المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة التطوع - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٤

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌باب صلاة التطوع

‌باب صلاة التطوع

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى: اعلم رحمك الله، أن طلب العلم فريضة، وأنه شفاء للقلوب المريضة، وأن أهم ما على العبد معرفة دينه، الذي معرفته والعمل به سبب لدخول الجنة، والجهل به وإضاعته سبب لدخول النار، أعاذنا الله منها.

وقال أبناؤه: الشيخ إبراهيم، وعبد الله، وعلي، رحمهم الله: ومنها: الغفلة عن التفقه في دين الإسلام، حتى إن من الناس من ينشأ وهو لا يعرف دين الإسلام، ومنهم من يدخل فيه وهو يعرفه ولا يتعلمه، ظناً منه أن الإسلام هو العهد؛ ومعرفة الإسلام والعمل به واجب على كل أحد، ولا ينفع فيه التقليد.

وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، ينصح أخاً له: ولا أكره لك نفع الناس، وبث العلم الذي تفهم، سواء كان في أصل الدين أو في فروعه. واحرص على تعليم الناس ما أوجب الله عليهم، وكرر القراءة في نسخ الأصول، خصوصاً مختصرات الشيخ محمد، رحمه الله، وكذلك السير. واحرص على تعليم العامة أصل دين الإسلام، ومعرفة أدلته، ولا

ص: 337

تكتف بالتعليم، اسألهم واجعل لهم وقتاً تسألهم فيه عن أصل دينهم، ولا تغفل عن استحضار النية فـ" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى "1. والله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً صواباً؛ فالصواب: ما وافق شرع الرسول صلى الله عليه وسلم، والخالص: ما أريد به وجه الله تعالى، قال الله تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [سورة الزمر آية: 2-3] .

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن، بعد ذكره النهي عن الشرك والبراءة منه، ومن المشركين، من الرافضة وغيرهم: ومما أوجب ذكر ذلك، ما بلغنا من الغفلة عن هذا الأصل العظيم، الذي لا نجاة للعبد إلا بمعرفته والعمل به؛ فالعامة ما يبالون بحقوق الإسلام ولو ضيعت، وصار اشتغال أهل العلم بالعلوم التي هي فرع عن هذا الأصل العظيم ولا تنفع بدونه، ولا صلاح للعباد في معاشهم ومعادهم إلا بالعلم بالله، وما يجب له على عباده من دينه الذي رضيه لهم؛ فبالقيام به صلاح الدنيا والآخرة، وفي الغفلة عنه زوال النعم وحلول النقم.

وقد وقع فيكم بسبب الغفلة عن هذا ما قد علمتم، كما قال تعالى:{وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة الأعراف آية: 168] ، فيلزم الأمير أن يأمر على جميع المدرسين، وأئمة المساجد بالحضور عند من يعلمهم دينهم،

1 البخاري: بدء الوحي (1)، والترمذي: فضائل الجهاد (1647)، والنسائي: الطهارة (75) والطلاق (3437) والأيمان والنذور (3794)، وأبو داود: الطلاق (2201)، وابن ماجة: الزهد (4227) ، وأحمد (1/25، 1/43) .

ص: 338

ويلزمهم القراءة فيما جمعه شيخنا، رحمه الله، في "كتاب التوحيد" من أدلة الكتاب والسنة، التي فيها الفرقان بين الحق والباطل؛ فقد جمع على اختصاره خيراً كثيراً، وضمنه من أدلة التوحيد ما يكفي من وفقه الله، وبين فيه الأدلة في بيان الشرك الذي لا يغفره الله. ويلزمهم سؤال العامة عن أصول الدين الثلاثة بأدلتها، وأربع القواعد؛ فما أعظم نفعها على اختصارها لطالب الهدى!

وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: سرنا ما ذكرت من البحث، لأنه أفادنا اعتناءكم واشتغالكم بهذا الأمر، لأنه خير ما أنفقت فيه الأنفاس، وبذلت فيه المهج.

فلا تسأمنّ العلم واسهر لنيله

بلا ضجر تحمد سرى السير في غدِ

ولا يذهبنّ العمر منك سبهللا

ولا تغبنن في النعمتين بل اجهدِ

وقال أيضاً: فرض على كل أحد معرفة التوحيد، وأركان الإسلام بالدليل، ولا يجوز التقليد في ذلك؛ لكن العامي الذي لا يعرف الأدلة، إذا كان يعتقد وحدانية الرب سبحانه، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بالبعث بعد الموت، والجنة والنار، ويعتقد أن هذه الأمور الشركية التي تفعل عند هذه المشاهد باطلة وضلال، فإذا كان يعتقد ذلك اعتقاداً جازماً لا شك فيه، فهو مسلم، وإن لم يترجم بالدليل، لأن عامة المسلمين ولو لقنوا الدليل فإنهم لا يفهمون المعنى غالباً.

ص: 339

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، رحمهم الله: قال ابن الجزري، رحمه الله تعالى: من علم أن الدنيا دار سباق وتحصيل للفضائل، وأنه كلما علت مرتبته في علم وعمل، زادت المرتبة في دار الجزاء، انتهب الزمان ولم يضيع لحظة، ولم يترك فضيلة تمكنه إلا حصلها؛ ومن وفق لهذا، فليبتكر زمانه بالعلم، وليصابر كل محنة وفقر، إلى أن يحصل له ما يريد، وليكن مخلصاً في طلب العلم، عاملاً به، حافظاً له. فأما أن يفوته الإخلاص، فذلك تضييع زمان وخسران الجزاء، وأما أن يفوته العمل به، فذاك يقوي الحجة عليه والعقاب له.

وأما جمعه من غير حفظه، فإن العلم ما كان في الصدور لا في القمطر. ومتى أخلص في طلبه دله على الله عز وجل، فليبعد عن مخالطة الخلق مهما أمكن، خصوصاً العوام; وليصن نفسه عن المشي في الأسواق، فربما وقع البصر على فتنة، وليجتهد في مكان لا يسمع فيه أصوات الناس. ومن علم أنه مار إلى الله عز وجل وإلى العيش معه وعنده، وأن الدنيا أيام سفر، صبر على تفث السفر ونصبه، وإن الراحة لا تنال بالراحة، فمن زرع حصد ومن جد وجد.

خاضوا في أمر الهوى في فنون

فزادهم في اسم هواهم حرف نون

وكتب رجل لأخيه: يكفيك لطلب العلم سورة العصر،

ص: 340

فإنها كما قال الشافعي: لو فكر الناس فيها لكفتهم; فوقع في يد الشيخ عبد اللطيف، فكتب: اعلم أن قول الشافعي، رحمه الله تعالى، فيه دلالة ظاهرة على وجوب طلب العلم مع القدرة في أي مكان، ومن استدل به على ترك الرحلة والاكتفاء بمجرد التفكر في هذه السورة، فهو خلي الذهن من الفهم والعلم والفكرة، إن كان في قلبه أدنى حياة، ونهمة للخير، لأن الله افتتحها بالإقسام بالعصر، الذي هو زمن تحصيل الأرباح للمؤمنين، وزمن الشقاء والخسران للمعرضين الضالين. وطلب العلم ومعرفة ما قصد به العبد من الخطاب الشرعي أفضل الأرباح، وعنوان الفلاح، والإعراض عن ذلك علامة الإفلاس والإبلاس؛ فلا ينبغي للعاقل العارف أن يضيع أوقات عمره وساعات دهره إلا في طلب العلم النافع، والميراث المحمود كما قيل في المعنى شعراً:

أليس من الخسران أن اللياليا

تمر بلا نفع وتحسب من عمري

وفي قوله: {إِنَّ الإِنْسَانَ} تنبيه على أن الجنس كله كذلك، إلا من استثنى؛ وهذا يوجب الهرب والفرار إلى الله بمعرفته وتوحيده والإنابة إليه، ومتى يحصل هذا للجاهل؟ وفي قوله:{لَفِي خُسْرٍ} تنبيه على عدم اختصاص خسره بنوع دون نوع، بل هو قد توجه إليه الخسران بحذافيره من جميع جهاته إلا من استثنى؛ وهذا لا يدخل في المستثنى من زهد في العلم وآثر وطنه وأهله على الميراث النبوي، وتجرع كأس

ص: 341

الجهل طول حياته، حتى آل من أمره أنه يستدل على ترك الطلب بالدليل على وجوب الطلب. وفي قوله تعالى:{إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا} ما يوجب الجد والاجتهاد في معرفة الإيمان والتزامه، لينجو من الخسار ويلتحق بالأبرار والأخيار.

