الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة التاسعة والعشرون: مخالفات في لباس المرأة
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
قال ابن كثير رحمه الله: أي الرجل قيِّم على المرأة، وهو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجَّت
(1)
، قال ابن عباس {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}: يعني: أمراء، عليها أن تطيعه فيما أمرها اللَّه به من طاعته، وطاعته: أن تكون محسنة لأهله، حافظة لماله
(2)
.
وللأسف أن البعض من الرجال تساهل مع زوجته وبناته ومَن تحت يده وسلَّم لهن القوامة، وترك لهن الحبل على الغارب، ولذلك نرى الكثير من ألبسة النساء التي تحتوي على مخالفات شرعية كثيرة،
(1)
تفسير ابن كثير (4/ 20).
(2)
تفسير ابن كثير (4/ 21).
وهي على قسمين:
القسم الأول: ما تلبسه المرأة عند النساء، وعند محارمها من الرجال، وفيه عدة محاذير:
أولاً: الملابس الشفافة وهذا كثيرًا ما يشاهد في حفلات الزواج والمناسبات العامة، بل وصل شرها إلى داخل البيوت، فصارت المرأة تلبسه عند النساء ومحارمها من الرجال.
ثانيًا: الملابس الضيِّقة التي تبيِّن جسم المرأة وتفاصيل خِلقتها.
ثالثًا: الملابس المفتوحة، أو الشبه عارية، أو القصيرة التي لا تستر بعض أعضائها.
رابعًا: البنطال والذي كثر لبسه في هذه الأيام بين النساء وخاصة داخل البيوت، وبعضهن تلبسه إذا خرجت وتضع العباءة فوق الكتف، مع أنه لباس الرجل.
روى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ»
(1)
.
وقد صدرت فتوى من اللجنة الدائمة برقم (21302) وجاء فيها: نظرًا لكثرة الاستفتاءات الواردة إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حول حدود نظر المرأة إلى المرأة وما يلزمها من
(1)
ص: 447 برقم 4098، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير (2/ 907) برقم 5095.
اللباس، فإن اللجنة تبيِّن لعموم نساء المسلمين: أنه يجب على المرأة أن تتخلق بخلق الحياء الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان وشعبة من شعبه، وقد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها مما جرت العادة بكشفه في البيت وحال المهنة، كما قال تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون (31)} [النور].
وإذا كان هذا هو نص القرآن وهو ما دلَّت عليه السنَّة، فإنه هو الذي جرى عليه عمل نساء الرسول صلى الله عليه وسلم ونساء الصحابة ومن اتبعهنَّ بإحسان من نساء الأمة إلى عصرنا هذا؛ وما جرت العادة بكشفه للمذكورين في الآية الكريمة: هو ما يظهر من المرأة غالبًا في البيت وحال المهنة، ويشق عليها التحرز منه: كانكشاف الرأس واليدين والعنق؛ وأما التوسع في التكشف: فعلاوة على أنه لم يدل على جوازه دليل من كتاب أو سنة، هو أيضًا طريق لفتنة المرأة والافتتان بها من بنات جنسها، وهذا موجود بينهن؛ وفيه أيضًا قدوة سيئة لغيرهن من النساء، كما أن في ذلك تشبهًا بالكافرات والبغايا الماجنات في لباسهن؛ فقد روى أبو داود في سننه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»
(1)
وروى مسلم في صحيحه من حديث عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ:«إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا»
(2)
.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا»
(3)
.
ومعنى «كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ» : وهي أن تكتسي المرأة ما لا يسترها، فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية، مثل من تلبس الثوب الرقيق الذي يشف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع جسمها، أو الثوب القصير الذي لا يستر بعض أعضائها؛ فالواجب على المسلمة الحرص على التستر والاحتشام، والتزام الهدي الذي عليه أمهات المؤمنين ونساء الصحابة، والحذر من الوقوع فيماحرمه اللَّه ورسوله من الألبسة التي فيها تشبه بالكافرات والعاهرات؛ كما يجب على كل مسلم أن يتقي اللَّه فيمن تحت ولايته من النساء، فلا يتركهن يلبسن ما حرمه اللَّه ورسوله من الألبسة الخالعة والفاتنة، وليعلم أنه راع ومسؤول عن رعيته يوم القيامة
(4)
اهـ.
(1)
ص: 441 برقم 4031، وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/ 98).
(2)
ص: 862 برقم 2077.
(3)
ص: 881 برقم 2128.
(4)
فتاوى اللجنة الدائمة (17/ 290 - 294) باختصار.
سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقيل له: يوجد ظاهرة عند بعض النساء وهي لبس الملابس القصيرة والضيقة التي تبدي المفاتن وبدون أكمام ومبدية للصدر والظهر وتكون شبه عارية تماماً، وعندما نقوم بنصحهن يقلن: إنهن لا يلبسن هذه الملابس إلا عند النساء وإن عورة المرأة مع المرأة من السرة إلى الركبة، فما حكم ذلك؟ وما حكم لبس هذه الملابس عند المحارم؟
فأجاب رحمه الله بقوله: الجواب عن هذا أن يقال: إنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا
…
»
(1)
الحديث. وفسر أهل العلم الكاسيات العاريات بأنهن اللاتي يلبسن ألبسة ضيقة أو ألبسة خفيفة لا تستر ما تحتها أو ألبسة قصيرة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن لباس النساء في بيوتهن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما بين كعب القدم وكف اليد كل هذا مستور وهن في البيوت، أما إذا خرجن إلى السوق فقد علم أن نساء الصحابة كن يلبسن ثياباً ضافيات يسحبن على الأرض، ورخص لهن النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخينه إلى ذراع
(2)
ولا يزدن على ذلك.
