الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الحادية والثلاثون: رضوان الله
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن من أعظم نعيم أهل الجنة أن اللَّه يرضى عنهم فلا يسخط عليهم أبدًا، قال تعالى:{وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم (72)} [التوبة].
قوله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ} أي: رضوان اللَّه عليهم أكبر مما هم فيه من النعيم، فإن نعيمهم لم يطب إلا برؤية ربهم ورضاه عنهم؛ فَرِضَا اللَّه رب السماوات أكبر من نعيم الجنات، وقال تعالى:{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد (15)} [آل عمران].
روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن
(1)
.
من أسباب رضا اللَّه عن العبد في الدنيا والآخرة:
أولاً: الإيمان باللَّه والعمل الصالح، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة (7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّه (8)} [البينة].
ثانيًا: بذل النفس للَّه تعالى ولرسوله، والذَّب عن دينه، والجهاد في سبيله، قال تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} [الفتح].
ثالثًا: البراءة من الشرك والمشركين وإظهار عداوتهم، قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ
(1)
ص: 1254 برقم 6549، وصحيح مسلم ص: 1137 برقم 2829.
الْمُفْلِحُون (22)} [المجادلة]. قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - عن الذين اتصفوا بالصفات السابقة في الآية -: لهم أكبر النعيم وأفضله وهو أن اللَّه يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدًا، ويرضون عن ربهم بما يعطيهم من أنواع الكرامات ووافر المثوبات وجزيل الهبات ورفيع الدرجات، بحيث لا يرون فوق ما أعطاهم مولاهم غاية، ولا فوقه نهاية
(1)
.
رابعًا: الكلمة الطيبة: روى الإمام أحمد في مسنده من حديث بلال بن الحارث رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ عز وجل، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، يَكْتُبُ اللَّهُ عز وجل لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
(2)
.
خامسًا: الإحسان والصدقة، قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم (100)} [التوبة].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا» الحديث، وفي آخره: قال الملك للأعمى: «أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ
(1)
تفسير ابن سعدي ص: 811.
(2)
(25/ 180) برقم 15852، وقال محققوه: إسناده صحيح لغيره.
رُضِيَ عَنْكَ، وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ»
(1)
.
سادسًا: حمد اللَّه وشكره على النعم؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَاكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا»
(2)
.
سابعاً: رضا الوالدين، روى الترمذي في سننه من حديث عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«رِضَى الرَّبِّ فِي رَضِى الوَالِدِ وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الوَالِدِ»
(3)
.
ثامناً: الرضا بقضاء اللَّه وقدره، روى الترمذي في سننه من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ»
(4)
.
تاسعاً: استعمال السواك، روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن السواك:«مَطْهَرَةٌ للفَمِ، مَرْضَاةٌ للرَّبِّ»
(5)
.
(1)
ص: 667 برقم 3464، وصحيح مسلم ص: 1189 برقم 2964.
(2)
ص: 1094 برقم 2734.
(3)
ص: 321 برقم 1899، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 45) برقم 515.
(4)
ص: 393 برقم 2396، قال الترمذي: حديث حسن غريب، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (3/ 220) برقم 1220.
(5)
ص: 367 باب السواك الرطب واليابس للصائم.
ولو تتبعنا النصوص الشرعية من الكتاب والسنة لوجدنا الكثير فيها.
وينبغي للعبد أن يسعى إلى رضا اللَّه، ولو كان ذلك بسخط الناس؛ روى الإمام الترمذي في سننه من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ»
(1)
.
والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
ص: 395 برقم 2414، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (5/ 392) برقم 2311.