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفتل عن يمينه، وعن يساره في الصلاة. ثم كان يقبل على المأمومين بوجهه، ولا يخص ناحية منهم دون ناحية "4. " وكان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس " 5. " وكان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد "6. وكان يقول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له

1 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (591)، والترمذي: الصلاة (300)، وأبو داود: الصلاة (1512)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (928) ، وأحمد (5/279)، والدارمي: الصلاة (1348) .

2 البخاري: الأذان (852)، والنسائي: السهو (1360)، وأبو داود: الصلاة (1042)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (930) ، وأحمد (1/383، 1/408، 1/429، 1/459، 1/464)، والدارمي: الصلاة (1350) .

3 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (708)، والنسائي: السهو (1359) ، وأحمد (3/179، 3/217)، والدارمي: الصلاة (1351، 1352) .

4 ابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (931) ، وأحمد (2/190، 2/215) .

5 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (670)، والترمذي: الجمعة (585)، والنسائي: السهو (1357، 1358) ، وأحمد (5/100) .

6 البخاري: الأذان (844)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (593)، والنسائي: السهو (1341)، وأبو داود: الصلاة (1505) ، وأحمد (4/250) .

ص: 301

الملك وله الحمد، وهو كل على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " 1. وذكر أبو داود عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سلم من الصلاة قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت " 2.

وذكر الإمام أحمد عن زيد بن أرقم: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة: اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أنك الرب وحدك لا شريك لك. اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك. اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة. اللهم ربنا ورب كل شيء، اجعلني مخلصاً لك وأهلي في كل ساعة من الدنيا والآخرة. يا ذا الجلال والإكرام اسمع واستجب. الله أكبر. الله أكبر. الله نور السماوات والأرض. الله أكبر. الله أكبر. حسبي الله ونعم الوكيل. الله أكبر الأكبر " 3، رواه أبو داود. وندب أمته إلى أن يقولوا في دبر كل صلاة:"سبحان الله" ثلاثاً وثلاثين، و"الحمد لله" ثلاثاً وثلاثين، و"الله أكبر" كذلك، وتمام المائة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك

1 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (594)، والنسائي: السهو (1339) ، وأحمد (4/4) .

2 الترمذي: الدعوات (3421)، وأبو داود: الصلاة (1509) ، وأحمد (1/94، 1/102) .

3 أبو داود: الصلاة (1508) ، وأحمد (4/369) .

ص: 302

له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ". وفي صفة أخرى:" التكبير" أربعاً وثلاثين، فتتم المائة. وفي صفة أخرى: خمساً وعشرين تسبحية، ومثلها تحميداً، ومثلها تكبيراً، ومثلها "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ". وفي صفة أخرى: عشر تسبيحات، وعشر تحميدات، وعشر تكبيرات.

وفي السنن من حديث أبي ذر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قال في دبر صلاة الفجر، وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتب له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك في حرز من الشيطان، ولم ينبغِ لذنب أن يدركه ذلك اليوم إلا الشرك بالله " 1، قال الترمذي: حديث صحيح. وذكر أبو حاتم في صحيحه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند انصرافه من صلاته: اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي. اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك. لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد "2.

وذكر الحاكم في مستدركه عن أبي أيوب، قال: "ما صليت وراء نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا سمعته حين ينصرف من صلاته

1 الترمذي: الدعوات (3474) .

2 النسائي: السهو (1346) .

ص: 303

يقول: اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي كلها. اللهم أنعشني وأحيني وارزقني، واهدني لصالح الأعمال والأخلاق، إنه لا يهدي لصالحها إلا أنت، ولا يصرف سيئها إلا أنت ". وذكر ابن حبان في صحيحه عن الحارث بن مسلم التميمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا صليت الصبح فقل قبل أن تتكلم: اللهم أجرني من النار، سبع مرات؛ فإنك إن مت من يومك كتب الله لك جواراً من النار. وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تتكلم: اللهم أجرني من النار، سبع مرات؛ فإنك إن مت من ليلتك كتب الله لك جواراً من النار " 1.

