الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الطهارة
…
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطهارة أحكام المياه
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى، بعد ذكره القواعد التي تدور الأحكام عليها مثلاً يحتذى عليه - وقد تقدمت - 1: باب المياه. فنقول: قال بعض أهل العلم: الماء كله طهور إلا ما تغير بنجاسة أو خرج عنه اسم الماء، كماء ورد أو باقلا ونحوه. وقال آخرون: الماء ثلاثة أنواع: طهور، وطاهر، ونجس؛ والدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم " 2؛ فلولا أنه يفيد منعاً لم ينه عنه. ودليله من النظر: أنه لو وكله في شراء ماء، فاشترى ماء مستعملاً، أو متغيراً بطاهر، لم يلزمه قبوله؛ فدل على أنه لا يدخل في الماء المطلق.
قال الأولون: النبي صلى الله عليه وسلم " نهى أن يغتسل الرجل في الماء الدائم " 3، وإن عصى وفعل فالقول في نجاسة الماء لا تعرض لها في الحديث بنفي ولا إثبات، وعدم قبول الموكل لا يدل؛ فلو اشترى له ماء من ماء البحر لم يلزمه قبوله، ولو اشترى له ماء متقذراً طهوراً لم يلزمه قبوله؛ فانتقض ما قلتموه. فإن
1 أي: هذه القواعد، في صفحة: 5، 6، 7 مع الإشارة إلى التمثيل بهذا الباب.
2 مسلم: الطهارة (283)، والنسائي: الطهارة (220) والغسل والتيمم (396)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (605) .
3 مسلم: الطهارة (283)، والنسائي: الطهارة (220) والغسل والتيمم (396)، وأبو داود: الطهارة (70)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (605) .
كنتم معترفين أن هذه الأدلة لا تفيدكم إلا الظن، وقد ثبت أن"الظن أكذب الحديث "، فقد وقعتم في المحرم يقيناً أصبتم أم أخطأتم، لأنكم أتيتم بظن مجرد، فإن قوله:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [سورة النساء آية: 43] كلام عام من جوامع الكلم، فإن دخل فيه هذا خالفتم النص، وإن لم يدخل فيه وسكت عنه الشارع لم يحل الكلام فيه، وعصيتم قوله تعالى:{لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية [سورة المائدة آية: 101] ؛ وكذلك إذا حرفتم هذا اللفظ العام الجامع، مع قوله صلى الله عليه وسلم:" الماء طهور لا ينجسه شيء " 1، وتركتم هذه الألفاظ الواضحة العامة، وزعمتم أن الماء ثلاثة أنواع بالأدلة التي ذكرتموها، وقعتم في طريق أهل الزيغ، في ترك المحكم واتباع المتشابه. فإن قلتم: لم يتبين لنا أنه طهور، وخفنا أن النهي يؤثر فيه، قلنا: قد جعل الله لنا منه مندوحة، وهو الوقف، وقول: لا ندري، وألحق بمسألة المتشابهات؛ وأما الجزم بأن الشرع جعل هذا طاهراً غير مطهر، فقد وقعتم في القول بلا علم، والبحث عن المسكوت عنه، واتباع المتشابه، وتركتم قوله:"وبينهما مشتبهات ".
المسألة الثانية: قولهم: إن الماء الكثير ينجسه البول والعذرة لنهيه عليه السلام عن البول فيه، فيقال لهم: الذي ذكر النهي عن البول إذا كان راكداً، وأما نجاسة الماء وطهارته فلم يتعرض لها، وتلك مسألة أخرى يستدل عليها بدليل آخر،
1 الترمذي: الطهارة (66)، وأبو داود: الطهارة (66) .
وهو قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [سورة النساء آية: 43] ، وهذا ماء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن بئر بضاعة، وهي يلقى فيها الحيض وعذرة الناس:" الماء طهور لا ينجسه شيء " 1؛ فمن ترك هذا المحكم، وقع في القول بلا علم واتبع المتشابه، لأنه لا يجزم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد نجاسة الماء لما نهى عن البول فيه، وإنما غاية ما عنده الظن؛ فإن قدرنا أن هذا لا يدخل في العموم الذي ذكرنا، وتكلم فيه بالقياس، فقد خالف قوله:{لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ} [سورة المائدة آية: 101] ؛ وإن تعلل بقوله: لم يبن لي دخوله في العموم، وأخاف لأجل النهي عن نجاسته، قيل لك مندوحة عن القول بلا علم، وهو إلحاقه بالمتشابهات، ولا تزعم أن الله شرع نجاسته وحرم شربه.