وقد اختلف الناس في الإيمان ومسماه، ولا سبيل إلى معرفة مراد الله به وما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله في ذلك، إلا بطلب العلم ومعرفة ما عليه سلف الأمة وأئمتها. ثم له شعب وحقائق، وأصول وفروع، لا تعرف إلا بطلب العلم وبذل الجهد والتشمير عن ساق الاجتهاد; ومن آثر الوطن والرفاهية فاته كثير من ذلك أو أكثر، بل ربما فاته كله نعوذ بالله؛ ولذلك تجد من يرغب عن طلب العلم، وعمدته في هذه المباحث تقليد المشائخ والآباء، وما كان عليه أهل محلته، وهذا لا يمكن في باب الإيمان ومعرفته. ولو كنت تدري ما قلت لم تبده. وفي قوله:{وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سورة العصر آية: 3] حث وحض على العلم وطلبه، لأن العامل بغير علم وبصيرة ليس من عمله على طائل، بل ربما جاءه الهلاك والآفة من جهة عمله، كالحاطب في ظلماء، والسالك في عمياء؛ ولا سبيل إلى العمل إلا بالعلم، ومعرفة صلاح العمل وفساده لا بد منه، ولا يدرك إلا بنور العلم وبصيرته، وقوله:{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [سورة العصر آية: 3] محتاج مريده وفاعله إلى العلم حاجة وضرورة ظاهرة، لأن الحكم

ص: 342

على الشيء بكونه حقاً يتوقف على الدليل والبرهان؛ وإذا كانت "أل" في "الحق" للاستغراق، فالأمر أهم وأجل وأشمل. وأما الصبر فمعرفة حده وتعريفه، ومعرفة حكمه وجوباً واستحباباً، ومعرفة أنواعه وأقسامه ومحله من الإيمان، من أهم ما يجب على العبد ويلزمه، وما أحسن ما قيل:

إن العُلى حدثتني وهي صادقة

فيما تحدث أن العز في النقل

فظهر أن معنى قول الشافعي: "كفتهم"، في طلبه لا في تركه. وقال الإمام أحمد رضي الله عنه: الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب، لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم عدد أنفاسه. وروينا عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة. ونص على ذلك أبو حنيفة، رحمه الله. ومن فارق الدليل ضل السبيل، ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسنة، وكل دليل لم يصحبه دليل القرآن والسنة فهو من طريق الجحيم والشيطان. فالعلم ما قام عليه الدليل، والنافع منه ما جاء به الرسول.

وقال أبو الفضل البامجي من مشائخ القوم الكبار: ذهاب الإسلام من أربعة: لا يعملون بما يعلمون، ويعملون بما لا يعلمون، ولا يتعلمون ما يعملون، ويمنعون الناس عن التعلم والتعليم؛ قال عمر بن عثمان المكي: العلم قائد، والخوف

ص: 343

سائق، والنفس حرون بين ذلك جموح، خداعة رواغة، فاحذرها وراعها بسياسة العلم، وسقها بتهديد الخوف، يتم لك ما تريد. وقال أبو الوزير، رحمه الله: عملت في المجاهدة ثلاثين سنة، فما وجدت شيئاً عليّ أشدّ من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لبقيت. وقال الجنيد: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى آثار الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة.

وأجاب أيضاً: أما كيفية طلب العلم، ففي حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " بعث معاذاً إلى اليمن، فقال: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه

" 1 الحديث، فيه بيان الكيفية، والبداءة بالأهم فالأهم من واجبات الإيمان، وأركان الإسلام، وينتقل درجة درجة من الأعلى إلى ما دونه. ثم بعد ذلك يتعلم ما يجب من الحقوق في الإسلام، بخلاف ما يفعله بعض الطلبة من الاشتغال بالفروع والذيول؛ وفي كلام شيخ الإسلام، رحمه الله تعالى: من ضيع الأصول حرم الوصول، ومن ترك الدليل ضل السبيل.

وأما السبب في تحصيله، فلا أعلم سبباً أعظم وأنفع وأقرب في تحصيل المقصود من التقوى، قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً}

1 البخاري: التوحيد (7372)، ومسلم: الإيمان (19)، والترمذي: الزكاة (625)، وأبو داود: الزكاة (1584)، وابن ماجة: الزكاة (1783) ، وأحمد (1/233)، والدارمي: الزكاة (1614) .

ص: 344

[سورة النساء آية: 66] .

وفي الأثر: من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم; قال الشافعي، رحمه الله:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي

فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال اعلم بأن العلم نور

ونور الله لا يؤتاه عاصي

ومن الأسباب الموجبة لتحصيله: الحرص والاجتهاد، قال تعالى:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ} [سورة الأنفال آية: 23] ، ومنها إصلاح النية، وإرادة وجه الله والدار الآخرة؛ فإن النية عليها مدار الأعمال، ولا يتم أمر ولا تحصل بركة إلا بصلاح القصد والنية. وهناك أسباب أخر تذكر في الكتب المؤلفة في آداب العلم والتعلم، ليس هذا محل بسطها.

وقال أيضاً فيما كتبه لبعض إخوانه، يحرضه، فقال: وما تيسر لك من الكتب المفيدة الشرعية، جعلك الله من وعاة العلم، ورواته الفائزين بحسن ثوابه ومرضاته، فإياك إياك البطالة والإهمال، والاشتغال بتحصيل عرض ومال! وقد قيل في مثل: ومن خطب الحسناء لم يغله المهر.

وقال الشيخ حمد بن عتيق، رحمه الله تعالى: العلم يحفظ بأمرين: تذاكر وفهم، أحدهما العمل به؛ فمن عمل بما علم حفظ عليه علمه وأثابه علماً آخر ما يعرفه، لأن التعطيل ينسي التحصيل، فإذا عمل الإنسان بعلمه، بأن حافظ على فرائض الله، ولازم السنن الرواتب والوتر وتلاوة القرآن

ص: 345

والاستغفار بالأسحار، وأعزر نفسه ساعة يجلسها في المسجد للذكر، وأحسن ما يكون بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، فقد تسبب للعمل بعلمه. كذلك يجتنب مجالس اللغو والغفلة، ويعادي مجالس أهل الغيبة وساقط الكلام، ويحفظ لسانه مما لا يعنيه.

ثم أقبل على تذاكر العلم وقيده بالكتابة؛ وحرص على تحصيل الكتب والنسخ أعظم من حرص أهل التمر عليه وقت الجذاذ، وأعظم من حرص أهل العيش على جمعه وقت الحصاد. فهذا يسمى طالب علم، وهو على سبيل نجاة، إذا كان مخلصاً في ذلك لله; وأكثر علامات ذلك أن يكون لصاحبه حال يتميز بها عن الناس، حتى يستشهد حاله وتميزه بانفراده عن الناس، إلا من دخل معه في طريقه. وأما إذا تسمى الإنسان بالقراءة، فإذا تأملت حاله إذا هو مثل أهل بلاده، ولا فيه خاصة عن أهل سوقه، فحاله عند الصلوات الخمس والرواتب مثل حالهم، ولا محافظة على ذلك، فقد نام جميع ليله وجميع نهاره، وصار له مع كل الناس مخالطة، وليس هناك إلا أنه بعض المرات يأخذ الكتاب ويقرأ في المجلس؛ ولو سألته عن بابه الذي قرأه ما عرفه، ولو طلبت منه مسألة مما يقرأ لم يجب عنها، وربع الريال أحب عنده من كتابين، قد خلا منه المسجد وامتلأت منه مجالس الغفلة،

ص: 346

وعطل لسانه من الذكر، وسله في الخوض في أحوال الناس، وما يجري بينهم وتعرف دنياهم، فهذا من العلم النافع بعيد، ولا يفيد ولا يستفيد، من حكمة الرب سبحانه أن مثل هذا لا يوفق. وأدلة هذه الأمور في كتاب الله وسنة رسوله وكلام سلف الأمة وأئمتها كثيرة معروفة، ومن تأمل أحوال العالم وجد ما يشهد لذلك؛ فتجد من يشب ويشيب وهو يقرأ ولم يحصل شيئاً، لمانع قام به وحائل من نفسه، لا من ربه، {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [سورة الكهف آية: 49] ، {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [سورة القمر آية: 5] .

وقال أيضاً: وأوصيك بالحرص على تعلم العلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم اعلم أن ذلك لن ينال إلا على جسر من التعب والمشقة، تحت ظلم الليل، وذلك بشيئين: شيء في أوله، وشيء في آخره. فالذي في أوله: إدامة المطالعة، والحفظ لذلك على المصباح، والذي في آخره: الوقوف في مواقف الابتهال، والانطراح بين يدي ذي العزة والجلال، والتضرع بالأسحار، وتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر؛ فهذا عنوان السعادة، وسمة أهل الولاية والزهادة. اللهم ألحقنا بآثار الصالحين.