وقد ذكر النسائي في السنن الكبير، من حديث أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت "، تفرد به محمد بن حمير، عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة; ورواه النسائي عن الحسين بن بشر، عن محمد بن حمير، وهذا الحديث من الناس من صححه، ومنهم من يقول: هو موضوع، وأدخله ابن الجوزي في كتابه في الموضوعات، وتعلق على محمد بن حمير، وأن أبا حاتم الرازي قال: لا يحتج به، وقال يعقوب بن سفيان: ليس بقوى; وأنكر ذلك بعض الحفاظ، ووثقوا محمداً، وقد احتج به البخاري، ووثقه يحيى بن معين; وقد رواه الطبراني في معجمه أيضاً، من حديث عبد الله بن حسن، عن أبيه عن جده، قال: قال

1 أحمد (4/234) .

ص: 304

رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة، كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى ". وقد روي هذا الحديث من حديث عبد الله بن عمر، والمغيرة بن شعبة، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، رضي الله عنهم؛ وفي كلها ضعف، ولكن إذا انضم بعضها إلى بعض مع تباين طرقها واختلاف مخارجها، دل على أن الحديث له أصل، وليس بموضوع.

وفي المسند والسنن عن عقبة بن عامر، قال:" أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة " 1، ورواه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح على شرط مسلم; ولفظ الترمذي "بالمعوذتين". وفي معجم الطبراني، ومسند أبي يعلى، من حديث عمر بن نبهان - وقد تكلم فيه - عن جابر يرفعه:" ثلاث من جاء بهن مع الإيمان، دخل من أي أبواب الجنة شاء، وزوج من الحور العين حيث شاء: من عفا عن قاتله، وأدى ديناً خفياً، وقرأ دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات: قل هو الله أحد ". وقال أبو بكر: وإحداهن يا رسول الله؟ قال: "وإحداهن ". وأوصى معاذاً أن يقول في دبر كل صلاة: " اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك "2.

وأجاب الشيخ سليمان بن سحمان: قد رأيت ورقة لا أعرف من قالها، ولكن لما كان في نقله ما يشعر برد

1 الترمذي: فضائل القرآن (2903)، والنسائي: السهو (1336)، وأبو داود: الصلاة (1523) .

2 النسائي: السهو (1303)، وأبو داود: الصلاة (1522) .

ص: 305

النصوص الواردة في الجهر بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة، وسمى هذه المتروكة تشويشاً على الناس، وجعلها من البدع والمحدثات، فيقال لهذا الجاهل: ليس ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم مما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجهر بالذكر بعد المكتوبة تشويشاً على الناس؛ بل هذا القول هو التشويش على الناس والتلبيس عليهم، بل هو من أبطل الباطل وأعظم المنكرات، لأن ذلك دفع في نحر النصوص، ورد لها بالتمويه والسفسطة، والقول بلا علم، وقلب للحقائق؛ فإن هذا القول لا يقوله من في قلبه تعظيم للنصوص وتوقير لها.

وهذه السنة الواردة في الجهر بالذكر عقب الفرائض، قد انقسم الناس فيها في هذه الأزمان على ثلاثة أصناف: طرفان، ووسط:

الأول: يلزمون الناس بها، ويغلظون في ذلك، ويعادون ويوالون على ذلك؛ ومن تركها فليس عندهم من أهل السنة.

والثاني: من لا يرى سنيتها، وبعضهم يقول: إنها من البدع، ويرون أن الفاعل لها مشوش على الناس، وبعضهم يدخل هذا الجهر في مسمى الرياء.

والثالث: - وهم الوسط -، فهم يقولون: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وتقريره؛ فكان الصحابة يفعلون ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تعليمهم إياه، ويقرهم على ذلك، فعلموه بتعليم الرسول إياهم، وعملوا به، وأقرهم على ذلك العمل بعد العلم به، ولم ينكره عليهم. ثم ترك العمل به كما ترك

ص: 306

العمل بكثير من سنن الأقوال والأفعال. وهذا الصنف من الناس يقولون: من فعله فقد أحسن، وفعل سنة يثاب عليها، ومن لا فلا حرج عليه ولا إثم، ولا عقاب على من ترك ذلك، لأنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، وينكرون على من أنكره، يخبرون بأنه سنة.

إذا عرفت هذا، فما نقله عن ابن كثير أنه قد استحبه طائفة، كابن حزم وغيره فهو كذلك؛ وقد نقل صاحب الإقناع استحبابه عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وعن طائفة من أهل العلم من الحنابلة وغيرهم، كما ذكر ذلك في المغني والشرح الكبير وغيرهما، وهو الحق والصواب، وعليه تدل السنة، وعمل الصحابة، رضي الله عنهم. وهذا الرجل وأحزابه لا يعرفون إلا ما ألفوه من العادات، فينكرون ما ثبت النص به في الجهر بالذكر عقب الصلاة، لأنهم ما ألفوا ذلك ولا اعتادوه، ويجهرون بالتهليلات العشر بعد صلاة المغرب والفجر؛ ولم يرد في تخصيصها بالجهر بذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى ملخصاً.

