الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة أهل الأعذار
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم: إذا كان السجود يشق علي إذا طال، ولا أقدر الطمأنينة إلا قدر تسبيحة، لوجع في، هل أرتقب الإمام، أو أقرب وأسجد، أم أسجد وإذا شق علي فأرفع؟
فأجاب: أنه إذا كان لا يستطيع السجود، من حين يكبر الإمام حتى يرفع، فإنه يسجد مع الإمام، فإن شق عليه السجود، فيرفع قدر ما يقدر قربه من الأرض، ولا يكون هذا مفارقاً إمامه؛ فإن كان لا يقدر السجود على الأرض، فيسجد قدر ما يستطيع من الأرض.
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله: عن مقدار السفر الذي يترخص فيه؟
فأجاب: أما مقدار السفر الذي يترخص فيه برخص السفر، كالقصر، والإفطار، والجمع، فالعلماء اختلفوا في ذلك: فبعضهم يحده بيومين، وبعضهم ما يرى له حداً، لأنه لم يرد عن الشارع صلى الله عليه وسلم فيه تحديد، بل كل ما يسمى سفراً وإن
كان دون اليوم، جاز أن يترخص فيه برخص السفر؛ وهذا هو الصواب، وهو الذي تدل عليه النصوص.
وأجاب أيضاً: وأما المسافر مقدار يوم، فلا بأس أن يقصر ويجمع.
وأجاب أيضاً: تجوز رخصة السفر فيما عده الناس سفراً، ولكن الاحتياط أن لا يترخص إلا في مسيرة يومين قاصدين.
وأجاب أيضاً: السفر الذي تقصر فيه الصلاة، ويحل فيه الإفطار، والجمع، ما يسافر ويسمى سفراً؛ وبعض العلماء يحده بقدر يومين بسير الأحمال؛ والقصر أفضل، وهو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في السفر.
وأجاب الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر، رحمه الله: الذي عليه كثير من العلماء أن ذلك يتحدد بقدر مسيرة يومين للأحمال، وفيها اختلاف كثير بين العلماء؛ والذي يختاره الشيخ: أن ذلك لا يتحدد بمسافة، بل كل ما يسمى سفراً جاز الترخص فيه برخص السفر، لأن الله تعالى ذكر السفر وأطلق ولم يحدد، وكذلك لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد في ذلك.
وأجاب بعضهم، رحمهم الله تعالى: المسألة فيها أقوال كثيرة للعلماء، وفتاوى عديدة، حتى حكى ابن المنذر في المسألة عشرين قولاً للعلماء، ولا يمكن سردها في هذه
النبذة، ولكن ينبغي أن يعلم: أن أقرب الأقوال فيها إلى الصواب، قول من قال: إنه لا حد له؛ وعليه طائفة كثيرة من السلف، والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أهل مكة على قصرهم الصلاة بمنى، فلم يأمرهم بإتمامها ولا بالإعادة. وكذلك ورد عنه الرخصة مطلقة، وكما في القرآن:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} الآية [سورة النساء آية: 101]، قال ابن قدامة: ولا حجة لمن قال بالتحديد، بل الحجة مع من أباح القصر لكل مسافر، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه. انتهى. وبه قال شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، وجمع كثير، والله أعلم.
وسئل: عن الحشاش، والحطاب؟
فأجاب: الحشاش والحطاب ونحوه، له القصر إلا على قول من قال بتحديد المسافة ونية بلوغها، وقد عرفت ما فيه، وأن الحجة مع من خالفه؛ وهذا الذي يظهر لي.
وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري: القصر للحشاش، الأحوط أن لا يترخص إلا في مسافة يومين فأكثر؛ واختار الشيخ تقي الدين أنه يجوز فيما يطلق عليه اسم السفر. إذا علمت هذا، علمت أنه لا تضييق في ذلك، والأحوط ما تقدم.