وقال الشيخ سليمان بن سحمان:

تعلم ففي العلم الشريف فوائد

يحن لها القلب السليم الموفقُ

فمنهن رضوان الإله وجنة

وفوز وعز دائم متحققُ

ص: 347

وعن زمرة الجهال إن كنت صادقاً

بعلمك تنجو يا أخي وتسمقُ

فكن طالباً للعلم إن كنت حازماً

وإياك إن رمت الهدى تتفوقُ

ففي العلم ما تهواه من كل مطلب

وطالبه بالنور والحق يشرقُ

فإن رمت جاهاً وارتفاعاً ورتبة

ففي العلم ما تهدى له ويشوّقُ

وإن رمت مالاً كان في العلم كسبه

ففز بالرضى واختر لما هو أوفقُ

وأحسن في الدارين عقبى ورفعة

فبادر فإني صادق ومصدّقُ

وفي الجهل قبل الموت موت لأهله

ويوم اللقا نار تلظى وتحرقُ

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن لبعض إخوانه من طلبة العلم: والذي أوصيكم به جميعاً ونفسي: تقوى الله تعالى، والإخلاص لوجهه الكريم في طلب العلم وغيره، لتفوزوا بالأجر العظيم. وليحذر كل عاقل أن يطلب العلم للمماراة والمباهاة، فإن في ذلك خطراً عظيماً؛ ومثل ذلك طلب العلم لعرض الدنيا والجاه، والترأس بين أهلها وطلب المحمدة، وذلك هو الخسران المبين، ولو لم يكن في الزجر عن ذلك إلا قول الله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة هود آية: 15-16] .

وفي حديث أنس مرفوعاً: " من تعلم العلم ليباهي به العلماء، أو ليجاري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه، فهو في النار "1. وهذا القدر كاف في النصيحة؛ وفقنا الله وإياكم لحسن القبول. وقد

1 ابن ماجة: المقدمة (253) .

ص: 348

بلغني أنكم اختلفتم في مسائل، أدى إلى التنازع والجدال، وليس هذا شأن طلاب الآخرة؛ فاتقوا الله وتأدبوا بآداب العلم، واطلبوا ثواب الله في تعلمه وتعليمه، وأتبعوا العلم بالعمل فإنه ثمرته، والسبب في حصوله كما في الأثر: من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم; وكونوا متعاونين على البر والتقوى. ومن علامات إخلاص طالب العلم: أن يكون صموتاً عما لا يعنيه، متذللاً لربه، متواضعاً لعبادته، متورعاً متأدباً، لا يبالي ظهر الحق على لسانه أو لسان غيره، لا ينتصر ولا يفخر، ولا يحقد ولا يحسد، ولا يميل به الهوى ولا يركن إلى زينة الدنيا.

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله: عن رفع اليدين بالدعاء عند فراغ الدرس؟

فأجاب: الحمد لله، أما رفع اليدين بالدعاء عند فراغ الدرس، فلا ريب أنه من محدثات الأمور، وأنه من البدع التي ينهى عنها، ولم يقع لنا عن أحد من أهل العلم سلفاً وخلفاً ممن يقتدى به، يفعل هذا إلى يومنا هذا. فمن أين جاءتهم هذه البدعة؟ فإن قال قائل: كان الحسن البصري يدعو في مجلس الحديث، فالجواب: أنه هو الذي يدعو بنفسه، من غير رفع

ص: 349

يدين، ولا كان أحد ممن حضر يدعو أو يرفع يديه، ولو طلب منه الدليل، لم يوجد عنده ما يدل على هذا، والله أعلم.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن الاجتماع في رمضان لأجل قراءة القرآن مع التدبر؟

فأجاب: لا بأس بذلك، بل ورد الحث عليه فيما رواه مسلم في صحيحه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ما جلس قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا غشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده "1.

وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن القراءة بالألحان

إلخ؟

فأجاب: كرهها العلماء، وقال أحمد ومالك: هي بدعة; وقال أحمد: يحسن صوته بالقراءة; وقال الشيخ تقي الدين: التلحين الذي يشبه الغناء مكروه، والألحان التي كره العلماء القراءة بها، هي التي تتضمن قصر الحرف الممدود، ومد المقصور، وتحريك الساكن، وتسكين المتحرك، ونحو ذلك، يفعلون ذلك لموافقة نغمات الأغاني المطربة، ولها عند أهلها أسماء كالبربطي، والرومي، والمكي، والإسكندراني.

وسئل: عن الدعاء قبل الشروع في سورة براءة؟

فأجاب: هذا مبتدع لا أصل له، بل الذي ذكروا: أنه يسكت سكتة بينها وبين سورة الأنفال، بقدر البسملة أو أقل.

1 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699)، والترمذي: القراءات (2945)، وأبو داود: الصلاة (1455)، وابن ماجة: المقدمة (225) ، وأحمد (2/252) .

ص: 350

سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: عن التكبير عند آخر كل سورة من سورة الضحى إلى آخر القرآن؟

فأجاب: فيه خلاف، ولم يستحبه الشيخ تقي الدين، إلا لمن يقرأ بقراءة ابن كثير، وأما من قرأ بقراءة عاصم التي هي أغلب قراءة الناس اليوم فلا.

سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن الدعاء عند الختم؟

فأجاب: الدعاء عند الختم مستحب، فعله بعض الصحابة؛ وأما رفع اليدين فلا بأس به، يستحبه كثير من العلماء، وورد الحديث في الجملة، لا في هذا خاصة.

وسئل: عن جعل أوراق المصحف في قطائع 1؟

فأجاب: لا ينبغي ذلك: لأن في ذلك ابتذالاً له ينافي تعظيمه، فيتعين تغيير ذلك إما بالدفن؛ ولا بأس بدفنه في صحراء أو بمسجد، وإن حرق فلا بأس، لما في البخاري: أن الصحابة حرقته - بالحاء المهملة - لما جمعوه، قال ابن الجوزي: ذلك لتعظيمه وصيانته. وروي أن عثمان دفن

1 فقد كان بعض من يحبك الكتب ويجلدها يستعمل أوراق الكتب التالفة داخل الأغلفة، لتقوية التجليد وتجميله.

ص: 351

المصاحف بين القبر والمنبر. ومن مزق من كتب أهل السنة شيئاً، فإن كان الكتاب مشتملاً على آيات أو أحاديث، وفعل ذلك امتهاناً له، فلا يبعد القول بكفره.

وقال الشيخ عبد الله أبا بطين: أما قول بعض الناس إذا سئل عن شيء قال: الله ورسوله أعلم، فهذا يجري على ألسنة كثير من الناس من غير اعتقاد شيء، فالواجب تعليم مثل هذا.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن الكتابة في المجلس؟

فأجاب: أما الكتابة في المجلس الذي فيه جماعة جالسون، فلا بأس به، خصوصاً إذا كان لا يرفع صوته بالحديث الذي هو يكتب فيه، ولا يشغله الكلام عما هو فيه؛ فأما إن كان يتكلم بالحديث، فلا يناسب أنهم يرفعون أصواتهم فوق صوته، بل المناسب التأدب مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنْزيهه عن اللغط. وأما إذا لم يكن هناك محذور فلا بأس. ومن نهى عن ذلك فلا أعلم له دليلا.

ص: 352

فصل

سئل الشيخ سعيد بن حجي: عن وقت الوتر، هل هو متعلق بوقتالعشاء؟ أو بصلاة العشاء؟

فأجاب: اعلم أن وقت الوتر ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر الثاني، فإن أخر الوتر حتى طلع الفجر فات وقته، وصلاه قضاء; وهذا مذهب متأخري الحنابلة، لقوله صلى الله عليه وسلم:" أوتروا قبل أن تصبحوا " 1، رواه مسلم. والرواية الثانية عن أحمد أن وقته من صلاة العشاء إلى صلاة الصبح، لقوله صلى الله عليه وسلم:" إن الله زادكم صلاة، فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح " 2، رواه أحمد، فيدخل في كلامه ما لو جمع العشاء مع المغرب تقديماً.

قال في الإقناع: ووقت الوتر بعد صلاة العشاء وسنتها، ولو في جمع تقديم إلى طلوع الفجر الثاني، ولا يصح قبل العشاء.

سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله تعالى: عن الأفضل في التهجد: طول القيام، أو الركوع والسجود والجهر؟ وما يقول في الركوع، وبعد الرفع

إلخ؟

فأجاب: أما التهجد، فالأفضل فيه ما ثبت وصح عن

1 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (754)، والترمذي: الصلاة (468)، والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1683)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1189) ، وأحمد (3/13، 3/37) .