وأجاب الشيخ حمد بن ناصر، رحمه الله: فأما السؤال عن التهليلات العشر بعد صلاة الصبح والمغرب، إذا كان قد ثبت في الأحاديث من قال: قبل أن ينصرف، وفي لفظ دبر المغرب والصبح " لا إله إلا الله وحده لا شريك له " إلخ، وهو الذي يفعله الناس اليوم من الجهر، هل كان من هديه صلى الله عليه وسلم

ص: 307

وفعله أصحابه والتابعون؟ وما أصل هذه التهليلات العشر؟ فهذا ما أشار إليه السائل من الأحاديث الواردة فيه، فروى الترمذي في سننه حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قال دبر صلاة الصبح، وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتب له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات " 1 الحديث. وروى الترمذي والنسائي في اليوم والليلة، من حديث عمارة بن شبيب مرفوعاً:" من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، على أثر المغرب، بعث الله له مسلحة يحفظونه حتى يصبح " 2 الحديث، قال الترمذي: غريب.

فهذان الحديثان هما أصل التهليلات العشر بعد صلاة الصبح والمغرب، وهما حجة على استحباب هذه التهليلات؛ ولهذا استحبها العلماء، وذكروها في الأذكار المستحبة دبر الصلاة، وأن المصلي يهلل بهن دبر صلاة الفجر، وصلاة المغرب.

وأما قول السائل: هل هذا من هديه صلى الله عليه وسلم وفعله أصحابه؟ فهذا لم يبلغنا من فعله صلى الله عليه وسلم، والذي ثبت عنه الترغيب في ذلك وترتيب الأجر العظيم على فعله، وذلك كاف

1 الترمذي: الدعوات (3474) .

2 أحمد (5/420) .

ص: 308

في استحبابه؛ وهذا له نظائر في السنة، فإذا وردت الأحاديث بالحث على شيء من العبادات، ورغب فيه الشارع، ثبت أنها مستحبة وإن لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعلهما؛ ومن تأمل الأحاديث عرف ذلك، وليس في هذا اختلاف بين العلماء، وإنما الخلاف بينهم في استحباب رفع الصوت بالذكر عقب الصلاة المكتوبة، لأنه قد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس، رضي الله عنهما: أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة، كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك - يعني بالجهر -؛ ولهذا اختلف العلماء: هل الأفضل الإسرار، كما هو المشهور عند أتباع الأئمة؟ أم الجهر أفضل، لهذا الحديث الصحيح؟

قال في الفروع: وهل يستحب الجهر لذلك؟ كقول بعض السلف والخلف، قاله شيخنا، أم لا؟ كما ذكره أبو الحسن ابن بطال وجماعة، أنه قول أهل المذاهب المتبوعة وغيرهم؛ وظاهر كلام أصحابنا مختلف، ويتوجه تخريج واحتمال: يجهر لقصد التعليم فقط، ثم يتركه وفاقا للشافعي، وحمل الشافعي خبر ابن عباس، رضي الله عنهما، على هذا. انتهى كلامه.

فهذا الاختلاف في استحباب الجهر بعد الصلوات بالأذكار الواردة من حيث الجملة; وحديث ابن عباس دليل على الاستحباب. وأما تخصيص هذه التهليلات بالجهر دون

ص: 309

غيرها من الأذكار، فلم نعلم له أصلاً، ولكن لما أثبت ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صح الاستدلال به على رفع الصوت بالتهليلات، إذ هو من جملة الأذكار الواردة؛ فمن رفع صوته بذلك لم ينكر عليه، بل يقال رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة مستحب، ومن أسر لم ينكر عليه، لأن ذلك من مسائل الاختلاف بين العلماء، وكل منهم قد قال باجتهاده، رضي الله عنهم أجمعين.