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف: عن مسافر أقام في بلد إقامة تمنع القصر، ثم خرج من تلك
البلد إلى موضع مسيرة نصف يوم مثلاً، هل يترخص أم لا؟
فأجاب: قال في الشرح الكبير: فصل: قال أحمد من كان مقيماً بمكة ثم خرج إلى الحج، وهو يريد أن يرجع إلى مكة فلا يقيم بها، فهذا يصلي ركعتين بعرفة، لأنه حين خرج من مكة أنشأ السفر إلى بلده، ليس على أن عرفة سفره، فهو في سفر من حين خرج من مكة. انتهى. فظهر منه جواب مسألتنا، وهو: أنه إذا كان من نيته الرجوع إلى تلك البلد التي خرج منها، وأن يقيم فيها إقامة تمنع القصر، فهذا لا يترخص، وإن كان لا يريد الرجوع إلى تلك البلد، أو يريده ولكن لا ينوي أن يقيم فيها إقامة تمنع القصر، فهذا يترخص، لأنه حينئذ يكون مسافراً، والله أعلم.
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عمن سافر لرياسة
…
إلخ؟
فأجاب: أما سفر الإنسان لطلب الرياسة، فإن كان لقتال غير سائغ شرعاً، فلا يجوز لمن سافر معهم القصر، وإن كان سفره لطلب رياسة من أولي الأمر، ليوليه بعض الأمور، فلا يمتنع القصر معه على من سافر في هذه الحال، والله أعلم.
سئل بعضهم، رحمه الله: عن الترخص في سفر المعصية؟
فأجاب: هذه المسألة فيها اختلاف بين العلماء، وقال
شيخ الإسلام، رحمه الله: أما من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، فهل يجوز له القصر؟ على قولين: أحدهما لا يجوز،، وهو قول متقدمي العلماء، الذين لا يجوزون القصر في سفر المعصية، كأبي عبد الله ابن بطة، وأبي الوفاء ابن عقيل، وطوائف كثيرة من العلماء المتقدمين، أنه لا يجوز القصر في مثل هذا السفر، لأنه سفر منهي عنه؛ وهو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، أن السفر المنهي عنه في الشريعة لا يقصر فيه. والقول الثاني: أنه يقصر، وهذا يقوله من يجوز القصر في السفر الحرام، كأبي حنيفة، وبعض المتأخرين من أصحاب الشافعي وأحمد. انتهى.
فعلم من كلامه: أن المسألة فيها خلاف، وأن الشيخ يرى تحريم السفر الذي مثل هذا، ويرى القصر فيه، وكذا غير القصر من الرخص؛ قال في الإنصاف: واختار جواز القصر في سفر المعصية. انتهى. قال في الإقناع وشرحه،:والقصر رخصة، لأن سلمان رضي الله عنه بين أن القصر رخصة، بمحضر اثني عشر صحابياً، رواه البيهقي بإسناد حسن، ويؤيده ما سبق في حديث مسلم، من قوله صلى الله عليه وسلم:" صدقة تصدق الله بها عليكم " 1، وقال: أيضاً في الإقناع وشرحه: ولا يترخص في سفر معصية، بقصر، ولا فطر، ولا أكل ميتة نصاً، لأنها رخص، والرخص لا تناط بالمعاصي. فهذا كلام العلماء كما ترى؛ وعمل الناس اليوم هو العمل بقول الشيخ، والله أعلم.
1 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (686)، والترمذي: تفسير القرآن (3034)، والنسائي: تقصير الصلاة في السفر (1433)، وأبو داود: الصلاة (1199)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1065) ، وأحمد (1/25، 1/36)، والدارمي: الصلاة (1505) .
وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسن: وأما إتمام الصلاة في السفر، ففعله أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعائشة، رضي الله عنهما؛ وعند الحنابلة: أنه إن أتم في سفر جاز ولم يكره. وعلى هذا فلا ينكر على من أتم الصلاة، والقصر أفضل؛ لكن قد يحصل مع الغزاة تردد في قصد الولاة بالغزو، لأنه ربما غلب عليهم إرادة الملك والعلو، وإرادة الدنيا والغنى والعز، فيكون جهاده عليه لا له، كما في الحديث:" الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله " 1، وفي حديث أبي هريرة، في الثلاثة الذين أول من تسعر بهم جهنم؛ فليكن ذلك منك على بال، قال قتادة في قوله:{فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} [سورة الكهف آية: 34]، قال: هذا والله أمنية الفاجر، كثرة المال، وكثرة النفر.