2 أحمد (6/397) .

ص: 353

رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة تهجده، وأنه كان يطيل الركوع والسجود إذا أطال القيام، فإذا خفف القيام وأوجز القراءة، صنع كذلك في الركوع والسجود.

والقيام فيه القراءة، وهي أفضل الأقوال; والركوع والسجود أفضل الهيئات والأفعال; فينبغي للمتهجد أن يعطي كل ركن حقه، ويراعي المناسبة; وأما الإخفات والجهر، فالجهر يسن للإمام، وحيث لا يتأذى بصوته نائم أو متهجد؛ وإذا كان أنشط، وأدعى للتدبر، فالأولى الجهر.

وأما أفضل ما يقوله في ركوعه وسجوده، فهو ما ثبت وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التسبيح: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى، وسبحان الملك القدوس في ركوعه، والدعاء بما ورد في محله تحصل به الفضيلة، لأن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم هو الكمال.

وأما ما يقول بعد التسميع، فقد ثبت في الأحاديث ما فيه كفاية، وفي المنتقى وكتب الحديث عندكم ما فيه.

وأما التربع في صلاة القاعد: فصح الحديث: " أن صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم " 1، وما علمت أحداً قال إن المتربع كالقائم.

وعليك بطلب العلم والحرص على ذلك. والمسائل المذكورة، وجوابها فيما عندكم من كتب الحديث مقرر

1 النسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1659)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1229) ، وأحمد (2/162، 2/192)، ومالك: النداء للصلاة (310) .

ص: 354

مفصل; ثم حضه على القراءة في كتب الحديث، والتفسير، وملازمة فلان. ثم قال: وقد قيل:

دين محمد آثار نعْـ

ـم المطية للفتى أخبار

وكثير من أهل العلم يشتغل في آخر عمره بالقرآن وتدبره، وقراءة الصحيحين وسماعهما في كل مجلس.

سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: عمن يقدم ورده بعد العشاء، ويوتر قبل النوم، هل يكتب له قيام الليل، أم لا؟

فأجاب: نعم، يكتب له قيام الليل بصلاة العشاء الآخرة في جماعة، ويبقى ورده زيادة أجر له، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله "1.

وأما وتره قبل النوم، فقد ثبت فعله عن جماعة من الصحابة، رضي الله عنهم، وذلك بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم لهم إلى ذلك، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:" أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر " 2، رواه البخاري ومسلم. ولمسلم أيضاً من حديث أبي الدرداء قال: ?" أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث "; فذكر الحديث، وفيه: " وأن لا أنام

1 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (656)، والترمذي: الصلاة (221)، وأبو داود: الصلاة (555) ، وأحمد (1/58، 1/68)، ومالك: النداء للصلاة (297)، والدارمي: الصلاة (1224) .

2 البخاري: الجمعة (1178)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (721)، والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1678)، وأبو داود: الصلاة (1432) ، وأحمد (2/265، 2/392، 2/459، 2/526)، والدارمي: الصلاة (1454) والصوم (1745) .

ص: 355

حتى أوتر "، ورواه الإمام أحمد من حديث أبي ذر، قال: ?" أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث "، فذكر منهن الوتر قبل النوم، وإنما أوصاهم بذلك لأنهم لم يكن لهم عادة بقيام الليل، وإلا فمن كانت عادته الاستيقاظ فوتره آخر الليل أفضل.

واعلم: أن وقت الوتر من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وهذا منصوص الإمام أحمد، لما روي من حديث خارجة بن حذافة أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إن الله أمدكم بصلاة خير لكم من حمر النعم، الوتر جعله الله ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر " 1، رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وروى أحمد نحوه من حديث أبي نضرة.

وسئل: عن فعل الوتر وهو حاقن ونحوه؟

فأجاب: أما من أراد فعل الوتر وهو حاقن ونحوه، فالذي يظهر لي أنه لا يفعله مع تلك الحال، ولو خرج وقته بخلاف الفريضة، لأن تأخيرها عن وقتها حرام وليس الوتر كذلك؛ ولذا قال في شرح المنتهى في المسألة: ما لم يضق وقت المكتوبة عن جميعها فيه، يعني فلا يفوت وقت المكتوبة، فكان ذكره المكتوبة فيه إشارة إلى أن غيرها ليس كذلك، والله أعلم.

1 الترمذي: الصلاة (452)، وأبو داود: الصلاة (1418)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1168)، والدارمي: الصلاة (1576) .

ص: 356

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن: عن وقت القنوت ورفع اليدين فيه والتكبير قبله؟

فأجاب: أما دعاء القنوت فبعد الركوع، ورفع اليدين فيه جائز، والتكبير قبله محدث.

وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن الجهر بدعاء القنوت

إلخ؟

فأجاب: وأما القنوت فإن كان إماماً جهر به، وأمن المأمومون جهراً.

وسئل: عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قنوت الوتر

إلخ؟

فأجاب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قنوت الوتر مستحبة، فقيل: وآله؟ فقال: لا بأس به، كما في التشهد.

وسئل: عن قضاء الوتر؟

فأجاب: قضاء الوتر فيه عن أحمد روايتان: إحداهما: لا يقضي، اختارها الشيخ تقي الدين، رحمه الله. والرواية الثانية: يسن قضاؤه، وهذا هو المذهب، ومذهب مالك والشافعي؛ وعلى هذه الرواية هل يقتصر على ركعة؟ أم يصلي شفعه قبله؟ وهذا هو الصحيح من المذهب.

وسئل: عمن يترك الوتر؟

فأجاب: قال العلماء: الذي يداوم على ترك الوتر يفسق بتركه.

ص: 357

سئل الشيخ حسين، والشيخ عبد الله، ابنا الشيخ محمد، رحمهم الله: عن القنوت في الفرائض

إلخ؟

فأجابا: الصواب عندنا ترك القنوت في الفرائض، إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة، فإن السنة قد وردت وصحت بالقنوت في الفجر في هذه الحالة. وهذا هو الثابت عندنا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل خلفائه الراشدين، كما هو مذكور في الكتب الصحيحة، كالصحيحين وغيرهما.

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ، رحمهم الله تعالى: عن القنوت عند حدوث الأمراض؟

فأجاب: الأمراض الحادثة وقع مثلها في وقت الصحابة، رضي الله عنهم، فلم يقنتوا، ولو كان خيراً سبقونا إليه.

سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: عن قوله صلى الله عليه وسلم: " بين كل أذانين صلاة " 1

إلخ؟

فأجاب: حديث: " بين كل أذانين صلاة " حديث صحيح، كرره صلى الله عليه وسلم، وقال في الثالثة:" لمن شاء "، قال الراوي: كراهية أن يتخذها الناس سنة راتبة، فأما قبل الظهر فإن الراتبة تفعل حينئذ، وكذا الفجر إذا أذن بعد طلوع الفجر لم يفعل إلا السنة الراتبة، وأما سائر الصلوات فحسن إن شاء الله تعالى؛ وأكثر أصحابنا عبروا بإباحة الركعتين قبل المغرب، والشافعية يقولون: سنة مستحبة، والحنابلة أظنهم يحتجون بأنه صلى الله عليه وسلم

1 البخاري: الأذان (624)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (838)، والترمذي: الصلاة (185)، والنسائي: الأذان (681)، وأبو داود: الصلاة (1283)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1162) ، وأحمد (4/86، 5/54، 5/55)، والدارمي: الصلاة (1440) .

ص: 358

لم يفعلها، وكثير من الصحابة يفعلونها، وللحديث الوارد فيها:" صلوا قبل المغرب ركعتين " 1، قال في الثالثة:" لمن شاء ".

وقال الشيخ سليمان بن سحمان: وما ذكرت من الصلاة بعد الأذان لصلاة المغرب، وأغلظت في ذلك بالإنكار الشديد، أحببت أن أنقل لك كلام شيخ الإسلام: قال، رحمه الله: فإنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال: " بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة " 2، ثم قال في الثالثة:" لمن شاء " كراهية أن يتخذها الناس سنة، فهذا الحديث يدل على أن الصلاة مشروعة قبل العصر، وقبل العشاء الآخرة، وقبل المغرب، وأن ذلك ليس بسنة. وكذلك قد ثبت أنهم كانوا يصلون بين أذان المغرب وهو يراهم فلا ينهاهم، ولا يأمرهم، ولا يفعل هو ذلك؛ فدل على أن ذلك فعل جائز.

