الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة التاسعة: فتنة النساء
الحمدُ للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن من الفتن العظيمة التي يواجهها المسلم في هذه الحياة: فتنة النساء، وهذه الفتنة تواجهه في السوق وفي الطرقات وفي الأماكن العامة، وفي الجرائد والمجلات وفي وسائل الإعلام، قال تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب (14)} [آل عمران].
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من فتنة النساء، روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً، أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»
(1)
.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، فروى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ
(1)
ص: 1010، برقم 5096، وصحيح مسلم ص: 1095، برقم 2740.
كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ»
(1)
.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الصابر على هذه الفتنة: من السبعة الذين يظلهم اللَّه في ظله، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» ، وذكر منهم:«رَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ»
(2)
(3)
؛ قال تعالى - في هذا وأمثاله -: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَاوَى (41)} [النازعات].
وقدوة هذا الصابر على فتنة النساء: نبي اللَّه الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، قال تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ
(1)
ص: 1096، برقم 2742.
(2)
ص: 277، برقم 1423، وصحيح مسلم ص: 397، برقم 1031.
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي (3/ 122).
الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُون (23)} [يوسف]، بل إن يوسف عليه السلام آثر السجن على أن ينقاد لهذه الفتنة، قال تعالى:{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِين (33)} [يوسف]، قال ابن القيم:«وقد ذكر اللَّه سبحانه وتعالى عن يوسف الصِّدِّيق صلى الله عليه وسلم من العفاف أعظم ما يكون، فإن الداعي الذي اجتمع في حقه لم يجتمع في حق غيره، فإنه صلى الله عليه وسلم كان شابًّا والشباب مركب الشهوة، وكان عزبًا ليس عنده ما يعوضه، وكان غريبًا عن أهله ووطنه والمقيم بين أهله وأصحابه، يستحي منهم أن يعلموا به فيسقط من عيونهم، فإذا تغرب زال هذا المانع، وكان في صورة المملوك، والعبد لا يأنف مما يأنف منه الحر، وكانت المرأة ذات منصب وجمال؛ والداعي مع ذلك أقوى من داعي من ليس كذلك، وكانت هي المطالبة فيزول بذلك كلفة تعرض الرجل وطلبه وخوفه من عدم الإجابة، وزادت مع الطلب الرغبة التامة والمراودة التي يزول معها ظن الامتحان والاختبار لتعلم عفافه من فجوره، وكانت في محل سلطانها وبيتها بحيث تعرف وقت الإمكان ومكانه الذي لا تناله العيون، وزادت مع ذلك تغليق الأبواب لتأمن هجوم الداخل على بغتة، وأتته بالرغبة والرهبة، ومع هذا كله عفَّ للَّه ولم يطعها، وقدَّم حق اللَّه وحق سيدها على ذلك كله، وهذا أمر لو ابتلي به سواه لم يعلم كيف تكون حاله? »
(1)
.
قال الشاعر:
(1)
بدائع التفسير (2/ 445 - 446)
…
وإني لتنهاني خلائقُ أَرْبعُ
…
عن الفُحشِ فيها للكريم روادعُ
حياءٌ وإسلامٌ وشيبٌ وعفةٌ
…
وما المرءُ إلا ما حبتهُ الطبائِعُ
والصبر على هذه الفتنة وإيثار رضا اللَّه على هوى النفس: من أفضل الأعمال التي تقرب العبد إلى ربه، قال تعالى:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَاوَى (41)} [النازعات].
(1)
الحديث.
وقد أمر اللَّه المؤمنين الذين لم يستطيعوا النكاح بالصبر والعفة، قال تعالى:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور: 33].
ومن أسباب دفع فتنة النساء: غض البصر وحفظ الفرج والنكاح
(1)
ص: 413 برقم 2215، وصحيح مسلم ص: 1096 برقم 2743.
الحلال، قال تعالى:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون (30)} [النور].
روى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ - أي النكاح - فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ»
(1)
.
قال الشاعر:
كلُّ الحوادثِ مبدأها من النظرِ
…
ومعظمُ النارِ من مستصْغَرِ الشرَرِ
والمرءُ ما دام ذا عين يُقلبُهَا
…
فِي أعين الغيد موقوفٌ على الخَطَرِ
كم نظرةٍ فتكتْ في قلب صاحبِها
…
فَتْكَ السهام بلا قَوْسٍ ولا وَتَرِ
يسُرُّ ناظرُه ما ضرَّ خاطرَه
…
لا مرحباً بسرور عاد بالضرر
وقد جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجنة ثوابًا لمن حفظ فرجه، روى البخاري في صحيحه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ، أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ»
(2)
.
والحمدُ للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
ص: 1005 برقم 5066، وصحيح مسلم ص: 549 برقم 1400.
(2)
ص: 1243، برقم 6474.