ومن ذلك: فضلة المرأة، زعم بعضهم أنه لا يرفع الحدث، وولدوا عليه من المسائل ما يشغل الإنسان، ويعذب الحيوان. وقال كثير من أهل العلم، أو أكثرهم: إنه مطهر رافع للحدث. فإن لم يصح الحديث فلا كلام، كما يقوله البخاري وغيره؛ وإن قلنا بصحة الحديث، فنقول: في صحيح مسلم حديث أصح منه أن النبي صلى الله عليه وسلم " توضأ واغتسل بفضل ميمونة " 2؛ وهذا داخل في قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [سورة النساء آية: 43] قطعاً، وداخل في قوله:" طهور لا ينجسه شيء " 3، وإنما نهي الرجل عن استعمال الماء نهي تنْزيه وتأديب إذا قدر على غيره، للأدلة القاطعة التي ذكرنا. فإذا قال من منع من استعماله: أخاف أن النهي إذا سلمتم صحته يفسد الوضوء، قلنا: إذا خفت
1 الترمذي: الطهارة (66)، وأبو داود: الطهارة (66) .
2 مسلم: الحيض (323) ، وأحمد (1/366) .
3 الترمذي: الطهارة (66)، وأبو داود: الطهارة (66) .
ذلك فألحقه بالمتشابهات، ولا تقل على الله بلا علم، ولا تولد مسائل كثيرة سكت الشارع عنها في صفة الخلوة وغيرها.
ومن ذلك: الماء الذي دون القلتين، إذا وقعت فيه نجاسة، فكثير من أهل العلم أو أكثرهم على أنه طهور، داخل في تلك القاعدة الجامعة:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [سورة النساء آية: 43] ؛ وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء إذا وقعت فيه نجاسة؟ فقال: " الماء طهور لا ينجسه شيء " 1، لكن حمله الآخرون على الكثير، لقوله:" إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث " 2؛ قال الأولون: إن سلكنا في الحديث مسلك من قدح فيه من أهل الحديث فلا كلام، ولكن نتكلم فيه على تقدير ثبوته، ونحن نقول بثبوته، لكن لا يدل على ما قلتموه، ومن زعم أن القليل ينجس فقد قال ما لا يعلم قطعاً، لأن اللفظ صرح أنه إن كثر لا يحمل الخبث، ولم يتكلم فيما دون، فيحتمل أنه ينجس على ما ذكرتم، ويحتمل أنه أراد إن كان دونهما فقد يحمل وقد لا يحمل؛ فإذا لم تقطع على مراده بالتحديد، فقد حرم الله القول عليه بلا علم، وإن زعمتم أن أدلتنا لا تشمل هذا فهو باطل، فإنها عامة، وعلى تقدير ذلك يكون من المسكوت عنه، الذي نهينا عن البحث عنه.
فلو أنكم قلتم كمن قال من كرهه من العلماء: أكرهه ولا أستحبه مع وجود غيره، ونحو هذه العبارة التي يقولها من شك في نجاسته، ولم يجزم بأن حكم الشرع نجاسة هذا
1 الترمذي: الطهارة (66)، وأبو داود: الطهارة (66) .
2 الترمذي: الطهارة (67)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (517)، والدارمي: الطهارة (731) .
الماء، كنتم قد أصبتم وعملتم بقول نبيكم صلى الله عليه وسلم، سواء كان في نفس الأمر طاهراً أم لا؛ فإن من شك في شيء وتورع عنه، فقد أصاب، ولو تبين بعد ذلك أنه حلال.