وأما ما اشتبه على بعض النساء من قول النبي صلى الله عليه وسلم «لَا تَنظُرِ المَرأَةُ إِلَى عَورَةِ المَرأَةِ وَلَا الرَّجُلُ إِلَى عَورَةِ الرَّجُلِ»
(3)
. وأن عورة المرأة بالنسبة للمرأة ما بين السرة والركبة من أنه يدل على تقصير المرأة لباسها فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: لبس المرأة ما بين السرة والركبة حتى
(1)
صحيح مسلم ص: 881 برقم 2128.
(2)
مسند الإمام أحمد (9/ 158) برقم 5173، وقال محققوه: صحيح على شرط الشيخين.
(3)
صحيح مسلم ص: 153 برقم 338.
يكون في ذلك حجة ولكنه قال: «لَا تَنظُرِ المَرأَةُ إِلَى عَورَةِ المَرأَةِ» ، فنهى الناظرة لأن اللابسة عليها لباس ضافي لكن أحياناً تكشف عورتها لقضاء الحاجة أو غيره من الأسباب فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنظر المرأة إلى عورة المرأة، وهل يعقل الآن أن امرأة تخرج إلى النساء ليس عليها من اللباس إلا ما يستر ما بين السرة والركبة؟ هذا لا يقوله أحد، ولم يكن هذا إلا عند نساء الكفار، فهذا الذي فهمه بعض النساء من هذا الحديث لا صحة له، والحديث معناه ظاهر.
فعلى النساء أن يتقين اللَّه، وأن يتحلين بالحياء الذي هو من خلق المرأة والذي هو من الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»
(1)
، وكما تكون المرأة مضرب المثل فيقال:«أحيا من العذراء في خدرها» ولم نعلم ولا عن نساء الجاهلية أنهن كن يسترن ما بين السرة والركبة فقط، لا عند النساء ولا عند الرجال، فهل يردن هؤلاء النساء أن تكون نساء المسلمين أبشع صورة من نساء الجاهلية؟ ! !
وأما محارمهن في النظر فكنظر المرأة إلى المرأة بمعنى أنه يجوز للمرأة أن تكشف عند محرمها ما تكشفه عند النساء، تكشف الرأس والرقبة والقدم والكف والذراع والساق وما أشبه ذلك لكن لا تجعل اللباس قصيراً
(2)
.
القسم الثاني: ما تلبسه المرأة في السوق والأماكن العامة:
1 -
لبس ما يسمى بالكاب أو العباءة المزركشة.
(1)
صحيح البخاري ص: 25 - 26 برقم 9، وصحيح مسلم ص: 48 برقم 35.
(2)
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (12/ 274 - 277).
2 -
وضع العباءة على الكتف.
3 -
لبس ما يسمى بالبرقع أو اللثام وتُخرج شيئًا من أنفها أو خدها أو شيئاً من محاسن الوجه، وقد سُئلت اللجنة الدائمة برقم (21352) عن العباءة المفصلة على الجسم، وتكون ضيقة، وتتكون من طبقتين خفيفتين من قماش الكريب، ولها كُمٌّ واسع وبها فصوص وتطريز، وهي توضع على الكتف؟ فأجابت اللجنة بأن العباءة الشرعية للمرأة وهي الجلباب وهي مما تحقق فيها قصد الشارع من كمال الستر والبعد عن الفتنة، ولا بد أن تتوفر فيها المواصفات التالية:
1 -
أن تكون سميكة لا تُظهر ما تحتها، ولا يكون لها خاصية الالتصاق.
2 -
أن تكون ساترة لجميع الجسم، واسعة لا تبدي تقاطيعه وتفاصيله.
3 -
أن تكون مفتوحة من الأمام فقط، وتكون فتحة الأكمام ضيقة.
4 -
ألا يكون فيها زينة تلفت إليها الأنظار، وعليه فلا بد من أن تخلو من الرسوم والزخارف، والكتابات والعلامات.
5 -
ألا تكون مشابهة للباس الكافرات أو الرجال.
6 -
أن توضع العباءة على هامة الرأس ابتداء.
وبناء على ما تقدم: فإن العباءة المذكورة ليست عباءة شرعية، فلا يجوز لبسها لعدم توافر الشروط فيها، ولا يجوز بيعها واستيرادها،
لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان
(1)
اهـ.
أما البرقع أو النقاب فقد سئل بعض أهل العلم المعاصرين عنه «فقال: البرقع أو النقاب الأصل فيها الجواز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَنتَقِبُ المُحرِمَةُ» ، لكن لا يجوز للمحرمة توسعة النقاب بحيث يظهر بعض الوجه كالأنف والحاجبين وبعض الخدين، فإنها قد تفتن بذلك الناظرين؛ وينبغي أن تلبس فوق البرقع خمارًا خفيفًا: لا يمنع النظر، يستر محاسن الوجه التي تظهر مع النقاب».
الخلاصة: أنه ينبغي للمسلم أن يتقي اللَّه فيمن تحت ولايته، فلا يتركهن يلبسن ما حرم اللَّه ورسوله من الألبسة المحرمة، وأن يأخذ على أيديهن فإنه مسؤول عنهن يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم:«وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»
(2)
رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
الفتوى بتاريخ 9/ 3 / 1421 هـ: نقلاً عن كتاب «العباءة لك أو عليك؟ » ، لأخينا الشيخ محمد الهبدان ص: 24 - 26.
(2)
ص: 179 برقم 893، وصحيح مسلم ص: 763 برقم 1829.