وقد احتج بعض الناس على الصلاة قبل الجمعة بقوله: " بين كل أذانين صلاة "، وعارضه غيره فقال: الأذان الذي على المنائر لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن عثمان أمر به لما كثر الناس على عهده، ولم يكن يبلغهم الأذان حين خروجه وقعوده على المنبر؛ ويتوجه أن يقال: هذا الأذان لما سنه عثمان واتفق المسلمون عليه صار أذاناً شرعياً، وحينئذ فتكون الصلاة بينه وبين الأذان الثاني جائزة حسنة، وليست سنة راتبة، كالصلاة قبل صلاة المغرب، وحينئذ من فعل ذلك لم ينكر عليه، ومن ترك ذلك لم ينكر عليه؛ وهذا أعدل الأقوال،

1 البخاري: الجمعة (1183) والاعتصام بالكتاب والسنة (7368)، وأبو داود: الصلاة (1281) ، وأحمد (5/55) .

2 البخاري: الأذان (624)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (838)، والترمذي: الصلاة (185)، والنسائي: الأذان (681)، وأبو داود: الصلاة (1283)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1162) ، وأحمد (4/86، 5/54، 5/55)، والدارمي: الصلاة (1440) .

ص: 359

وكلام الإمام أحمد يدل عليه; وحينئذ فقد يكون تركها أفضل إذا كان الجهال يطنون أن هذه سنة راتبة أو أنها واجبة، فتترك حتى يعرف الناس أنها ليست بسنة راتبة ولا واجبة، لا سيما إذا داوم الناس عليها، فينبغي تركها أحياناً حتى لا تشبه الفرض.

والمقصود أن شيخ الإسلام قال: فهذا الحديث يدل على أن الصلاة مشروعة قبل العصر، وقبل العشاء الآخرة، وقبل المغرب، وأن ذلك ليس بسنة; وأنت تقول إنها سنة وتغلظ في ذلك. ثم قال الشيخ: وكذلك ثبت أنهم كانوا يصلون بين أذان المغرب وهو يراهم فلا ينهاهم ولا يأمرهم ولا يفعل هو ذلك؛ فدل على أن هذا فعل جائز. وأنت تأمر بذلك وتشدد الإنكار على تركه، والنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:" بين كل أذانين صلاة "، إنما هو بيان للجواز لا أن ذلك سنة؛ ولو كان سنة لفعله، ولأمر من يترك ذلك بالصلاة. قال شيخ الإسلام: فمن فعل ذلك لم ينكر عليه، ومن ترك ذلك لم ينكر عليه؛ وهذا أعدل الأقوال، وكلام الإمام أحمد يدل عليه; فالذي أحبه لك: أن تأخذ بأعدل الأقوال، وأنا - ولله الحمد - أفعله أحياناً لكي لا أرى التغليظ في الأمور الجائزة. أما السنن الراتبة، والوتر، فقد ذكر العلماء، أنه لا يتركها إلا رجل سوء.

ص: 360

وسئل بعضهم: ما قولكم في الرواتب، كم قدرها، ووقتها؟ وأيها أفضل؟

فأجاب: ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر، قال:" حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الصبح " 1، وفي حديث في الصحيح، قال:" حفظت عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعاً " 2، فيحمل على أنه كان يصلي تارة أربعاً قبل الظهر، وتارة الركعتين.

وذكر العلماء أن آكد التطوع: الكسوف، ثم الوتر، ثم ركعتا الفجر، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدعهن، لا حضراً ولا سفراً.

سئل بعضهم: ما قولكم في ترك السنن من غير استخفاف بها، ما الحكم؟

فأجاب: الذي ذكره أهل العلم أنه متى ترك السنن، وداوم عليها من غير استخفاف بها، أنه يكون ناقصاً، ولا تقبل شهادته.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن فعل الرواتب في السفر؟

فأجاب: الذي يصلي الرواتب في البر لا ينكر عليه، والأفضل ترك الرواتب، إلا الوتر وسنة الفجر.

1 البخاري: الجمعة (1181)، والترمذي: الصلاة (433) ، وأحمد (2/6، 2/63، 2/73، 2/74 ، 2/99، 2/100، 2/117، 2/141)، والدارمي: الصلاة (1437) .

2 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (730) .

ص: 361

سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، رحمه الله تعالى: عن رفع اليدين بعد السنن؟

فأجاب: وأما رفع اليدين بالدعاء بعد السنن، أرجو أن لا بأس به، لكن اجتهاد الإنسان بالدعاء قبل السلام أولى وأحرى للإجابة.

قال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: وأما صلاة التراويح، فسنة لا بأس بالجماعة فيها والمواظبة عليها.

وأجاب أيضاً: صلاة التراويح في رمضان مستحبة، وفعلها جماعة أفضل، وكذا القنوت في النصف الآخر من رمضان.

وأجاب الشيخ حمد بن عبد العزيز: أما التراويح، ففعل الصحابة لها مشهور، وتلقته الأمة عنهم خلفاً بعد سلف؛ وأول من جمعهم على صلاة الليل في رمضان عمر رضي الله عنه وهو خليفة راشد. ولا ينكر التراويح إلا أهل البدع من الرافضة وغيرهم; ونفس قيام الليل ورد عنه صلى الله عليه وسلم من أوجه متعددة كلها جائزة، وإن كان بعضها أرجح من بعض عند أهل التحقيق، لكن النهي عن التراويح هو البدعة، إذ كان قد صلى بأصحابه في ليالي الوتر من العشر، كما قالت عائشة وأبو ذر وأنس، رضي الله عنهم، وبعض ذلك في الصحيح.

ص: 362

وقال صلى الله عليه وسلم: " من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة "1. وكان الإمام أحمد يصلي مع الإمام حتى ينصرف. والزيادة في الركعات والنقص أمر واسع إذا حصل الوتر في آخرها؛ وقد ورد أن حذيفة صلى معه صلى الله عليه وسلم في ليلة من رمضان، وقرأ بالبقرة، ثم بالنساء، ثم بآل عمران، أظنه قال: في ركعتين، حتى استوعب الليل في ذلك، ومرة صلى أربع ركعات كذلك، ولابن عباس أنه صلى ثلاث عشرة، وعائشة روت أنه صلى إحدى عشرة.

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: عن عدد التراويح؟

فأجاب: الذي استحب أن تكون عشرين ركعة.

وأجاب ابنه الشيخ: عبد الله، رحمهما الله: الذي ذكره العلماء، رحمهم الله، أن التراويح عشرون ركعة، وأن لا ينقص عن هذا العدد إلا إن أراد أن يزيد في القراءة بقدر ما ينقص من الركعات؛ ولهذا اختلف عمل السلف في الزيادة والنقصان، وعمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي بن كعب، صلى بهم عشرين ركعة.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما صلاة التراويح أقل من العشرين فلا بأس، والصحابة، رضي الله عنهم، منهم من يقل ومنهم من يكثر; والحد المحدود لا نص عليه من الشارع صحيح.

1 الترمذي: الصوم (806)، والنسائي: السهو (1364)، وأبو داود: الصلاة (1375)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1327) ، وأحمد (5/159)، والدارمي: الصوم (1777) .

ص: 363

وقال أيضاً، رحمه الله تعالى: مسألة في الجواب عما أنكره بعض الناس من صلاتنا في العشر الأواخر من رمضان، زيادة على المعتاد في العشرين الأول، وسبب إنكارهم لذلك: غلبة العادة، والجهل بالسنة وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام.

فنقول: قد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالترغيب في قيام رمضان والحث عليه، وتأكيد ذلك في عشره الأخير، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، فيقول:" من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " 1، وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" فرض الله عليكم صيام رمضان، وسن لكم قيامه "2.

وفي الصحيحين عن عائشة، رضي الله عنها، قالت:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد المئزر " 3، وصلى صلى الله عليه وسلم ليلة من رمضان جماعة في أول الشهر، وكذلك في العشر. وفي صحيح مسلم عن أنس قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه، فجاء رجل آخر فقام أيضاً، حتى كنا رهطاً. فلما أحس أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة. ثم دخل رحله فصلى صلاة لا يصليها عندنا، فقلت له حين أصبح: فطنت لنا الليلة؟ قال: نعم، ذلك الذي حملني على ما صنعت "4. وعن عائشة قالت:

1 البخاري: صلاة التراويح (2014)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (760)، والترمذي: الصوم (683)، والنسائي: الصيام (2199، 2200، 2205)، وأبو داود: الصلاة (1372) ، وأحمد (2/473، 2/503)، والدارمي: الصوم (1776) .

2 النسائي: الصيام (2210)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1328) .

3 البخاري: صلاة التراويح (2024)، ومسلم: الاعتكاف (1174)، والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1639)، وأبو داود: الصلاة (1376)، وابن ماجة: الصيام (1768) ، وأحمد (6/40) .