وعلى كل حال: فمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله ليبين للناس ما نزل إليهم، أراد أن يشرع لأمته أن كل ماء دون القلتين بقلال هجر، إذا لاقى شيئاً نجساً أنه يتنجس، ويصير شربه حراماً، ولا يقبل صلاة من توضأ به، ولا من باشره شيء منه، حتى يغسله، ولم يبين ذلك لهم حتى أتاه أعرابي يسأل عن الماء بالفلاة ترده السباع التي تأكل الميتات، ويسيل فيه من ريقها ولعابها، فأجابه بقوله:" إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث " 1، أراد بهذا اللفط أن يبين لأمته، أنه إذا بلغ خمسمائة رطل بالعراقي لا ينجس إلا بالتغير، وما نقص نجس بالملاقاة، وصار كما وصفنا، فمن زعم ذلك فقد أبعد النجعة، وقال ما لا يعلم، وتكلم فيما سكت عنه، واتبع المتشابه، وجعل المتشابه من الحرام البين.
ونسأل الله أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لما يحب ويرضى، ويعلمنا الكتاب والحكمة، ويرينا الحق حقاً ويوفقنا لاتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويوفقنا لاجتنابه، ولا يجعله علينا ملتبساً فنضل؛ وهذه القواعد في جميع أنواع العلوم الدينية عامة، وفي علم الفقه من كتاب الطهارة إلى باب الإقرار خاصة.
1 الترمذي: الطهارة (67)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (517)، والدارمي: الطهارة (731) .
وسئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله تعالى: عما إذا كان الماء دون القلتين، ووقعت فيه نجاسة، هل ينجس بمجرد وقوع النجاسة؟ أو بالتغير؟
فأجاب: إذا لم يتغير الماء بالنجاسة لم ينجس، سواء كان قليلاً أو كثيراً؛ وهو قول مالك وأهل المدينة، وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد، اختارها بعض أصحابه. وفي المسألة نحو خمسة أقوال، وهذا هو الذي نختار؛ والدليل عليه: ما رواه الترمذي وغيره عن أبي سعيد، فقال:" أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل: له أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض، ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال: الماء طهور لا ينجسه شيء " 1، صححه الإمام أحمد، رحمه الله تعالى. وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الماء طهور لا ينجسه شيء " 2، وعن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه ولونه وطعمه " 3، رواه ابن ماجة، وضعفه أبو حاتم؛ وللبيهقي:"الماء طهور، إلا أن يتغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة تحدث فيه ".
وسئل: عن الماء الذي يجوز الطهارة به ويرفع الحدث؟
فأجاب: هو كل ماء طاهر باق على ما خلقه الله عليه ولم يتغير، فإن تغير بالنجاسة طعمه أو لونه أو ريحه لم تجز الطهارة به.
1 الترمذي: الطهارة (66)، وأبو داود: الطهارة (66) .
2 الترمذي: الطهارة (66)، وأبو داود: الطهارة (66) .
3 ابن ماجة: الطهارة وسننها (521) .
وسئل أيضاً: عن ماء راكد فوق القلتين، بال فيه إنسان وحان وقت الصلاة واضطر إليه، هل يتوضأ منه؟
فأجاب: إذا بال الإنسان في ماء راكد، وحان وقت الصلاة، إذا اضطر إليه ولم يجد غيره وهو فوق القلتين ولم تغيره رائحة النجاسة، فالظاهر أنه يتوضأ منه ويرتفع به حدثه.
وسئل: إذا تردت بهيمة في بئر، وتغيرت رائحة الماء، هل يجوز استعماله؟
فأجاب: متى علم بتغير رائحة الماء، لم يجز له استعماله ولا تباح به الصلاة.
وسئل: عمن حضرته الصلاة، ولم يجد إلا ماء زمزم، فهل يجوز له استعماله
…
إلخ؟
فأجاب: المسألة فيها خلاف، والظاهر أنه يجوز له استعماله من غير كراهة؛ وأما إذا وجد غيره، ففيه ثلاث روايات: الأولى: لا يكره، والثانية: يكره، والثالثة: يكره الغسل دون الوضوء، اختارها الشيخ.