وأجاب الشيخ سعيد بن حجي: الأصل فيها أحاديث كثيرة، منها قوله في الحصن: ودبر المغرب والصبح جميعاً: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " 1، رواه في معجم الطبراني الصغير، وفي عمل اليوم والليلة لابن السني. وفي مشكاة المصابيح عن عبد الله بن غنم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من قال قبل أن ينصرف ويثني رجليه من صلاة المغرب والصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتب له بكل واحدة عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكانت له حرزاً من كل مكروه، وحرزاً من الشيطان الرجيم، ولم يحل لذنب أن يدركه إلا الشرك، وكان من أفضل الناس عملاً، إلا رجل يفضله بقول أفضل مما قال " 2، رواه أحمد، ورواه الترمذي بنحوه عن أبي ذر، إلى قوله: "إلا

1 البخاري: الأذان (844)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (593)، والنسائي: السهو (1341)، وأبو داود: الصلاة (1505) ، وأحمد (4/250، 4/251)، والدارمي: الصلاة (1349) .

2 أحمد (4/226) .

ص: 310

الشرك "، ولم يذكر صلاة المغرب، ولا "بيده الخير "، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وقال في الإقناع: ويستحب بعد كل من الصبح والمغرب، قبل أن يتكلم: عشر مرات " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير ". وقال النووي في الأذكار: عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال في دبر صلاة الصبح وهو ثان رجليه، قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتب له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه، وحرز من الشيطان، ولم ينبغِ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله " 1، قال الترمذي: هذا حديث حسن; وذكر في الأذكار بعد المغرب قريباً من ذلك. انتهى.

وأما اجتماع الإمام والمأموم على التهليلات العشر والجهر بهن، فلم نقف على كلام أحد من العلماء أن السلف فعلوه، لكن الناس تلقوه بالقبول وعملوا به؛ وفوق كل ذي علم عليم، والله أعلم. وأما الجهر بالذكر بعد الصلوات، فعن ابن عباس:"كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير ". وعن عبد الله بن الزبير قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى: لا إله إلا الله وحده لا

1 الترمذي: الدعوات (3474) .

ص: 311

شريك له، له الملك وله الحمد " 1 إلى قوله:" مخلصين له الدين ولو كره الكافرون "، رواه مسلم.

وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية: يستحب الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب الصلاة. انتهى. وقال في المبدع - لما ذكر استحباب الذكر عقب الصلاة -: ويستحب الجهر بذلك; وحكى ابن بطال عن أهل المذاهب المتبوعة خلافه، وكلام أصحابنا مختلف، قاله في الفروع، قال: ويتوجه لقصد التعليم فقط، ثم يتركه. انتهى.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما الجهر بالتهليل بعد الصبح والمغرب فلا علمت أنه ورد شيء يخصه، وإنما اختلف العلماء في الجهر بالذكر المشروع بعد الصلوات، ولم يخصوا ذكراً دون ذكر.

وسئل بعضهم عن قول عائشة، رضي الله عنها، في قوله:{وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [سورة الإسراء آية: 110] ، نزلت في الدعاء، ما معنى: تنْزيل لفظ الآية على دعاء الله؟ مع أن إخفاء الدعاء أفضل، والذي نفهم في معنى الآية كلام ابن عباس: أنها نزلت في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بأصحابه، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن وسبوا من أنزله

الحديث؟

فأجاب: كلام ابن عباس، رضي الله عنهما، هو الذي عليه

1 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (594)، والنسائي: السهو (1339، 1340)، وأبو داود: الصلاة (1506) ، وأحمد (4/4، 4/5) .

ص: 312

جمهور العلماء، أن النزول كان بسبب جهر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءته في صلاته، فنهاه الله بهذه الآية عن الجهر بالقراءة في صلاته، لئلا يسمعه كفار قريش فيسبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، ولا يخافت به مخافتة لا يسمع بها نفسه، بل يكون بين ذلك بحيث يسمع نفسه؛ هكذا قال ابن عباس وموافقوه من العلماء.

وقالت عائشة، رضي الله عنها: إنها نزلت في الدعاء الذي هو الصلاة اللغوية لا الشرعية، وهذا الدعاء داخل في الشرعية، ولكن لم تنْزل هذه الآية إلا بسبب الدعاء، فلا يجهر به جهراً مسمعاً خارجاً عن العادة، ولا يخافت به مخافتة لا يسمعه، بل يكون بين ذلك؛ وكلا المعنيين حق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع بالقراءة حتى نهاه الله عن السماع الجهري، وكذلك دعاء الله سبحانه وتعالى لا يجهر به جهرا مسمعاً، بل يخفيه إخفاء بحيث يسمع نفسه، كبقية الذكر الذي في الصلاة وغيرها. وليس المقصود من أفضلية إخفاء الدعاء أنه لا يسمع نفسه، هذا المعنى لم يعنه أحد، وقد قال تعالى في الذكر الذي هو أعم من القرآن والدعاء وغيرهما:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} [سورة الأعراف آية: 205]، قال العلماء: معناه: سراً، بحيث تسمع نفسك، {تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [سورة الأعراف آية: 205] ، فدلنا ذلك على أن الأمر في الدعاء الوسط، وهو بقدر ما يسمع الداعي نفسه، ما لم يكن الداعي