4 مسلم: الصيام (1104) ، وأحمد (3/193) .

ص: 364

" صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فصلى بصلاته أناس كثير. ثم صلى من القابلة فكثروا. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: قد رأيت صنيعكم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا خشية أن يفرض عليكم " 1، وذلك في رمضان، أخرجاه في الصحيحين.

وفي السنن عن أبي ذر رضي الله عنه قال: " صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل. ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة. ثم لم يقم بنا حتى بقي ثلاث من الشهر، فصلى بنا في الثالثة، ودعا أهله ونساءه، وقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قيل: وما الفلاح؟ قال السحور " 2، صححه الترمذي، واحتح الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث أن فعل التراويح جماعة أفضل; وقال شيخ الإسلام تقي الدين، رحمه الله: وفي قوله صلى الله عليه وسلم: " من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة " 3 ترغيب في قيام رمضان خلف الإمام، وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقة؛ وكان الناس يصلونها جماعات في المسجد على عهده صلى الله عليه وسلم، وإقراره سنة منه صلى الله عليه وسلم. انتهى.

فلما تقرر أن قيام رمضان، وإحياء العشر الأواخر سنة مؤكدة، وأنه في جماعة أفضل، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يوقت في ذلك

1 البخاري: الأذان (729)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (761)، والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1604)، وأبو داود: الصلاة (1373) ، وأحمد (6/177)، ومالك: النداء للصلاة (250) .

2 الترمذي: الصوم (806)، والنسائي: السهو (1364)، وأبو داود: الصلاة (1375)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1327)، والدارمي: الصوم (1777) .

3 الترمذي: الصوم (806)، والنسائي: السهو (1364)، وأبو داود: الصلاة (1375)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1327) ، وأحمد (5/159)، والدارمي: الصوم (1777) .

ص: 365

عدداً، علمنا أنه لا توقيت في ذلك. وفي الصحيحين عن عائشة قالت:" ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة "1. وفي بعض طرق حديث حذيفة الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة: سورة البقرة والنساء وآل عمران، أنه لم يصل في تلك الليلة إلا ركعتين، وأن ذلك في رمضان.

وروي عن الصحابة، رضي الله عنهم، في التراويح أنواع، واختلف العلماء في المختار منها، مع تجويزهم لفعل الجميع؛ فاختار الشافعي وأحمد عشرين ركعة، مع أن أحمد نص على أنه لا بأس بالزيادة، وقال: روي في ذلك ألوان ولم يقض فيه بشيء. وقال عبد الله بن أحمد: رأيت أبي يصلي في رمضان ما لا يحصى من التراويح. واختار مالك ستاً وثلاثين ركعة. وحكى الترمذي عن بعض العلماء اختيار إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، قال: وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم بالمدينة; وقال إسحاق بن إبراهيم: نختار إحدى وأربعين ركعة على ما روي عن أبي بن كعب.

قال الشيخ تقي الدين: والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد: عشرين ركعة، أو كمذهب مالك: ستاً وثلاثين، أو ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة، فقد أحسن كما نص عليه أحمد لعدم التوقيت، فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره. وقد تقدم قول عائشة: " ما

1 البخاري: المناقب (3569)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (738)، والترمذي: الصلاة (439)، والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1697)، وأبو داود: الصلاة (1341) ، وأحمد (6/36، 6/73)، ومالك: النداء للصلاة (265) .

ص: 366

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة " 1 وقولها: " كان إذا دخل العشر أحيا ليله " 2. وفي الموطإ عن السائب بن يزيد، قال: "أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري، أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة؛ وكان القاري يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر ". وفي الموطإ عن عبد الله بن أبي بكر، قال: سمعت أبي يقول: "كنا ننصرف في رمضان من القيام، فنتعجل الخدم بالطعام مخافة فوت السحور ". وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن طاووس، قال: "سمعت ابن عباس يقول: دعاني عمر أتغدى عنده، قال أبو بكر: يعني السحور في رمضان، فسمع هيعة الناس حين خرجوا من المسجد، قال ما هي؟ قال: هيعة الناس حين خرجوا من المسجد، قال: ما بقي من الليل خير مما ذهب منه ". وروى ابن أبي شيبة عن ورقاء، قال: كان سعيد بن جبير يؤمنا في رمضان، فيصلي بنا عشرين ليلة ست ترويحات، فإذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد، فصلى بنا سبع ترويحات.

فتبين بذلك، أن الصحابة والتابعين كانوا يمدون الصلاة إلى قريب طلوع الفجر؛ والظاهر من مجموع الآثار: أن هذا يكون منهم في بعض الليالي دون بعض، ويحتمل أن يكون ذلك في العشر الأواخر، لما ذكرنا من حديث أبي ذر: أن

1 البخاري: الجمعة (1147)، والترمذي: الصلاة (439)، والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1697)، وأبو داود: الصلاة (1341) ، وأحمد (6/36، 6/73)، ومالك: النداء للصلاة (265) .

2 البخاري: صلاة التراويح (2024)، ومسلم: الاعتكاف (1174)، والترمذي: الصوم (796)، والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1639)، وأبو داود: الصلاة (1376)، وابن ماجة: الصيام (1768) ، وأحمد (6/40، 6/66، 6/68) .

ص: 367

النبي صلى الله عليه وسلم قام بهم في العشر ليلة إلى نصف الليل، وليلة إلى أن خافوا فوات السحور، ولما لم يخرج إليهم في بعض الليالي اعتذر إليهم بأنه خشي أن يفرض عليهم. فما أعظم جراءة من يقول: إن مد الصلاة في العشر إلى آخر الليل بدعة، مع ما قدمنا من الأحاديث والآثار.

قال ابن القيم، رحمه الله: اختلف قول الإمام أحمد في تأخير التراويح إلى آخر الليل: فعنه: إن أخروا القيام إلى آخر الليل فلا بأس، كما قال عمر، فإن الساعة التي ينامون فيها أفضل، ولأنه يحصل قيام بعد رقدة، قال الله تعالى:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [سورة المزمل آية: 6]، وروى عنه أبو داود: لأن يؤخر القيام إلى آخر الليل سنة المسلمين أحب إلي، ووجه فعل الصحابة، ويحمل قول عمر على الترغيب في صلاة آخر الليل، ليواصلوا قيامهم إلى آخر الليل، لا أنهم يؤخرونها. انتهى. فانظر قوله ليواصلوا قيامهم إلى آخر الليل، فهلا قال إن مواصلة القيام إلى آخر الليل بدعة.

ص: 368

فصل

إذا تبين أنه لا توقيت في عدد التراويح، وأن وقتها عند جميع العلماء من بعد سنة العشاء إلى طلوع الفجر، وأن إحياء العشر سنة مؤكدة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي جماعة، كما قدمنا، فكيف ينكر على من زاد في صلاة العشر الأواخر عما يفعله أول الشهر، فيصلي في العشر أول الليل كما يفعل في أول الشهر، أو أقل، أو أكثر، من غير أن يوتر؟ وذلك لأجل الضعيف لمن يحب الاقتصار على ذلك، ثم يزيد بعد ذلك ما يسره الله في الجماعة، ويسمى الجميع قياماً وتراويح؛ وربما اغتر المنكر لذلك بقول كثير من الفقهاء: يستحب أن لا يزيد الإمام على ختمة إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة، وعللوا عدم استحباب الزيادة على ختمة بالمشقة على المأمومين، لا لكون الزيادة غير مشروعة، ودل كلامهم لو آثروا الزيادة على ختمة كان مستحباً، وذلك مصرح به في قولهم: إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة.

وأما ما يجري على ألسنة العوام، من تسميتهم ما يفعل أول الليل تراويح، وما يصلي بعد ذلك قياماً، فهو تفريق عامي، بل الكل قيام، وتراويح؛ وإنما سمي قيام رمضان

ص: 369

تراويح، لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات من أجل أنهم كانوا يطيلون الصلاة. وسبب إنكار المنكر لذلك لمخالفته ما اعتاده وألفه من عادة أهل بلده، وأكثر أهل الزمان، ولجهله بالسنة والآثار، وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام. وما يظنه بعض الناس من أن صلاتنا في العشر هي صلاة التعقيب الذي كرهه بعض العلماء، فليس كذلك، لأن التعقيب هو التطوع جماعة بعد الفراغ من التراويح والوتر؛ هذه عبارة جميع الفقهاء في تعريف التعقيب أنه التطوع جماعة بعد الوتر عقب التراويح، فكلامهم ظاهر في أن الصلاة جماعة قبل الوتر ليس هو التعقيب.