وسئل بعضهم: عن الماء المتنجس بالتغير وهو كثير، إذا حوض وترك حتى صفا، هل يطهر؟
فأجاب: الذي ذكر الفقهاء أن الماء المتنجس بالنجاسة، إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه، فإنه لا يطهر حتى يزول التغير بنَزحه، أو بمكاثرته بالماء، أو بزوال تغيره بنفسه
إذا كان كثيراً؛ والكثير عند الحنابلة وغيرهم: ما كان قلتين فأكثر، وأما التراب: فالمشهور عندهم أنه لا يطهره، لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى؛ قال في الفروع: وقيل بلى، وأطلق في الإيضاح روايتين، وللشافعي قولان؛ فعلى هذا، إذا زال عنه أثر النجاسة بالكلية، ولم يبق فيه لون، ولا طعم، ولا ريح، فإنه يطهر لزوال النجاسة منه، كالخمرة إذا انقلبت بنفسها خلاً، وكذلك النجاسة إذا استحالت.
وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: إذا بلغ الماء قلتين، ووقع فيه بول آدمي، أو عذرته؟
فأجاب: وأما ما بلغ قلتين فأكثر، إذا وقع فيه بول آدمي أو عذرته، فعند أكثر العلماء أنه لا فرق بين بول الآدمي وعذرته، وبين سائر النجاسات؛ وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وعن أحمد رواية أخرى: أن الماء ينجس ببول الآدمي وعذرته، إلا أن يكون مثل المصانع التي بطريق مكة ونحوها، لحديث أبي هريرة " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه "1. والجمهور يخصون هذا الحديث بحديث القلتين، ويقوي ذلك: أن بول الآدمي لا يزيد على بول الكلب، وهو لا ينجس القلتين؛ فيجمع بين الحديثين: بأن يحمل حديث أبي هريرة على ما دون القلتين، مع أن الحديث ليس فيه صراحة بأنه ينجس بالبول فيه؛ والقول بأن حكم بول الآدمي كغيره هو الصحيح إن شاء الله تعالى.
1 البخاري: الوضوء (239)، ومسلم: الطهارة (282)، والنسائي: الطهارة (58) والغسل والتيمم (397)، وأبو داود: الطهارة (70) ، وأحمد (2/316، 2/346، 2/362، 2/433)، والدارمي: الطهارة (730) .
وأما الفرق بين الجاري وغيره، ففيه خلاف؛ والمشهور في المذهب أنه لا فرق بين الجاري وغيره، فينجس القليل إذا لاقته النجاسة وإن كان جارياً؛ وعن أحمد رواية أخرى: أن الجاري لا ينجس إلا بالتغير، اختارها جماعة من الأصحاب، وهو مذهب أبي حنيفة. كما أن في أصل المسألة رواية مشهورة اختارها ابن عقيل والشيخ تقي الدين وغيرهما: أن الماء مطلقاً لا ينجس إلا بالتغير وفاقاً لمالك، وعلى القول بأنه لا فرق بين الجاري وغيره، إذا كان مجموع الجاري يبلغ قلتين لم ينجس إلا بالتغير على المذهب؛ وهذا أيضاً لو خالطه مستعمل كثير لم يؤثر، وإن كان مجموع الجاري لا يبلغ قلتين وخالطه مستعمل، لو قدرنا أن هذا المستعمل المخالط أحمر أو أصفر مثلاً، ولم يغير الطهور تغيراً كثيراً، لم يضره؛ وقد نص أحمد فيمن انتضح من وضوئه في إنائه لا بأس.
وسئل أيضاً: الشيخ عبد الله أبا بطين: عن الماء إذا كان قدره أربعين صاعاً أو أكثر، ووجد فيه أثر كلب، هل يجوز الوضوء منه؟
فأجاب: يجوز الوضوء منه، لأن الصحيح من أقوال العلماء أن الماء لا ينجس إلا أن يتغير بالنجاسة؛ قال في الشرح: الرواية الثانية: لا ينجس الماء إلا بالتغير؛ روي عن حذيفة وأبي هريرة وابن عباس، ومالك وابن المنذر، وهو قول
الشافعي، لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن بئر بضاعة:" الماء طهور لا ينجسه شيء " 1، رواه أبو داود والنسائي، والترمذي وحسنه، وصححه أحمد، وهو اختيار الشيخ تقي الدين، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهم الله تعالى.
وسئل: عن الماء القليل إذا خالطته نجاسة ولم تغيره؟
فأجاب: الذي يترجح عندنا طهارته، وأنه لا ينجس إلا بالتغير؛ لكن الاحتياط حسن، نفعله خروجاً من الخلاف.