ص: 313

إماماً قانتاً، والمأمومون يؤمنون خلفه، فإنه يجهر بحيث يسمع من خلفه كما جاء فيه الأثر.

وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: هل الذكر بالقلب أفضل أم باللسان؟

فأجاب: وأما الذكر فهو بالقلب واللسان أفضل، فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل، لأنه أبعد عن الرياء، ولأنه يحدث منه من المعرفة والمحبة والرجاء والخوف والمراقبة والتعظيم وغير ذلك ما لا يحدث من اللسان وحده؛ فنتيجة الذكر بالقلب أعظم من نتيجتها باللسان، ويكتب له أجر ذلك بلا خلاف. وأما هذا الأثر عن عائشة، رضي الله عنها، فلم أجده كما ذكر السائل، وإنما الحديث عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يفضل الذكر الخفي الذي لا تسمعه الحفظة على الذي تسمعه بسبعين ضعفاً "، رواه ابن أبي الدنيا. وروى أيضاً بإسناده قال:"قال الحجاج بن دينار: سألت أبا معشر عن الرجل يذكر ربه في نفسه، كيف تكتبه الملائكة؟ قال يجدون الريح ". وروى أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي "1.

وأما قول السائل: أيما أفضل: الصلاة أو قراءة القرآن؟ فهذا الفضل يتنوع تارة بحسب أجناس العبادات: فجنس

1 أحمد (1/172) .

ص: 314

الصلاة أفضل من جنس القراءة، لأن الصلاة مشتملة عليه، وجنس القراءة أفضل من جنس الذكر، وجنس الذكر أفضل من جنس الدعاء. وتارة يختلف باختلاف الأوقات: كما أن القراءة والذكر والدعاء بعد الفجر والعصر، مشروع دون الصلاة، فهو أفضل، وتارة باختلاف عمل الإنسان الظاهر: فالذكر والدعاء في الركوع والسجود، هو المشروع دون القراءة.

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ، رحمهم الله تعالى: عن الدعاء بعد المكتوبة، ورفع الأيدي؟

فأجاب: وأما الدعاء بعد المكتوبة ورفع الأيدي، فليس من السنة، وقد أنكره شيخ الإسلام بن تيمية، رحمه الله، لعدم وروده على هذا الوجه.

وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: الدعاء بعد الفرائض إن فعله إنسان بينه وبين الله فحسن، وأما رفع الأيدي في هذه الحال فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا ما أرى الإنكار على فاعله، ولو رفع يديه.

وأجاب الشيخ سعيد بن حجي: رفع اليدين عند الدعاء، فيه أحاديث كثيرة، ولا ينكره إلا جاهل، وذكر جمع السيوطي، ثم قال: وذكر ابن حجر أن رفع اليدين في الدعاء سنة في غير الصلاة، وفيها في القنوت; وقد ذكر ابن رجب

ص: 315

في شرح الأربعين، في صفة رفع اليدين أنواعاً متعددة. انتهى. ثم قال: فأما دعاء الإمام والمأمومين، ورفع أيديهم جميعاً بعد الصلاة، فلم نر للفقهاء فيه كلاماً موثوقاً به؛ قال الشيخ تقي الدين: ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم كان هو والمأمومون يدعون بعد السلام، بل يذكرون الله كما جاء في الأحاديث. انتهى ملخصاً.

وأجاب الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن: وأما رفع اليدين بالدعاء في الصلاة، فالذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا اجتهد في الدعاء، وليس ذلك من الأفعال المتعلقة بالصلاة، كما يظنه بعض من لم يعرف السنة، فإنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ملازمة ذلك وفعله عقب كل صلاة.