وأيضاً، فالمصلي زيادة عن عادته في أول الشهر، يقول: الكل قيام وتراويح، فهو لم يفرغ من التراويح؛ وأما تسمية الزيادة عن المعتاد قياماً، فهذه تسمية عامية، بل الكل قيام وتراويح، كما قدمنا، وأن المذهب عدم كراهة التعقيب. وعلى القول الآخر، فنص أحمد: أنهم لو تنفلوا جماعة بعد رقدة، أو من آخر الليل لم يكره. وأما اقتصار الإنسان في التراويح على إحدى عشرة ركعة فجائز، لحديث عائشة:" ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة "1. انتهى.

وأجاب أيضاً: وأما الاقتصار في التراويح على أقل من عشرين ركعة فلا بأس بذلك، وإن زاد فلا بأس؛ قال الشيخ

1 البخاري: الجمعة (1147)، والترمذي: الصلاة (439)، والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1697)، وأبو داود: الصلاة (1341) ، وأحمد (6/36، 6/73)، ومالك: النداء للصلاة (265) .

ص: 370

تقي الدين: له أن يصلي عشرين، كما هو المشهور في مذهب أحمد والشافعي، قال: وله أن يصلي ستاً وثلاثين ركعة، كما هو مذهب مالك; قال الشيخ: وله أن يصلي إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، قال: وكله حسن كما نص عليه الإمام أحمد، قال الشيخ: فيكون تكثير الركعات أو تقليلها، بحسب طول القيام وقصره؛ وقد استحب أحمد أن لا ينقص في التراويح عن ختمة، يعني في جميع الشهر.

وأما قوله سبحانه وتعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [سورة الذاريات آية: 17] ، فالهجوع اسم للنوم بالليل، والمشهور في معنى الآية: أنهم كانوا يهجعون قليلاً من الليل ويصلون أكثره؛ وقيل المعنى: أنهم لا ينامون كل الليل، بل يصلون فيه إما في أوله أو في آخره. وأما الاستغفار فيراد به الاستغفار المعروف، وأفضله سيد الاستغفار؛ وقال بعض المفسرين:{وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [سورة الذاريات آية: 18]، أي: يصلون، لأن صلاتهم بالأسحار لطلب المغفرة. انتهى.

وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسن: وأما إحياء العشر الأواخر من رمضان فهو السنة، لما جاء في حديث عائشة قالت:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أيقظ أهله، وأحيا ليله، وجد وشد المئزر " 1، وفي الحديث الآخر: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له

1 أحمد (1/132) .

ص: 371

ما تقدم من ذنبه " 1. وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قام الليل كله حتى السحر؛ إذا عرفت ذلك، فلا ينكر قيام العشر الأواخر إلا جاهل لا يعرف السنة. انتهى.

وأجاب الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: أما وقت الانصراف في القيام في العشر الأواخر، فلا علمت فيه تحديداً، وقيام آخر الليل أفضل من أوله، والأحسن في هذا أن الإمام يفعل الأمر الذي ما يشق على المأمومين، مع الحرص على الصلاة آخر الليل، فإذا تحرى الوقت الذي يتسع لحاجات الناس آخر الليل، بحيث لا يشق ولا يضيق الوقت عن حاجاتهم، فما زاد عنه لا حاجة إليه، واشتغالهم بالصلاة آخر الليل أولى من النوم.

وسئل: عن نقض الوتر؟

فأجاب: إذا سلم من الوتر وقام وصلى ركعة ينقض بها وتره، فمثل هذا ينهى عنه، ولا علمت أحداً من السلف فعله. فإذا أحب الإمام أن يجعل وتره آخر الليل، فلينصرف إذا فرغ من التراويح، ويستخلف من يوتر بالمأمومين، فإن أحب أن لا ينصرف إلا بعد الفراغ من الوتر، فإذا بقي ركعة من الوتر استخلف غيره يصلي بهم تلك الركعة، ويصلي معهم تلك الركعة، فإذا سلم الإمام قام بعد السلام وشفعها بركعة. والمسألة التي فيها الاختلاف في نقض الوتر غير هذه،

1 البخاري: صلاة التراويح (2014)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (760)، والترمذي: الصوم (683)، والنسائي: الصيام (2199، 2200، 2205)، وأبو داود: الصلاة (1372) ، وأحمد (2/473، 2/503)، والدارمي: الصوم (1776) .

ص: 372

وصورتها: أن يوتر أول الليل، ثم يبدو له بعد ذلك أن يتنفل آخر الليل، هل ينقض وتره بركعة إذا قام آخر الليل، ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر؟ أم لا ينقضه، بل يصلي مثنى مثنى، ولا يعيد الوتر؟ فهذه المسألة الخلاف فيها مشهور، وأما المسألة المسؤول عنها فلا ينبغي فعلها، وفي الحديث:"لا وتران في ليلة "1.

سئل ابنه الشيخ عبد اللطيف: عن صلاة التراويح في السفر جماعة؟

فأجاب: اعلم أن العبادات توقيفية، وترك الشارع للفعل مع قيام مقتضيه دليل للترك، كما أن فعله دليل لطلب الفعل; وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه عدة أسفار في رمضان، ولم ينقل عنه ولا عن أحد من أصحابه فيما بلغنا، فعلها جماعة؛ وهذا دليل كاف سالم من المعارض. والثاني: أن المشروع في السفر قصر الرباعية، وترك نوافل الرواتب، وهي آكد النوافل على الصحيح، بل لم يشرع الجمعة والعيدان، وهما فرضان؛ وهذا بين بحمد الله.

وأيضاً، فقول شيخ الإسلام، ومن وافقه: تفعل النوافل المطلقة في السفر لا المقيدة، يدخل هذه القضية ويستفيدها طالب العلم منه. وقولك: وهو مما تسن له الجماعة، عبارة فيها تساهل، والجماعة تشرع له تبعاً لا استقلالاً، كما هو مقرر في محله. وأما اتفاق الغزو على الصوم، فكنت أحب

1 الترمذي: الصلاة (470)، والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1679)، وأبو داود: الصلاة (1439) .

ص: 373

لهم الأفضل وموافقة السنة، في عدم الاتفاق على ترك قبول الرخصة التي يحبها الله؛ واعلم أن هذا هو الموجب لترك فعلها جماعة، وأما النهي عن ذلك فلم أنه أحداً عنه.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله: عن العجلة في صلاة التراويح؟

فأجاب: قولك إن الإمام إذا استعجل صلى معه أكثر الناس، وإذا طول لم يصل معه إلا القليل، فإن الشيطان له غرض، ويحرص على ترك العمل، فإن عجز عن ذلك سعى فيما يبطل العمل؛ وكثير من الأئمة في البلدان يفعل في صلاة التراويح فعل أهل الجاهلية، ويصلون صلاة ما يعقلونها، ولا يطمئنون في السجود ولا في الركوع; والطمأنينة ركن، ما تصح الصلاة إلا بها; والمطلوب في الصلاة حضور القلب بين يدي الله تعالى، واتعاظه لكلام الله تعالى إذا يتلى عليه، والخشوع والطمأنينة، وهذه في الغالب ما تحصل للإنسان الذي يود العجلة. فإذا أردت أن تصلي مع الإمام عشرين مع العجلة، فصل معه عشراً بخشوع وطمأنينة، فهي أنفع لك من كثرة الركعات بلا خشوع ولا طمأنينة؛ وهذا الذي ذكرناه هو الذي ينبغي فعله.

وأما إذا حدث فرقة بين الجماعة وبين الإمام، وصار هواهم في التخفيف ولا وافقوه على فعل السنة، فالذي ينبغي له الحرص على الطمأنينة، ولا يستعجل عجلة تخل

ص: 374

بالطمأنينة، وعلى هذه الحال تقصير القراءة مع الخشوع في الركوع والسجود، أولى من طول القراءة مع العجلة المكروهة. وكذلك صلاة عشر ركعات مع طول القراءة والطمأنينة في الركوع والسجود، أولى من عشرين ركعة مع العجلة المكروهة، لأن لب الصلاة وروحها، هو إقبال القلب على الله فيها، ورب قليل خير من كثير.

