المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة العاشرة: فتنة الدنيا - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ٤

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولى: فوائد من قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}

- ‌الكلمة الثانية: الذلة وأسبابها

- ‌الكلمة الثالثة: العقوبات الإلهية وأسباب رفعها

- ‌الكلمة الرابعة: أخطاء في الصلاة

- ‌الكلمة الخامسة: شرح اسم الله الخالق المصوِّر

- ‌الكلمة السادسة: شرح حديث: «لَا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفسِهِ»

- ‌الكلمة السابعة: علو الهمة

- ‌الكلمة الثامنة: فتنة المال

- ‌الكلمة التاسعة: فتنة النساء

- ‌الكلمة العاشرة: فتنة الدنيا

- ‌الكلمة الحادية عشرة: النهي عن السخرية بالناس واحتقارهم

- ‌الكلمة الثانية عشرة: تأملات في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون}

- ‌الكلمة الثالثة عشرة: الغرور

- ‌الكلمة الرابعة عشرة: قسوة القلب

- ‌الكلمة الخامسة عشرة: العُجب

- ‌الكلمة السادسة عشرة: شرح اسم الله الفتَّاح

- ‌الكلمة السابعة عشرة: خطورة الكذب

- ‌الكلمة الثامنة عشرة: عصمة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الكلمة التاسعة عشرة: البشارة وفضائلها

- ‌الكلمة العشرون: تأمُّلات في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}

- ‌الكلمة الحادية والعشرون: رؤية الله تعالى

- ‌الكلمة الثانية والعشرون: سترة المصلي

- ‌الكلمة الثالثة والعشرون: سيرة مصعب بن عمير

- ‌الكلمة الرابعة والعشرون: السحر والمس والعين

- ‌الكلمة الخامسة والعشرون: الأمن من مكر الله

- ‌الكلمة السادسة والعشرون: شرح حديث: «حسب ابن آدم لقيمات»

- ‌الكلمة السابعة والعشرون: النصيحة

- ‌الكلمة الثامنة والعشرون: الميزان

- ‌الكلمة التاسعة والعشرون: مخالفات في لباس المرأة

- ‌الكلمة الثلاثون: الإيمان بالكرام الكاتبين

- ‌الكلمة الحادية والثلاثون: رضوان الله

- ‌الكلمة الثانية والثلاثون: تفسير سورة القارعة

- ‌الكلمة الثالثة والثلاثون: خطر الرافضة

- ‌الكلمة الرابعة والثلاثون: شرح اسم الله تعالى اللطيف

- ‌الكلمة الخامسة والثلاثون: إن من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌الكلمة السادسة والثلاثون: كفارات الذنوب

- ‌الكلمة السابعة والثلاثون: حكم الأسهم المختلطة

- ‌الكلمة الثامنة والثلاثون: الرفقة الصالحة

- ‌الكلمة التاسعة والثلاثون: نعمة العقل

- ‌الكلمة الأربعون: تفسير سورة الضحى

- ‌الكلمة الحادية والأربعون: فضل الصحابة

- ‌الكلمة الثانية والأربعون: خطر الاختلاط

- ‌الكلمة الثالثة والأربعون: قصة نبي الله يونس عليه السلام

- ‌الكلمة الرابعة والأربعون: سيرة طلحة بن عبيد الله

- ‌الكلمة الخامسة والأربعون: الخوف من الله

- ‌الكلمة السادسة والأربعون: دروس وعبر من قوله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَاد}

- ‌الكلمة السابعة والأربعون: أمراض القلوب

- ‌الكلمة الثامنة والأربعون: العشرة الزوجية

- ‌الكلمة التاسعة والأربعون: أضرار المخدرات والمسكرات

- ‌الكلمة الخمسون: دروس وعبر من قصة استشهاد الخليفة عمر

الفصل: ‌الكلمة العاشرة: فتنة الدنيا

‌الكلمة العاشرة: فتنة الدنيا

الحمدُ للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:

فمن الفتن العظيمة التي حذر اللَّه ورسوله منها: فتنة الدنيا، قال تعالى:{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا (45)} [الكهف].

وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَاّ مَتَاعُ الْغُرُور (20)} [الحديد].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ باللَّه من فتنة الدنيا.