وأجاب الشيخ صالح بن محمد الشثري: اعلم أن هذه الصفة لم يفعلها صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه، ولا التابعون بعدهم، ولم تنقل عمن يوثق به من الفقهاء؛ وقد أكمل الله الدين على لسان سيد المرسلين قولاً منه وفعلاً؛ وقد ذكر شيخ الإسلام أنها بدعة، وبذلك أفتى مشائخنا النجديون، منهم الشيخ عبد الله أبا بطين وغيره، ولا يخفى أنهم يحرصون على التماس السنة وسلوكها، ولا يتنطعون كما يفعله الجاهلون من تضييع السنة المأثورة، وارتكاب البدع المحظورة. والعبادة مبناها على الأمر، فلا تصح عبادة إلا بأمره صلى الله عليه وسلم أو فعله أو

ص: 316

تقريره، وكل هذه مفقودة في المسألة المسؤول عنها.

وأما رفع اليدين في الجملة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة، ذكر منها السيوطي نيفاً وأربعين موضعاً من قوله وفعله، وذكر ابن رجب جملة، وذكر اختلافهم في صفة الرفع؛ فينبغي للمسلم أن يقتدي بالسلف الصالح وإن خالفه الأكثرون.

وأجاب الشيخ سليمان بن سحمان: وأما الدعاء بعد المكتوبة، فإن كان بالألفاظ الواردة في الأحاديث الصحيحة من الأذكار، من غير رفع اليدين، كما ورد في الصحيحين وغيرهما من الكتب، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يمنعه، ولا أحد من أتباعه، ولا أحد من أهل الحديث، وإن كان الدعاء بغير الألفاظ المأثورة كما يفعله بعض الناس اليوم، فقال شيخ الإسلام، رحمه الله تعالى، لما سئل عن ذلك: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو هو ولا المأمومون عقب الصلوات الخمس، كما يفعله الناس عقب الفجر والعصر، ولا نقل ذلك عن أحد، ولا استحب ذلك أحد من الأئمة.

سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: عما روي: من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة، كان الذي يتولى قبض روحه ذو الجلال والإكرام، وما روي عن علي مرفوعاً: من قرأ آية الكرسي، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت

إلخ.

ص: 317

فأجاب: وأما الأحاديث الواردة في فضل آية الكرسي، فمنها ما هو صحيح ثابت، ومنها ما ليس بصحيح، والظاهر أن الحديث الذي فيه: أن الله يتولى قبض روح من قرأها دبر كل صلاة، لا يصح، وكذلك الحديث المروي عن علي رضي الله عنه: من قرأ آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت

إلخ، الظاهر عدم صحته. وروى النسائي وابن حبان عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت "، قال ابن القيم: بلغني عن شيخ الإسلام أنه قال: ما تركتها بعد كل صلاة إلا نسياناً، ونحوه. وقال شيخنا - أبو الحجاج المزي -: إسناده على شرط البخاري. قال ابن كثير: وروى ابن مردويه من حديث علي وجابر والمغيرة نحو ذلك، وفي أسانيدها ضعف.

وسئل الشيخ عبد الله والشيخ إبراهيم، ابنا الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، والشيخ سليمان بن سحمان: عن المداومة على قراءة آية الكرسي؟

فأجابوا: أما مداومة قراءة آية الكرسي للإمام والمأموم خفية، فقد أجاب على هذه شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله تعالى، فقال: قد روي في قراءة آية الكرسي عقب الصلاة حديث، لكنه ضعيف، ولهذا لم يروه أحد من أهل الكتب المعتمد عليها، فلا يمكن أن يثبت به حكم شرعي، وأما إذا

ص: 318

قرأها الإمام في نفسه، أو أحد المأمومين، فهذا لا بأس به. انتهى.

فصل

قال الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله تعالى: وأما أحزاب العلماء المنتخبة من الكتاب والسنة، فلا مانع من قراءتها، والمواظبة عليها؛ فإن الأذكار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، وتلاوة القرآن، ونحو ذلك، مطلوب شرعاً; والمعتني به مثاب مأجور، فكلما أكثر منه العبد كان أوفر ثواباً، لكن على الوجه المشروع، من دون تنطع ولا تغيير ولا تحريف؛ وقد قال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [سورة الأعراف آية: 55]، وقال تعالى:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [سورة الأعراف آية: 180] . ولله در النووي في جمعه كتاب الأذكار، فعلى الحريص على ذلك به، ففيه الكفاية للموفق.