وأما الاستفتاح، فلا بأس بتركه إذا استفتح في أول الصلاة، ثم بعد ذلك يقتصر على التعوذ والبسملة بعد تكبيرة الإحرام، ولا بأس بذلك، لأن الاستفتاح سنة، ولو تركه الإنسان في الفرض صحت صلاته; وأما السرعة في القراءة، فالترتيل أفضل من السرعة، والسرعة المباحة هي التي لا يحصل معها إسقاط شيء من الحروف؛ فإن أسقط بعض الحروف لأجل السرعة، لم يجز ذلك له وينهى عنه. وأما إذا قرأ قراءة بينة ينتفع بها المصلون خلفه، ولا يسقط شيئاً من الحروف، فهذا حسن ولا يضره مع ذلك سرعته في القراءة. وأما القراءة، فاستحب أهل العلم للإمام أن لا ينقص عن قراءة جزء، ليحصل للناس سماع جميع القرآن في التراويح. وأما قدر التسبيح في الركوع والسجود، فأدنى الكمال ثلاث، فإن اقتصر على تسبيحة واحدة أجزأه، وسواء في ذلك الفريضة والنافلة. وأما التشهد، فالذي لا بد منه هو التشهد الأول، ثم يقول: اللهم صل على محمد، فإن اقتصر على ذلك أجزأه، وإن زاد فهو أفضل وأكمل.

ص: 375

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن: عن الصلاة بين التراويح، هل هو التعقيب

إلخ؟

فأجاب: التعقيب صلاته بعد التراويح والوتر جماعة، نص عليه أحمد، وجزم به جمهور الأصحاب؛ قال في المبدع: وظاهره أنه إذا تطوع بعدها وحده لا يكره، وصرح به ابن القيم في البدائع. قال حنبل: كان أبو عبد الله يصلي معنا، فإذا فرغنا من الترويحة جلس وجلسنا، وربما تحدث ويسأل عن الشيء فيجيب، ثم يقوم فيصلي، ثم يدعو بدعوات ثم يوتر ثم ينصرف. انتهى. فقد عرفت أنه لا يسمى تعقيباً، وأن الإمام أحمد كان يفعله فيكون مباحاً.

سئل الشيخ أبا بطين: عن الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التراويح؟

فأجاب: لم نعلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في تلك الحال حتى يسأل عن الجهر بها، إنما المشروع قول: سبحان الملك القدوس، ثلاثاً.

وسئل عن قول الفضيل بن عياض، رحمه الله: العمل لأجل الناس شرك، وترك العمل لأجل الناس رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما؟

فأجاب: أما قوله، رحمه الله: العمل لأجل الناس شرك، فهذا ظاهر، يدل عليه القرآن والسنة، والإشكال في قوله: وترك

ص: 376

العمل لأجل الناس رياء، فيحتمل أن مراده: أن يترك عمل خير لئلا يقال مرائي.

وسئل، رحمه الله: عن التكبير عند الرفع من سجود التلاوة والتشهد والتسليم؟

فأجاب: قال ابن القيم في الهدي: ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر للرفع من السجود، يعني سجود التلاوة، قال: ولذلك لم يذكره الخرقي ومتقدمو الأصحاب، ولا نقل عنه فيه تشهد ولا سلام البتة. وأنكر أحمد والشافعي السلام فيه; فالمنصوص عن الشافعي: أنه لا تشهد فيه ولا تسليم; وقال أحمد: أما التسليم فلا أدري ما هو، وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي غيره.

سئل الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ محمد، رحمهم الله: عن تقدير وقت النهي بعد طلوع الشمس بالرمح

إلخ؟

فأجاب: أما تقدير وقت النهي بعد طلوع الشمس بالرمح، ففي حديث عمرو بن عبسة:"ثم اقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس قيد رمح أو رمحين "، قال في المبدع: والظاهر أنه الرمح المعروف; وقال في المستوعب: لا تحديد; والمراد قدره في رأي العين، وإلا فالمسافة بعيدة جداً، كذا قال بعضهم. وأما الزانة، فهي أقرب شبهاً

ص: 377

بالعنَزة، لقول أبي السعادات في النهاية: العنَزة مثل نصف الرمح أو أكبر شيئاً. انتهى 1.

سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن قدر وقت النهي عند قيام الشمس

إلخ؟

فأجاب: وقت النهي عند قيام الشمس يعرف بتناهي الظل في النقص، فإذا وقف عن النقص قبل أن يأخذ في الزيادة فهذا حين قيامها؛ وهو وقت قصير جداً، وفي كلام بعضهم: أنه ما يمكن فيه قراءة الفاتحة.

سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، رحمه الله: عن تحية المسجد وقت النهي

إلخ؟

فأجاب: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، وفيها عن أحمد روايتان: إحداهما: أنه لا يصلي التحية وقت النهي، وهو المذهب الذي عليه أكثر الأصحاب، وهو قول أصحاب الرأي لعموم النهي.

والثانية: يجوز، وهو قول الشافعي، وهو اختيار الشيخ تقي الدين، لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يركع ركعتين " 2، وهو حديث صحيح، وهو يخص أحاديث العموم، وأهل هذا القول حملوا أحاديث النهي على ما لا سبب له.

1 وفي المصباح: "الزانة": شبه مزراق يرمي بها الديلم.

2 البخاري: الجمعة (1167)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (714)، والترمذي: الصلاة (316)، والنسائي: المساجد (730)، وأبو داود: الصلاة (467)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1013) ، وأحمد (5/295، 5/303، 5/305، 5/311)، والدارمي: الصلاة (1393) .

ص: 378

وأما ذوات الأسباب، كركعتي الطواف، وتحية المسجد، وإعادة الصلاة إذا صلاها في رحله، وإعادة صلاة الفجر إذا صلاها في رحله ثم حضر الجماعة وهم يصلون، ونحو ذلك، فهذا يفعل في أوقات النهي، لأدلة دلت على ذلك، وهي تخص عموم النهي.

وكما أن الصلاة وقت الخطبة منهي عنها باتفاق العلماء، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر من دخل المسجد والإمام يخطب، أن يصلي ركعتين وليتجوز فيهما، وهذا نظير قوله في حديث أبي قتادة:" إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يركع ركعتين " 1، فقد نهى عن الجلوس قبل الصلاة، وذلك أمر بالصلاة، إذ لم يقل أحد أنه إذا دخل عقيب صلاة العصر، يقوم قائماً إلى غروب الشمس.

ومما يبين رجحان هذا القول: أن المانعين من فعل التحية وقت النهي، أجازوا ما هو مثلها؛ فإن مذهب الإمام أحمد، أن ركعتي الطواف تفعل في أوقات النهي، وكذلك المعادة مع إمام الحي، إذا أقيمت وهو في المسجد يصليها معهم وقت النهي، وكذلك قضاء الفوائت تفعل في أوقات النهي، وكذلك صلاة الجنازة تفعل في الوقتين الطويلين من أوقات النهي؛ هذا مذهب أحمد في هذه المسائل، فما كان جوابهم ودليلهم على جوازه، فهو دليل من أجاز تحية المسجد في هذه الأوقات، فإن قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يركع ركعتين " 2 أمر عام لجميع الأوقات، فإذا قال

1 البخاري: الجمعة (1167)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (714)، والترمذي: الصلاة (316)، والنسائي: المساجد (730)، وأبو داود: الصلاة (467)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1013) ، وأحمد (5/295، 5/303، 5/305، 5/311)، والدارمي: الصلاة (1393) .

2 البخاري: الجمعة (1167)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (714)، والترمذي: الصلاة (316)، والنسائي: المساجد (730)، وأبو داود: الصلاة (467)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1013) ، وأحمد (5/295، 5/303، 5/305، 5/311)، والدارمي: الصلاة (1393) .

ص: 379

منازعوهم: أحاديث النهي تخص هذا العموم، قالوا لهم: أنتم جوزتم الصلاة وقت الخطبة، وركعتي الطواف، وإعادة الجماعة، وقضاء الفوائت، وصلاة الجنازة، فلم تعملوا بأحاديث النهي على ظاهرها، بل خالفتم ظاهرها في صور معلومة.

وأجاب أيضاً: أما تحية المسجد، وسنة الوضوء، وسنة الطواف، وأشباه ذلك، فهذا مخصوص من النهي، واستدلوا على ذلك بحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار " 1، واستدلوا بدلائل أخر.

وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن قضاء الفوائت وقت النهي، وذوات الأسباب؟

فأجاب: أما الفوائت فتقضى في أوقات النهي، وفي فعل ذوات الأسباب خلاف معروف.

وأجاب أيضاً: فعل ذوات الأسباب في وقت النهي، الذي يظهر لي أن القول بجوازه أولى.

وأجاب أيضاً: الذي يظهر لي أن القول بجوازه أقوى.

سئل الشيخ سعيد بن حجي: هل تسقط تحية المسجد بالجلوس؟

1 الترمذي: الحج (868)، والنسائي: مناسك الحج (2924)، وأبو داود: المناسك (1894)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1254) ، وأحمد (4/81، 4/83، 4/84)، والدارمي: المناسك (1926) .

ص: 380