سئل الشيخ أبا بطين: عن اشتراط النية في القصر؟
فأجاب: هو المشهور في المذهب وفاقاً للشافعي، ولا يشترط علمه بأن إمامه نوى القصر؛ بل يكفيه علمه بأن إمامه مسافر، ولو بعلامة كنحو لباس سفر، فإذا علم بأن إمامه مسافر، وقال: إن قصر قصرت، وإن أتم أتممت، لم يؤثر ذلك في نيته، فتصح صلاته والحالة هذه. وعند جماعة من الأصحاب: لا تشترط النية للقصر، وفاقاً لأبي حنيفة ومالك؛
1 البخاري: التوحيد (7458)، ومسلم: الإمارة (1904)، والترمذي: فضائل الجهاد (1646)، والنسائي: الجهاد (3136)، وأبو داود: الجهاد (2517)، وابن ماجة: الجهاد (2783) ، وأحمد (4/392، 4/397، 4/401، 4/405، 4/417) .
فعلى هذا، لو نوى الإتمام ابتداء جاز له القصر، وعلى هذا أيضاً: لو نوى القصر ثم رفضه، ونوى الإتمام جاز; ومن نوى القصر فأتم سهواً، ففرضه الركعتان، والزيادة سهو يسجد لها. وأما اشتراط النية للجمع، فهو المشهور في المذهب، وعند الشيخ تقي الدين لا يشترط.
وأجاب أيضاً: وأما المسافر إذا دخل مع إمام ظاناً أنه مسافر، فالذي نرى له الإتمام، وتجزيه صلاته.
وسئل الشيخ عبد الله بن محمد: عن المسافر إذا كان في البلد وهو يقصر، هل تلزمه الجماعة؟
فأجاب: الجماعة واجبة حضراً وسفراً، فإذا كان المسافر في البلد جاز له القصر، لكن إن لم يكن عنده جماعة يقصرون، لزمته الصلاة مع المقيمين، ويتم الصلاة معهم، لأن الجماعة لا تسقط بالسفر.
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف: عن صلاة القصر لمن يباح له القصر منفرداً، أو مع جماعة تماماً، ما الأفضل؟ وعما إذا صلى من يباح له القصر، مع المقيم ركعتين من آخر صلاته فقط، ثم يسلم معه، هل تصح أم لا؟
فأجاب: أما المسافر الذي يباح له القصر، فالجماعة واجبة عليه كالمقيم؛ فإن أمكن الجمع بين الواجب عليه،
وهو الصلاة جماعة، وبين ما هو السنة في حقه، وهو القصر، بأن وجد جماعة مسافرين يصلون قصراً، صلى معهم، وإلا صلى مع الجماعة المقيمين، ولزمه حينئذ الإتمام؛ وهذه إحدى الصور الإحدى والعشرين، التي يلزم المسافر الإتمام فيها.
وأما إذا صلى من يباح له القصر، مع المقيم ركعتين من آخر صلاته، ثم سلم معه، فإنها لا تنعقد هذه الصلاة، إن أحرم بها ناويا القصر، عالماً وجوب الإتمام عليه، كنية المقيم القصر؛ وأما إن كان جاهلاً فإنها تنعقد، ويلزمه إتمامها أربعاً، لائتمامه بالمقيم، كما تقدم في التي قبلها.
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عمن بعرفة ممن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام؟
فأجاب: أما الحاج الذي نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام بمكة، فالجمهور أنه يجوز له الجمع بعرفة ومزدلفة. وأما القصر بعرفة فالاحتياط الإتمام.