وسئل: عن تغير الماء بزبل ما يؤكل لحمه؟
فأجاب: هو طاهر عند جمهور العلماء، كمالك وأحمد بن حنبل؛ وقد دل على ذلك الأدلة الشرعية الكثيرة، كما قد بسط القول في ذلك، وذكر فيه بضعة عشر حجة؛ وإن تيقن أن تغيره بنجاسة فإنه ينجس، وإن شك هل الروث روث ما يؤكل لحمه، أو ما لا يؤكل لحمه، ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره.
وسئل أيضاً: عن ماء وردت عليه إبل وغنم وهو كثير، وتغير بأبوالها، هل يسلب ذلك طهوريته؟
فأجاب: الماء إذا خالطه بول أو روث طاهر فلا يضره، إذا كان باقياً على إطلاقه، وما تلقيه الريح والسيول يعفى عنه.
1 الترمذي: الطهارة (66)، وأبو داود: الطهارة (66) .
وسئل الشيخ حمد بن عتيق: عن الجثجاث أو غيره إذا وضع في اللزاء 1 أو غيره؟
فأجاب: لا بأس بالماء الذي يجعل فيه جثجاث، والذي يتغير، مثل ماء الألزية، من الظل الذي يجعل عليه إذا أصابه المطر.
سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، رحمه الله، عن البرك، هل يغتسل فيها
…
إلخ؟
فأجاب: والبرك الذي فيها ماء ساكن، لا يغتسل فيها من الجنابة؛ والأحسن أن يأخذ الماء ويغتسل به خارجاً، أو يستنجي به؛ وأما غسل الأعضاء فلا بأس به.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله تعالى: ينبغي التنبيه على أمر مهم عمت به البلوى ويتعين إنكاره، وهو الاستنجاء في البرك ونحوها، وفيه خطر عظيم لا سيما على الرواية المشهورة في مذهب أحمد، اختارها أكثر المتقدمين والمتوسطين، وهي: أن الماء ينحس بملاقاة بول الآدمي، وعذرته المائعة أو الجامدة إذا ذابت فيه، واستدلوا بحديث أبي هريرة مرفوعاً:" لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة " 2؛ والنهي يقتضي الفساد. وعلى كلا الروايتين هو كالبول، لأنه في معنى البول؛ وقد نص العلماء أنه مثل البول، كالحافظ العراقي في التقريب وغيره، فيتعين لذلك أن تعلنوا بالنهي على رؤوس الأشهاد في مجامع الناس،
1 وهو: مصب ماء السواني.
2 البخاري: الوضوء (239)، ومسلم: الطهارة (282)، والنسائي: الطهارة (220، 221)، وأبو داود: الطهارة (70)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (605) ، وأحمد (2/433)، والدارمي: الطهارة (730) .
لما فيه من خطر التنجيس، والوقوع في المنهي عنه من تقذير الماء.
وسئل: عن غمس يد القائم من نوم الليل، هل يسلب الماء الطهورية؟
فأجاب: اعلم أن أحمد نص في رواية أخرى على أن غمسهما في الماء القليل لا يسلبه الطهورية، واختاره من أصحابه الخرقي، والموفق، وأبو البركات ابن تيمية، وابن أبي عمر في شرح المقنع، وجزم به في الوجيز وفاقاً لأكثر الفقهاء، وقال في شرح مسلم: الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهي تنْزيه، لا نهي تحريم؛ فلو خالف وغمس لم يفسد الماء، ولم يأثم الغامس؛ وأما الحديث فمحمول على التنْزيه.
سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، رحمهم الله تعالى، عن قول شارح الزاد: غير تراب ونحوه، ما نحوه؟
فأجاب: اعلم أن نحو التراب هنا، ما كان من الأجزاء الأرضية، كالرمل والنورة، أو من المائعات الطاهرة، وكذا كل ما لا يدفع النجاسة عن نفسه، فإنه لو أضيف أحد هذه الأشياء إلى الماء الكثير المتنجس لم يطهر بإضافته إليه، لكون المضاف لا يدفع عن نفسه، فعن غيره أولى، ولو زال به التغير على أظهر الوجهين.