وسئل: هل تجزئ قراءة الورد بعد الصبح قبل الصلاة؟ وأيما قراءة القرآن أو الورد تلك الساعة أحسن؟ وقول: لا تكفيه قراءة الورد قبل الصلاة، هل له أصل؟

فأجاب: قراءة الورد بعد الصبح وقبل الصلاة إذا تأخر الإمام، حسن إن شاء الله تعالى، وكاف؛ فإن قرأ القرآن في تلك الساعة، وقرأ ورده بعد الصلاة فهو حسن أيضاً. والقول بأن قراءة الورد قبل صلاة الفجر لا تكفي، لا أعلم له أصلاً.

ص: 319

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن استدبار القبلة وقت الدرس؟ وهل يفرق بين الإمام والمأموم؟ وهل يجب التحلق له؟

فأجاب: أما الجلوس مستدبر القبلة وقت الدرس، فلا علمت فيه بأساً، وسواء في ذلك الذي يذكر الناس أو غيره، واستدل العلماء على ذلك: بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى إبراهيم عليه السلام ليلة أسرى به، وهو مسند ظهره إلى البيت المعمور; ولكن الأفضل: جلوس الإنسان مستقبل القبلة، إذا كان في عمل صالح، ومن استدبرها لم ينكر عليه.

وأما التحلق للدرس فهو أفضل، اقتداء بالسلف الصالح، وأما إذا وقعت المذاكرة في رمضان وقت قيام الليل، وجلسوا في الصف على هيئتهم إذا جلسوا للصلاة، وهم يسمعون القارئ، والمذكر، فهذا أحسن وإن لم يتحلقوا.

سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: عن حديث: " الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه " 1، هل إذا تحول من مجلسه إلى موضع آخر في المسجد يحصل له ذلك؟

فأجاب: الذي يظهر أن حكم المسجد الذي صلى فيه، حكم موضع صلاته.

1 البخاري: الصلاة (445)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (649)، والنسائي: المساجد (733)، وأبو داود: الصلاة (469) ، وأحمد (2/252، 2/312، 2/502)، ومالك: النداء للصلاة (382) .

ص: 320

فصل

سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عمن رأى قدامه فرجة

إلخ؟

فأجاب: إذا رأى المصلي بين يديه فرجة في الصلاة، فأرى أنه لا بأس بسدها; وأما إذا كان من صف إلى صف، ثم إلى آخر، كما يفعل بعض الناس، فأخاف أنه يبطل الصلاة إذا كثر وكان متوالياً; وإن كان من صف إلى صف، ولو لم يسدها غيره، فلزوم مكانه أحب إلي.

سئل الشيخ عبد الله العنقري: إذا سها الإمام ثم نبه، ولم يدر ما حالته، هل للمأموم أن يفتح عليه بآية من القرآن؟

فأجاب: أما الفتح على الإمام في حال سهوه بشيء من القرآن، إذا لم يمكنه تفهيمه إلا بذلك، فالظاهر أنه لا بأس به.

سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن السترة للمأموم في الصلاة؟

فأجاب: ذكر العلماء أن المأموم لا يستحب له اتخاذ السترة، وإنما اتخاذها مسنون للإمام والمنفرد؛ وكذلك يسن القرب منها بقدر ثلاثة أذرع من قدميه إليها.

واتخاذ السترة سنة لا واجب، فإن مر بين يدي الإمام ما يبطل مروره الصلاة، كالكلب والحمار، بطلت صلاته، وصلاة المأمومين، وإن

ص: 321

مر بين يديه ما لا يبطلها، كمرور الرجل لزمه دفعه، فإن لم يفعل فالإثم عليه.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: هل الحكم مقيد بالأَسْوَد؟

فأجاب: المسألة فيها روايتان، والأظهر منهما الاقتصار على ما نص عليه الشارع صلى الله عليه وسلم.

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ: عن السؤال عند آية الرحمة في الفريضة، وكذلك الاستعاذة عند آية الوعيد؟

فأجاب: هذا جائز في النافلة باتفاق العلماء، وأما في الفريضة فكثير من علماء الحنابلة منعه، وقال: إنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله؛ فيقصر الحكم على ما تناوله النص.

وقال الموفق، رحمه الله: يجوز ذلك في الفريضة، لأن الأصل المساواة، ما لم يقم دليل الخصوصية وهو قوي، يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير:" وليتخير من الدعاء ما شاء " 1، وهذا عام في الفريضة والنافلة، وعدم فعله في الفريضة خروج من خلاف العلماء، ومن فعل فقد استند إلى دليل.

1 أحمد (1/382) .

ص: 322