سئل الشيخ سليمان بن سحمان: عمن دخل البلاد وقت العصر، والقتال يعمل في أطرافها، فأمرهم مفت بإتمام الصلاة، فمنهم من أتم ومنهم من قصر، فأمر من قصر بإعادة الصلاة؟
فأجاب: اعلم أن الذين قصروا الصلاة وجمعوا في حال
الاشتغال بقتال العدو، لم يكونوا حينئذ مقيمين، حتى يؤمروا بإتمام الصلاة، والأولى في حقهم قصر الصلاة لا إتمامها، وليس مع من أمرهم بالإتمام والحالة هذه دليل يجب المصير إليه. وأما أمرهم بالإعادة إذا كان الأمر على ما وصفت فهو خطأ، ولم يقل بهذا والحالة هذه أحد من العلماء. إذا عرفت ذلك، فاعلم:" أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة " 1، ومن المعلوم أنهم يعلمون أن العدو لا يمكنه القدوم إليهم في أربعة أيام، وكذلك أقام يوم الفتح بمكة ثمانية عشر يوماً يقصر فيها الصلاة، وفي حجة الوداع أقام بمكة عشرة أيام يقصر الصلاة.
ومن المعلوم أنهم مجمعون على الإقامة إلى انقضاء نسك الحج - إلى أن قال - قال ابن عبد البر، رحمه الله: وروي عن أنس: "أنه أقام سنتين بنيسابور يقصر الصلاة "، وقال أبو إسحاق السبيعي:"أقمنا بسجستان، ومعنا رجال من أصحاب ابن مسعود سنتين نصلي ركعتين "، "وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين، وكان الثلج حال بينهم وبين القفول "، "وأقام مسروق بسلسلة سنتين - وهو عامل عليها - يصلي ركعتين حتى انصرف "، يلتمس السنة بذلك. وعن شقيق قال:"خرجت مع مسروق بسلسلة حين استعمل عليها، فلم يزل يقصر الصلاة حتى وصلن.، فقال: يا أبا عائشة، ما حملك على هذا؟ قال: اتباع السنة "، وقال أبو جمرة: "قلت
1 سنن الترمذي: كتاب الصوم (799)، وسنن ابن ماجة: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها (1076) .
لابن عباس: إنا نطيل المقام بالقرية بخراسان، فقال: صل ركعتين، وإن أتممت عشر سنين ". انتهى.
فهذا ما ذكره ابن عبد البر عن الصحابة، رضي الله عنهم، ومن بعدهم من التابعين، وأنه ما حملهم على ذلك إلا اتباع السنة؛ وأما عمل المسلمين من وقت الدرعية إلى يومنا هذا، فاعلم: أن الذي ظهر واشتهر بالاستفاضة والاستقراء، أن الإمام سعود بن عبد العزيز أقام في ثاج مدة طويلة يقصر فيها ويجمع، وكذلك أقاموا في الحناكية مدة طويلة يقصرون الصلاة ويجمعون، وكذلك فيصل بن سعود، أقام في أرض الحجاز نحواً من ستة أشهر، يقصر فيها الصلاة.
ولما غزا الإمام فيصل بن تركي، ومعه الشيخ عبد اللطيف، أقاموا في مسيمير اثني عشر شهراً يقصرون الصلاة ويجمعون، ولا أقاموا في هذه المدة جمع. والإمام عبد الله بن فيصل، ومعه الشيخ عبد اللطيف، لما غزوا بلدان الدواسر، أقاموا في الحيانية نحواً من شهرين، ثم نزلوا الأفلاج وأقاموا فيها مدة طويلة، ثم ارتحلوا إلى الوادي وأقاموا فيه أكثر من شهرين، يقصرون الصلاة في هذه المدة الطويلة. فهذا عمل المسلمين من وقت الدرعية إلى يومنا هذا، يقصرون الصلاة في مغازيهم؛ هذا ما ظهر لي.