فروى البخاري في صحيحه من حديث عمرو بن ميمون الأودي قال: كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات، كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ،

ص: 73

وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»

(1)

.

وقد نهى اللَّه نبيه صلى الله عليه وسلم عن التطلع إلى الدنيا وفتنتها، قال تعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 28]. وقال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)} [طه].

وبيَّن تعالى أن ما يعطيه الكفار من نعم الدنيا، إنما ذلك لهوان الدنيا عنده وحقارتها، وابتلاءً لهم وفتنةً، قال تعالى:{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُون (55)} [التوبة]. وقال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِين (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَاّ يَشْعُرُون (56)} [المؤمنون].

وقال تعالى: {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُون (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُون (34) وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِين (35)} [الزخرف].

روى الترمذي في سننه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ»

(2)

.

(1)

ص: 545، برقم 2822.

(2)

ص: 383، برقم 2320، قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه.

ص: 74

وروى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ (أي: جانِبَهُ)، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ (أي: صغير الأذنين) مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ:«أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ » فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ:«أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ » قَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ»

(1)

.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من فتنة الدنيا وزخرفها، فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»

(2)

.

قال الشافعي رحمه الله:

إن للَّه عباداً فُطنَا

تركوا الدنيا وخافوا الفِتنا

نَظَرُوا فيها فلمَّا علِمُوا

أنها ليست لِحَيٍّ وَطَنَا

جعلوها لُجةً واتخذُوا

صالِحَ الأعمالِ فيها سُفُنَا

وقال ابن أبي حصينة المعري:

أحلامُ نوم أو كظل زائلٍ

إن اللبيب بمثلها لا يُخْدَعُ

(1)

ص: 1187، برقم 2957.

(2)

ص: 762، برقم 4015، وصحيح مسلم ص: 1188، برقم 2961.

ص: 75

وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر الناس بُعدًا عن الدنيا وفتنتها، فروى الترمذي في سننه من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: نام النبي صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول اللَّه، لو اتخذنا لك وطاءً، فقال:«مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا؟ ! مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا»

(1)

.

وفي الصحيحين من حديث عمر: أنه رضي الله عنه صعد إلى مشربة النبي صلى الله عليه وسلم لما آلى صلى الله عليه وسلم من نسائه، فرآه على رمال حصير قد أثر بجنبه، فابتدرت عيناه بالبكاء وقال: يا رسول اللَّه هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت صفوة اللَّه من خلقه؛ وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم متكئًا، فجلس وقال:«أَوَ فِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ ! » ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» ، وفي رواية:«أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ؟ ! »

(2)

.

قال علي رضي الله عنه وهو يصف الدنيا -: أولها عناء وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب، من صح فيها أمن، ومن حرص ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها (أي سعى إليها) فتنته، ومن قعد عنها أتته، ومن نظر إليها أعمته، ومن نظر بها (أي اعتبر بها) بصَّرته، قال الشاعر أبو الحسن التهامي:

طُبِعَتْ على كدَرٍ وأنتَ تُريدُها

صَفواً مِنَ الأقذاءِ والأكْدارِ

(1)

ص: 389، برقم 2377، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

ص: 969، برقم 4913، وصحيح مسلم ص: 593، برقم 1479.

ص: 76

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بالتقلل من الدنيا وزينتها، فروى البخاري في صحيحه من حديث عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» ؛ وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: «إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك»

(1)

.

وكان الصحابة يأخذون بهذا التوجيه النبوي الكريم، فروى ابن ماجه في سننه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: اشتكى سلمان فعاده سعد فرآه يبكي، فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي? ! أليس قد صحبت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم? ! أليس? أليس؟ قال سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين ما أبكي ضنًّا للدنيا ولا كراهية للآخرة، ولكن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدًا فما أراني إلا قد تعديت، قال: وما عهد إليك؟ قال: عهد إليِّ أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب ولا أُراني إلا قد تعديت، قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهمًا من نفقة كانت عنده

(2)

.

والحمدُ للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

ص: 1232، برقم 6416.

(2)

ص: 444 برقم 4104، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه (2/ 392 - 393) برقم 3312.

ص: 77