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله: عن البدو إذا كان معهم أهلهم ويتبعون المرعى
…
إلخ؟
فأجاب: لا نجعلهم كالمقيمين أبداً، ولا كالمسافرين مطلقاً، بل هذا محل تفصيل: فأما إذا نزلوا منْزلاً ونووا استيطانه ما دام المرعى فيه، أو نووا الإقامة وقتًا دون وقت، أو نزلوا على ماء ونووا الإقامة عليه ما وجدوا لدوابهم مرعى، أو نووا الإقامة على هذا الماء وقتاً دون وقت، فهم والحالة هذه مقيمون تثبت لهم أحكام الإقامة، ولا يستبيحون رخص السفر، لأن هذا هو الاستيطان في حق هؤلاء، والعرف يشهد بذلك. وأما إذا ظعنوا من هذه المنازل وما أشبهها إلى منْزل آخر، أو من ماء إلى ماء، وما بين المنْزلين أو الماءين مسيرة يومين قاصدين، فإنهم حينئذ يسمون مسافرين، لأن هذا يسمى سفراً في حق هؤلاء؛ وكلام صاحب الإقناع على سبيل التمثيل لا الحصر: وقد ذكروا في الملاح الذي معه أهله وليس له نية الإقامة ببلد، أنه ليس له الترخص، فيعتبر في السفر كونه منقطعاً لا دائماً.
ولا بد مع ذلك من اجتماع أمرين، أن يكون البدوي معه أهله، وأن لا ينوي الإقامة في موضع، فإن اختل شرط منها أبيح له رخص السفر؛ فالبدوي بمنْزلة الملاح في السفينة، كما أن الملاح لو نوى الإقامة وهو في سفينة في موضع من البحر، ثم سافر إلى موضع آخر لحمل متاع أو غيره، حكمنا بأنه مسافر ولو كان أهله معه؛ وهذا هو الذي يظهر لنا ونفهم من معنى كلام الله ورسوله، لأن الله تعالى يقول:
{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [سورة النساء آية: 101]، وقال:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [سورة البقرة آية: 184] ، أطلق سبحانه للمسافر قصر الصلاة والفطر في رمضان، ولم يخص في ذلك القروي دون البدوي، ولا من معه أهله دون من ليس معه أهله، ولا نعلم فيما ذكرنا خلافاً بين أهل العلم.
وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: أما محال 1 البدو من موضع إلى موضع آخر يبلغ المسافة سفراً مستمراً، وعزيمة جازمة، فإنه يجوز لهم القصر.
سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: عن الجمع بين الظهرين
…
إلخ؟
فأجاب: أما المسافر فيجوز له الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء. وصلاة كل فرض في وقته أفضل من الجمع إذا لم يحصل مشقة، والجمع في الحضر لأجل مشقة المطر جائز.
سئل الشيخ حمد بن عتيق، رحمه الله: عن أهل البلد إذا حاصرهم عدو
…
إلخ؟
فأجاب: المستوطنون ببلادهم إذا جاءهم عدو،
1 أي سفرهم.
واشتغلوا بالدفع عن أنفسهم وبلادهم وذراريهم، يجمعون ولا يقصرون.
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن الجمع للنساء في البيوت
…
إلخ؟
فأجاب: الجمع للنساء في البيوت إذا وجد مطر يبل الثياب، ويوجد معه مشقة وريح شديدة، ما أرى الفتيا بجوازه، لأنهن لا جماعة عليهن.
سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ: عمن نوى جمع تأخير حيث يجوز له الجمع، فدخل وقت الثانية قبل أن يصلوا إلى الماء
…
إلخ؟
فأجاب: أما الذين نووا جمع تأخير فدخل وقت الثانية قبل أن يصلوا إلى الماء، فالأفضل في حقهم أن يؤخروا الصلاة إلى الماء، ما لم يدخل وقت الضرورة، فإن صلوا قبل وصولهم إليه أجزأتهم الصلاة بالتيمم، ولا إعادة عليهم; ووقت الاختيار للثانية وقت للأولى، في حق من يجوز له الجمع إذا نواه.
وأجاب الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ محمد: له أن يؤخر الأولى جمعاً مع الثانية، لجواز الجمع للمسافر مطلقاً تحقق وجود الماء، أو ظنه في وقت الثانية أم لا، على المشهور في مذهب أحمد؛ بل حكى في الفروع عن
بعضهم: أن الجمع في السفر في وقت الثانية أفضل، وأنه مذهب الشافعي. وقال المنقح في تصحيح الفروع: جزم به في الهداية والخلاصة، وقال ابن تميم: نص عليه. انتهى. وقال أبو العباس في المسألة المسماة بتيسير العبادات: الجمع بين الصلاتين بطهارة كاملة خير من أن يفرق بين الصلاتين بتيمم، والجمع بين الصلاتين مشروع لحاجة دنيوية، فلأن يكون مشروعاً لتكميل الصلاة أولى؛ والجامع بين الصلاتين مصل في الوقت. وقال في موضع آخر: الجمع بين الصلاتين يصير الوقتين وقتاً لهما، وقاله في الإنصاف وغيره.
سئل الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف: عن جمع حافري القليب؟
فأجاب: أما تأخير الظهر إلى أول وقت العصر لحافري القليب، فذكر الفقهاء أنه يجوز للعذر والشغل، وهذا من الشغل، والله أعلم.
وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقرى: إن أمكنت الصلاة في بطن البئر فلا بأس بذلك، وإن لم تمكن وصار الحال كما ذكر من وجود الضرر بمشقة الخروج، أو فوات المقصود برجوع الماء، وعدم إخراج حفير البئر، فتؤخر الصلاة إلى آخر وقت الظهر، ثم يصليها إذا خرج في آخر وقتها؛ ووقت الظهر يمتد إلى دخول وقت العصر.
سئل الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود: هل يجوز
الجمع بين الصلاتين لغير عذر، لحديث ابن عباس المخرج في صحيح مسلم؟
فأجاب: ذكر العلماء في تأويله وجوهاً، منها: أنه صلى الله عليه وسلم أخر الظهر إلى آخر وقتها، وعجل العصر في أول وقتها؛ وهذا جائز عند كثير من أهل العلم، إذا لم يتخذ عادة.
ومنها: أنه محمول على أنه فعل ذلك لأجل مشقة الوحل، وقال بهذا كثير من العلماء أنه يجوز الجمع لأجل المشقة بالوحل وغيره، كالمرض. ومنها: أن ذلك منسوخ بالمواقيت، التي دوام عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم، إنما يأخذون بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما قال جابر رضي الله عنه:" كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ترك الوضوء مما مست النار "، ولهذا قال الترمذي في آخر كتابه: ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به، إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر؛ فإذا أجمع العلماء على ترك العمل بظاهره، فهو دليل على أنه منسوخ، وإن لم يعلم الناسخ بعينه، ولو لم يكن فيه إلا أن آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين على عدم فعل ذلك بلا عذر من الأعذار المبيحة للجمع.
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن إعلام الإمام بنية الجمع؟
فأجاب: وأما قول الإمام إذا نوى الجمع بين الصلاتين
…
فأرجو أنه لا بأس أن يعلمهم أنه ناو الجمع؛ ولم أسمع في ذلك شيئاً عن الصحابة؛ كما هو حجة من لم يشترط النية للجمع، وهو اختيار الشيخ تقي الدين، لكن الخروج من الخلاف لا بأس به.
وسئل: عن المرأة إذا لم يمكنها الصلاة في الوقت
…
إلخ؟
فأجاب: وأما المرأة إذا كانت راكبة، فلا يجوز لها تأخير الصلاة عن وقتها، وإذا كانت سائرة في السفر، فإنها تنوي التأخير، وتنْزل مرة واحدة فتصلي الظهر والعصر، وتصحب معها عقالاً تعقل به البعير، وإذا أبصرها الناس تصلي وهي مستورة، لا يضرها ذلك عند الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
أخر الجزء الرابع
ويليه الجزء الخامس، وأوله:
باب صلاة الجمعة.